قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الإثنين, 19 شباط/فبراير 2018 14:14

العلاقة بين المظهر و الجوهر

كتبه  الدكتور عبد الكريم بكار
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أنزل الله جل و علا في المنافقين سورة سُميت باسمهم، تفضح بعض مواقفهم، و تُخبر عن بعض صفاتهم، و كان من جملة ما نَعَتَهُمْ الله تعالى به قوله: {وَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَ إِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4]. فقد وصفهم الله تعالى بأن الناظر إليهم يُعجبُ بجمال أجسامهم، و من يسمعهم يُؤخذ بفصاحة ألسنتهم، لكنهم كالهياكل الفارغة، أشباح بلا أرواح، و أجسام بلا أحلام. و هذه الصفات تتناسب مع حالة النفاق، إذ إن ظاهر المنافق دائمًا خير من باطنه، فظاهره الإيمان، و باطنه الكفر، و هو ذلق اللسان، لكنه يقول غير ما يعتقد؛ فهو كذاب، و هو جميل الصورة، لكنه عاطل من الصفات النبيلة كالإيمان و المروءة و الرجولة، و كل ما يزين الباطن. و قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “كان عبد الله ابن أُبي (رأسُ النفاق) وسيمًا جسيما صحيحًا صبيحًا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه و سلم مقالته” (تفسير القرطبي:18/124).

و لمّا كان للظاهر سلطانه القوي في التأثير، و انتزاع الإعجاب علَّم النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه ضرورة تجاوزه إلى المعاني الباطنة؛ لأنها هي الفيصل الحقيقي في تقييم الرجال؛ و قد ورد في الحديث الصحيح: أن رجلًا مرَّ على النبي صلى الله عليه و سلم فقال: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قالوا: حريٌّ إن خَطَبَ أن يُنْكَحَ، و إن شَفَعَ أن يُشَفَّعَ، و إن قال أن يُسْمَعَ. ثم مرَّ رجلٌ من فقراءِ المسلمين، فقال: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قالوا: حريٌّ إن خطبَ أن لا يُنْكَحَ، و إن شَفَعَ أن لا يُشَفَّعَ ، و إن قال أن لا يُسْمَعَ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: «هذا خيرٌ من ملءِ الأرضِ مثلَ هذا» (أخرجه البخاري: [5091]). ففضَّل النبي صلى الله عليه و سلم الفقير على الغني، و ذلك لا يلزم منه تفضيل كل فقير على كل غني، إنما أراد أن يعلمهم أن التفاضل لا يقوم أبدًا إلا على المعاني الباطنية، و ما يتبعها من أعمال. و تطرح هذه الآية الكريمة مسألة خطيرة في حياة الإنسانية بعامة و حياة المسلمين بخاصة، هي قضية العلاقة بين الشكل و المضمون، أو الجوهر و المظهر. الجوهر و المظهر و نعني بالجوهر ابتداءً: مجموع الخصائص الخُلُقِيَّة و النفسية، و الصور الذهنية، و الخبرات و الموازنات العميقة للفرد. أما المظهر: فإنه مجموع ما يحمله الفرد من الصفات الجسمية، و ما يمتلكه من الأشياء، و ما يتحمله من وظائف، مما لا يعد على صلة مباشرة بكينونته الذاتية. في البداية ليس الجوهر و المظهر شيئين منفصلين انفصالًا تامًا، بل بينهما علاقة تأثر و تأثير و أخذ و عطاء، و قد ورد ما يدل على هذا، فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم كان يمسح مناكب أصحابه في الصلاة، و يقول: «اسْتَوُوا و لا تَختَلِفُوا فتَختلِفَ قلوبُكمْ» (أخرجه مسلم: [432]). و المرء حين ينشرح صدره يظهر ذلك على مُحيّاه، و من ثم قيل: “من كثرت صلاته بالليل ضاء وجهه في النهار”.

