(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 28 تموز/يوليو 2013 12:13

" مدرسة الثلاثين يوما " ( 1 )

كتبه  الأستاذ عماد سعد
قيم الموضوع
(0 أصوات)

"...قدم أبو عامر البناني - واعظ أهل الحجاز- المدينة ؛و وافق قدومه رمضان فسأله إخوانه أن يجلس لهم في مسجد رسول الله r فأجابهم و جلس بعد انقضاء التراويح، و اجتمع الناس فلم يزل أبو عامر يعظ و ينذر و يبشر إلى أن ماتت القلوب فرقاً و اشتاقت النفوس إلى الجنة...."اهـ. هذا ما رواه موفق الدين ابن قدامة (ت 620هـ) في كتابه " التوابين " لاقتصاره في كتابه على أخبارهم، أما ما أغفله من أمر تلك الموعظة فهو ذا :

" ما إن أخذ الشيخ مجلسه حتى بادره أحد الفتية بالقول :يا إمام بيّن لنا معنى قوله r " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَ احْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "

قال الشيخ : لم يشرّع الله سبحانه و تعالى لخلقه عبادة قط إلا وجعل لها حِكما من ورائها، علمها من علمها و جهلها من جهلها، و إن الصوم من العبادات كالمدرسة في حِكَمه، [ فهذا الشهر المبارك هو مناسبة عظيمة، و مدرسة قويمة، ذات فلسفة و رسالة، فهو مدرسة الروح و الفكر]، و سأذكر بعضها فيما يتسع به وقتي، و لست محدثكم اليوم عن منافع الصوم على البدن، فإن المرء لواجد أثر ذلك من نفسه،و سأحدثكم عن أثره في النفس و الروح و الأمة...لقد أُعطِينا هذه الحياة على شروطها و من شروطها أنها فانية و أنها لا تخلو من منغّصات، فإن المرء قد يحرم النعمة كل الوقت أو بعضه، فيشتاقها و تطمح إليها نفسه، و إن رمضان ليأتي بالحرمان كالمذكّر، حتى نتعرّف بعض النعم التي تغمرنا، فلولا الفقر لما سعدنا بمال، و لولا المرض لما عرفنا قيمة العافية، كما أنه لولا معرفة طرق الكفر  و الظلال لما قدّرنا نعمة الإسلام، و قد قال الفاروق رضوان الله عليه " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية" و إن الصوم لما فيه من الألم و الفقر و ازدياد الإيمان ليجدد لنا لذتنا بالدنيا، فاللّهم لا تعرّفنا نعمك بزوالها - فاهتز المسجد بالتأمين لدعاء الشيخ ـ قال :و إن السعادة لتنصرف عنا في معظم الأحيان ليكون نزوعنا إليها و اهتياجنا لها سعادة على وجه آخر، و إن اللذة بزخارف الدنيا لا تكون لذة إلا بعد الحرمان، و بهذا تفهم مصداق الحديث الذي روينا عن النبي r " وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ وَ فَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ " و لن يفرح حين يلقى ربه إلا من نجح في امتحان الإخلاص فإن ...

فقاطعه الشاب:الحديث الحديث يا إمام !

قال أبو عامر : لا تعجل يا بني فإنما حوله أدندن، فإن امتحان الإخلاص هو عمل القلب الذي يصل المسلم بخالقه، و الصوم هو ركن الإسلام الوحيد الذي يكون بين العبد و ربّه، ثم يأتي إمساك الجوارح عن الشهوات من بعد، لذلك قال عنه سبحانه في الحديث القدسي" الصوم لي و أنا أجزي به "، و قد روينا قوله r " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَ احْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " و انظر - رحمك الله ـ هذين القيدين "إيمانا و احتسابا" فإنهما كالمصفاة لكل ممسك عن الطعام، لعذر من الأعذار كمرض أو إضراب أو رياء كذاك الأعرابي .

قالوا : و ما قصة هذا الأعرابي ؟

قال الشيخ : كان أعرابي يصلي بالمسجد، فأخذ قوم يمدحونه و يصفونه بالصلاح، فقطع صلاته و قال: مع هذا إني صائم! فإن هذا و أمثاله ممن" لَمْ يَدَع قَوْل الزُّور وَ الْعَمَل بِهِ " قد صامت منهم الجوارح حسب، فلا احتساب لهم و قد غاب صوم القلب الذي هو أصل هذا الركن."فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَة فِي أَنْ يَدَعوا طَعَامهم وَ شَرَابهم ".و كذلك الشأن فيمن يرفث و يفسق و يتغضّب بدعوى الصوم، فليست تلك أخلاق الصائم....فإن المؤمن بصيامه يكون قد أعلن خروجه من حظوظ نفسه إلى مراقبة ربه؛ فإذا "سابّه أحد أو شتمه " قال "إني صائم " أي "إني مع ربي"، يقول هذا و قد بُغي عليه بالسب و الشتم ! فلا غرو ألا يكون منه الرفث و الفسق و الغضب لأتفه الأسباب، أما الاحتساب فهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، طيِبةً نفسُه بذلك، غير مستثقل لصيامه و لا مستطيل لأيامه....و إن من خصائص الإيمان أنه يضعف و يذبل كالزهرة، فيجيء رمضان كالمرش يغسلها مما علق بها و يزوّدها لقابل أيامها ...و إذا كان ليس على الأرض من يشعر كيف ولدته أمه، فلن تجد غنيا يشعر جوع الفقير و ألمه ؛ إلا إذا عاش فقيرا ولو يوما، فإن قلوب بعض الأغنياء لإلفها التمرغ في الشهوات كبذرة الجوز، يجب أن تحطم الآلام و المعاناة قشرة قلوبهم قبل أن يعرفوا معنى الرحمة و العطف، فيكون الجوع و الحرمان الحجر الصلد لذلك، هذا وجوعهم إلى أجل و يفرغون منه إلى فنون الطعام و الشراب، فيتفكروا فيمن جوعهم لا ينتهي إلا بالموت أو بمعاني الموت! و قد قال يحيى بن معاذ: لو أن الجوع يباع في السوق ؛ لما كان ينبغي لطلاب الآخرة إذا دخلوا السوق أن يشتروا غيره......و فيما ذكرت كفاية فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا، أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم "

فقال شاب بالمجلس : زدنا يا إمام فإن قلوبنا قد جلست لتوّها تغرف من منبعكم.

فقال الشيخ :هيهات يا بني، إن خير العلم ما عمل به، فاقنع بما سمعت، و إن لنفوسنا علينا حقا، و حقها أن نريحها حتى تقوى على العبادة و طلب الرزق، و إن أفسح الله في العمر فسألقاكم من غد - إن شاء الله - في مسجدكم هذا و في ساعتكم هذه ..................يتبع.

.عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.">عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

قراءة 2117 مرات آخر تعديل على السبت, 17 تشرين2/نوفمبر 2018 15:10