لقد انتقل الزمان بنا إلى قرن التكنولوجيا و الفتوحات العلمية و الاقتصادات القوية و نحن ما نزال نـئن تحت وطأة نفس المشاكل، و نتردى في هاوية نفس الأخطاء و الهفوات، و نعيش رهائن حسابات شخصية أنانية فارغة، في حين أن الأمم المتحضرة تخطط لآفاق أوسع في هذا العصر الذي تحوَّل العالم فيه إلى قرية صغيرة..!
إن بناء بكلِّ رِيعٍ المصانع و المنشآت و غيرها يجب أن يوازي تنمية و إعداد الإنسان الجزائري القوي الأمين و الحفيظ العليم، فإن المؤسسات الثقيلة و الخفيفة لا تسيِّر نفسها بنفسها، فهي لا تملك لذاتها ضرا و لا نفعا، و إنما يُسيِّرها ذووا الأيد و الأبصار من الأناسي النامين فكريا و روحيا كما أُمروا، و المالكين للضمير المحصن الذي يهديهم إلى سواء السبيل...و لا يُرجى البناء أبدا ممن اتخذ إلهه هواه، و مذهبه الهدم..!
إن المحاباة في تقليد المسؤوليات شيء مردود، و غير مقبول، فالنبي – صلى الله عليه و سلم – علمنا أن الأمانة تُعرض على المؤهلين (نفسيا و فكريا) ليوفقوا في تحملها، فقد جاءه صادق اللهجة، أبو ذر الغفاري – رضي الله عنه-،طالبا منه أن يقلده مسؤولية، كما قلّد غيره، فتبسم النبي – صلى الله عليه و سلم-، و قال له فيما رُوي عنه:" يا أبا ذر إنك امرئ ضعيف، و إنها أمانة، و خزي و ندامة، يوم القيامة ". و في رواية مسلم أن النبي - صلى الله عليه و سلم - قال له:" يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، و إني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأَمَّرنَّ على اثْنينِ، و لا تَوّلّيَنَّ مال اليتيم".
إن الجزائر للأسف تعيش أزمات خانقة في مجالات عدة، و أزمة "الإنسان" من أكبر المشكلات التي نذهل عنها، إذ حبى الله الجزائر من الطاقات البشرية و المادية في البر و البحر، و غيرها من النعم الظاهرة و الباطنة التي تؤهلها لتكون من أرقى الدول و تتبوأ المراتب الأولى في مصف الأمم القوية، و لكننا فشلنا، سلطة و شعبا، في تحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي في عيشنا، و هذا ما فتح الباب واسعا لأسباب الفتن و القلاقل و الثورات التي يسعى خصومنا للاستثمار فيها عبر وكلائهم من أبناء جلدتنا...
بعضهم في السلطة و في المجتمع المدني يعولون على "فوبيا العشرية الحمراء" لفرملة المتحمسين، من أبناء شعبنا، عن الثورة ضد ما نحياه من أوضاع أقل ما يقال عنها، أوضاع غير محتملة، و هذا أمر في منتهى الخطورة، لأن الأحوال تتبدل، و الأجيال تتغير، و المتربصين ينتظرون الفرصة لإذكاء نار الفتنة، و لهذا آن الأوان ليتحرك العلماء و الحكماء و الوطنيون و الغيورون من مختلف المشارب و التوجهات و يصطفوا في سبيل واحد من أجل توجيه رسالة حكيمة، بعيدا عن البزنسة السياسية، لربان السفينة في الوطن لنقف بعض الوقت لمراجعة مشروعنا الوطني العام و الخروج بحلول حقيقية تنقذنا من التيه الذي نعيشه في أغلب المجالات...
و في نفس الوقت لا بد أن يدرك أبناء الجزائر أن أي سلطة ليست هي الدولة، فالدولة بمؤسساتها و شعبها أكبر من السلطة التي هي معرضة للتغيير و التبديل، أما الدولة فتبقى بإذن الله ما بقي الشعب و مؤسساته السيادية، و السعي في إفساد مؤسسات الدولة العامة و الخاصة لا يضر السلطة بقدر ما يضر الشعب، و الفوضى لن يذوق ويلاتها إلا البسطاء...
كلنا نتفق أننا ضد الفساد و الظلم و المحسوبية، و لكن من الحكمة أن نعبر عن رفضنا استمرار تردي أوضاعنا الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية بالطرق الحضارية و السلمية من دون تعطيل لمصالح الناس و إضرار بمصالح الوطن...و على السلطة أن تعتبر بغيرها قبل أن تصبح عبرة للآخرين فتصحح المسار قبل خراب الدار...
الرابط : http://www1.albassair.org/modules.php?name=News&file=article&sid=5079