(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الإثنين, 30 آب/أغسطس 2021 09:38

بنيان ...الجزء الأول

كتبه  الأستاذة كريمة عمراوي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه وبعد:

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:( المؤمن للمؤمن

كالبنيان يشد بعضه بعضا) متفق عليه.

هذا حديث عظيم في التكافل و التعاون بين المسلمين و أثر ذلك عليهم؛ كأثر البنيان المتماسك الذي أصبح بنيانا قويا ينتفع به بعد أن كان حجارة تلقى في الصحراء و الطرقات، و ذلك بانضمام بعضه إلى بعض، و هذا هو حال المسلم، المسلم إذا تعاون مع أخيه تحقق هذا الأمر العظيم الذي شبهه النبي صلى الله عليه و سلم بالبنيان.

تكافل المسلمين فيما بينهم فهذا يشتغل بالحراثة، و هذا بالصناعة، و هذا بالسياسة، و هذا يعد آلة الحرب، المسلمون يكمل بعضهم بعضا، يترابطون و يتعاونون و يتراحمون حتى تتحقق المصالح بهذا التعاون، و متى ما تفرقوا فإنّ هذا مثل تفرق تلك الحجارة في الطريق و في الجبال لا نفع لها. و هذا هو وجه الشبه بين ترابط الأمة و تكافلها أنه كالبنيان الذي يدرأ به الكثير من الآفات من الحر و البرد، و يدرأ بها من العدو، و مثل هذه البيوت التي يسكن فيها الناس يأوون إليها، و ينتفعون بها.

و هذا الحديث توجيه من النبي صلى الله عليه و سلم إلى أمته إلى التكافل و التعاون، و هذا الحديث أصل عظيم في اجتماع الكلمة و في الجماعة؛ إذا تكافأ المسلمون أصبحوا قوة، و الآن من الأمور العظيمة التي كاد بها الأعداء للمسلمين هو تفرقة جموعهم بغرس بذور الفرقة بينهم، و نزع الثقة من الأئمة و من الأمراء و من العلماء.

أمة الإسلام اليوم أكثر الأمم، أكثر من النصارى و من اليهود و من الوثنيين، لكن بتفرقهم طمع فيهم الأعداء، و نخشى أن يكون قد أصابهم ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم:( يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: و من قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنت يومئذ كثير، و لكنكم غثاء كغثاء السيل) صحيح أبي داوود.

نحن لا ننزل هذا الحديث على الأمة لأن هذا من صلاحية العلماء، و لكن نخشى أن يصيب الأمة أو أن يكون قريبا مما قال صلى الله عليه و سلم. و هذا الذي يسعى إليه الأعداء دائما و أنّ قوتهم بتفرقة المسلمين، و ينالون منهم على حين فرقة فيما بينهم، و النبي صلى الله عليه و سلم نبه على هذا الأمر العظيم.

لزوم الجماعة من الأصول العظيمة المقررة، و هو ما يعرف عند السلف بالجماعة، قال صلى الله عليه و سلم: ( عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة). و أخبر أن الفرقة هي سبب الفتنة، و قال صلى الله عليه و سلم: ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاسية) لا يهجم على القطيع الكامل، المؤمن في معاملته لأخيه كالبنيان، في الإعانة و الرحمة و التكافل، فالبنيان يتألف من الطوب، و لا يسمى البنيان بنيانا حتى يتكون من الحجارة التي يبنى بها، بوضعها بعضها على بعضهم ذكر أعظم وصف يقوم بالبنيان؛ فقال صلى الله عليه و سلم يشد بعضه بعضا، فأصبحت كالجبل، فإن المسلمين فرادى و لكن إذا اجتمعوا صاروا في قوة و منعة، و هابهم أعداؤهم، و أمّا إذا لم يوجد هذا البنيان أصبحوا كالحجارة الملقاة هنا و هناك فلا ينتفع بها،  و المسلمين إذا كانوا متفرقين لا تحصل لهم القوة التي تحصل في اجتماعهم، هذا التشبيه الذي شبهه النبي صلى الله عليه و سلم تشبيه بليغ، و يستخرج من هذا الحديث عدّة فوائد؛ منها : اجتماع المسلمين في قوتهم أو تفرقهم بمنزلة هذا البنيان، هذا التماسك الذي يحصل لهذا البنيان بسبب الالتفاف و التعاون و التآلف؛ فالحجر لا يكون بنيانا إلاّ بالتآلف بينه.

للبناء طريقة تقليدية، يجمع الحجر و يألف بينه، فالبنّاء ينظر لهذا الحجر يضع كل واحد في مكانه، فهذه ثغرة كبيرة تحتاج إلى حجر كبير، و صغيرة تحتاج إلى حجر صغير؛ و هكذا المسلمين إذا تنافروا لايصلح بهم البناء، من المسلمين من يصلح للجماعة و منهم من لا يصلح.

هناك طريقة أخرى للبناء عند قدماء الروم و الفرس و الأتراك؛ و هو أن يعد هذا الحجر إعدادا بحيث يكون متفقا في حجمه و طريقته؛ فتشيد به هذه المباني التي نراها، و بقيت أثارها، أحجار منقوشة بنيت بها المباني. نحن نشبه الحجر المعد بمنزلة من بنى المجتمع المسلم بإعداده قبل البناء، كما بنى النبي صلى مجتمع الصحابة؛ المجتمع المثالي، و أمّا البناء الغير معد فهو بحجر غير معد، في هذه الأزمنة تكون هناك جماعة فيها أحجار معدة، و أخرى غير معدة، المعدة بمنزلة العلماء و طلاب العلم الذين تربوا و أعدّوا و هيئوا، و الحجارة الغير كمعدّة بمنزلة من دخل في الجماعة و قويت به الجماعة، لكن جمال الجدار و قوته بالحجارة المعدة أفضل من التي لم تعد، فيلاحظ الفرق بين البناء الذي أعدت حجارته و هيئت، و بين حجارة جمعت و ألفت بدون إعداد مسبق.

رابط البناء حسي؛ و هو الإسمنت الذي أصبح يستخدم بدل الطين، كذلك المجتمع المسلم هذه الروابط هي الحقوق، مثل السلام و ردّه، زيارة المريض، تشييع الجنائز، تشميت العاطس، إذا بقيت في الأمة بقي المجتمع، و انتفت سقط المجتمع، مثل الجدار التي ذهبت روابطه، و أصبح حجارة يعلوا بعضها البعض بغير روابط هي عرضة للانهيار.

من الفوائد: الخلل في البنيان؛ إذا تعاهدها صاحبها صلح البنيان، و إذا أهملها سقط البنيان هكذا حال المسلم، و حال المجتمع، إذا سقط المسلم من المجتمع أعيد إليه، و أُصلح من شأنه، تماسك به البنيان، و إذا أهملت الحجرة الواحدة تبعتها الأخرى، كذلك من شذ من المسلمين تبعه آخر، و تفكك البنيان.

ماذا ترك هذا المثل العظيم، فلو أن المؤمنين و المؤمنات امتثلوا هذا المعنى لصار لهم شأن عظيم، لاستحقوا النصر على جيع الأعداء، و لفازوا بكل أسباب السعادة.

قراءة 670 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 01 أيلول/سبتمبر 2021 09:25