قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الثلاثاء, 11 كانون2/يناير 2022 09:25

السنن الكونية و بناء إنسان في ضوء السيرة النبوية

كتبه  الأستاذ محمد الأمين مقراوي الوغليسي
قيم الموضوع
(1 تصويت)

إن الناظر في ساحات المسلمين اليوم ليهوله مشهد الفوضى الكبرى، التي تغلب على أفراد الأمة في مجابهتهم للحياة و مصاعبها، و في سعيهم لاستئناف الحياة الراشدة، و محاولة العودة إلى ريادة الأمم، حيث تعاظم الارتجال و غاب التخطيط، و سادت عقلية القفز على السنن الربانية، التي وضعها الله في الكون، حتى صار من المألوف مشاهدة الساعي لرفعة الأمة، يحاول العمل على ذلك دون وعي يبصِّره المعالم الهادية في خط سيره، و دون استرشاد يسدد خططه، و قد تراكم هذا الأمر عبر العقود الماضية، حتى صار الأصل الثابت في واقعنا.

و برغم التطور المادي والتقني الهائل الذي وصلت إليه حضارة اليوم، إلا إن الأمة أهملت ما أتيح لها من وسائل تواصل و اتصال متطورة، و أدوات معرفة متاحة على نطاق غير محدود، مع ما ينضاف إلى ذلك من توفر كفاءات على قدر كبير من العلم و الحرفية و المهنية، و ثروات طبيعية و موارد مالية ضخمة، حيث كان من الممكن بناء حضارة حقيقة في بضعة عقود لو أحسن رجالها استغلالها. و لا يجب أن يُفهم من هذا أن الغاية القصوى من هذه الكلمات هي الوصول إلى بناء مدن كبيرة، و ناطحات سحب عملاقة، و التسابق مع الأمم الأخرى في الكماليات و ثقافة الرفاهية، و التباهي بين الشعوب بالاستثمار في الحجر؛ بل إن المقصود الحقيقي هو بناء الإنسان، الذي يعد رأسمال أي أمة تريد البقاء والاستمرار و السيادة، و هو أمر جلل قلّ أن تكلل الجهود فيه بالنجاح إن تنكبت الطريق الصحيح، الذي سنه الله تعالى لهذه الحياة.

لأجل هذا كله كان على المفكرين و المنظرين لمسيرة إعادة الأمة إلى مركز القيادة الحضارية للعالم:  أولاً: التنبيه المستمر على خطورة إضاعة الجهود في خطط غير مدروسة، لا تراعي قوانين التاريخ، و لا تهتم بعوامل بناء و فناء الحضارات، و فواعل النهوض.

ثانياً: الإصرار على إيجاد العقل المسلم المنهجي في نظراته للأزمات المختلفة، و المنهجي في التعاطي مع رسم الحلول، و المنهجي في وقوفه مع فواعل النهضة، ذلك العقل المبني على الرؤية المؤسسة المتبصرة و البعيدة عن العشوائية الشفوية.  و لأن السيرة النبوية هي المرجع العملي الأول للمسلمين، فقد كان من الواجب استئناف مسيرة البناء منها؛ باعتبارها النموذج الحضاري و التاريخي الأول و الأمثل لأمة الإسلام. في مركب السنة و السننية: لقد بنى النبي صلى الله عليه و سلم  إنسان السنن الكونية، و علَّم الصحابة الأخذ بها، حتى في أحلك الظروف، و أشد الأوقات، و التي لشدتها و قوتها ذكّرهم الله بها امتناناً عليهم بأن نجاهم منها و بدّل حالهم من الضعف إلى العزة، فقال سبحانه: {وَاذْكُرُوا إذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَ أَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26]، فقد كان الرعيل الأول من الصحابة يعيشون بين مطارد أو معذب أو مسجون، و كانت المرحلة المكية مرحلة ضعف لا قوة، فترة صعبة و حرجة جداً في عمر الدعوة، ما ينفي ابتداء و انتهاء كل محاولة لضرب هذا المنهج باسم الواقع المأساوي الذي نعيشه اليوم.

