قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 25 شباط/فبراير 2021 19:29

الإسلام في أمريكا.. رحلة الإسلام في شمال القارة الأمريكية

كتبه  د. ليلى حمدان
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أمريكا الأرض الجديدة، موطن الأحلام لكثيرٍ من شباب المسلمين، أينما يذكر اسمها تذكر الحروب والتدخلات العسكرية والحصار والعقوبات، وتذكر الزعامة على النظام الدولي باسم الولايات المتحدة التي تشغل وجارتها كندا شمال القارة الأمريكية. لقد عرف هذا الجزء من العالم تحولات كبرى وأحداث مصيرية، وكان الحضور الإسلامي فيه معلمًا بارزًا وحلقةً متصلةً بتاريخه وحاضره في شمال القارة الأمريكية كما في وسطها وجنوبها وهو ما سنسبر أغواره في دراستنا لرحلة الإسلام في أمريكا.

لولايات المتحدة الأمريكية اسم بدأ بالظهور بعد احتلال القوى الأوروبية لبلاد الهنود الحمر، السكان الأصليين لقارة أمريكا، حيث أقام الاحتلال البريطاني مستعمرات له على أرضهم، وكانت أولها جيمستاون في فرجينيا في عام 1016هـ (1607م)، ولم يتجاوز عدد السكان فيها المئة بعد 13 عام من تأسيسها، وفي عام 1039هـ (1630م) تم تأسيس مستعمرة ثانية في المكان الذي تقع فيه بوسطن اليوم ولم يتجاوز عدد سكانها آنذاك الألف نسمة.

لكن الاحتلال الأوروبي فتح باب الهجرة للأراضي الجديدة وازدادت معه أعداد المستعمرات وكثافتها السكانية، ومع أن المحطة الجديدة كانت بالنسبة لبعض الأوروبيين المضطهدين ملجأ ومأوى إلا أن ذلك كان على حساب اضطهاد الهنود الحمر لدرجة تمت معها إبادتهم في معظم مناطق سكناهم، وشهدت هذه المرحلة إسراف آلة القتل الأوروبية في تسطير المجازر تلو المجازر حتى لم يتبق من الهنود الحمر إلا قلة قليلة، وأضحت قصص تعذيبهم وقتلهم والمثلة بأجسادهم صفحة سوداء في تاريخ هذه المنطقة.

ولم تسمح هذه المستعمرات باستقبال أجناس من أصول غير أوروبية، ثم جيء بالأفارقة عبيدًا تسوسهم سلاسل الاحتلال، بعد اقتيادهم قسرًا من سواحل بلادهم في القارة السمراء ليحرموا حريّتهم وأهاليهم وأوطانهم بعنصرية الأوروبيين الذين عمدوا لتنصيرهم موظفين في ذلك أقبح الأساليب.

وفي عام 1188هـ (1774م) بلغ تعداد السكان في المستعمرات البريطانية 3 ملايين نسمة، فتنامت الرغبة في الانفصال عن بريطانيا، وتحولت الرغبة لثورة عارمة وحرب ضروس، حتى تكللت بالاستقلال في عام 1190هـ (1776م)، وهو الاستقلال الذي رفضت بريطانيا الاعتراف به ثم أذعنت له في عام 1196هـ (1782م).

كانت بداية هذه الدولة الجديدة ضعيفة، ويسجل التاريخ في عام 1209هـ (1795م)، دفع الأمريكيين لغرامة بقيمة 800 ألف دولار للجزائر وتونس، وجزية سنوية بـ 25 ألف دولار، للسماح لها بحرية الملاحة في الأطلسي لكنها شهدت بعد هذا الضعف صعودًا.

ووصل عدد الولايات الأمريكية في عام 1204هـ (1790م) إلى 17 ولاية، وتوسعت معها مساحتها وازدادت أعداد المهاجرين من أوروبا حتى بلغ عدد السكان 10 ملايين في عام 1235هـ (1820م) وكان هذا التوسع على حساب الهنود الحمر وحقوقهم في موطنهم.

واستمر النمو السكاني حتى أصبح اليوم عدد السكان في الولايات المتحدة أكثر من 328.2 مليون نسمة بحسب إحصاءات عام 1440هـ (2019م).

ومما يعكس درجة الإبادة التي نالت من الهنود الحمر، نسبة أصول السكان الأمريكيين التي ترجع اليوم بحسب الإحصاءات الرسمية إلى 85 % منها للأصل الأوروبي الذي استجلبته قوى الاحتلال لهذه الأرض، والـ 15% المتبقية تتشارك فيها أصول مختلفة من بينها أصول الأفارقة والهنود الحمر.

تاريخ وصول المسلمين للولايات المتحدة

تشير العديد من المراجع التاريخية الغربية إلى أن الحضور الإسلامي في شمال القارة الأمريكية بدأ في منتصف القرن الثالث عشر هجري (التاسع عشر ميلادي)، تزامنًا مع وصول مهاجرين مسلمين من بلاد الشام في سعيهم خلف رزقهم وبنية العودة إلى أوطانهم.

لكن دراسات تاريخية أكثر عمقًا وتوثيقًا تؤكد على أن وصول الإسلام للقارة جاء قرنين كاملين قبل حقبة كرستوفر كولومبس في عام 832هـ (1429م)، حيث ركب المسلمون سفنهم من سواحل الأندلس ومن بعض أجزاء الساحل الشمالي الغربي للقارة الإفريقية لاستكشاف البحار ولينتهي بهم المطاف لحط رحالهم في سواحل أمريكا الشمالية والجنوبية.

وقد رأينا في تاريخ الإسلام في غرب إفريقيا كيف كان يخرج الأفارقة في عمق المحيط لاستكشاف ما وراءه. وتحدثت روايات تاريخية عن الملك المالي المسلم أبو بكر الثاني بن محمد الذي تنازل عن عرشه بعد توليه الحكم بسنة واحدة ليتفرغ للدعوة للإسلام والسفر إلى أراضي أمريكا يعلي فيها كلمة الله ولم تكن تعرف آنذاك بهذا الاسم،[1] ولذلك يرى بعض الباحثين أن المكتشفين الأفارقة وصلوا بالفعل للأرض الأمريكية وتواصلوا مع سكانها الأصليين بل وارتبطوا معهم في علاقات زواج ومصاهرة قبل اكتشاف كولومبس لها بكثير. وهذا ما يفسر وجود العديد من المناطق في أمريكا بأسماء عربية كمكة وعرفة والقدس ومحمد وعمر وقرآن ولا تزال إلى اليوم.

