قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 21 آذار/مارس 2019 19:31

الإنسان كلاً و عَدلاً الفصل الأول

كتبه  الأستاذ جودت سعيد
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الفعالية

للاقتراب من معنى الفعالية أكثر ، يمكن أن نعرِّفها : بقدرة الإنسان على

استعمال وسائله الأولية، و استخراج أقصى ما يمكن أن يستخرج منها من

النتائج. و هذا هو معنى الفعالية ؛

و بعكس ذلك فإن اللافعالية هي : أن يكون الإنسان عاجزاً عن استخراج النتائج

التي يمكن أن يحصِّلها من الوسائل المتاحة له فهذا هو الكَلّ.

 

و لزيادة الإيضاح يمكن أن نضرب للفعالية أمثلة في مستويات مختلفة : مستوى

الفرد و الأسرة و المجتمع و العالم.

1 - بيان الفعالية في مستوى الفرد

 

مما يمكن أن يقع تحت ملاحظة كل أحد، أن الأفراد يتفاوتون في مقدار فعاليتهم

أي في الاستفادة من الوسائل المتاحة لهم. قد نرى فرداً مع أن وسائله و

إمكاناته مِثل فرد آخر، إلا أن أحدهما نجده متفوقاً في الاستفادة من الوسائل

المتاحة له. سواء في الاستفادة من وقته، أو ماله بل حتى من قلمه الذي يكتب

به، و من حذائه الذي يلبسه، و من الحقيبة التي يحملها، سواء كان ذلك في

اختيار النموذج الجميل أو في طريقة الاستعمال و الصيانة، و ما إلى ذلك

 

من جوانب متعددة يمكن أن نرى فيها أقل قدر ممكن من التبديد و أكثر قدر من

النتائج. و الميزة بين الفعال و اللافعال : هو ما بين الشخصين من فرق في

التبديد، أو التحصيل للنتائج الجيدة سواء منها المادية أو المعنوية.

 

و الفعالية و عدم الفعالية كما جاء في الآية الكريمة تَعُمُّ كلَّ أجزاء الحياة بحيث

يصير الإنسان في حالة ( أينما توجهِّه لا يأت بخير ). كما يصير في حالة أخرى

أينما تَوجَّه يأت بخير و يأمر بالعدل، و هو على صراط مستقيم فإذا كانت الفعالية

- الأمر بالعدل - تعُمُّ جميع مظاهر الحياة فهي تظهر في ساعة من الوقت

يقضيها الإنسان، و في كمية من المال يستخدمها و في آية من القرآن يتعلَّمها،

و في قطعة من الأرض يستثمرها … الخ.

 

فالساعة من الوقت بالنسبة للإنسان الفعال لها قيمتها حتى إن الساعة التي

يظن أنَّه لا يمكن استخدامها في شيء، فإن الإنسان الفعال يستخدمها في

شيء نافع. فالزمن زمن بالنسبة لكل إنسان. و لكن بالنسبة للإنسان الفعال

زمن تتولد فيه حقيقة من حقائق الحياة، و لحظات تنبض بالحيوية، لا لحظات

خامدة ميتة، لهذا مما يَشُقُّ على الإنسان أن يسأل يوم القيامة

(عَنْ عُمره فيم أفْناهُ ؟).

 

و هكذا شأن الإنسان الفعال في المال، فكمية من النقد في يد الإنسان الفعال

يمكن أن تقضي حاجات أساسية و تعطي أثراً. بينما يظل النقد في يد الكَل كمَّاً

مهملاً لا يقضي حاجة، و لا يعطي ثمرة، فالنقود في يده إما خامدة ساكنة و إما

بائرة خاسرة. و من هنا نعلم أن المال ليس المصدر لفعالية الإنسان، و لكن

الإنسان الفعال هو الذي يجعل المال فعالاً. و من الخطأ أن نفهم القضية على

غير ذلك فنكون بذلك سترنا مرض التخلُّف الذي عند الإنسان بستار

الفقر، بينما المشكلة (مشكلة تخلف الإنسان) سواء كان غنياً أو فقيراً، و ليست

مشكلة غنى أو فقر، و لهذا علق رسول الله صلى الله عليه و سلم فعَّالية المال

بفعالية الرجل حيث قال :

