قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الجمعة, 03 شباط/فبراير 2017 15:19

نحن والرأي العام الأمريكي: أحلامنا بين نقد الأشخاص و نقد المؤسسات

كتبه  الأستاذ محمد شعبان صوان من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

آراء أكاديمية عربية في الرأي العام الأمريكي

يقول الدكتور محمد إبراهيم الحلوه في دراسة بعنوان "الرأي العام الأمريكي و السياسة الخارجية الأمريكية" : "الذي يبدو لنا لأول وهلة أن الرأي العام هو رأي عامة المواطنين غير الرسميين و الذي ترى الحكومة أن من الحكمة احترامه و أخذه بعين الاعتبار. لكن في حقيقة الأمر تبلور الرأي العام في بعض الدول و منها أمريكا و انحصر برأي النخبة أو الصفوة في المجتمع مما قلل من دوره كمؤثر مستقل في توجيه السياسة الأمريكية بصفة عامة و الخارجية منها بصفة خاصة...

"إن الرأي العام في الولايات المتحدة هو رأي قلة تتمثل "بالنخبة" أو "الصفوة" في المجتمع الأمريكي..
"(مما يعني) الدعوة لتصحيح مفهومنا عن قوة وهمية، كثيراً ما اعتمدنا عليها، و تطلعنا لها، لإنصافنا من الحكومة الأمريكية، و هي قوة الرأي العام الأمريكي، كمؤثر مستقل في السياسة الخارجية الأمريكية. لقد اتضح لنا ..أن الرأي العام الأمريكي يعني في حقيقة الأمر رأي النخبة أو الصفوة في المجتمع الأمريكي، و ليس برأي العامة، و أن هذه النخبة أو الصفوة تتمثل في وجهاء المجتمع الأمريكي" المجلة العربية للعلوم الإنسانية الصادرة عن جامعة الكويت عدد 101 خريف 1986 ص 102-117.

و رغم سلامة و صلابة النتيجة التي توصل إليها الباحث و صلاحيتها للبناء عليها خطة محكمة للتحرك السياسي المثمر بعيداً عن الأوهام و الأساطير، فإن الخطة التي رسمها لا تتناسب حجماً و لا زخماً مع ذلك الاستنتاج و هي مناسبة فقط لواقع الدولة العربية المعاصرة بضعفها و تبعيتها و سياساتها الاستجدائية :"إن البداية السليمة للدخول إلى الرأي غير الحكومي في المجتمع الأمريكي تتطلب الوصول إلى النخبة الأمريكية أينما وجدت في السياسة و المال و الصحافة و الجامعات. و الوصول إلى هذه النخبة لا يتم عن طريق استخدام الوسائل العامة من صحافة و إذاعة و نشرات إعلامية توزعها السفارات العربية، و إنما يتم من خلال اتصالات شخصية مبرمجة و مكثفة و مستمرة، تعكس رغبة جادة للوصول إلى النخبة الأمريكية، لإبلاغها رسالة عربية تتضمن شرح المواقف العربية بأسلوب موضوعي يبرز المصالح العربية – الأمريكية المشتركة بالحقائق و الأرقام، و يظهر الضرر الذي لحق و سيلحق بالسمعة و القيم الأمريكية نتيجة لتجاهل المجتمع الأمريكي للقضايا و الحقوق العربية".

و من سجل الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت إلى اليوم يبدو بجلاء أنها غير معنية بالحفاظ على سمعتها و مصالحها المشتركة مع العرب و قيمها، إذ لم يكن لها سمعة حسنة أصلاً منذ الحرب الكبرى الأولى، و مصالحها في العالم العربي مؤمنة مهما انغمست في غيها و بالغت في عدوانها، أما قيمها فليس لنا أن نعلمها إياها و نزايد عليها بعدما تقاسمت هي قيم التوراة مع الكيان الصهيوني (حديث الرئيس الأمريكي جيمي كارتر أمام الكنيست الصهيوني مارس / آذار 1979 و هو ما جرت عليه السياسة الأمريكية منذ نشأتها و ليس منذ نشأة الكيان الصهيوني فقط)، و لهذا فلن يكون "للأسلوب الموضوعي" أي جدوى مع نخبة الأمريكيين إلا إذا كان له جدوى مع اللص الفاجر عندما نحاول منعه من السرقة و قطع الطريق بمجرد إقناعه بأنها أفعال حرام !