وأشارت روايات تاريخية إلى وجود مسلمين في طاقم البحارة رفقة كولومبس الذي أطلق رحلاته الاستكشافية كما اشتهر عالميًا، في عام 832هـ (1429م) وهو العام نفسه الذي شهد الإنهاء الرسمي للوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية، الأندلس. حيث قدموا له خدمة الدليل لكونهم سبقوه لهذه الأرض من قبل.

والذي يجهله الكثيرون هو أن أحمد محي الدين بيري ويعرف بـ “بيري ريّس” اكتشف أمريكا، سنة 870 هــ (1465م) أي قبل أن يصلها كولومبس بحوالي 27 سنة، وهذا ما يفسر استعانة الأخير ببحارة مسلمين كدليل في رحلته لأمريكا.

وكان ريّس رئيس البحرية الإسلامية العثمانية. وقد رسم خرائط اكتشافه الجديد التي ضمت قارة أمريكا الشمالية والجنوبية إضافة إلى القارة المتجمدة الجنوبية بطريقة مبهرة لم تزل محط إعجاب الباحثين إلى اليوم. وتقدم هذه الخريطة الدليل القاطع على أن الاكتشاف التاريخي لأمريكا لم يكن من نصيب كولومبس ولكنها ضريبة الهيمنة الغربية التي وصلت إلى حد تحريف المعلومة التاريخية وسرقة الأمجاد.

كما قدم المسلمون لكولومبس خدمات كبيرة في مجال الاستكشافات الجغرافية، فقد وصلوا لأعماق المحيط الأطلسي وجزره منذ أمد بعيد وسجلوا ملاحظاتهم وأصدروا مؤلفاتهم في الفلك والجغرافية والتي تحولت لمصدر إلهام وتوجيه لكولومبس، في وقت كانت تفتقد فيه إيطاليا وإسبانيا مثل هذه الذخائر العلمية التي كانت تثري المكاتب العربية والإسلامية.[2]

وكانت خرائط المسعودي (283هـ – 346هـ / 896م- 957م) قد رصدت الأرض الأمريكية في المحيط الأطلسي قبل الجميع، وسماها الأرض المجهولة وكان اكتشافًا دوّنه في أوراقه وما بقي على كولومبس إلا تتبع الأثر. وسجل المستكشف الإيطالي بنفسه ملاحظاته التي أشارت لوجود أسماء ولغة عربية وملامح إفريقية في الأرض الجديدة عند وصوله لها.

قال ليون فيرنيل، البروفيسور في جامعة هارفرد في كتابه (إفريقيا واكتشاف أمريكا):

إن كريستوفر كولومبس كان واعيًا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في أمريكا قبل مجيئه إليها.

وهو ما اتفق معه المستشرق الإنجليزي دي لاسي في كتابه “الفكر العربي ومكانه في تاريخ الغرب” حيث أكّد أنه لا يوجد شك من وصول المسلمين إلى أمريكا قبل كولومبس.

وذهبت العديد من الدراسات إلى تأكيد الوصول المبكر للمسلمين وإقامة مراكز تجارية وإدخال حرف وصناعات استفاد منها سكان أمريكا الأصليون. واتفقت على أن دور المسلمين في أمريكا كان قد بدأ في مرحلة مبكرة جدًا.

وهذا يعني أن الإسلام وصل لأرض أمريكا قبل وصول البروتستانتيين، بل قبل أن توجد البروتستانتيّة نفسها.    

ومما يجدر تسجيله في هذا المقام أن دوافع كولومبس لاستكشاف الأرض الأمريكية كانت إضافة للأسباب المادية، لأسباب عقدية دخل فيها تتبع المسلمين الفارين من جحيم النصارى في الأندلس، حيث كانت أساطيل الإسبان والبرتغال تطاردهم في مشارق الأرض ومغاربها لتنصيرهم طوعًا أو قسرًا أو لقتلهم.

يقول الكاتب الأمريكي المسلم سليمان شاهد مفسر، ملخصًا تاريخ وصول المسلمين لأمريكا: “إن الإسلام في أمريكا جاء ليبقى هذه المرة وليس كما حدث في المرات السابقة حينما اكتشف المسلمون الأرض الجديدة في القرنين العاشر والثاني عشر ميلادي، قبل كولومبس بقرون، لكنهم لم يواصلوا اكتشافاتهم، أو في القرن السادس عشر ميلادي لما اكتشف المسلم الأندلسي استفانيكو (هذا اسمه الموريكسي ويعرف بمصطفى زموري أو سعيد بن حدو)[3] مناطق الغرب الأوسط من الولايات المتحدة الأمريكية أو في القرنين السابع عشر والثامن عشر عندما استعبدت أمريكا المسلمين وأجبرتهم على التخلي عن دينهم، فالإسلام يوشك الآن أن يتخذ دوره التاريخي الخالد في القارة الأمريكية، وأصبحت المآذن الشامخة يعلن منها نداء التوحيد منظرًا طبيعيًا من مناظر الغرب، ونداؤها نداء جهاد متواصل، وبعد سنتين ستحتفل أمريكا بالذكرى المئوية الثانية (سنة 1976م) للثورة الأمريكية، ولكن الثورة الحقيقية هي الثورة الإسلامية التي تهيئ بشارات لهذه الأمة (الأمريكية) وللعالم أجمع”.

تأثير حضارة الأندلس

كان منطقيًا أن ذهب العديد من الباحثين لاعتبار الحضارة الأمريكية قد قامت على أنقاض حضارة الأندلس الإسلامية كما كان مع الحضارة الأوروبية.

ولهم في ذلك العديد من الاستدلالات والخلاصات، والتي اتفق معها مؤرخون غربيون، وهو نتيجة طبيعية لتركة بلغ عمرها ثمانية قرونٍ ممتدة من الحكم الإسلامي للأندلس تجلت عطاءاتها الحضارية وآثارها خلال الدخول الإسباني لأمريكا.

بل ذهب بعضهم إلى حد ربط تسمية “كاليفورنيا” بأصل عربي ما. لأنه اسم أطلقه الإسبان في عام 941هـ (1535م)، مقتبسًا من رواية رومانسية بعنوان “مغامرات الإسبان” التي صدرت في عام 916هـ (1510م)، وتناولت قصة جزيرة غنيّة اسمها كاليفورنيا يحكُمها الأمازونيّون وملكَتُهُم كالافيا. نُشرت الرواية في إشبيليّة، المدينة التي بقيت أربعة قرونٍ تحت ظلال الخلافة الأمويّة.[4]

وكما تعرض الهنود للإبادة تعرض تاريخ أمريكا للتحريف بسبب هيمنة المؤسسات البيوريتانيّة البروتستانتية الرائدة في بوسطن بفضل جامعة هارفارد وفي نيوهافِن بفضل جامعة يال. خاصة في تناول رؤية وفهم الأديان في أمريكا خلال وقت مبكر من عمر المنطقة. وهو ما أدى إلى هضم حق حضارة الإسلام وتأثيرها في نهضة أمريكا منذ بدايتها.