« نِعمَ المالُ الصَّالحُ للمرءِ الصَّالح ». أخرجه الإمام أحمد عن عمرو بن العاص، و

هو حديث صحيح و الآية من القرآن مع الإنسان الذي يأمر بالعدل (الفعَّال)

تتحول إلى حقيقة حيَّة متحركة تنبض بالحياة و الحيوية، و تتحول إلى سلوك مرئي يوحي إلى الآخرين بالسلوك الحي.

و الإنسان الفعال يضع الآية في مكانها المناسب فكأنها تنزل الآن. بينما الإنسان الكَلّ، ترى

  الآية القرآنية في فمه لا صلة لها بحياته العملية، كما تجده يضعها في غير مواضعها ..

و الإنسان الكَلّ (اللافعال) يطبع صورته على الأرض التي يعيش عليها، فستستطيع أن تعرف

من خلال رؤيتك لقطعة الأرض التي يمتلكها إنسان ما، فعَّالية ذلك الإنسان و عدم فعاليته،

حيث تكون أرض الإنسان الفعال عليها نضارة الحياة بخضرتها و تنسيقها و تربيتها، كما يمكن أن

ترى أرض الإنسان الكَلّ أرضاً مًواتاً لا تنبض بحياة و لا تشاهد فيها نظاماً، كما لا يُحصَّل منها

ثمراً. فالفعالية إلي أي مكان توجَّهت تأتي بالخير، و إذا دخلت الفعالية في الإنسان فلا تدع

شيئاً مما يتصل به إلا و تسري فيه ..

2 - بيان الفعَّالية في مستوى الأسرة

و كما لاحظنا الفعالية في الفرد كذلك يمكن ملاحظتها في مستوى الأسرة : كأن تكون أسرتان

وسائلهما متساوية في الدخل و في عدد الأشخاص. و قد تكونان في الحي نفسه، و العمل

نفسه .. الخ و مع ذلك تتفاوتان جداً في حياتهما الداخلية و نظام اقتصادهما، و النواحي التي

تعطيان لها الأولوية في إنفاقهما. فقد تجد عند إحداهما حُسنَ الترتيب في مسكنها وجودة

الغذاء في مأكلها، و حُسنَ العشرة في معاملتهما مسكنها و جودة الغذاء في مأكلها، و حُسنَ

العشرة في معاملتها مع من تختلط بهم، بينما تجد الأخرى عكس ذلك ؛ مع ملاحظة إمكان

اختلاف المستويات بالنسبة لمجتمعين مختلفين كأن يكون الفعال في مجتمع ما مساوياً لما

يعتبر كلاً في مجتمع آخر ..

 

و فعالية الأسرة و أمرها بالعدل، يظهر في سلوك أطفال الأسرة و أسلوب حياتهم في

ملابسهم، و أسلوب حديثهم، و لطف معشرهم، و حسن خلطتهم و اعتدالهم في مشيهم. و إنَّ

وصايا لقمان لابنه تتحول إلى حقيقة واقعة في الأسرة الفعالة (الآمرة بالعدل) لأن هناك من

أساليب العطاء أسلوباً يوحي للطفل بتمثيل السلوك و الحرص عليه. فتبذل الأسرة كل جهد

في تحقيق وصايا لقمان :

 

( يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَ اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ

الْأُمُورِ. وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَ لَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ.

وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) لقمان : 17 - 19.

 

فإن تحويل الطفل إلى ممثَّل لهذه الحقائق يحتاج إلى بذل جهود لا تُحصى، و هذا يختلف طبعاً

عن تعليمه ألفاظ هذه الآيات. إذ كل جهد من الأب و الأم و الإخوة و الجيران، يساهم في جعل

هذه الأمور حية في أعماق الطفل أو ترك أعماقه خاوية من كل معنى.

