كثيرون هم الذين أوتوا ذكاء و لم يؤتوا زكاء كما قال ابن تيمية رحمه الله، و هؤلاء الذين لم يعملوا بعلمهم و انصرفوا عنه هم أشدّ على الدين من الجهلة. و فيهم شبه باليهود الذين لم ينفعهم العلم الذي كان عندهم ، فتنة هذه الأمّة إمّا من عابد جاهل أو عالم فاجر ، لأنّ العالم الفاجر قد يفتي النّاس بالذب أو بما عنده من الهوى.
علينا أن نقيس الرجال بالمقاييس الصحيحة. العبرة ليست بالألقاب. العبرة بما عليه الرجل من تقوى وصلاح.
أمّا قوة المال و الجاه فقد وصف الله لنا حال أصحابها بدقة في قوله عزّ وجل ( و كذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلاّ قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّة و إنّا على آثارهم مقتدون) فإنّ المخالفة للرسل تكثر في أهل الترف ، قال تعالى (إنّ الإنسان ليطغى ، أن رآه استغنى) فهم بما في أيديهم أهل طغيان.
الحرص على النجاح واكتساب القوة و إهمال الصلاح هو من آثار العولمة هي من تسربات الثقافة الغربية إلى البيئة الإسلامية و وعي الأمّة الآن محتل بهذه الثقافة.
فالغرب عندهم اغترار بالدنيا مثلهم مثل أهل الجاهلية ,يظنّون أن من أتاه الله الأموال و الجاه و الأبناء فهو راض عنه . بينما دليل رضى الله عزّ و جل توفيقه لعبده للهداية و الإقبال على الدّين و الطاعة.
وقد فطن لذلك بعض عقلاء الغرب مثل المؤرّخ المشهور" أرنولد توينبي" هو أيضا عالم اقتصاد ، درس في "أكسفورد له مؤلفات عديدة في التاريخ و هي 12 مجلد ، و كتاب "الحضارة في الميزان" قال:"إنّ الأزمة التي يعاني منها الأوروبيون في العصر الحديث ترجع في أساسها إلى القحط الروحي، و أنّ العلاج الأمثل و الوحيد لهذا التمزق الذي يعانون منه هو الرجوع إلى الدين، لأنّ ما عندهم من فلسفات لم تفدهم في شيء و إنّما جلبت لهم القلق و التمزق. فطغيان الحياة المادية، و انتشار الفساد الأخلاقي، و إغفال الجانب الروحي هو الذي حرم الإنسان من الحياة الهادئة المطمئنّة و سلب منه الراحة و السعادة".