قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 02 أيار 2019 12:30

في رحاب الثقة بالله

كتبه  الأستاذ عبد العزيز كحيل
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ليست علاقة المؤمن بربه علاقة حسيَّةً كشأن اليهود، و لا نفعية كشأن التجّار؛ إنما هي صلة المخلوق المتصف بالجهل و الفقر و العجز - رغم علمه و غناه و قوته - بخالقه الذي جمع لذاته العليَّة صفات الجمال و الجلال و الكمال، و اختص بمنتهى العلم و الغنى و القدرة، عنده منتهى الرحمة و العدل و المغفرة و هو - بالإضافة إلى كونه الخالقَ الرازق - صاحب الملك الواسع كما أنه صاحب التدبير لكل شيء:

 ﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 83].

 ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ﴾ [السجدة: 5].

 ﴿ وَ يَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَ لَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَ لَا رَطْبٍ وَ لَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

و من شأن هذه الصفات أن تورث المؤمن الثقة الكاملة بربه، و هو على وعي تامٍّ بذاته و مُحيطه و ظروف الزمان و المكان، يعلم أنه سيكون للصبر ثمرة، و أن الشر لن يمرَّ بلا رادع، و أن الجريمة لن تُفلت من العقاب، فله - سبحانه و تعالى - حكمة في كل شيء، حتى ما نراه بسبب حجاب المعاصرة مكروهًا و سوءًا، له حكمة في المرض و الألم و المعاناة و القُبح - فضلاً عن الجمال - و الفشل و استفحال الباطل ردحًا من الزمن؛ أي: إن الثقة بالله ليست تغييبًا لوعي الإنسان، و لا هي تحليق به في الخيال أو التاريخ الغابر، إنما هي شعور واعٍ بحجمٍ و قدراتٍ ضخمة يستمدُّه من إيمانه العميق البصير ليَبني الحياة في نفسه و من حوله، و تشتمل هذه الثقة على عدة معانٍ إيمانية تزكي النفس و تَصقلُها و تمدها بأسباب القوة و التحمُّل و الثبات؛ كالتفويض، و التسليم، و التوكُّل، و الرضا، و كلها تدور حول اتجاه القلب و العقل إلى الله بالعبودية، و إلى الحياة بالعمل و الإنجاز؛ لأنها تورث الطمأنينة و الراحة النفسية لاقتناعها الواثق بشمول قدرة الله و علمه و حكمته و رحمته، و ذلك يعني الثقة بوعد الله الذي لا يخلف، و نصره المحتوم للمؤمنين و دفاعه عنهم، و أنه يُملي للظالمين ما شاء له أن يُملي ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر في الدنيا قبل الآخرة فيخلِّص الناس مِن فراعنة كل زمان و يطوي صفحة المستبدِّين.

و تمتد هذه الثقة أيضًا إلى ما تكفَّل به الله من الرزق لخلقه و ضمانه لهم:

 ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58].

 ﴿ وَ مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، و قد أكد الضمان بالقَسَم؛ ﴿ وَ فِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23].

و هذه حقائق لا تُصلح الفرد فحسب، بل هي منهج إيماني فريد لإصلاح الأمة و البشرية لو أخذت به، فلو اقتنع الناس بهذه الثوابت و استمدوا منها تصوَّرهم للحياة، لتغيرت هذه الحياة، و إنما حجبهم عنها طغيان المادة و استواؤها على النفوس و الرؤى و البرامج التعليمية و الاجتماعية، فوثق الناس في المادة و الأمور المحسوسة، و تغافَلَ أكثرُهم عن الإيمان و القيَم التي تصنع الثقة بالله، أما العارفون فيرون فيها صيدلية تستمد أدويتها المعروضة من كلمة التوحيد و الإخلاص فلا يَستعصي عليها مرض، و هي تحرِّر الإنسان من الأغلال و من جميع العبوديات الباطلة، كما أنها مفتاح للطاقة المكنوزة في داخله، يحس بفضل هذا أنه ليس وحده أمام واقعه الصعب، و لكن تحفُّه العناية الإلهية من كل جانب.

و هذه الثقة بالله صفة ملازمة للمؤمنين في جميع أحوالهم، في حال السعة و الضيق و الرفاهية و الشدة، و تظهر آثارها في واقع المؤمنين و حركتهم و تصرفاتهم في حال الأزمات الخانقة و المنعطفات المحيِّرة، و هي تتراءى في عدد من المواقف البارزة، ذكر القرآن شيئًا منها:

 أم موسى عليه السلام: ﴿ وَ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لَا تَخَافِي وَ لَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7].

بادرت المرأة الربانية إلى تنفيذ ما خطر ببالها و أُلقيَ في رُوعها، رغم قسوة مفارقة ابنها الرضيع - من جهة - و رمْيه في البحر أو النهر - من جهة أخرى - و إنه لمن الصعب إقناع أي أمٍّ بمثْل هذا مهما صاحَبَه منِ وعود مستقبلية، لكن ثقتها بالله غلبت التردُّد.