3 - بيان الفعالية في مستوى المجتمع

و إذا كنا نلاحظ فرقاً في ارتفاع درجة الفعالية و انخفاضها في مستوى الأفراد و مستوى الأسر

بالنسبة لمجتمع واحد، فإن إمكانية ملاحظة ذلك الفرق في مستوى المجتمعات في فعالية

مجتمع ما بالنسبة إلى فعالية مجتمع آخر أشد وضوحاً. و لقد صار العالم الآن منقسماً إلى

مجتمعين المجتمعات الفعَّالة و تسمى المجتمعات المتقدَّمة، و المجتمعات غير الفعالة

وتسمى المجتمعات المتخلِّفة مع تفاوت في درجة تقدمها أو تخلُّفها. و إن كنَّا بيَّنا معنى فعالية

الفرد، فإننا سنضيف هنا الشيء الذي يُطلق عليه (فعالية المجتمع) في المصطلح المتداول

عند الباحثين : و هو المجتمع الذي نظَّم نفسه و تمكَّن من القضاء على المشاكل الأساسية فلا

يتعرض لمجاعة، و لا لاجتياح الأوبئة، و لا لبقاء أميِّين بين أفراده، كما لا يتعرض للاستعمار، و لا

لعمليات انقراض بالجملة بفعل القنابل الذرية، و لا لتقسيم الناس إلى مستكبرين و

مستضعفين.

 

و فعالية الفرد و المجتمع لها أهميتها الخاصة و اعتبارها و قيمتها، كما يمكن أن ننظر إلى

الفعالية منفصلة و لو باعتبار ما عن الإيمان. و هذا الفهم يمكن أن نلاحظه في حديث الرسول

صلى الله عليه و سلم. لما سئل عن أكرم الناس فبين في جوابه أن « النَّاس معادن، خيارُهُم

في الجاهليَّةِ خيارُهُم في الإسلام إذا فَقِهُوا ». البخاري - كتاب المناقب - الحديث الخامس.

فهذا الحديث يشير إلى نوع من الخياريَّة يستمر امتداده إلى الإسلام. و هذا واضح في شخصية

عمر و خالد حيث كان كل منهما فعالاً في الجاهلية فازداد فعالية في الإسلام، و هذا الأمر و إن

كان ظاهراً في موضوع الفرد، إلا أنه يمكن ملاحظة ذلك بالنسبة إلى المجتمع أيضاً. كأن يكون

مجتمع خيراً من مجتمع، لا بالفطرة و الاستعداد، و لكن بالتَّربية و الصفات المكتَسبة. و يمكن أن

نفهم قوله تعالى : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) الأنعام - 124، على هذا الأساس سواء

بالنسبة للفرد الذي نزلَ عليه الكتاب، أو المجتمع الذي نزل فيه. دون ردِّ هذا الشيء إلى أصالة

في الجنس ؛ و إنما إلى خياريَّة حدثت ضمن شروط تاريخيَّة و ظروف معينة. و في الآية ردُّ على

اعتراضين : اعتراض القريشيين في اختيار الفرد حيث قالوا : ( لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ

مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) الزخرف - 31. و اعتراض اليهود في اختيار المجتمع حيث لم يكن منهم.

 

ثم إن فعالية المجتمع ليست شيئاً ثابتاً. و إنما هي أمر معَّرض للتقلُّبات و التغيرات فقد يتحول

مجتمع متخلف إلى مجتمع فعال، كما يحصل العكس، كما حدث ذلك في المجتمع الجاهلي

حين تحوَّل إلى مجتمع إسلامي فعال (يأمر بالعدل)، ثم كيف تحول هذا المجتمع الإسلامي

الفعال إلى مجتمع متخلف كئيب (كَلٍّ). و هذا التحول من الفعالية إلى العجز بالنسبة لمجتمع

واحد في مرحلتين من مراحل تاريخه، أو بالنسبة لمجتمعين في مرحلة واحدة : هو الذي كان

موضع عناية الرسول صلى الله عليه و سلم كما هو واضح في جملة أحاديث من تخوّفه على

الأمة من مثل هذا التحوّل، إلا أن ذلك لم يكن واضحاً للكثيرين من الصحابة كما يتبين ذلك من

موقفهم من تلك الأحاديث.