و إذا كان بين الظاهر و الباطن مثل هذا التجاذب و التلازم فإن من البدهي ألا يزهِّد الإسلام الناس في الشكل؛ فالصلاة موقف روحي بحت، و مع ذلك حرص النبي صلى الله عليه و سلم على انتظام الصفوف فيها، و الأمر قريب من ذلك في صفوف القتال. و حث الإسلام على النظافة، كما امتنَّ الله سبحانه علينا بما نشعر به من التأنق عند غدوِّ الأنعام و رواحها، كما قال سبحانه: {وَ لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6]، و تلك مسألة شكلية. و الأمثلة على هذا أكثر من أن تُحصى. ما هي المشكلة؟ إذن ما هي المشكلة؟ تكمن المشكلة في اختلال التوازن بين الجوهر و المظهر، أو بين المضمون و الشكل؛ فالبشر متفقون على أن اللباب هو الأصل، و أنه ينبغي أن يُعطي من الاهتمام و العناية و البلورة القسط الأكبر لأن كل الإنجازات الحقيقية التي تتم على السطح نابعة أساسًا من إنجازات تمت على مستوى الكينونة و الجوهر. و هذا يتناسب مع حقيقة تسخير الكون الذي حبا الله تعالى به الإنسان؛ كيما يظل حرًا طليقًا يحكم و يأمر دون أن يُكَبَّل! بشيء من صنع يديه! و للمجتمع و ما يقره من أعراف سلطانٌ كبير على الناس، و لما كان الحكم الاجتماعي منصبًا على الشكل كان الانحدار نحو الاهتمام بالشكل هو الأمر الطبيعي المتبادر إليه، أما العناية بالجوهر فيمكن أن تنمو عن طريق التربية الخاصة في الأسرة أو المدرسة، لكن ذلك سيظل ضعيف التأثير ما لم يكن المجتمع كله خاضعًا لمبادئ عليا خارجة عن إنتاجه، و لن يكون مصدر تلك المبادئ حينئذ الأرض، و إنما السماء! لكن حين يكون الدين عبارة عن بعض الرؤى الغيبية، أو الدغدغات العاطفية كما هو الشأن عند بعض الملل فإنه لا يضع شيئًا في مواجهة التيارات الاجتماعية العاتية؛ لأنه لا يعدو آنذاك أن يكون عنصرًا رخوًا من عناصر الثقافة ! و إن الدين الذي يوجِّه و يقوِّم هو الذي نُمحِّص حياتنا من أجله ! و حينما يضعف الوازع الديني لدى المسلم فإن الميزان يميل مباشرة لصالح المظهر. و بما أننا نعيش في عصر نتأثر فيه أكثر مما نؤثر فقد أضيف إلى ضعف الوازع الديني عند أكثر الناس الوقوع تحت تأثير الفلسفة الغربية في جوانب الحياة المختلفة، تلك الفلسفة التي شكَّلت من الإنتاج غير المحدود و الحرية غير المحدودة و السعادة غير المتناهية دينًا جديدًا اسمه التقدم! و اقتضى ذلك توجهًا كليًا نحو الطبيعة لاستثمار كل شيء فيها ! ثم استهلاكه بصورة جشعة لم يسبق لها مثيل ناسين أن موارد الطبيعة محدودة، و أن الطبيعة سوف ترد على ذلك، بل إنها بدأت بالرد فعلًا ! و على صعيد الرمز فقد كان البطل المسيحي يستوحي شخصية الشهيد، و هو عيسى عليه السلام حيث وهب حياته من أجل غيره -حين صلب كما يزعمون-، ثم انقلبت الأمور رأسًا على عقب، حيث صار العالم الغربي يستوحي شخصية البطل الوثني، كما يتجسد في أبطال الإغريق و الرومان، ذلك البطل الذي يغزو، و ينتصر، و يدمر، و يسرق، و ينهب.

و شتان ما بين شخصية الشهيد الذي يهب حياته من أجل غيره، و بين المقاتل الذي غايته السيطرة على الآخرين و تضخيم الحياة الشخصية !! و كانت النتيجة ولادة مجتمعات تعاني من الوحدة، و القلق، و الاكتئاب، و النزوع التدميري، و الخوف من المستقبل، و الأنانية الشخصية، و التفكك الأسري. تأثرنا -نحن المسلمين- بهذا كله من حيث ندري، و لا ندري، و توجهت قوانا الفاعلة نحو الخارج، و أهملنا الجوهر، و كانت حالتنا في بعض النواحي أسوأ ممن تأثرنا بهم؛ لأن القوم صاروا إلى الشكل بعد أن حققوا ذواتهم بطريقة فعَّالة و إن كان انحرافها يحمل في النهاية بذرة موتها؛ أما نحن فقد غادرنا الجوهر لغمر أنفسنا بالشكليات ! و الناظر في سيرة النبي صلى الله عليه و سلم و الحياة العامة لصحابته رضوان الله عليهم يجد أن السيطرة كانت للكينونة الداخلية، و ليس لما يمتلكه الناس من أشياء؛ لأن المحور الأساسي للحياة الاجتماعية كان الإنسان، و ليس الأشياء؛ أما الآن فقد صارت (الملكية) هي المحور.. و يتجلى ذلك واضحًا في أمور عديدة منها:

1- تناقصت الألفاظ المستعملة في الدلالة على الجوهر، في حين زاد تداول الألفاظ الدالة على الأشياء، فحديث المجالس لم يعد يتمحور حول البطولات، و الإنجازات، و المواقف الكريمة، و الصفات الحميدة، و إنما حول العقارات، و السيارات، و أسعار السلع، و أثاث البيوت، و الأرصدة المالية.

2- الرغبة في مزيد من الإنتاج لتحقيق مزيد من الاستهلاك جعل اعتماد الناس على الآلة يتزايد يومًا بعد يوم، و صار الإنسان ترسًا من تروسها، و صار دوره مكملًا لدورها؛ و من طبيعة هذا الشأن أن يزيد اهتمامنا بالمظاهر، و يشغلنا عن الحقائق.

3- كانت قيمة وجود الإنسان مستمدة مما يُحسن و يتقن، و صارت المعادلة الجديدة: قيمة وجودي مستمدة من مقدار ما أملك، و مقدار ما أستهلكُ ! و هذا ولَّد الخوف الدائم من ذهاب الملكية؛ لأن ذهابها ذهاب لمالكها؛ و اقتضى ذلك مزيدًا من الشح و الأثرة و التقاطع.

4- علاقتنا بالمعرفة تبدلت؛ فقد كان حب العلم و اكتساب المعرفة من أجل التفقه في الدين و تنمية الشخصية و معرفة الحياة. و كانت العملية التعليمية عبارة عن اندماج بين العلم و طالبه، أما الآن فقد صارت علاقة طالب العلم بما يطلب علاقة تجارية بحتة، فهو يتعلم لينال الشهادة؛ و حفظه للمعلومات ظاهري ينتهي عند إفراغها على الورق في الامتحان!

5– السمات الأساسية للجوهر هي: الاستقلالية، و الحرية، و حضور العقل النقدي، و الاستخدام المثمر للطاقة الإنسانية، و النمو، و التدفق، لكن العلاقات الاجتماعية، و السياسية، و الاقتصادية الجديدة جعلت أنشطة الإنسان عبارة عن انشغال دائم مفصول تمامًا عن قواه الروحية، بل يقف ضدها، و يحد من فاعليتها في كثير من الأحيان؛ مما أدى إلى الاتكالية و السأم و التذمر، و جعل الحياة تفقد طعمها الحقيقي بشكل عام.

6- كانت عواقب الاتجاه إلى الشكل و التغافل عن المضمون كثرَة اللذائذ و انعدام السعادة ! و اللذة إشباع الرغبة على نحو لا يتطلب نشاطًا، مثل لذة الحصول على مزيد من الربح، أو هي: تجربة لحظة من لحظات الذروة يعقبها في الغالب نوع من الكآبة، و لا سيما حين تكون غير مشروعة، حيث يبدأ التقريع الداخلي. أما السعادة فهي: شعور مصاحب للنشاط الإنساني؛ و هي أقرب إلى أن تكون حالة من الوجود المتصل على ربوة رحبة؛ لأنها وهجٌ لكينونة الإنسان، و نشاطه الداخلي. و يمكن القول: إن السعادة في مقياسنا الإسلامي تتعاظم كلما ردم المسلم من الفجوة القائمة بين معتقداته و سلوكياته، حيث يرضى المسلم عن أدائه، و يستشرف عاقبة المتقين. كل هذه التحولات باتجاه الشكليات جعلت كثيرًا من أمة الإسلام قوة عددية ليس إلا؛ لأن الذي يفقد الصلة بمكوناته الأساسية لابد أن يصبح شكليًا.

فهل تعيد الصحوة المباركة الأمر إلى نصابه بإعادة التوازن من جديد بين الشكل و المضمون، و الجوهر و المظهر لنستأنف رسالتنا الحضارية ؟! هذا ما نرجوه.

و على الله قصد السبيل

قراءة 1647 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 27 شباط/فبراير 2018 15:17

أضف تعليق


كود امني
تحديث