إن لنا بعد الاطلاع في دراسة سابقة (أمريكا مدينة على تل أم صنم على جبل/ 1) على حقيقة موقف الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن (1861-1865) من حرية الرقيق، و كونها تابعة لبقاء الاتحاد الأمريكي سواء ببقاء الاسترقاق أو زواله، أن نعقب على المدخل الذي اقترحه المفكر الراحل إدوارد سعيد للقضية الفلسطينية في المجتمع الأمريكي و ذلك حين قال إننا يمكن لنا أن نقنع هذا المجتمع بقضيتنا بالدخول عبر ميراث لنكولن الإنساني(1)، و لست أدري هل ظل يؤمن بهذه الفكرة إلى آخر حياته أم أنها تغيرت مع سلسلة خيبات آماله في هذا المجتمع بعد التنازلات الكبرى التي قدمها للمجتمع الأمريكي مثل التخلي عن فلسطين 1948، و القبول بأن الكيان الصهيوني "وجد ليبقى"، بالإضافة إلى التخلي عن حق العودة، و لكن لا بأس من الرد على مدخله المقترح لمن مازال يحمله من أصحاب الآمال الواسعة الذين مازالوا يتلقون الضربة تلو الضربة من التصريحات المتكررة من المسئولين الأمريكيين الكبار الذين يتملقون رأيهم العام عن أهمية الكيان الصهيوني في الاستراتيجية الأمريكية.

 لقد كان تفسير الحرية الأمريكية خاضعاً للطمع في امتلاك أرض الهنود، كما تحققت الديمقراطية الاقتصادية بين البيض على حساب توزيع الموارد الهندية المسلوبة ، و إن "المحرر العظيم" كان الفاتح العظيم لأراضي الهنود و كان المخضع العظيم لقبائلهم و القاتل العظيم لهم أيضاً، و قد أقر أحد المؤرخين بأن هذا الرئيس الذي أصبح منافساً للمسيح ذاته في الفكر الأمريكي، كان يشارك قومه الرأي فيما يتعلق بمصير الهنود(2)، و لهذا ليس لنا أن نأمل في مكان أفضل من مكان الهنود عندما يتعلق الأمر باستعمار استيطاني يستهدف أرضنا بصفتنا سكاناً أصليين و يمثل القيم ذاتها التي فتح لنكولن و غيره من رؤساء أمريكا أراضي الهنود في ظلها، كيف لا و قد سجل الرئيس نفسه في سنة 1863 موافقته على "إعادة اليهود إلى وطنهم القومي في فلسطين" و وصف هذه العودة بأنها "حلم نبيل يشترك فيه كثير من الأمريكيين"(3) و تمنى أن يأتي اليوم الذي يتمكن الأمريكيون من قيادة العالم لتحقيق أحلامهم، و ذلك بعد الانتصار في الحرب الأهلية، فماذا بقي لنا من ميراث لنكولن؟ و هل من العجيب أن يستمر الميراث الصهيوني لأبراهام لنكولن في المجتمع الأمريكي ثم لا نجد له أثراً في دعم القضية الفلسطينية إلى درجة أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة عجزت عن ترويض هذا الرأي العام بعدما أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر سنة 1973 أن الولايات المتحدة مستعدة لممارسة أقصى الضغط على إسرائيل للانسحاب (من أراضي 1967)، و لكن يجب عليها (أي على أمريكا) إعداد الرأي العام الأمريكي، و إعطاء الوضع السياسي في إسرائيل الوقت لينضج (4)، و لم نتبين منذ ذلك الوقت ما اعترف به "صديقنا" كيسنجر و هو أن الرأي العام الأمريكي يعادي الحد الأدنى من حقوقنا بقدر معاداة الكيان الصهيوني لها و ما زلنا نراهن على هذا الرأي العام "الطيب" و نضخم مظاهر الطيبة الإنسانية فيه و نظن عندما نرى عازف بيانو يتصدى للجدار العنصري العازل بالموسيقى أن الأمريكيين كلهم مستعدون لمواجهة آلة الكيان الصهيوني العسكرية العملاقة كاستعداد بعضهم للموت دفاعاً عن بطريق القطب المتجمد، و نصم آذاننا عن تصريحات التملق التي يطلقها كل مرشحي الرئاسة و بقية المناصب للكيان الصهيوني، و لا نسأل أنفسنا من هو الجمهور الواسع الذي يراد إسماعه هذه التصريحات و تملقه بها، أو نعتقد أنها موجهة فقط ليهود أمريكا ذوي النفوذ الأخطبوطي الذي يأسر بأذرعه الأمريكيين الودعاء، مع أن زعماء الكيان الصهيوني يواجهون النقد من الكنيست أكثر مما يواجهونه من الكونجرس، حيث السب و الشتم و الاتهامات و المحاكمات من جهة ممثلي الشعب في الكنيست في نفس الوقت الذي لا يجدون سوى الهتاف و التصفيق و الحفاوة و الدعم و التأييد و التمويل و التشجيع من جهة ممثلي الشعب الأمريكي.