و من الأحاديث التي يبرز فيها هذا المعنى بوضوح و هو تحوّل المجتمع من فعال إلى عاجز.

(حديث القصْعة) حين قال الرسول صلى الله عليه و سلم منبئاً عن تحول المجتمع : « يُوشِكُ

الأممُ أن تَداعى عليكُم كَما تَداعى الأكَلَةُ إلى قصْعتها » فتعجب الصحابة من هذا القول، و لم

يمكنهم أن يفهموا كيف يمكن أن يحدث ذلك. إذ من عادة الإنسان غالباً أن يتصوَّر استمرار

الحالة التي هو فيها و نسيان الحالة الماضية، و هذه الطبيعة الإنسانية متفاوتة الدرجات عند

الناس. و مما يدخل في هذا الموضوع ما يذكره الله تعالى من أن الإنسان (وَ إِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ

ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ) الزمر - 7.

وتفاوتُ الناس في هذا كتفاوتهم في الإيمان، إلا أن هذا الجانب الاجتماعي و التاريخي الذي

يتجول ببطء سواء في تكونه، أو في زواله ليس من السهل أن ينتبَّه إليه كل أحد، و هذا ما كان

يجعل رسول الله يُنَبِّه إلى تحول الحال في الأجيال المتتابعة، و على هذا قوله : « خير القرون

قَرْني ثم الذين يلونهم .. ». البخاري - كتاب المناقب - باب فضائل الصحابة. فهذا الحديث يشير

إلى جزء من مرحلة. و هو كيفية التحول من الفعالية إلى العجز على مر القرون و لكن هذا

جانب من عملية دورة المجتمع لا يفهم منه قط أن يستمر هذا الانحدار كما جاء في الحديث

الآخر حين « سُئل صلى الله عليه و سلم أَوَ لَيسَ بعدَ ذاكَ الشَّرِّ مِن خير ؟ فقال : نعم .. » و

هذا دليل خضوع التحول للسنن و لتدخل جهد البشر في تعجيله أو منعه سلباً و إيجاباً.

 

نرجع إلى حديث القصعة حيث تعجَّب الصَّحابة من قول الرسول صلى الله عليه و سلم و لم

يمكنهم أن يفهموا الموضوع إلا من جانب معين أشاروا إليه بوضوح حين قال قائل : « أَوَ مِن قلةٍ

نحن يومئذ يا رسول الله ؟ » فهنا نفى رسول الله صلى الله عليه و سلم السبب الذي فسروا

به العجز الذي يصيب المسلمين، حيث فسرَّه الصحابة بقلَّة العدد، فنفى لهم رسول الله ذلك،

و قال : « بلْ أنتم يومئذٍ كثير » فنفى قلة العدد التي فسر بها الصحابة الوضع، و أثبت جانباً آخر

و هو جانب نوعية الإنسان و حالته في الفعالية حين نسب العجز إلى الغثائية فقال : « و لكنَّكم

غُثَاءٌ كغثاء السَّيل »، و زاد في شرح ذلك حين نسب هذا الوهن إلى القلب و ساقه إلى منبعه

الأساسي و علّته الأولى، و هو النظر الخاطئ الذي يجعل الإنسان يستكين إلى الدنيا و يطمئن

إليها دون تمييز بين حياة الذل و حياة الكرامة « وَ لَيَنزعَنَّ الله من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكُم

وَ لَيقذِفّنَّ في قلوبِكُمُ الوَهنَ. فقال قائل : يا رسول الله و ما الوهَن ؟ قال حبُّ الدّنيا و كراهيةُ

الموت » أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم رقم 4129. فهذه النظرة الشَّائكة تزين الحياة، أيَّ

حياة كانت كما قال الله عن قوم استكانوا إلى الدنيا : ( وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ )

البقرة - 96.

