لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه الطيبين و بعد:
لمسلم عن أبي مسعود الأنصاري : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: أبدع بي فاحملني {أي انقطعت بي راحلتي فلم تبقى لي راحلة} فقال النبي صلى الله عليه و سلم:{ ما عندي} فقال رجل : يارسول الله أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:{ من دلّ على خير فله أجر فاعله} هذا يدل على فضل الإرشاد إلى الخير و الدلالة عليه ، و الخير أعم من الدلالة على الخير في مقام الدعوة ؛ الذي هو عمل الدعاة؛ بل يشمل كل خير، و يدل على فضل الله تعالى، أنه أعطى الأجر للدال على الخير مثل فاعله.
عن عمر بن عوف المزني مرفوعا : { من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فعمل بها الناس، كان له مثل أجر من عمل بها ، لا ينقص من أجورهم شيئا} أخرجه الترمذي وابن ماجة.
يعني أن الناس عطلوها ، تنبيه: دين الله و السنة لا تموت من حيث هي ، المقصود أنها أميتت في عمل الناس ، الله تعالى قد أتمّ هذا الدين فلا ينقص، و أما من حيث عمل الناس فينقص، أي تركوا العمل بها فأصبحت في عملهم ميتة لا يعملون بها، أو قلّ العمل بها، قد يوجد في المسلمين على كثرتهم من يترك بعض السنن و تصبح غريبة فيمن يعمل بها، فهذه إماتة السنن، و قد يكون بالجهل بها، و عدم العلم بها و إلاّ فالأمة مقبلة على دينها، راغبة في دينها، و لكن يخفى على الناس بعض السنن، ثم يكون في الأمة من يحييها بعد الإماتة، و إحياؤها يكون بوجهيين، الأول : ببيانها، و حث الناس عليها، و الترغيب فيها و هو عمل العلماء و الدعاة، و الوجه الثاني : العمل بها، و هو عمل العبّاد الصالحين، هذا العابد قد لايدعوا إلى السنة، لكن يعمل بها فيقتدي به الناس، و خيار الناس من يجمع بين الأمرين، ببيانها و تعليمها، و العمل بها، و هؤلاء هم الأئمة الذين يقتدى بهم.
السنة هنا بمقابل البدعة، السنة في اصطلاح الفقهاء في مقابل الفرض، و عند الأصوليين السنة في مقابل القرآن أي هي عمل و قول و تقرير النبي صلى الله عليه و سلم، و عند المختصين في باب الاعتقاد هي ما يقابل البدعة؛ أي ما شرعه الله عز و جل ؛ و هذا هو المقصود في الحديث.
العاملين بالسنن يؤجرون على العمل بها، و يؤجرون مثل كل من اقتدى بهم في العمل بها إلى قيام الساعة.
ليس كل عمل النبي صلى الله عليه و سلم سنة، هناك أعمال شرعية نتأسى به فيها، و هناك أعمال طبيعية كحب النبي صلى الله عليه و سلم أكل الذراع، و الدباء، و العسل فهو ليس من الدين ؛ فلا يقول الرجل علينا أن نحيي سنة النبي صلى الله عليه و سلم في أكل الذراع، لهذا نقول إن إحياء السنن يحتاج إلى فقه، إلى علم، أصبح بعض الجهال يتنطعون في أمور ليست من السنة، كنوع اللباس الذي كان يلبسه صلى الله عليه و سلم، و نوع الحذاء، فمعلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يلبس ما كان يلبسه قومه، و أهل زمانه، و كان يمنع لباس الشهرة، و هذه هي السنة؛ أن يلبس المسلم ما يلبسه المسلمون ما لم يخالف الشرع، و اليوم جدّت أمور في الناس من المطاعم و المشارب، فلا يقول الإنسان أنا لا أركب السيارة إنما أركب الخيول و البغال تأسيا بالنبي صلى الله عليه و سلم، ثم يريد أن يركب الخيل في هذه الطرقات و حوله السيارات و يقول هذه سنة، هذا جهل و ليست سنة، علينا أن نفرق بين ما كان يفعله النبي صلى الله عليه و سلم تدينا، و بين ما كان يفعله بحكم طبيعته البشرية.