وقد اشتكى المؤّرخ يو. بي. فيليبس قبل أكثر من قرن، من الطريقة التي كتبت فيها بوسطن تاريخ الولايات المتحدة مسلطًا الضوء على أن أغلبه كتب بشكل خاطئ.

لقد حمل الإسبان معهم حضارة الأندلس للديار الأمريكية فقدمت الأساس لبناء  الحضارة الأمريكية في مختلف الميادين، حتى ذهب بعض الباحثين الأمريكيين الذين أسلموا إلى إرجاع أصل الموسيقى الأمريكية للحن الأمهات الأندلسيات حين يرددن “لا إله إلا الله” وهن يهدهدن أطفالهن في المهد، فاستعان الأمريكيون بهذا اللحن كقاعدة لتأسيس الموسيقى الأمريكية لاحقًا.

كما نقلت ملاحظات لبعض المؤرخين تشير للتشابه الكبير بين لباس النساء الأمريكيات مع لباس النساء الموريات في الأندلس بعد دخول القوى الأوروبية. وغير ذلك من آثار لا تزال حاضرة بقوة في الجزء الجنوبي من القارة الأمريكية وتحولت لأحد مكونات تاريخها وحضارتها.

موجات الوافدين المسلمين للولايات المتحدة

الموجة الأولى: يسجلها التاريخ في القرن السادس عشر ميلادي مع وصول الأندلسيين على رأسهم استفانيكو وغيره من الذين أظهروا النصرانية وأخفوا الإسلام في قلوبهم، ولم يتمكنوا من إعلان إيمانهم بسبب وحشية القمع الكاثوليكي ومطاردته للمسلمين وإن استخفوا بإظهار النصرانية، فقد كان الرجل يكتشف دينه فيحرق حيًا ويقتل أشنع قتلة.

وحفرت مع ذلك البطولات في الثبات على الإسلام، يقول المؤرخ العراقي العلامة عبد الرحمن علي الحجي في كتابه أندلسيات، ص208: “واجه المورسكيون شنائع محاكم التفتيش بكل شجاعة، منهم الشاب خوان الابن من عائلة الكامبنيرو التي نُكِّل بها في سرقسطة، عندما حُكِمَ عليه بالموت حَرْقًا بالنار مع غيره عام 990هـ (1582م)، رمى الصليب الذي أُجبر على حَمْله ورفع سبابته يقرأ الشهادة قبل الموت”.

وبسبب استمرار السياسات الإجرامية بحق المسلمين، اختفت ملامح الإسلام في ذلك الوقت من عمره في القارة الأمريكية.

والموجة الثانية: ابتدأت في القرن السابع عشر وتتابعت في القرن الثامن عشر ميلادي، تزامنًا مع استجلاب الأفارقة كعبيد وكان فيهم نسبة كبيرة من المسلمين، وبين مطرقة الإذلال وسندان التنصير، مُسح الإسلام أيضًا في تلك الفترة، ولكنه عاد بقوة بعودة الآلاف من الأفارقة اليوم إلى الإسلام، دين أجدادهم الأوائل.

والموجة الثالثة: بدأت في عام 1276هـ (1860م)، من بلاد الشام وتوالت بعدها الهجرات وشملت سكان ألبانيا ويوغوسلافيا.

توالي الهجرات إلى الأرض الأمريكية

وجاءت الهجرات ما بين عامي 1292هـ و1330هـ (1875م و1912م) مما كان يعرف باسم سورية الكبرى، تحت حكم الدولة العثمانية، وهي الآن سوريا، والأردن، وفلسطين، ولبنان.

وأغلب المهاجرين كانوا من النصارى الذين تعلموا في مدارس التبشير. ومع ذلك كان من بينهم نسبة صغيرة من المسلمين السنة وأيضًا نسب أقل من الشيعة والعلويين والدروز.

ومع نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد سقوط الدولة العثمانية، واستيلاء الاحتلال الأوروبي على بلاد الشام فر الكثيرون إلى أمريكا نحو أقربائهم المقيمين في الولايات المتحدة، وفرضت قوانين الهجرة الأمريكية التي صدرت عام 1339هـ (1921م) ثم عام 1342هـ (1924م) نظام الحصص بتحديد نسب الدخول حسب نسبة المقيمين من كل دولة وقومية مما أدى إلى تحجيم عدد المسلمين الذين سُمح لهم بدخول البلاد.

وفي الثلاثينيات بقيت نسبة المسلمين الذين سمح لهم بالإقامة في الولايات المتحدة محدودة، لكنها ازدادت نسبيًا بعد الحرب العالمية الثانية.

وبعد صدور قانون الجنسية الأمريكي عام 1372هـ (1953م) تحركت عجلة الهجرة إلى غاية فترة الستينيات حيث أعطى القانون الأمريكي الحق للمهاجرين بالتجنس بحسب الحصص السنوية لكل دولة بالاستناد إلى النسب المئوية للسكان المقيمين في الولايات المتحدة.

ومع نهاية القرن التاسع عشر كان أغلب المهاجرين الذين قبلتهم الولايات المتحدة من أوروبا، ومع ذلك استمر الوافدون بنسبة قليلة من الشام والهند وباكستان وشرقي أوروبا (من ألبانيا ويوغوسلافيا) ومن الاتحاد السوفيتي، ومعظم هذه الرحلات الوافدة استقر أصحابها في المدن الكبرى مثل شيكاغو ونيويورك. ووصل في هذه الموجة أفراد بمستويات تعليمية رفيعة.

وبحلول النصف الثاني من القرن العشرين ازدادت نسبة المهاجرين المسلمين.

ومما يجدر الإشارة إليه أنه في عام 1385هـ (1965م) وقّع الرئيس ليندون جونسون قانونًا للهجرة يلغي الحصص التي كانت قائمة على أساس التنوع القومي ضمن الولايات المتحدة ولم يعد بذلك حق المرء في دخول الولايات المتحدة يتوقف على أصله القومي والعرقي، فانخفضت نسبة القادمين من أوروبا وارتفعت بشكل لافت نسبة القادمين من آسيا والشرق الأوسط. وشمل أكثر من نصف الوافدين الجدد، المسلمين، تزامنًا مع الأحداث التي وقعت في عدة أجزاء من العالم الإسلامي.