 

و الخلاصة : حين يفقد الإنسان شيئاً يستحقّ أن يبذل نفسه من أجله فقدْ فقَدَ أساس الفعالية

و غرق في أساس الكَلالة و الوهن، سواء كان هذا الذي يبذل نفسه من أجله حقيقة يستحق

ذلك أو لا يستحق، إذ المهم أن تحدث لديه القناعة في أنه يستحق.

و مما يتصل بهذا الموضوع حديث زياد بن لبيد قال : « ذكر النبي صلى الله عليه و سلم شيئاً

فقال : و ذاك عندَ ذهابِ العلم، قلنا يا رسول الله : و كيف يذهب العلم ؟ و نحن قرأنا القرآن

و نقرئه أبناءنا و أبناؤنا يقرئون أبناءهم فقال : ثَكِلَتك أمُّكَ يا ابن لبيدٍ إن كنتُ لأراكَ من أفقَهِ رجلٍ

بالمدينة أوَ ليسَ هذه اليهود و النصارى يقرؤون التوراة و الإنجيل، و لا ينتفعون مما فيهما بشيء

؟ ».

 

فأصل موضوع هذا الحديث هو التنبيه إلى تحول المجتمع إلى حالة من العجز و الوهن و الكلالة

بحيث لا يعود يستفيد من الوسائل التي بين يديه في تحصيل أحسن النتائج منها، فهذا الوضع

هو الذي يشير إليه الرسول صلى الله عليه و سلم، و لكن مرة أخرى لم يفطن بعض الصحابة

إلى فهم الموضوع الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه و سلم بل اعترضوا عليه و استبعدوا

أن يحدث الشيء الذي قاله، و على ضوء مفهومهم أتوا بالدليل الذي ينقض في نظرهم الحالة

التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه و سلم و قالوا : يا رسول الله كيف يذهب العلم ؟

و فسروا عدم ذهاب العلم بأنهم سيعلِّمون أبناءهم القرآن و أبناؤهم يعلمون أبناءهم و هكذا.

ولكن الرسول صلى الله عليه و سلم أراد أن يضرب لهم مثلاً واقعياً معاصراً لهم واقعاً تحت

أبصارهم و أسماعهم و هم أهل الكتاب الذين بأيديهم التوراة و الإنجيل و لا ينتفعون مما فيهما

بشيء. فالرسول صلى الله عليه و سلم يشير إلى حالة يعجز فيها الإنسان عن الاستفادة

و الانتفاع من الشيء الذي بين يديه، و هو ناتج عن الحالة النفسية و الفكرية التي يعيش عليها

الكلّ الذي ( أينما توجِّهه لا يأت بخير )، لا لأن الخير غير موجود، و لكن وضعه هو الذي يعجزه أن

يأتي بأيِّ خير.

و الرسول صلى الله عليه و سلم حين يتحدث بحديث القصعة و حين يتحدث بحديث ذهاب العلم

و حين يتحدث بحلول الفتن لا يخبرنا بأن هذا الشيء ضربة لازبٍ لا محيص منه مطلقاً، و إنما

يتحدث بها رسول الله : كنتائج لأسباب نفسية و فكرية يهيئ المجتمع لها نفسه شيئاً فشيئاً

فتنزل عليه النتائج ثقيلة الوطأة شديدة العبء. و نحن حين نقرأ مثل هذه الأحاديث نعجز عن

وصلها بحقائق إسلامية كبيرة، و هي أن هذه الأوضاع التي يشير إليها الرسول صلى الله عليه

و سلم نتائج لأسباب في مقدور البشر أن يؤثروا فيها و أن يغيروا من اتجاهها إذا هم بذلوا جهداً

في التأمل فيها، و كانوا على بصيرة في سبيلهم التي هم عليها.