و يفصل الدكتور فواز جرجس الحديث عن الرأي العام الأمريكي و يحل بعض الإشكالات التي ترد في ذهن متابع الموضوع، و من النقاط الهامة في طرحه:

الرأي العام الأمريكي محدود التأثير جداً في السياسة الخارجية إلا في بعض القضايا القليلة جداً.

السبب في قلة تأثير الجمهور نقص الاهتمام و المعرفة بقضايا السياسة الخارجية و سرعة التأثر بالقيادة السياسية (فسلبية تبجيل القيادة ليست خاصة بالمسلمين وحدهم كما يحلو للاستشراق و التغريب القول !).

أقل من ربع الجمهور الأمريكي على معرفة بأمور السياسة الخارجية و يسمى "الجمهور الفطن".

هذا ما يجعل الرأي العام عرضة للتقلبات و التلاعب من جهة القيادة و الإعلام و استطلاعات الرأي (و هي صفة أخرى ليست خاصة بالمسلمين وحدهم كما يبدو !).

الرأي العام قيد ضعيف على صنّاع السياسة، و تأثيره أقل استمراراً و مباشرة من تأثير جماعات الضغط و الأحزاب السياسية، و يمكن أن يؤتي مفعوله بمرور الزمن الطويل، و الجمهور الفطن أهم من الجمهور العام، و مصادره الإعلامية تجعله متفقاً مع النخبة السياسية الحاكمة، حيث أن وسائل الإعلام هي المصدر الرئيس لتكوين المفهوم العام عن الإسلام و المشرق، لاسيما في غياب إعلام نقدي و هو ما سهل على القيادة و الإعلام تشكيل و تسيير الرأي العام الذي كان سلبياً و ليس مشاركاً في الأحداث و لهذا فإن القيادة لا تعيره اهتماماً خاصاً في ممارستها للسياسة الخارجية.

الانتخابات الأمريكية ليست استفتاءات على السياسة الخارجية، و أوضح دليل هو فشل بوش الأب في تجديد رئاسته رغم نجاحه في إدارة أزمة الخليج من وجهة نظر الرأي العام الأمريكي (90%)، و هو أبرز رئيس في اهتمامه بالسياسة الخارجية، إلا أن ذلك صار عائقاً في وجهه و ليس رصيداً له حيث تمكن بيل كلينتون من التفوق عليه بسبب تركيزه على القضايا الداخلية.

المناخ الفكري الأمريكي سلبي و قاس تجاه المسلمين مما يجعل من فكرة اللوبي العربي دفاعية لا هجومية و تستهلك الجهد في تحسين صورة المسلمين خلافاً للوبي الصهيوني الذي يشارك في صنع السياسة الخارجية الأمريكية مباشرة و تعد قضية الكيان الصهيوني مسألة داخلية أكثر منها خارجية في المجتمع الأمريكي و الدعوة إلى الضغط عليه انتحار لأي مرشح سياسي، لاستناد الصهيونية الإسرائيلية إلى أرضية ثقافية مشتركة مع جمهور واسع من الشعب الأمريكي أكثر من استنادها إلى الجمهور اليهودي الأمريكي، "و سيكون من المضلل أن نتوقع من جماعات الضغط العربية الأمريكية ممارسة أية ضغوط فعالة، ناهيك عن التأثير في صناعة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية" (5).

