(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 18 نيسان/أبريل 2019 15:53

لهجتنا بين الأمس و اليوم

كتبه  الأستاذة أم وفاء خناثة قوادري
قيم الموضوع
(0 أصوات)

علَّقتْ محدثتي قائلة: و ما أحسب ذلك إلا مجّاوْقة!
قلت باسمة: و ما مجّاوْقة؟ ثم أضفتُ: أو ما زلت تستعملين هذه المفردات البائدة من قاموسنا اللغوي اليوم!
و دخل زميل ثالث في الحوار فقال: صدقت يا أستاذة فقد ذكرتني بقصة وقعت لي منذ يومين.
قلت: و ما تلك؟
قال: أنهيت صلاتي ثم التفت، و أنا لا أزال جالسا على السجاد، و ناديت على ابنتي الصغرى فحضرت مسرعة، و دون تركيز مني قلت لها: جيبي لي نْقالْتي!
حملقت مشدوهة فيّ و قد فغرت فاها، كرّرت كلامي: هاتيلي اسْبرْدينة!
قال: أسرعتْ جريا صوب والدتها مرددة: أمي أمي، إن والدي يقول كلاما لا أفهمه!
فردت عليها أمها بهدوء: عودي إليه و استفسري منه جيدا ماذا يريد.
و لما عادت البنت كان والدها قد انتبه إلى خطإه فسألها:
* ماذا تسمون حذاء الوضوء يا ابنتي؟
قالت: لبليقة، لكلاكيت، البشماق، الشعشبونه.
قال: فذاك الذي أريد، هيا انقشعي و أحضريه بسرعة.
ثم وجه الكلام إلي قائلا: لذا أوافقك الرأي في أن لهجتنا التي كنا نتكلمها ثمانينات القرن الماضي، قد انقرضت جلُّ مفرداتها في وسطنا الجلفاوي، و بين فئة الشباب على الخصوص، و بقيت حكرا على المناطق الجبلية، وهي في تناقص حتى في القرى.
و قد حدثت معي - لشدة اهتمامي بموضوع اللهجات – أمثلة مشابهة كثيرة سأذكر منها:
كانت احدى الزميلات تُدَرِّس ستة أقسام، و خلال تصحيح الامتحانات تراكمت عليها الأوراق، فنسيت مجموعة منها على الطاولة، تناثرت هذه الأوراق و قامت بجمعها.
و بعد يوم أو يومين، وجدت زميلة أخرى احدى هذه الوريقات ساقطة بين الكراسي، تناولتها و لما علمت أنها للزميلة المذكورة آنفا، سلمتها إياها قائلة:
* ما بك ! أمِن كثرة الأقسام ( عُدْنا قَ نْقشقْشوا وْرَاك في لَوْراقا) !
و ما إن صكت أذني كلمة (نقشقشوا) حتى علَت وجهي ابتسامة عريضة.
إنها كلمة لم أسمعها منذ أمد بعيد..!
لقد ذكرتني باديتنا حين كنت في صغري، أنطلق و أختي (نقشقشوا فالقشقاش!) لإشعال النار و طهي الطعام عليه.
و يحضرني أنني قلت لأحد أبنائنا يوما: نْدَوَّرْ نَنْدْهَك!
فبدا و كأنه لم يسمعني، فكررت طلبي مفهمة إياه أنه المعني بخطابي.
حينها قال: و الله يا خالة، أنا لا أفهم شيئا مما تقولين!
كما حدثتني يوما احدى قريباتي فقالت: بت عند سيدة قروية في احدى ليالي رمضان، و لما حان وقت السحور، نادت على ابنتي قائلة: قولي لوالدتك: ريبي، ريبي.
قالت البنت - و كانت جامعية – إن سيدة البيت تقول لك: ريبي، فما معنى هذا الكلام يا أمي؟
قالت: فضحكتُ و قلتُ لها: هيا ننزل فقد طلبت منا ذلك.
و هكذا فنحن جيل الآباء و الأمهات اليوم نفهم هذه المفردات، لكننا نادرا ما نستعملها، إذ لم نعد نجد من يفهمنا، و نفس الشيء كان قد وقع معنا و نحن شباب في ثمانينات القرن الماضي، حين كانت الجدات و الكبار عموما، يتكلمون بمفردات نعتبرها نحن بائدة، و سأذكر أمثلة عنها:
كلمة (الكَمَزُّورَة) و هي جبة بدون أكمام كانت تلبسها المرأة، و كذلك (البَثْرور) أي حزام الوسط الذي تتحزم به المرأة، و هو مصنوع من خيوط ملونة من غزل الصوف.
و ليت شعري! أين الكمزورة والباثرور؟ لقد صارا في خبر كان، ليس لفظا فقط بل تواجدا و استعمالا.
كذلك قولهم: (وَيْوَك: متى) (يلْفاو: يعودوا) (يتّاول: يهتم)... فهذه مفردات بادت مع جيل آبائنا.
و قد كان للشعر الشعبي دور كبير في حفظ هذه الألفاظ و بقائها بالرغم من ندرة استعمالها.
كما نبهني منذ فترة في قصيدة (ابن قيطون) في الحب العذري (حيزية)، أن الشارح - و أحسبه من الشرق الجزائري – ذكر مفردات داخل النص الأصلي، مبينا أنها تلاشت من الاستعمال اليومي منذ أمد ( و النص موجود على قوقل).
و قد لاحظت أننا عند الانفعال تندلق رغما عنا هذه المفردات، و كأنها مخزنة لحالات الغضب أو الإعجاب أو التأثر بشيء ما، ربما لأننا حينها يغلبنا واقعُ الحال، قبل أن نقوم بعملية الترجمة، لمسايرة من نخاطبه كما وقع مع الزميل الأستاذ آنف الذكر.
فنحن نساير من نكلمه تلقائيا، و قد يظهر ذلك جليّا حينما نتنقل داخل التراب الوطني، فنتكلم باللهجة الجزائرية المشتركة التي يفهمها الجميع.
بل و يحدث هذا حتى حينما نخاطب أشقاءنا العرب المشارقة، فترانا نستعمل تراكيب و مفردات مشرقية من هنا و هناك.
و ما أكثر ما تدق مسامعنا أجراسُ مفردات و تراكيب من تلك اللهجة الجميلة، لهجة آبائنا كلما التقينا بأهل القرى و المداشر عندنا و خاصة الكبار منهم، و سأعطي بعض الأمثلة عنها مع الشرح و البيان:
(هوَدنا من اسْكالي: نزلنا من الدرج)، (رِبْنا ليْهم: هبطنا)، (طاحت تشحرر: و بدأت تتدلل)، (نار السّخية: نار الحطب)، (راه هْبا حالو: ضعف و هزل)، (شاش فيا: حملق في)، (راها درْقَت عليا: اختفت عن ناظري)، (بَاط ما قلتش: لا لم أقل شيئا)، (يقبا و ينبا: يشتد سقمه)، (يا مضنوني: يا عزيزي)، (يا عياية: وا تعبي)، (قتلك يا عيني: و أقول لك يا عزيزتي) (او يا عينيش: و كذلك) (محسوبش: أي).
و لازلت أذكر و نحن طلاب في المتوسط، حين كنا نضحك من بعض المفردات التي ينبغي ألا نذكرها أمام الغرباء، لكنها تنفلت من ألسنتنا عنوة، مثال لفظة (مَهَلّا) التي يبدو أنها جاءت من كلمة (مَهْلا) باللغة العربية، لكن نطقنا لها يخرجها تماما عن طورها، فهي تنطق عندنا هكذا: (مَهَالآّ) رغم أنها تحمل نفس المعنى: ( مَهَالآّ ما كنتش في الدار ) أي:( مَهْلا، لم أكن في الدار).
و هكذا إذا قارنا بين طريقة و مفردات كلام أبنائنا اليوم، و طريقة و مفردات كلام آبائنا بالأمس، أي لهجة أبنائنا مقارنة بلهجة الآباء، نكاد نلحظ فروقا جلية، نستنتج من خلالها أن انقراض لهجتنا يحدث بطريقة تدرَجية سلسلة، لا ينتبه إليها عامّة الناس ، مع تسجيلهم لبعض الملاحظات من حين لآخر، إلا أن الباحث المدقق يلحظ ذلك بجلاء.
(*) قوادري خناثة (الخنساء): أستاذة تعليم ثانوي

الرابط : https://www.djazairess.com/djelfa/11313

قراءة 1502 مرات آخر تعديل على الخميس, 25 نيسان/أبريل 2019 07:42