(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 25 نيسان/أبريل 2019 11:31

ريّ من السماء

كتبه  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ارتفعت شمس الصحراء و ازدادت لهيبا، و نفثت نسائمها الحارّة في كل اتجاه، و تلفتت المرأة المسافرة في هذا اليوم اللاهب حولها، تبحث عن شجيرة سمّر أو أي شيء له ظل في تلك الصحراء المترامية، لعلها تستظل من هذا الفيح الحارق، و لكنها لم تجد شيئا، و مدّت يدها إلى متاعها القليل الذي تحمله، و بحثت عن سقاء الماء علّها تجد فيه ما يروي ظمأها فوجدته خاليا جافا، فمضت تجرّ قدميها و قد أضناها المسير، و الهب جوفها العطش، و هي صابرة محتسبة، ذاكرة شاكرة، لا هم لها إلّا ان يقبل الله عملها الذي هي فيه، و قد توجهت إليه سبحانه بالدعاء أن يقبل منها و يبلّغها وجهتها و لم تكد تفيق من مناجاتها تلك، إلّا و دلو من الماء معلّق بين السماء و الأرض، فشربت حتى ارتوت، و قد ازدادت شكرا و حمدا و يقينا واحتسابا و ثقة برب العزة سبحانه و تعالى.
لم تكن تلك المراة الّا {بركة} حاضنة رسول الله صلى الله عليه و سلم التي تكنى {أم أيمن} و قد هاجرت لحاقا بمن سبقها من المهاجرين إلى المدينة المنورة فرارا بدينها، خشية ان تفتن عنه فتخسر الدنيا و الآخرة و ما كانت تلك أول هجرة لها، بل هاجرت قبل ذلك إلى الحبشة، و قد القى بها البحر إلى الحبشة موطن أجدادها الذين جلبوا عبيدا، يباعون سلعة في زمن كان الإنسان فيه يسلب حريته و كرامته و ولده، وفق قانون الجاهلية الجائر الأعمى، و هي عادت حين عادت إلى ذلك البلد تحمل في قلبها الحرية و التوحيد و العزة، حتى و إن كانت تعيش حالة الهجرة و الفرار، فما وجدته في دين الله أرحب و أعظم و أسمى من أن تضحي به لقاء أي ثمن عظيم، و لم تلبث أن رجعت مع من رجع من المهاجرين، و ظلت تعاني العذاب معهم حتى أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة المنورة ليبدأ عهد الدولة العادلة التي ظلت على مدى الزمان مثلا لكل من يطلب دولة العدل و رحمة السلطان، وأخوة الامة و انتصارها وها هي تهاجر اليوم إلى يثرب مرة أخرى، تحمل كنزها في قلبها، وحيدة ليس معها إلّا ربها و كفى به وكيلا، لتقول لكل امرأة مسلمة مرّت بعدها على أديم الارض : لا يغرنّك كونك امرأة ضعيفة، فيقعدك هذا الشعور عن الانتصار لدينك و ربك، فهي و الله ميزة عظيمة أن تكوني امرأة تصنع الرجال و تعدهم لمستقبل دينهم و أمتهم، و باب الله أمامك مفتوح، لا يملك احد أن يغلقه دونك.
و مضت أم أيمن في طريقها و قد ارتوت بتلك الشربة التي اكرمها بها ربها، و مرّت بذاكرتها تلك الايام التي عايشت فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم، حين كانت جارية لأبيه و أمّه قبل مولده صلى الله عليه و سلّم، كيف احتضنته طفلا وأعانت أمه في العناية به، ومناداته لها {يا أماه }حتى وفاته صلى الله عليه و سلم، وطاف بخاطرها كرمه و حنوّه عليها، وعتقه إيّاها بعد زواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها، و تزويجه إياها من زيد بن حارثة رضي الله عنه، و قد سمع زيد رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :{من سرّه أن يتزوج امراة من أهل الجنّة فليتزوّج أم أيمن } و يسارع زيد للزواج منها و تنجب له أسامة بن زيد حبّ رسول الله صلى الله عليه و سلم و ابن حبّه، و هي التي آمنت بدعوة النبي صلى الله عليه و سلّم حالما عرفت أنه بعث رسولا هاديا، فوجدت