إن إعطاء كل عمل من الأعمال التي نقوم بها حقه من الوقت و الجهد و التفكير اللازم، هو الذي يضمن لذلك العمل بلوغ أهدافه و غاياته، و تحقق مقاصده و نتائجه، و لا شك أن الدول و المجتمعات تعتمد أكثر ما تعتمد على هذا الالتزام الصارم في أداء الأعمال لتحقيق ما تصبوا إليه من تقدم و ازدهار و تطور، كما تحرص كل الحرص على أن تتم مراعاة البعد الإنساني في القيام بالأعمال خاصة في المؤسسات الخدمية التي يرتادها الجمهور و يضطرون للتعامل معها باستمرار، على اعتبار أن سوء تعامل هذه المؤسسات مع الجمهور يترك انطباعا سيئا عن الدولة لكون تلك المؤسسات تمثلها، و لذلك تفرض الدولة على هذه المؤسسات أن تضع دفتر احتجاجات تحت تصرف الجمهور لتستعين بما يسجل فيه من ملاحظات على تحسين مستوى الأداء و ترقية الخدمة المقدمة للجمهور بما يضمن رضاه عنها، فالجدية في تنفيذ العمل، و التحلي بحسن التعامل، هما أمران مطلوبان، خاصة إن كان هذا العمل يحتاج إلى هذه الروح الإنسانية بالذات ...كما هو الشأن في المشافي و دور الأيتام و رعاية الطفولة، و بيوت العجزة و المسنين، و التعامل باحترام و لباقة أمر مطلوب و مرغوب في كل المؤسسات الخدمية لأن ذلك يسم المجتمع بميسم التمدن و التحضر.
من المؤلم بمكان، أن يتحول هذا الإنسان البشري، إلى آلة جامدة باردة مجردة من كل المشاعر الدافئة و الرقيقة، عند التعامل مع الغير، خاصة في لحظات ضعفه و عجزه و احتياجه الشديد للمساعدة و العون، و غالبا ما يتسبب ذلك التجرد من المشاعر الإنسانية، لأخيه الذي ساقه المقدور إليه في مشاكل يتخبط فيها أينما توجه و ذهب...و تلك في الحقيقة أزمة حادة جدا نعيشها اليوم، خاصة في الدول التي تريد أن تنهض من كبوتها، و تتحرر من اعوجاجها الفكري. و الاجتماعي ...و الثقافي ... لتلتحق بركب الدولة المتقدمة...
إن التسيب و اللامبالاة اللذان نشكو منهما اليوم قد يوجدان في بعض المجتمعات الأخرى، غير أنهما بالنسبة لمجتمعنا تحولا إلى داء مزمن عضال، بات يشكل تهديدا خطيرا على حياة الأفراد و ممتلكاتهم و أمنهم النفسي، فالتسيب و اللامبالاة في مؤسساتنا الصحية كانا وراء العديد من الأخطاء الطبية التي تسببت للبعض في عاهات مستديمة و الموت بالنسبة للبعض الآخر، و هما المسؤلان كذلك عن تفاقم أزمة السكن، و تردي التعليم، و التخلف الاقتصادي، و استشراء الفساد، و ما كان هذا التسيب و اللامبالاة المهيمنين على سلوكنا ليفرضا نفسيهما على مجتمعنا، و يتسببا له في كل هذه الكوارث التي أضرت باقتصاده و أمنه الاجتماعي، لو أننا اعتمدنا أسلوب المراقبة و المحاسبة و طبقنا القاعدة التي تقي بضرورة مكافأة المحسين على إحسانه و معاقبة المسيء على إساءته، و اهتما كل الاهتمام بالتركيز في تربيتنا لأبنائنا في البيت و المدرسة ،على تنمية الضمير الإنساني لديهم و الارتقاء به، و ذلك بالتركيز على التربية الدينية و الأخلاقية، ليتولى هو بعد ذلك توجيههم إلى السلوك الإيجابي الذي يسمو بهم و يرقى بمجتمعهم...