واستمرت هذه الأحداث والاضطرابات السياسية في بلدان العالم الإسلامي في العقود الأخيرة مما تسبب في ارتفاع تيار الهجرة كما شهد ذلك عام 1387هـ (1967م) في الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي، وثورة 1399هـ (1979م) في إيران وصعود آية الله الخميني، والحرب الأهلية في باكستان وما نجم عنها من انفصال شرقي باكستان لتكوين دولة بنغلاديش فضلا عن أحداث الاضطهاد المعادية للمسلمين في الهند، ثم الانقلاب العسكري في أفغانستان، والحرب الأهلية اللبنانية والحرب في العراق التي أدت لهروب الأكراد والحرب الأهلية في الصومال وأفغانستان، واشتداد قبضة النظام العسكري في السودان والتطهير العرقي الذي شهدته البوسنة والهرسك، وغيره من أحداث ساهمت في هجرة المسلمين وزيادة حضورهم في الولايات المتحدة.

نماذج عن أول المهاجرين

تذكر بعض الروايات التاريخية قصصًا عجيبة لشخصيات وصلت مبكرًا لأرض أمريكا، منها قصة استيفانيكو ويعرف أيضًا باسم مصطفى الزمّوري أو سعيد بن حدو، الذي وصل في عام 933هـ (1527م) إلى فلوريدا، وهو مسلمٌ عربي من المغرب، حيث اقتيد كعبد في بعثةٍ إسبانيّة تعرَّضت للتدمير لكنه تمكن من النجاة وأسس لنفسه حياةً في الأرض الجديدة مرتحلًا من سواحل خليج المكسيك إلى أنحاء ما يُعرف الآن بجنوب غرب الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أمريكا الوسطى. وقد ناضل طويلًا وألمّ بتفاصيل البلاد أكثر من سكانها، حتى تمكن أخيرًا من كسب الاحترام لنفسه بين الأمريكيين كطبيب معروف له احترامه ويُعتقد أنه من أوائل المسلمين وصولًا لأمريكا.

كما تذكر المصادر التاريخية قصة الحاج علي الذي يسميه الأمريكيون “هاي جول” وهو رجل استقدمه سلاح الفرسان بالولايات المتحدة إلى صحراء أريزونا وكاليفورنيا في عام 1272هـ (1856م) للمساعدة على تربية الإبل، لكن هذه التجربة فشلت وبقي الحاج علي في كاليفورنيا يبحث عن الذهب.

وحتى الفولانيون، كان لهم نصيب من الذكر في هذا التاريخ، حيث تم إرسال عدد منهم ليتم بيعهم في أمريكا. منهم ديالو المسلم الذي ولد في بوندو، وهي منطقة تقع في محيط أنهار السنغال وغامبيا. وتم أسره على يد تاجر عبيد بريطاني عام 1143هـ (1731م)، ثم بيع في ماريلاند. وتمكنت بعثة إنجيلية من تمييز لغة ديالو العربية التي يكتب بها فامتحنته لتكتشف أنه كان مسلمًا، فعمدت لتبديل اسمه إلى “جوب” واسمه الثاني إلى “بن سولومون”.

فتحول أيوب سليمان إلى “جوب بن سولومون”.  وهذا مثال فقط على الطريقة التي عمدت فيها قوى الاحتلال إلى “أمركة” العديد من أسماء المسلمين خلال مرحلة الاستعباد حيث تحوّلت الأسماء المعروفة في القرآن إلى أسماء مألوفة في إنجيل الملك جيمس. وبذلك أصبح موسى، موزس، وإبراهيم، أبراهام، وأيوب، جوب، وداوود، ديفيد، وسليمان، سولمون، ويوسف، جوزيف، والقائمة تطول.

ومن الصعب تلخيص واقع المسلمين الذين وصلوا القارة الأمريكية كعبيد أو تلخيص الكيد الذي تعرضوا له والتضحيات الجسيمة التي قدموها في سبيل حفظ دينهم أمام آلة التنصير الوحشية التي سلطت عليهم وعلى أصولهم وهوياتهم. لكننا نذكرها هنا من باب الإشارة فحسب بيد أنها تستوجب بحثًا عميقًا ومفصلًا.

واقع المهاجرين المسلمين في الموجات الحديثة

نقل المهاجرون الجدد طيفًا واسعًا من الحركات والإيديولوجيات فكان منهم السنة والشيعة والصوفية والعلمانيون والأحزاب والتيارات الإسلامية المختلفة إضافة إلى الذين لا يعتنقون دينًا أو لا يستندون إلى أجندة سياسية. وانتقل كل ذلك بتناقضاته إلى الولايات المتحدة.

وكان مصير المهاجرين الذين يعانون ضعفًا في اللغة الإنجليزية وقصورًا في التحصيل العلمي شغل الأعمال المتدنية، أو التجارة والتعدين في المناجم، وأكثر الوظائف انتشارًا كانت وظيفة التاجر المتجول. وتزامن هذا الوصول مع صدود الأمريكيين عن ثقافة المهاجرين فلم يبدوا ترحيبًا بالأجانب ولا أي حماس لغير النصارى.

ومع أن المجتمع الأمريكي تم بناؤه على كواهل المهاجرين إلا أن الإدارة الأمريكية لم تعر اهتمامًا في البداية لواقع الاختلافات الثقافية لهؤلاء المهاجرين ولم تحتضن حاجاتهم الدينية، فلم يكن لنظام العمل أي عناية بأوقات صلاة المسلمين وصيامهم ولا أعيادهم.

لكن ذلك الإهمال لم يستمر طويلًا حيث بدلت الولايات المتحدة قوانينها مع ازدياد نسبة المسلمين ومع استقطاب كفاءات علمية وفنية وهجرة الأدمغة والخبرات من العالم الإسلامي بما فيه البلاد العربية والهند لبناء مجد أمريكا. وأسس المسلمون نظامهم الإسلامي وتمثيلهم السياسي.

وشكلت الهجرات المتتالية في القرن العشرين قاعدة أساسية في نمو الجماعات المسلمة ذات تأثير سياسي في الولايات المتحدة وهذه الفئة تشكل اليوم أكثر من مليون نسمة، وينضم إليها بشكل مستمر الأفراد والجماعات الوافدين من مختلف أجزاء العالم الإسلامي.