واقع النقد الموجه لترامب من الرأي العام الأمريكي

النقد من المزايا المشهورة في الغرب، و لكن يلاحظ متتبع النقد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي في تاريخ الحضارة الغربية، أن هذا النقد يوجه عادة للأشخاص الذين يرتكبون الأخطاء و ليس لمؤسسات الأنظمة الحاكمة (6)، و لكن رغم كثرة هذه الأخطاء لم يتحدث أحدهم عن نقد المؤسسة الحضارية النفعية التي أنتجت هذه النماذج الكثيرة و المتكررة، و إلا فإنه يخرج من دائرة الانتماء إلى طليعة التقدم البشري العقلاني الديمقراطي أو على الأقل يتم تهميشه كما حدث لأصحاب النقد الجذري، في الوقت الذي يحلو للغرب و أتباعه المتغربين فيه نقد المؤسسات الحضارية الأخرى نقداً جذرياً يدعو إلى القضاء عليها استناداً إلى كثرة أخطاء أفرادها، و من العجيب أن ينبهر أبناؤنا باستمرار بالاحتجاجات السياسية في الغرب ضد الممارسات الظالمة الحالية أو غيرها و لكنهم لا ينتبهون إلى أن الخيارات التي تتيحها هذه الاحتجاجات ليست بالضرورة انتقالاً من السيء إلى الجيد، حيث تركز على الأعراض و ليس على الأسباب، هذا إذا افترضنا أن الاحتجاج هو الظاهرة الأعم و ليس بقية الظواهر السلبية كالعنصرية و الكراهية و الإذعان للسلطة.