لقد وضع النبي صلى الله عليه و سلم  قواعد واضحة في كيفية التعامل مع السنن الكونية و التلبس بها، حتى رسخت لديهم رسوخاً تاماً، و كانت الحكمة النبوية من ذلك إخراج الصحابة من ذهنية التعامل مع الحياة بمزاجية و استسهال، لحداثة عهدهم بعصر الجاهلية، حيث كان التخبط و الفوضى سمة عرب الجاهلية، إلى عقلية فذة، إسمنتها الإيمان الصلب، و بصيرتها الوقوف على سنن الله الكونية، و قوتها في الارتباط بالمدد الغيبي الرباني، حتى يُعدّهم للمسيرة الطويلة، التي ستغير التاريخ إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها، و أمثلة ذلك كثيرة، غير أننا سنذكر مثالاً مغيباً، برغم أنه الأصل في هذا الباب على الأقل على ضوء السيرة النبوية الكريمة: أخرج البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم  وه و متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنين و ما يصده ذلك عن دينه، و يمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب و ما يصده ذلك عن دينه، و الله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه و لكنكم تستعجلون»، لقد ظن خباب رضي الله عنه أن كون الإنسان على الحق أمر كاف للتغلب على الباطل و أنصاره، و أن كون الإنسان مظلوماً أمر كفيل بحسم المعركة لصالحه، فعاتبه عليه الصلاة و السلام على هذا الفهم، و علّمه أن النصر و التغيير لا يمكن أن يأتي إلا وفق سنن الله تعالى في الكون، و التي منها المغالبة و الصبر على كل أنواع المشاق، التي يسببها السير في طريق التغيير و الإصلاح، لقد كان هذا الموقف النبوي دعوة للصحابة لاكتشاف عالم السنن الكونية، بالإشارة إلى أحد معالمها، مع الحرص على تجسيد فهمها على الواقع، و قد نجح الصحب الكرام في اكتشافها و التلبس بها، بل إن استقراء سيرة مواقفهم بعد هذه الحادثة، يكشف ثباتهم على هذا المنهج، بل لا توجد بعد هذه الحادثة شكوى مماثلة من مضايقة الكفار لهم، و إنما مواقف يتضح منها رسوخ نفوسهم في فقه السنن الكونية، و استشرافها و الدوران معها تكيفاً و استغلالاً و انسجاماً، مع التعلق بموعود الله للمتقين الصابرين بالتمكين: {وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].

خباب و منهج السننية: إن لهذه الحادثة مغزًى عظيماً، بسبب ما أحاط بها من أحداث و ظروف و وقائع، فقد كان زمانها بداية الدعوة، حيث كان عدد المسلمين قليلاً جداً، و غير كاف لمواجهة التحديات الكبيرة التي كانت تهدد وجودهم، و مكانياً فقد كانت وقائع القصة في مكة و قد كانت وقتها مركز الجاهلية التي عمّت الجزيرة العربية، و كان يسكنها صناديد الطغيان و عتاة الإجرام، و أما خباب فيكفي أن نعلم أنه لم يشتك استبطاء النصر لعجلة في نفسه أو لأنه مل حالة رخاء لم يعرفها، بل لأنه لاقى أشد أنواع العذاب على يد كفار قريش، فقد كانوا يضعونه على بطنه فوق الرمال الحارقة، و يعمدون إلى حجارة حامية جداً، قد أوشكت على التفجر من شدة حرها، فيضعونها على ظهره حتى تخرقه و تنطفئ فيه.. لقد كان مشهداً مروعاً و متكرراً في حياته، و في حياة رفاقه من الصحابة الكرام، ما جعله رضي الله عنه يقصد النبي صلى الله عليه و سلم  ليستنصر لأصحابه، بعد أن اشتد عليهم العذاب من أعداء الرسالة الخاتمة، و ضعفوا عن تحمله لقلة عددهم، و ضعف حيلتهم. و يترتب على ما سبق مجموعة من العبر الخالدة، التي تصلح أن تكون مادة من مواد بناء الإنسان، و تفيد المتطلع إلى الإمساك بفقه البناء، و التلبس بقيمه الضابطة لمسيرته.

لماذا تنكبنا الهدي النبوي في بناء الإنسان؟ لكن بفعل ما يلاقيه الكثيرون من صعوبات متراكمة في التعامل مع التدفق العالي لوقائع الحياة، و السيل الهائل من المتغيرات التي تجتاح تصوراتهم؛ بسبب انفتاح التعامل اليومي للفرد على عالم سريع التغيرات، شديد التعقيدات، سريع التقلبات، كثير المفاجآت، و مع ما تمر به الأمة من محن متتالية لم تفارقها منذ عقود طويلة، وقع الكثير من المسلمين في استعجال تغير الحال، و تركوا التخطيط و الصبر في التنفيذ، و عششت المزاجية محل البصيرة التاريخية، فكان أن فشلت الكثير من الجهود في بلوغ هدفها، بل إن بعض تلك المجهودات آتت نتائج عكسية أعادت الأمة إلى المربع الأول، و قد تكرر الأمر، حتى دخل الشك في قلوب العاملين لعودة الأمة إلى رشدها الحضاري و دورها التاريخي، و توالت الأسئلة التي تعبر عن الحيرة في فهم أسباب الإخفاق و الفشل، لذلك كانت إعادة إحياء فقه السنن الكونية واجباً على الأمة و فرضاً مقدساً، فهي هدي نبوي دائم و ثابت، يحدد المعالم الهادية للمصلحين و المجددين، و فيه أسرار بناء الأمم، و تشييد الحضارات، و صناعة الإنسان.

رابط المادة: http://iswy.co/e2c7jd

قراءة 689 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 12 كانون2/يناير 2022 10:26

أضف تعليق


كود امني
تحديث