وإن كان من دولة قامت على أكتاف وتضحيات المهاجرين من مختلف الجنسيات فهي الولايات المتحدة الأمريكية.

ولولا هذا المدد البشري الذي وصل للمستعمرات الأوروبية على أراضي الهنود الحمر لما رأينا الصعود الأمريكي الذي شغل تاريخ وحاضر المنطقة. وما الحضارة الأمريكية إلا نتيجة استيراد وسرقة للحضارات.

عدد المسلمين في الولايات المتحدة

 يوجد إحصاء رسمي دقيق يمكن الاعتماد عليه لتحديد نسبة المسلمين اليوم في الولايات المتحدة، لكن الإحصاءات القديمة تشير إلى أن عدد المسلمين وصل في عام 1391هـ (1971م) إلى مليون مسلم بنسبة 0.49% من مجموع السكان، ومع عام 1400هـ (1980م)، بلغ عدد المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة 3.3 مليون نسمة، بنسبة 1.5% من مجموع السكان، وبلغ عدد المسلمين في الولايات المتحدة في عام 1406هـ (1986م)، 4 ملايين نسمة، ما يقدر بزيادة نسبتها 21% خلال ستة أعوام.[5]

وفي ذلك إشارة إلى النمو السريع للإسلام في هذه البلاد حيث زاد عدد المهاجرين المسلمين على الضعف خلال العقدين الماضيين. وذلك من 4% من إجمالي المهاجرين في عام 1388هـ (1968م) إلى 10.5% في عام 1406هـ (1986م)،[6] أمَّا في عام 1423هـ (2002م)، فقد بلغ عدد المسلمين في المجتمع الأمريكي حوالي 7.5 ملايين مسلم.[7]

والغريب أن الاستطلاعات بعد ذلك تعطي أرقامًا متدنية لعدد المسلمين ففي عام 1438هـ (2017 م) مثلًا تخفض هذه الإحصاءات عدد المسلمين لـ 3.45 مليون مسلم[8] وهو عدد غير معقول بالمقارنة بنسبة النمو ومعدل تزايد المسلمين الذي عرفته البلاد ولذلك تشتكي المنظمات الإسلامية من التلاعب في أرقام الإحصاءات حين يتعلق الأمر بعدد المسلمين مما يصب في مزيد هضم لحقوقهم على اعتبار أن أعدادهم قليلة.

والمسلمون في أمريكا خليط عرقي من شتى الدول والاتجاهات. وتأتي مرتبة الإسلام كثالث أكبر ديانة في الولايات المتحدة بعد النصرانية واليهودية.[9] ويتمركز الوافدون المسلمون بشكل بارز في ولايات كاليفورنيا ونيويورك وإلينوي، إضافة إلى نسب أقل في باقي الولايات.

ولا شك أن التزايد الطبيعي والهجرة الإسلامية واعتناق الأمريكيين وخاصة الأفارقة الإسلام رفع نسبة المسلمين في الولايات المتحدة كما في العالم اليوم بمعدل تزايد يصل لـ 6%. أي حوالي 60 ألف شخص في كل سنة، ويتضاعف مع كل عشرية.

بينما أظهرت دراسة أجراها مركز أبحاث “بيو” الأمريكي أنه بحلول عام 1462هـ (2040م) سيصبح الإسلام ثاني أكبر ديانة من حيث عدد سكان الولايات المتحدة بعد النصرانية.[10]

التنظيم الإسلامي في الولايات المتحدة

شهدت موجة المهاجرين المسلمين في النصف الثاني من القرن العشرين، تأسيس العدد الأكبر من المنظمات والمؤسسات والمراكز الإسلامية في الولايات المتحدة مما ساعد على استقرار المسلمين ونموهم.

وتُعَدّ قضية الوجود وتكوين الهوية الإسلامية المتميزة من أهم القضايا التي واجهت المسلمين في المجتمع الأمريكي، ومع ذلك فكلما ازدادت نسبة المسلمين الوافدين، كما ارتفع عندهم الحس لتجاوز العقبات النفسيَّة والدينية والثقافية والاجتماعية سواء بالنسبة لهم أو بالنسبة لأبنائهم وأحفادهم.

وتمكن المسلمون من إنشاء بنية تحتية لنشاطاتهم الإسلامية فشهدت الولايات المتحدة بناء المؤسسات الإسلامية ونشر الدعوة والمحافظة على الهوية الإسلامية إلا أن الكثير من المشاريع كانت للأسف على أسس مشوهة ومناهج ضالة منتسبة للإسلام.

ويسجل التاريخ محاولة تيموتي درو، الذي بدل اسمه إلى نوبل درو علي في عام 1330هـ (1912م)، حيث سجل مركزًا في نيوراك بنيوجرسي سماه “الهيكل العلمي الأمريكي المغربي” وحاول جمع صفوف الأمريكيين الأفارقة باسم الإسلام على أنه الطريقة الوحيدة لازدهارهم وتطورهم. ولكن منهجه كان منحرفًا عن منهج الإسلام الحقيقي، كما كان حال أغلب جمعيات الأفارقة السود التي قامت بعد ذلك.

بدورهم أسس المهاجرون العرب أول جمعية إسلامية ومسجدًا مؤقتًا في ديترويت سنة 1331هـ (1913م)، كما بنوا مسجدًا سنة 1337هـ (1919م)، يعتبر أول مسجد في الولايات المتحدة، إلا أنه ما لبث أن تحول إلى كنيسة.

وابتداءً من عام 1338هـ (1920م)، ربطت الجسور بين الأفارقة المسلمين والعالم الإسلامي حيث سافر الكثير منهم إلى البلدان المسلمة، فتعرفوا على أصول الدين وقيمه الصحيحة، وأسس الحاج ولي أكرم في مدينة كليفلاند أول مجموعة إسلامية سنية في أول الثلاثينات.

وتتابعت التنظيمات بعد ذلك لتتطور طموحات المسلمين في الولايات المتحدة خلال الخمسينيات في تنظيم أكثر شمولًا فظهر اتحاد الجمعيات الإسلامية. وتأسست الجمعية الإسلامية الدولية في عام 1371 هـ (1952م) من اجتماع 28 جمعية إسلامية أمريكية وكندية، معظمها لأبناء المهاجرين المسلمين العرب.

وفي عام 1964م ظهرت جمعية الطلبة المسلمين على يد بعض الشباب المسلم، وظهر مجلس الجمعيات الإسلامية، وهي اتحاد جمعيات إسلامية للأمريكان الأفارقة. وانضمت له حتى عام 1384هـ (1974م)، إحدى عشر جمعية من عدة ولايات أمريكية.