عندما دعا المفكر الأمريكي المعارض المعروف نعوم تشومسكي إلى انتخاب هيلاري كلينتون بصفتها الخيار الأقل سوءاً في الانتخابات الأخيرة، لفت نظره أحد الكتاب إلى أنها خيار سيء جداً نظراً لمشاركتها السابقة فعلاً في عمليات عدوان دموية أمريكية على بقية العالم، و من المتوقع أن تستأنف مسيرتها كبقية أسلافها الرؤساء (الذين أذاقونا الأمرّين) إذا فازت بالرئاسة، و من يراهن عليها سيتحمل مسئولية الجرائم التي سترتكبها مستقبلاً (7)، و لكن يبدو أننا ابتلعنا طعم وجوب الاختيار الحصري بين السيء و الأسوأ، بل أصبح السيء هو الجيد و المأمول مادام يبعدنا عن الأسوأ، و في المحصلة نبقى في دوامة في الفنجان الصغير بين الجمهوري و الديمقراطي كلما مللنا من أحدهما لجئنا إلى الآخر دون تغيير حقيقي، و إلا كيف لنا اليوم تخيل أن شخصاً محدداً كالرئيس ترامب هو "الشرير"، و أن الاحتجاج ضده يمثل الجانب "الطيب" الذي تعلق عليه آمال البشرية، و نسينا أن الخيار السياسي الذي يراهن عليه "الطيبون"، كهيلاري كلينتون مثلاً و التي لم تكن لتتخذ إجراءات كترامب، هذا الخيار هو الذي سحقنا منذ ولدنا و سحق غيرنا من قبلنا، و كيف لنا أن نعتقد أن احتجاجات هذا هو خيارها الذي تعايشت مع جرائمه سنوات طويلة منذ بداية الجمهورية الأمريكية ستكون هي المنقذ؟ و هل نعتقد فعلاً أن بديل ترامب هو الحل الأمثل؟ ألم نجرب هذا البديل لقرون قبل ترامب الذي يصور بصفته استثناء "شريراً" من سلسلة "طيبة" سبق أن صبت الويلات على رءوسنا؟ و ماذا سيفعل الفرحون بالاحتجاجات عندما يرتكب البديل جرائم أخرى مررها المجتمع الأمريكي من قبل سواء بالصمت أو التواطؤ أو حتى باحتجاجات ضخمة و لكنها غير مجدية و هذا منذ بداية التسلل الأمريكي للمنطقة كالاعتراف بالكيان الصهيوني و دعم جرائمه دعماً كاملاً إلى غزو العراق و أفغانستان مروراً بتنصيب العملاء و المستبدين و تقسيم بلادنا و نهب ثرواتنا و تأجيج صراعاتنا الداخلية؟ و هل يمكننا تصور الوقوف في صف واحد مع مادلين أولبرايت التي تنتقد ترامب اليوم بشدة و تدعي التضامن مع المسلمين و هي التي بررت إبادة نصف مليون عراقي عندما كانت في منصب رسمي؟ ألا يعطينا هذا إشارة هامة عن آفاق هذه الاحتجاجات التي نفخنا لها الأبواق و قرعنا لها الطبول و رفعناها إلى سدرة المنتهى؟ ألا يجب أن ينبهنا ذلك إلى أن العداوة التي نلمسها ليست عداوة أشخاص فقط بل عداوة مؤسسية و أن ترامب ليس مجرد إبليس بين الملائكة؟ و أن من يدعي تأييدنا اليوم سبق أن أبادنا بالأمس وسط صمت بل إقرار مجتمعي داخلي و تواطؤ دولي و من المؤكد أنه سيجدد العهد في أي وقت بجرائمه؟ و هل يريد الفرحون بالاحتجاجات رئيساً على غرار بوش الأب مدمر العراق أو الابن الذي احتله؟ أو ريغان قاصف ليبيا أو كارتر كامب ديفيد؟ أو أوباما بائع الكلام العاجز عن تنفيذه أو بيل كلينتون محاصر و قاصف العراق أم زوجته بعده؟ و هل أصبح أفق أمانينا هو التخلص من ترامب لتعود أمريكا سيرتها الأولى؟ (هل مازلنا نذكر كيف كنا في بداية "عملية السلام" نراهن على حزب العمل الصهيوني بعدما وصل الليكود إلى السلطة و نسينا أن العمل هو الذي أسس الكيان المجرم و ارتكب كل جرائمه؟؟ كما حصل في قصة الفلاحة التي اشتكت من ضيق بيتها فقام زوجها بإدخال حيواناته في البيت فأصبح أقصى أحلام الزوجة أن يخرج الحيوانات من المنزل لتعود إلى الحالة الأولى بسرور بالغ و نسيت شكواها و مظلمتها و سوء حالها دون أي تغيير على الأرض)، و قد ذهب بعضهم أبعد من ذلك في الانبهار حين زعم أن السياسة الغربية لا تمثل بالضرورة قيم الغرب ! (هل تمثل إذن قيم الهنود الحمر؟ أم قيم الإسلام مثلاً؟ و هذا إصرار عجيب على الانبهار بلحظة مجتزأة و تكبيرها أكثر من حجمها و نفي الواقع و رؤيته بعدسات وردية غير واقعية).

  هنا تبرز معضلة التعلق بهذا الخيار الحضاري بصفته ذروة التطور البشري، أو بصفته واقعاً لا محيص عنه، أو بصفته الخيار الوحيد الذي لا بد من الحصول على أفضل الممكن منه دون غيره، و حصر الخيارات فيما يقدمه، حيث نصبح مخيرين بين السيء و الأسوأ، و ننسى ما لدينا من خيارات أخرى، لاسيما بصفتنا "الآخر" المحكوم عليه منذ البداية بالاستثناء من الجنة الغربية الحصرية، حيث يستهلك 20% من البشرية 80% من موارد العالم، فيهلل المهللون لجمال هذه الجنة و كونها أرض الأحلام التي يتوق إليها الملايين و التي عجزت بقية الحضارات عن إنجازها، دون ذكر النهب الدولي الاستثنائي الذي زرعته المرحلة الاستعمارية بالقوة و مازال ساري المفعول فأتاح لهذا الخيار البقاء، و لولاه لما كان للص أي ميزة يتباهى بها على الخلق و ينعم على نخب منهم بالانضمام إلى هذه الجنة بعد تحويل مواطنهم الأصلية إلى قفر يباب كما تؤكد أرقام ذلك الاحتكار.

