(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأربعاء, 24 حزيران/يونيو 2020 04:26

ربنا العزيز

كتبه  الأستاذة كريمة عمراوي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الدين هو قوة في كل شيء، قوة في العقل، قوة في البدن، قوة في العلم.

ما هي العزّة في اللغة ؟ هي الكمال و الغلبة، و الجلال و الشرف، و القوة و القهر و الرفعة و المنعة، و العزيز أيضا هو منقطع النظير، الذي يصعب مناله، و وجود مثله.

لكن ما هو المعنى الشرعي للعزيز ؟ الله جل جلاله هو العزيز الذي لا أعزّ منه على الإطلاق، له جميع معاني العزّة، وصفا و ملكا، في أسمى معانيها، و أعلى كمالها، قال عزّ و جل : ( إنّ العزّة لله جميعا) يونس 65.

قال تعالى : (و إنّ ربك لهو العزيز الرحيم) الشعراء، تكرر هذا الاقتران في هذه السورة بعد ختم قصص الأنبياء مع أممهم ثماني مرات، ليدل على مزيد من صفات الكمال و العلا، التي منها : أنّ ما قدره الله لأنبيائه من النصر، و التأييد، و الرفعة، هو من أثار رحمته التي اختصهم بها، و ما قدره الله عزّ و جل لأعدائهم من الخذلان و العقوبة من آثار عزّته، فنصر رسله و نجاهم برحمته، و انتقم من أعدائه فأهلكهم بعزته، فدّل على أن ما حكم به تعالى بين الرسل و أتباعهم، صادر عن عزّة و رحمة، و أنّه تعالى من كماله و عظيم شأنه، أنّه سبحانه عزيز في رحمته، رحيم في عزّته، و هذا هو أعلى الكمال، العزّة مع الرحمة، و الرحمة مع العزّة، فهو رحيم بلا ضعف و لا ذلّة، هذا الاسم الكريم يورث العبد العزّة في دين الله تعالى، و إن هذه العزّة تعلوا في اتباع أمره تعالى، و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم، و السير مع الصالحين من عباده، فإنه تعالى كتبها له، و لحزبه، قال الله عزّ جل : ( و لله العزّة و لرسوله و للمؤمنين و لكن المنافقين لا يعلمون ) المنافقون.

فمن أراد العزة في الدنيا و الأخرة فيطلبها من الله تعالى وحده، قال عزّ و جل : ( من كان يريد العزة فلله العزّة جميعا) فاطر 10. و لا تكون إلاّ بطاعته و اتباع أمره.

الذي ينبغي أن يكون في القلب هو الله تعالى، يعرض المسلم عن المخلوق إلى الخالق، عن المربوب إلى الرب، عن الضعيف إلى القوي، عن الذي لا ينفع و لا يضر، إلى الذي ينفع و يضر. الذي لا يفرق بين الأمور فهو غير مميز، كلما قوي العقل، كلما كانت له قدرة على التمييز، حتى في المجلس الواحد، يفرق بين الناس و ينزل الأحكام على أصناف الناس، الطفل الصغير لا يميّز حتى ينموا عقله.

إذا نظر إلى المخلوقات، و يسعى في جمع المتفرق يتشتت قلبه، و يسعى في إرضائها، لكن إذا أعرض عن المخلوقات بعد مشاهدتها أعرض عن المربوب إلى الرب يميّز، ثم ينظر إلى ما ينفع و يفرق بين الناس، الإنسان إذا طلب ربه، و اجتمع قلبه على الله أعرض عن هذه المخلوقات بعد أن شاهدها، اجتمع قلبه على توحيد الله و عبادته، لا يشتغل بالمخلوقات و الشاهد حديث النبي صلى الله عليه و سلم : ( من أصبح و همّه الدنيا شتت الله عليه أمره و فرّق عليه ضيعته و جعل فقره بين عينيه و لم يأته من الدنيا إلاّ ما كتب له، و من أصبح و همّه الآخرة جمع الله له همه و حفظ عليه ضيعته و جعل غناه في قلبه و أتته الدنيا و هي راغمة ) رواه زيد بن ثابت بإسناد جيد، جاءته الدنيا و هي راغمة لأنه طلبها بأقوى سبب، و أما من أصبح و الدنيا أكبر همّه تفرّق عليه أمره و جهده و وقته و أصابه عدم التوفيق، و بعد هذه التفرقة يحصل له اضطراب، إذ يطلب الكثير و يرضي الكثير، و يكون نتيجة ذلك عدم التوفيق، يبذل الأوقات في طلب الناس، و إرضائهم.

ثم بعد ذلك الفرق الثاني بين الخالق و المخلوقات، و هو أنّ المخلوقات مدبرة، و أنها في قبضة الله، بعد ذلك يطلب ربه، و هذا هو تحقيق شهادة لا إله إلا الله، المخلوقات موجودة، لكن ليس فيها شيء من النفع و الضر و إنما هي مربوبة مخلوقة، فقر الإنسان في كل شيء حتى في ملبسه و مأكله، فكيف بمنفعته لغيره، ثم يفكر من بيده الأمر، من بيده مقاليد الأمور، فينصرف إلى ربه، فهنا يفرق بين الخالق و المخلوق، و يكون حرا عزيزا لا يفتقر و لا يذل لأحد غير الله العزيز،

يتحرر من تعلقه بالدنيا، بالراتب الشهري، بالصور، بالذين يعظمهم من المخلوقات، المتوكل على الله هو الذي عمل أعظم الأسباب و غيره منصرفون إلى المخلوقين، النبي صلى الله عليه و سلم يخاطون المخلوقين بأبدانهم لكن قلوبهم معلقة بالله العزيز، و يأبى الله عزّ و جل أن تكون الرفعة و التمكين في الأرض و إقبال الناس على الرجل إلاّ لأهل السنة و الاستقامة، أما أن تكون في فترة من الفترات فنعم، فإذ للباطل جولة، و لكن العاقبة للمتقين، العاقل يحسب لهذه الأمور حسابها، لأن الله عزيز، هذا الدين لا يبنى على الرئاسة و مكانة الرجل، و لكن يبنى على الدليل، إذا جاء الدليل قبل و لو من صغير في السن، و من جاء بالباطل و لو كان كبيرا فهو باطل، و لو كان عظيما، و لو كان و لو كان شيخا كبيرا.

استغناء القلب عن جميع المخلوقات لا يكون إلا إذا استعان بالغني الحميد، و لهذا من توكل على الله فهو حسبه و من توكل عليه فهو من أقوى الناس، و من توكل على المخلوقين فهو أضعف الناس، و له لذة في النفس، و انشراح في الصدر كما فيه ( أي التوكل ) غنية و كفاية، و قوة في اليقين و العلم و لهذا من توكل على الله فهو حسبه، و من توكل على شيء وكل إليه. كل يستنصر بما يعظم، فمن نصره الله فلا غالب له، و من أعزّه الله فلا مذّل له، و من استغنى بالله فهو من أعز الخلق، و من أذل الله فلا معزّ له، و العز قد يكون في الظاهر، كم من عزيز في الظاهر هو ذليل عند الله و عند الناس، و كم من ذليل في الظاهر هو عزيز عند الله و عند الناس، و الموفق من وفقه الله العزيز.

قراءة 796 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 24 حزيران/يونيو 2020 05:52