وأنشأت أيضًا الحلقة الإسلامية لشمال أمريكا في عام 1391هـ (1971م)، والاتحاد الإسلامي لشمال أمريكا الذي تأسَّس في عام 1402هــ (1982م).[11]

وكان من مخرجات هذا الاهتمام قيام المؤسسات الإسلامية، وهي المساجد، والمراكز الإسلامية، التي تحتضن فعاليات الحياة والحركة الإسلامية، ويتعلم فيها الأطفال والكبار ويقوم أئمتها بواجب القضاء بالشرع الإسلامي في الأحوال الشخصية وقضايا الزواج والطلاق والجنازات وغيره.

وتوالت بعد ذلك الجمعيات والمنظمات الإسلامية المختلفة إلى اليوم، كما نشطت مدارس العطلة الأسبوعية لتدريس أبناء المسلمين اللغة العربية والتربية الإسلامية خلال يومين من كل أسبوع. يدعم جهودها مدارس المعسكرات الصيفية التي أقيمت لتعليم الأطفال السلوك الإسلامي وممارسة شعائر دينهم بأسلوب عملي.

ويمكن تقسيم الجمعيات الإسلامية التي أقيمت لتنظيم شؤون المسلمين ولمّ شملهم، إلى صنفين:

  • جمعيات محلية، تهتم بأمور المسلمين في الحي والمدينة.
  • وجمعيات إسلامية أكثر شمولًا، تعمل على احتضان كافة المسلمين في الولايات المتحدة.

ثم إن بعض هذه الجمعيات كانت بطابع إسلامي بحت وأخرى بطابع قومي إسلامي مزدوج. كما انفرد الأفارقة بجمعيات خاصة بهم.

ويطلق البعض على المرحلة الحالية من مراحل تطور المسلمين في أمريكا، والتي تمتد منذ تسعينيات القرن العشرين الميلادي، اسم “مرحلة المسلمين الأمريكيين”؛ لما تميزت به من نشاط في مواجهة التحديات التي تهدد أجيال المسلمين المقبلة.

المساجد في الولايات المتحدة

الإسلام في أمريكاhttps://i0.wp.com/tipyan.com/wp-content/uploads/2021/02/المساجد-في-الولايات-المتحدة.jpg?resize=300%2C169&ssl=1 300w, https://i0.wp.com/tipyan.com/wp-content/uploads/2021/02/المساجد-في-الولايات-المتحدة.jpg?resize=150%2C84&ssl=1 150w" data-lazy-loaded="1" sizes="(max-width: 1000px) 100vw, 1000px" style="box-sizing:border-box;vertical-align:middle;border-style:none;clear:both;margin:0px auto !important;display:flex !important;height:auto !important;max-width:100%">

تعتبر المساجد أهم المؤسسات الإسلامية في الولايات المتحدة وعددها في ازدياد، حيث تجمع شتات المسلمين وتقدم خدمات التعليم والدعوة مع العلم أن المساجد خضعت أيضًا لتقسيمات المذاهب والفرق والتيارات التي يعرفها العالم الإسلامي.

وتم إحصاء ما يصل إلى 2% من المساجد في الولايات المتحدة على أن تأسيسها جاء قبل عام 1369هـ (1950م)، بينما تم تأسيس 50% من المساجد بعد عام 1400هـ (1980م)، و87% من المساجد تم تأسيسها بعد التسعينيات (بعد 1410هـ).

وبلغ عدد المساجد في عام 1432هـ (2011م) في الولايات المتحدة 2,106 مساجد مع نسبة ارتفاع في عدد المساجد بلغت 74%. منذ عام 1421هـ (2000) بحسب دراسة أمريكية.[12]

الانعطافة الجادة

ولعل أبرز انعطافة جادة عرفها المسلمون في الولايات المتحدة هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م حيث تزايدت على إثرها حالات الاعتداء على المسلمين والسعي لترسيخ صورة سلبية عن الإسلام في عقول الأمريكيين واضطهاد الأقليات المسلمة في هذه البلاد.

ومع ذلك ومع حجم الدمار الذي خلفته هذه الأحداث في الولايات المتحدة وحجم الأحقاد التي نمت معها تجاه كل ما هو إسلامي، استمرت عجلة تطور الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي؛ لسبب جوهري، هو طبيعة هذا الدين العظيم فاعتنق الكثيرون الإسلام بعد ذلك، وشكل ذلك ضمانًا للمجتمعات المسلمة للمحافظة على هويتها الإسلامية ومقاومة ضغوط الذوبان السياسي والاجتماعي داخل المجتمع الأمريكي.

ومما سجلته هذه الحقبة ارتفاع عدد المحجبات في الولايات المتحدة كرد فعل على حملات الكراهية والعداء ضد المسلمين، فضلًا عن وقوف المنظمات الإسلامية الأمريكية أمام أكبر المؤسسات السياسية والإعلامية الأمريكية، وارتفاع مشاعر الوحدة والتلاحم والحرص على التمسك بتعاليم الإسلام، إضافة لإقبال غير المسلمين على هذا الدين فضولًا ورغبة في معرفته فأسلم الكثيرون.

وشهدت حقبة ما بعد 11 سبتمبر إقبالًا لافتًا على الإسلام من الأمريكيين من أصول إفريقية ولاتينية. وأشارت بعض التقارير الصحفية الأمريكية إلى أن بعض الدوائر في الولايات المتحدة خلصت إلى أن معدلات اعتناق الإسلام تضاعفت أربع مرات منذ 11 سبتمبر.[13]

ووفق معطيات منتدى العلاقات الإسلامية الأمريكية فإن العام الأول بعد الهجوم شهد إقبالًا كبيرًا على اعتناق الإسلام، وفي ذلك العام اعتنق أكثر من 34 ألف أمريكي الإسلام.[14]

وخلال العشر سنوات التي أعقبت الحدث، تراوح عدد من اعتنقوا الإسلام في الولايات المتحدة حول 20 ألف أمريكي سنويًا، والمثير للاهتمام أنه من بين الـ 20 ألف هناك نحو 80% من النساء والباقين رجال.[15]

وأشار تقرير لصحيفة الأوبرفر البريطانية إلى ارتفاع مبيعات القرآن إلى أرقام قياسية حيث سجلت دار النشر بنغين، وهي الناشرة لأفضل ترجمة معروفة للقرآن باللغة الإنجليزية ارتفاعًا في المبيعات بلغ 15 ضعفًا خلال الأشهر الثلاثة التي تلت أحداث 11 سبتمبر واستمر الطلب عليه بعد ذلك.