بركة في دينه ما تتمناه كل نفس شقية من السعادة، وكلّ ما تتمناه الارواح المقيّدة من الحريّة،و ما تتوق إليه القلوب الطيّبة من الرحمة و التيسير، والعدالة و الدين الحق الذي تقبله العقول و القلوب، فتكون من أوائل مسلمي بيت النبي صلى الله عليه  و سلم و تصل {بركة} إلى المدينة، وتبدأ رحلة الجهاد في ميادين البطولة، و تصاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم في كل غزواته، تسقي و تداوي و تعلي الروح المعنوية لجند يقدمون أرواحهم رخيصة إعلاء لكلمة الله، و ها هي تحثو التراب في وجه من فرّ يوم أحد و تقول {إليك المغزل فاغزل به و أعطني سيفك }و حملت السيف حتى اطمانت على سلامة النبي صلى الله عليه و سلم. 
و يستشهد زوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه في غزوة مؤتة، فتصبر و تحتسب، و تفتح مكة و تتلو الفتح غزوة حنين و أم أيمن مع الجند  و ولدها ايمن مع من ثبت إلى جوار المصطفى صلى الله عليه و سلم، فيستشهد صابرا مقبلا غير مدبر و تحتسبه ام أيمن شهيدا عند الله، يشرفها يوم العرض على ربها، و لقد صانت ام ايمن لسانه في حادثة الإفك و شهدت بما عرفته عن الطيبة الطاهرة، عائشة ام المؤمنين، حين سألها النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك فقالت :حاشا سمعي و بصري أن أكون علمت أو ظننت بها إلا خيراً}
كانت امة حبشية مسترقّة فمن ّعليها النبيّ صلى الله عليه و سلم بالحرية، و كانت فقيرة معدمة، وحيدة فعوضها الله زوجا صالحا و ذرية طيبة، ويتم فرحها و سرورها بصلاحهم حين يكلف رسول الله صلى الله عليه و سلم بقيادة الجيش المبعوث إلى بلاد الشام، و لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، فقد كان أسامة بن زيد بن حارثة الذي ظل ابنا لرسول الله صلى الله عليه و سلم بالتبني حتى نزلت آية تحريم التبني، فصار يدعى حبّ رسول الله، و ابن ام أيمن التي قال عنها النبي صلى الله عليه و سلم:ام ايمن أمي بعد أمي، فهو أهل لثقة الرسول القائد الذي عرف أسامة و نشأته و بأسه و قدرته و تربيته الصالحة الصلبة الجهادية، فيأتمنه على بعث الشام و التحق الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلّم بالرفيق الأعلى و بكته أم أيمن بقلب الأم المفارقة، و قلب المسلمة الحزينة، و دخل عليها الصديق و الفاروق فإذا هي تبكي، فقالا :ما يبكيك فقالت: 
: أني لأعلم ان الرسول صلى الله عليه و سلم سار إلى خير مما كان فيه و لكن أبكي لخبر السماء انقطع عنا فجعلا يبكيان معها.
لقد أشفقت أم أيمن على أمة الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم و انقطاع الوحي، مخافة أن ينقطع الخير و النور عنها، فما كانت أم أيمن لتقول و هي ترى أمة محمد اليوم يعرض بعضها عن هديه و يتبع سنة الأمم الضالة بهذه الدعوى أو تلك؟ أو حين ترى بعض النساء المسلمات، يتطلعن إلى ما يطرحه الغرب من سموم فكرية ظنا منهن أن فيها الحرية و الكرام و هن واهمات ؟ ألا فلتنظري أيتها المسلمة إلى تلك الأمة الضعيفة المحرومة المسترقّة، كيف صارت بالإسلام حرّة النفس و الفكر و العقيدة، كريمة مجاهدة فاعلة في مجتمعها و أمّتها و قد أخرجها الإسلام من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد
{ربنا هب لنا من أزواجنا و ذريّاتنا قرّة أعين و اجعلنا للمتقين إماما}

الرابط : https://www.sarayanews.com/article/515846

قراءة 1667 مرات آخر تعديل على الخميس, 02 أيار 2019 07:40