الخلاصة

علينا أن نعي حدود قدرات الرأي العام في تكوين سياسة الولايات المتحدة، و يجب ألا يخدعنا مشهد الرأي العام المحتج على إجراءات ترامب، فعلى فرض كونه الغالبية، و هذا ليس واقعاً (8)، فإنه هو نفسه الرأي العام الذي راقب جرائم كثيرة قبل ترامب بتواطؤ أو عجز، فهذا الرأي العام ليس صفحة بيضاء تنتظرنا لنكتب فيها ما نشاء، و لا هو جمل تائه يسيره من يجده نحو أهدافه، و الخلاف القائم حالياً على الهجرة ليس بين الملائكة و الشياطين، بل هو خلاف على سياسة الداخل و ليس السياسة الخارجية التي لا تعني الرأي العام الأمريكي كثيراً، و عندما نجد مجرمين سياسيين كمادلين أولبرايت يشاركون في مشهد الاحتجاج، و قد سبق للرئيسين بوش الأب و ابنه أن استنكفا عن دعم ترامب، فإن هذا ما يجب أن يرشدنا إلى حقيقة هذا الاختلاف داخل المجتمع الأمريكي فضلاً عن وجوب عدم ركوننا إلى رأي ليس غالباً و عدم محاولة جعله هو السمة البارزة رغماً عن الحقائق الجلية، لاسيما أن هذا الرأي الأمريكي المخالف لترامب يهدف إلى عودة أمريكا إلى عادتها القديمة، فهل هذا هو فعلاً ما ينصفنا؟ أم أننا يجب علينا البحث عن بديلنا الحضاري بدلاً من المراهنة على جياد الآخرين الملغومة كحصان طروادة و التي تجعلنا أسرى لحظة مجتزأة قد تكلفنا كثيراً من التنازلات عند الركون لأمثال بوش و أولبرايت و كل من ترضيه سيرة أمريكا قبل ترامب دون فهم مركبات دوافعهم، و إنه لمن الغريب أن يصبح استقبال العراقي في أمريكا أم عدم استقباله هو معيار قياس درجة الإنسانية و نسيان كل ما فعله الأمريكيون من قتل و دمار و حصار و تجويع و نهب و سلب و تقسيم و فرقة في العراق و هو ما أجبر مواطنيه على مغادرته، و هل سنقول بعد ذلك إن أمريكا تفضلت على الفلسطينيين حينما استقبلت أعداداً كبيرة منهم و فتحت لهم أبوابها ليعيشوا بازدهار رغم مشاركتها الحثيثة في تهجيرهم من وطنهم و مسحه من الخريطة و منع عودتهم إليه و ممالأة أعدائهم على قتلهم و سلبهم؟

الهوامش

1-إدوارد سعيد، القضية الفلسطينية و المجتمع الأمريكي، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1986، ص 28.

2-Francis Prucha, The Great Father, University of Nebraska Press, Lincoln, 1995, p. 413.

3-مايكل أورين، القوة و الإيمان و الخيال، كلمة و كلمات عربية للترجمة و النشر، أبو ظبي و القاهرة، 2008، ص 225.

4 -الدكتور علي محافظة، بريطانيا والوحدة العربية 1945-2005، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011، ص 276.

5-الدكتور فواز جرجس، السياسة الأمريكية تجاه العرب: كيف تصنع ؟ و من الذي يصنعها ؟، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998، ص 100-103 و 114-119 و 128-132.

6-نفس المرجع، ص 123.

7-http://anotherdayintheempire.com/noam-chomsky-wants-you-to-vote-for-hillary-clinton/

8- http://ipsos-na.com/download/pr.aspx?id=16379

قراءة 1736 مرات آخر تعديل على الجمعة, 10 شباط/فبراير 2017 08:00

أضف تعليق


كود امني
تحديث