وكان لهذا الإقبال ترسيخ أقوى للحضور الإسلامي في الولايات المتحدة مما دفع الإدارات الأمريكية للأخذ بعين الاعتبار أهمية التعامل مع الإسلام كدين قوي لا يُستهان به، ففتح الباب أمام الممثلين المسلمين في دهاليز السياسة وأصبح ظهور المحجبات في حملات الانتخابات الأمريكية وفي المناظرات والخطابات الحزبية أمرًا مألوفًا للغاية. وفي الواقع شغل الإسلام العالم الأمريكي بشكل لم يسبق له مثيل.

إسلام الأفارقة الأمريكيين

الإسلام في أمريكاhttps://i2.wp.com/tipyan.com/wp-content/uploads/2021/02/الأفارقة-الأمريكيين.jpg?resize=150%2C84&ssl=1 150w" data-lazy-loaded="1" sizes="(max-width: 1000px) 100vw, 1000px" style="box-sizing:border-box;vertical-align:middle;border-style:none;clear:both;margin:0px auto !important;display:flex !important;height:auto !important;max-width:100%">

يُعتنق الإسلام في الولايات المتحدة بمعدل 20 ألف أمريكي في كل عام، واللافت في الأمر أن 70% منهم من الأفارقة الأمريكيين[16]؛ وتؤكد تقارير الإحصاءات على أن مقابل كل أمريكي أبيض يتحول إلى الإسلام، يعتنق عشرة من الأمريكيين السود الإسلام.

ويرجع أبرز الأسباب لهذا الإقبال الكبير على الإسلام من الأفارقة السود، تقديم الإسلام إلى السجناء الأمريكيين؛ حيث شهدت السجون الأمريكية ارتفاعًا ملحوظًا في عدد السجناء الذين اعتنقوا الإسلام، وتحولوا إلى أعظم المدافعين عنه والعاملين في سبيله في أمريكا.

ووفقًا للباحث مايكل والر، يشكل السجناء المسلمون 15-20% من نزلاء السجون، أو ما يقرب من 350 ألف من السجناء في عام 1424هـ (2003م) حيث يدخل أغلبهم غير مسلمين، ويعتنق الإسلام 80% من السجناء الذين “يعتنقون دينًا” أثناء وجودهم في السجون. وأغلبهم من أصل أفريقي، مع أقلية متزايدة من ذوي الأصول الإسبانية.[17]

وساعد في إقبال السجناء على الإسلام تمكن المنظمات الإسلامية من تحقيق ظروف أفضل بتوفير المساجد أو تخصيص أماكن مناسبة لإقامة الصلاة وتوفير المصاحف، والاحتياجات الأخرى من طعام حلال. كما تمكن المسلمون السجناء من إقامة صلاة الجمعة وتوفير وجبات بحسب مواعيد السحور والإفطار في شهر رمضان الكريم.

ومن بركات هذا الدخول الجماعي للإسلام، شهادات إدارة السجون على درجة الانضباط والسلوك القويم الذي تحلى به السجناء بعد إسلامهم فكانوا يتجنبون المشاكل ويميلون للمسالمة، ويقدمون نموذجًا مباركًا للعمل والنشاط وسلوكًا أخلاقيًا هو الأفضل.[18]

ولا شك أن لهذا الإقبال حقائق أخرى أكثر عمقًا نستقرؤها من خلال تعليق لأحد المعتنقين للإسلام من الأفارقة الأمريكيين قال فيه: “إن أفراد الشعب الأفرو أمريكي، يحتفظون بالإسلام في صميم قلوبهم ونحن نردد اسم الإسلام على ألسنتنا فيما نناضل للنطق اللغة العربية التي نسيناها رغم أننا ربما جئنا بها كعبيد، إذ كانت تلك هي الثقافة التي سلبوها منا، وكذلك فعلوا مع اللغة والعقيدة، والأهم من هذا كله أنهم أخذوا منا دين الإسلام عندما فرضوا علينا العبودية”.[19]

الحركات الأفروأمريكية الإسلامية

ظهرت حركات عديدة بصبغة إسلامية لتحسين أوضاع الأمريكيين من أصل أفريقي، منها الرابطة العالمية لتحسين أحوال الزنوج، التي تولى رئاستها ماركوس جارفي، وقامت دعوتها على العودة إلى ليبيريا، واستقطبت بقوة عددًا من الزعماء السود المنتسبين للإسلام مع بدايات القرن العشرين، كان منهم نوبل درو علي والذي اختلف في نهاية المطاف مع جارفي، ورفض فكرة الرحيل، وكان يرى أن أصول الأفارقة في أمريكا تأتي من آسيا أو من المغاربة المور، وأسس الحركة المغربية التي أصبح اسمها المعبد العلمي المغربي في أمريكا.

وكان نوبل درو ضالًا مضلًا ادعى النبوة على أنه خاتم المرسلين، وهلك وتشتت شمل جماعته جزاءً وفاقًا، بينما أُرسل ماركوس جارفي إلى المنفى في عام 1345هـ (1927م) وتلاشت حركته هو الآخر.

ويقال أن إليجا محمد زعيم جماعة أمة الإسلام كان عضوًا في حركة المعبد المغربي. وبعد أن فقد المعبد جاذبيته، ظهرت حركة أمة الإسلام التي برز معها إليجا محمد، وبعده مالكوم إكس ولويس فرقان ووارث الدين محمد، نجل إليجا وصديق مالكوم إكس، وبدأت قصة أخرى من التدافع بين الحق والباطل في أمريكا.

ومع العودة الجماعية اللافتة للأفارقة السود الأمريكيين للإسلام إلا أن هذه العودة اعترضتها عقبات وصعوبات، كان أبرزها الدعوات المضللة المحرفة لأصول الدين وقيمه والتي قادتها جمعيات ضالة كجماعة إليجا، مما يدفع بالريبة في القلوب عن حقيقة استتارها باسم الإسلام والغاية منه.