 

فرؤية هذه الأحاديث منفصلة عن هذه الحقيقة الإسلامية الكبرى المودعة في قوله تعالى : (

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) الرعد -11 - تجعل الإنسان يعتقد أن صيرورة

الأمة إلى تلك الحالة أمر محتم لا يمكنك تفاديه. و هذا خطأ، لأن وقوع ما أخبر به الرسول صلى

الله عليه و سلم و عدم وقوعه مرتبط بالشروط التي يمكن للإنسان أن يتجنب الوقوع فيها.

وهذا هو مغزى قصص الأمم السابقة في القرآن لأن الإخبار بحديث لا يمكن الاستفادة منه في

تجنُّب الشر، إلغاءٌ للعبرة من أخبار السابقين. و إمكان تفادي الوقوع هو ما تدل عليه آية (حَتَّى

يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )كما هو أيضاً الحقيقة المتضمنة في قوله تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو

إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنْ اتَّبَعَنِي … ) يوسف - 108، و الموجودة في قوله تعالى : (وَ مَا

ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَ لَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) النحل - 33 إلى آخر ما هنالك من الآيات و الأحاديث

التي تبين ارتباط الأحداث و الوقائع بأسبابها التي تتكوَّن شيئاً فشيئاً كما في الأحاديث التي

أخبر فيها الرسول صلى الله عليه و سلم بالأسباب التي تُنتج الانحلال و الهلاك مثل ترك الأمر

 

بالمعروف و النهي عن المنكر كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إنَّ الناس إذا رأوا

المنكر، و لا يغيرِّونه، يوشك الله عز و جل أن يعمَّهم بعقابه» حسنه الترمذي و عند أبي داود

4171. و قال صلى الله عليه و سلم : « إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم

الشريف تركوه، و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، و إني : و الذي نفسي بيده لو أن

فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها». أخرجه مسلم في كتاب الحدود.

 

و إنما يقع الناس في مثل هذا حين تضعف بصيرتهم في رؤية علاقة هذه النتائج بتلك الأسباب.

و هذا ما ينشئ الحالة التي وصفها الله تعالى في المثل الذي ضربه عن الرجل الكَلّ الذي لا

يبصر مأتى الخير حيثما توجه، لأنه يمرُّ - بالأشياء أصمَّ أعمى قال تعالى : ( وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي

السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَ هُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) يوسف - 105. فالكَلالَة جزاء الإعراض

عن آيات الله في الأرض و السماء و ما أنزل الله من كتاب ..

4 - بيان الفعالية في مستوى العالم.

يساهم في فعالية الفرد جانبان :

 

1 - جانب ما يبذله الفرد من جهد شخصي في جعل سلوكه مطابقاً مع مُثُل المجتمع الذي

يعيش فيه و يكون ذلك بالضغط على نفسه في ترك رغائبه الشخصية التي لا تتلاءم مع

مطالب المجتمع، و يحمل نفسه على الاستجابة لرغائب المجتمع و مطالبه.

2 - و جانب ما يبذله المجتمع من جهد في حمل الفرد على اتباع المَثَل الأعلى الذي قَبِله

المجتمع، و ينشِّئ أفراده عليه بممارسة مختلف وسائل الضغط و التي منها المادي :

كالعقوبات و الغرامات، و منها المعنوي : كالاحتقار و النبذ و الإشعار بالضَّعة و الهوان، و

بممارسة وسائل الترغيب المادية منها : كالمكافآت المادية، أو المعنوية منها : كالاحترام

و التقدير الذي يوليه المجتمع للأفراد الذين يُضحُّون من أجل مُثُل المجتمع العليا. و على قدر

حرص الفرد و المجتمع على أداء كل منهما واجبه يساهم ذلك في فعالية الفرد و المجتمع. كما

أن التخلف عن أداء الواجب يؤدي إلى حالة الكَلالة بالنسبة للمستويين الفرد و المجتمع.