 موسى عليه السلام: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62].

و هذا موقف آخر عصيب، فالبحر يحول بين الفارِّين من مصر و الضفة المقابلة، و عدوهم الذي يطاردهم يوشك أن يلحق بهم، فلم يبقَ بحسب الموازين البشرية أمل في النجاة، لكن نبي الله أنطقته ثقته التامة في ربه، فتجاوز المعايير الأرضية إلى الاعتماد على المقاييس السماوية فلم يخبْ ظنه و جاء الفرَج من حيث لا ينتظر البشر، و استشعار موسى لمعيَّة الله دليل الثقة و مقصدها و عمادها.

و وردت في السنة النبوية وقائع و أخبار مماثِلة:

 روى البخاري ومسلم قصة اختباء الرسول صلى الله عليه و سلم و أبي بكر رضي الله عنه في الغار و هما في طريق الهجرة و دنوِّ ملاحقيهم منهما بشكل ينذر بالخطر، و تضايقِ الصديق من ذلك و خوفِه على الرسول و الرسالة، فطمأنه بقوله: ((ما ظنُّك باثنين الله ثالثُهما؟!)) و هي عبارة مفعمة بالثقة بالله مهما بدا الظرف بلا مخرج و لا أمل.

 و روى البخاري قصة هاجر و قد ترَكها زوجها إبراهيم مع ابنها الرضيع بأرض قفار لا أثر فيها للحياة، و قفل راجعًا و هي تتبعه متعجبة من صنيعه الغريب؛ إذ كيف يُسلم إنسان امرأته و ابنه المولود إلى الموت البطيء المحقَّق؟! و عندما التزم الصمت انتبهت إلى السر فسألته: آلله أمرك بهذا؟ فأشار أن نعم، فقالت: إذًا لا يُضيِّعَنا.

أي جرعة من الثقة بالله تشرَّبتها المرأة المؤمنة؟! و أي رصيد من الإيمان اكتسبته لتطمئنَّ إلى خيار يبدو في ميزان الناس عينَ المغامرة المهلكة؟ لكن هل الثقة بالله سوى المُخاطَرة و الإقدام و المغامرة التي تقوِّي الذات و لا تدمّرها؛ لأنها تنقلها من التواكل إلى التوكل، و تُشعِرها أنها تستمد قدرتها من قدرة الله و فعلها من فعله، و الله هو الفعّال لما يريد.

مثل هذه المعاني جعلت العارف بالله أبا حازم - رحمه الله - يجيب مَن سأله: ما مالُك؟ بقوله: ثقتي بالله، و إياسي مما في أيدي الناس.

و الثقة بالله تمنَح الثقة بالنفس فتكون نفسًا رضيَّة إيجابية تتمتع بالحيوية و لا تستسلم أمام الصعاب و العراقيل، بل تحوِّل حتى الإخفاق إلى رصيد من التجربة يجعل صاحبه يصحِّح الأخطاء و يتلمَّس طرقًا أخرى، و لا يعبأ بالمُنتقِدين و المستهزئين، بل يستمر في البذل لإخراج أقصى و أحسن ما يَملكه من قدرات و كفاءات و إمكانات.

و ليس هذا الخلُق الكريم من صفات الأفراد وحدهم؛ بل تتَّصف به الأمة - و بالأخص نخبتُها القيادية في مجالات الدعوة و الفكر و السياسة و الإصلاح - و بغيره لن تكون أهلاً لمهمَّة الشهود الحضاري، فهو يُمكِّنها من التمسُّك بدينها و قرآنها و سنّة نبيِّها و شخصيتها رغم حملات التشكيك و التغريب، و به تُستسهَل الصعاب في طريق البعث الإيماني و لا تَسحقها التحديات الجسام، خاصة في أزمنة الفتن الداخلية و الخارجية، و استفحال الكفْر المتبجِّح و النفاق الجماعي، و انتشار أفكار الهدم و التحريف باسم العقلية النقدية و المَنطق الديكارتي، و التضييق العالمي على التديُّن عامة، و على الإسلام و أهله بصفة خاصة، هنا يبرز للعِيان يقين المؤمنين و إيمان الموقنين لترجيح كفَّة الخير و الأخلاق، و تحقيق المقاصد و الغايات، فالثقة بالله تجعل الأحلام المستحيلة حقيقة، و تفتح لأفراح الغد مجالاً واسعًا لا يتصوَّره من هم أسرى الواقعية المفرطة المنقطعة عن الإيمان.

 


قراءة 1131 مرات آخر تعديل على الخميس, 09 أيار 2019 09:19

أضف تعليق


كود امني
تحديث