من آثار العيش في القارة الأمريكية

الإسلام في أمريكاhttps://i1.wp.com/tipyan.com/wp-content/uploads/2021/02/أمريكا.jpg?resize=150%2C84&ssl=1 150w" data-lazy-loaded="1" sizes="(max-width: 1000px) 100vw, 1000px" style="box-sizing:border-box;vertical-align:middle;border-style:none;clear:both;margin:0px auto !important;display:flex !important;height:auto !important;max-width:100%">

ومع أن الثقافة العربية انتشرت في أمريكا وأصبح الأمريكيون على دراية بأبرز العادات والأطباق العربية إلا أن التأثير الأمريكي كان عميقًا لدرجة انحرف معها جيل من المسلمين الذين عمدوا لتغيير أسمائهم فتحول محمد إلى مايك، ويعقوب إلى جاك، ونسرين إلى نانسي، وانتشر الزواج مع الأمريكيات.

ونال بلا شك من الأسر المسلمة نصيب من أمراض العالم الأمريكي كالعنف والمخدرات والتفكك الأسري والانحلال والتمييز العرقي كما تأثرت المجتمعات المسلمة بالقضايا الدولية التي ألقت بظلالها على واقعهم كالصراع الإسلامي الصهيوصليبي والصراع في البوسنة والهرسك، وكوسوفا، وكشمير، والشيشان، وغيره.

وزاد من ضعف المسلمين غياب الفهم السليم للإسلام والتراث الإسلامي، وغياب التنسيق بين التنظيمات الإسلامية‏، في وقت انتشرت فيه الصورة السلبية للإسلام والمسلمين، وقويَ اللوبي الصهيوني، وتشدّد التيارات النصرانية المتطرفة، وعنف ميليشياتها المسلحة وكان لذلك آثار وتداعيات.

الاتجاهات المعادية للإسلام

يتهدد الإسلام في الولايات المتحدة أعداء من داخله وآخرون من خارجه.

أما من داخله فالقومية المنتنة والعصبية ودعوات الفرق الضالة كالقاديانية والبهائية وغيرها ويقال أن القاديانية كانت أساس مذهب إليجا الضال، وأما من خارجه فالصليبية والصهيونية.

وأما اليهود فلديهم نفوذ متجذر في الولايات المتحدة وليس على مستوى لبنات الدولة وصناعة القرار فحسب بل أيضًا على مستوى الديانة النصرانية وهذا ما يفسر لماذا يكنّ الرهبان في الكنائس محبة ونصرة شديدة لليهود، ويدعون لهم بالنصر وللمسلمين بالهزيمة أثناء الحروب.

ويضع اليهود يدهم على مفاصل الدولة، ولذلك سيطرتهم غالبة على الجرائد والإذاعات والقنوات التلفزيونية. وهذا يعني أنهم يصنعون الرأي العام ويوجهونه لمآربهم وأهدافهم وكذلك يؤثرون في السياسة الخارجية للبلاد خاصة فيما يخص فلسطين والشرق الأوسط.

ومن اللافت للانتباه أنه أينما وجد نفوذ للمسلمين وانتشار قابله في مكان قريب نفوذ آخر وانتشار لليهود، وكأنه تحت عين المراقبة ويكفي المسلمين أذية من اليهود، عملهم على تشويه صورتهم وصورة دينهم بشكل مستمر.

واستفاد اليهود كثيرًا من جماعات فاسدة كجماعة إليجا الضالة التي كان مركزها في شيكاغو لمحاولة الحد من انتشار الإسلام بين الأفارقة.

ووصل العداء اليهودي للإسلام إلى استعمال الاغتيالات والقتل بشكل سري لتصفية الشخصيات المسلمة الفعالة كما كان مع الحاج مالك شهباز المعروف بمالكوم إكس رحمه الله، الذي تشير أصابع الاتهام لبصمة اليهود في اغتياله عن طريق مكتب التحقيقات الفدرالي.

وساند اليهود جماعة أخرى لا تقل ضلالًا عن جماعة إليجا يسمون (المسلمون النوبيون العبريون) ومركزهم في نيويروك.

حركة أمة الإسلام

الإسلام في أمريكاhttps://i2.wp.com/tipyan.com/wp-content/uploads/2021/02/حركة-أمة-الإسلام.png?resize=300%2C200&ssl=1 300w, https://i2.wp.com/tipyan.com/wp-content/uploads/2021/02/حركة-أمة-الإسلام.png?resize=1024%2C683&ssl=1 1024w, https://i2.wp.com/tipyan.com/wp-content/uploads/2021/02/حركة-أمة-الإسلام.png?resize=150%2C100&ssl=1 150w, https://i2.wp.com/tipyan.com/wp-content/uploads/2021/02/حركة-أمة-الإسلام.png?resize=768%2C512&ssl=1 768w" data-lazy-loaded="1" sizes="(max-width: 1000px) 100vw, 1000px" style="box-sizing:border-box;vertical-align:middle;border-style:none;margin:0px auto !important;display:flex !important;height:auto !important;max-width:100%">

شعار حركة أمة الإسلام.

ظهرت في أوائل القرن العشرين حركة أمة الإسلام وكانت خاصة للأفارقة السود، تبنت اسم الإسلام لكنه في الواقع تبني شكلي مفتقد لجوهر الإسلام إذ أن دعوتها قامت على مفاهيم خاصة تشبعت بالعنصرية، وكان أول من أسسها رجل يجهل عنه الكثير ظهر في ظروف غامضة، واسمه والاس فارد نشط في ولاية ديترويت وبعد أربع سنوات فقط اختفى بنفس الغموض الذي ظهر به أول مرة منذ عام 1353هـ (1934م) ليخلفه إليجا محمد الذي تحول لزعيم الجماعة.

واتجهت جل خطابات الجماعة إلى تمجيد الأفارقة السود وتفوقهم على البيض وبلغ بإليجا أن ادعى النبوة.

وتشبعت أفكارهم بالضلالات تمامًا كما كان حال الحركات الباطنية، وانعكست هذه الضلالات على صلاتهم التي كانت تقتصر على قراءة الفاتحة ودعاء مأثور ونية شركية والصوم الذي التزموا به في شهر ديسمبر من كل عام وزكاة كانت عبارة عن ضريبة يدفعها كل فرد من الجماعة بنسبة عشر دخله.

ووسط هذا الظلام شاء الله أن تنير شخصية فاعلة في الواقع الإسلامي الأمريكي سببت زلزالًا لحركة أمة الإسلام، وهي شخصية مالكوم إكس الذي تسمى بالحاج مالك شهباز، والذي أحدث صحوة جذرية في قلب الجماعة وأعاد الكثيرين من المنتسبين إليها إلى جادة الطريق.

 نرجو من القراء الكرام ام يواصلوا قراءة ورقة البحث القيمة علي موقع تبيان و شكرا:
قراءة 1018 مرات

أضف تعليق


كود امني
تحديث