فإذا فهمنا أثر المجتمع في الفعَّالية و الكَلالة يمكن أن نتوسع في فهم المجتمع و أثره إلى أن

تبلغ مستوى العالمية. ففي العالم الحديث، الذي صار الناس فيه يتحدث بعضهم إلى بعض

بسرعة الضوء، و يتزاورون فيه بسرعة الصوت؛ أدى كل ذلك إلى وضعٍ جعل كثيراً من مشاكل

العالم تَعُمُّ كل أفراد الجنس البشري و يحملهم على الاهتمام بمصير العالم كله. فإذا أدركنا

هذه الحالة نستطيع أن نتصور فَهمَ الفعَّالية في مستوى العالم، و أن ندرك قسطاً كبيراً من

السلبية و اللافعالية متمثلة في العجز الذي تبديه المؤتمرات العالمية و المجتمعات الدولية

حيث تظهر عجزاً كبيراً في حل مشاكل العالم ..

و من مزايا هذا العصر طرح المشاكل في المستوى العالمي. (و إن كان من أمراض هذا العصر،

العجز المريع في حل أي مشكلة منها). فإذا كنا نعترف بالتقدم الذي أحرزه العلم في رفع

المشاكل إلى العالمية، فإننا نًدِينُ سلبية العالم في حل هذه المشاكل و ضعف تكيفه مع

الأوضاع.

و حيث أن هذا الموضوع بحث في فعالية الإنسان و بما أن اهتمامنا يتوجه إلى صلة المسلم

بالفعالية ؛ فعلينا أن نبين هذه الصلة. سبق أن بيَّنا أن المجتمعات تمر بمراحل فعَّالية و مراحل

كَلالة. و إن المسلم قد مر بمثل هذه المراحل، ففي مرحلة ما أدى دوره في الفعالية الخاصة

به، بما قدَّم للعالم من فعالية في تلك المرحلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. و إننا نضطر إلى

أن تعترف بأنه لا يحمل في مرحلته التي يعيشها الآن فعالية في نفسه و لا يحمل فعالية

للعالم. و أقرب مثل لذلك هو أنه لا يظهر وجوده في المجتمع العالمي الذي يبحث مشاكل

العالم، فضلا عن أن يقدم مساهمة في ذلك فهو يعيش على هامش الحياة. و نعيد مرة أخرى

حين نَصِف لا فعالية المسلم أو كَلالته : إننا لا نعني البتَّة في أن المبدأ الإسلامي هو الذي لا

يكلف المسلم بأداء دوره في الفعالية في العالم. إذ الإسلام يجعل من المهمة الأساسية للأمة

المسلمة، أن يكونوا شهداء على الناس، فأبسط ما يقتضي القيام بهذه المهمة أن يَحضر و

يفهم أحداث العالم، و أن يشهد عليها مبيناً ما هو منكر و ما هو معروف. و لكن في المرحلة

الراهنة لا يستمد المسلم الفعالية من كتابه القرآن، فَصِلته به كصلة أهل الكتاب بالتوراة

و الإنجيل كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم لزياد بن لبيد. و هذا مما يجعلنا نهتم

في البحث عن الشروط التي تعيد الفعالية للمسلم و تجدد صلته بكتابه، و صلته بصياغة

الأحداث، حيث أن المسلم هو الذي فَقَد وظيفته التي تؤهِّلهُ للتَّمكُّن من صياغة مجتمع

منسجم مع المبدأ القرآني.

الرابط : https://www.jawdatsaid.net/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86_%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%8B_%D9%88%D8%B9%D9%8E%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%8B_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84

قراءة 1237 مرات آخر تعديل على الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2019 09:52

أضف تعليق


كود امني
تحديث