روى الإمام أحمد برقم (22220)، و النسائي (2220)، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقلت: مُرني بأمرٍ آخذه عنك؟ قال: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا مثل له[1])).
و في رواية لهما[2]:((عليك بالصوم؛ فإنه لا عدل له[3])).
قال الرواي: فما رُئي أبو أمامة، و لا امرأتَه و لا خادمَه إلا صيامًا، قال: فكان إذا رُئي في دارهم دخان بالنهار قيل: اعتراهم ضيف، نزل بهم نازل، قال أبو أمامة: فلبثتُ بذلك ما شاء الله، ثم أتيتُه، فقلت: يا رسول الله، أمرتنا بالصيام، فأرجو أن يكون قد بارك الله لنا فيه يا رسول الله، فمُرني بعمل آخر، قال: ((اعلم أنك لن تسجد لله سجدةً؛ إلا رفع اللهُ لك بها درجة، و حط عنك بها خطيئة)).
معنى قوله صلى الله عليه و سلم: ((عليك بالصيام فإنه لا عدل له))، أو ((لا مثل له)):
ذكر أهل العلم: أنه يُحمل على أحد أمرين:
الأول: أن يُقال فيه: سوى الشهادتين و الصلاة؛ فإنهما أفضل منه.
الثاني: و هو نوعان:
1- بقاء الحديث على ظاهره، و يُراد بقوله صلى الله عليه و سلم ((لا مثل له)) أي: في بابه، كتأديب النفوس و تهذيبها، و كسر الشهوات، و رقة القلوب، و حبّها للطاعات، و نحوها.
2- أن يُراد بقوله صلى الله عليه و سلم: ((لا مثل له))؛ أي: في الأجر، و إن كان غيره أعلى منه منزلة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
قال بعض السلف: المُراد بالصبر هنا: الصيام، و معنى: ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾؛ أي: إنما يُكال لهم كيلًا من غير عدِّ.
و في الحديث القدسي: ((قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي و أنا أجزيه به))، فخصَّ الله به نفسه لا يشاركه فيه غيره، و الله أعلم[4].
[1] صحيح: راجع: "الصحيحة" برقم (1937)، و"الصحيح المسند" (488).
[2] للإمام أحمد في "المسند" برقم (22276)، و النسائي في "سننه" (2222).
[3] صحيحةٌ كالتي قبلها: راجع: "صحيح و ضعيف النسائي" برقم (2222)، و"تحقيق المسند" للأرناؤوط (36/ 465)، و الله أعلم.
[4] راجع للبسط أكثر: "الاستذكار" (3/ 375)، و"تفسير القرطبي" (15/ 241)، و"فيض القدير" (4/ 330)، و غيرها، و الله أعلم.