قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الجمعة, 24 أيار 2019 14:38

وقفات قرآنية وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى

كتبه  د. خالد سعد النجار
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح:3/4]الأجل عبارة عن الوقت الذي ينقطع فيه فعل الحياة، كما أن أجل الدين عبارة عن الوقت الذي يحل فيه الدين، و المقتول و الميت أجلهما عند خروج روحهما، و قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} يعني من الشرك {و يؤخركم إلى أجل مسمى} يعني و الله أعلم بغير عقوبة. (1) 
{و يؤخركم إلى أجل مسمى} أي إلى نهاية آجالكم فلا يعاجلكم بالعقوبة {إن أجل الله} أي بعذابكم إذا جاء لا يؤخر {لو كنتم تعلمون} أي لو علمتم ذلك لأنبتم إلى ربكم فتبتم إليه و استغفرتموه.
قال ابن عاشور: و أما قوله: {وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} فهو وعد بخير دنيوي يستوي الناس في رغبته، و هو طول البقاء فإنه من النعم العظيمة لأن في جبلة الإنسان حب البقاء في الحياة على ما في الحياة من عوارض و مكدرات. و هذا ناموس جعله الله تعالى في جبلة الإنسان لتجري أعمال الناس على ما يعين على حفظ النوع. قال المعري:

و كل يريد العيش و العيش حتفه ... و يستعذب اللذات و هي سمام

و التأخير: ضد التعجيل، و قد أطلق التأخير على التمديد و التوسيع من أجل الشيء. و قد أشعر وعده إياهم بالتأخير أنه تأخير مجموعهم، أي مجموع قومه لأنه جعل جزاء لكل من عبد الله منهم و اتقاه و أطاع الرسول، فدل على أنه أنذرهم في خلال ذلك باستئصال القوم كلهم، و أنهم كانوا على علم بذلك كما أشار إليه قوله: {أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [نوح: 1]، و كما يفسره قوله تعالى في سورة هود {وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ وَ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38] أي سخروا من الأمر الذي يصنع الفلك للوقاية منه. و هو أمر الطوفان، فتعين أن التأخير المراد هنا هو عدم استئصالهم. و المعنى: و يؤخر القوم كلهم إلى أجل مسمى، و هو آجال إشخاصهم و هي متفاوتة.
و الأجل المسمى: هو الأجل المعين بتقدير الله عند خلقه كل أحد منه، فالتنوين في {أجل} للنوعية، أي الجنس، و هو صادق على آجال متعددة بعدد أصحابها، كما قال تعالى: {وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [الحج:5]
و معنى {مُسَمّىً} أنه محدد معين و هو ما في قوله تعالى: {وَ أَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ [الأنعام:2] فالأجل المسمى: هو عمر كل واحد، المعين له في ساعة خلقه المشار إليه في الحديث "أن الملك يؤمر بكتب أجل المخلوق عندما ينفخ فيه الروح"، و استعيرت التسمية للتعيين لشبه عدم الاختلاط بين أصحاب الآجال. و المعنى: و يؤخركم فلا يعجل بإهلاككم جميعا فيؤخر كل أحد إلى أجله المعين له على تفاوت آجالهم. فمعنى هذه الآية نظير معنى آية سورة هود [3]. {وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} و هي على لسان محمد صلى الله عليه و سلم.
{إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يحتمل أن تكون هذه الجملة تعليلا لقوله: {وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}، أي تعليلا للربط الذي بين الأمر و جزائه من قوله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} إلى قوله: {وَ يُؤَخِّرْكُمْ} الخ لأن الربط بين الأمر و جوابه يعطي بمفهومه معنى: إن لا تعبدوا الله و لا تتقوه و لا تطيعوني لا يغفر لكم و لا يؤخركم إلى أجل مسمى، فعلل هذا الربط و التلازم بين هذا الشرط المقدر و بين جزائه بجملة {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ}، أي أن الوقت الذي عينه الله لحلول العذاب بكم إن لم تعبدوه و لم تطيعون إذا جاء إبانه باستمراركم على الشرك لا ينفعكم الإيمان ساعتئذ، كما قال تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98]، فيكون هذا حثا على التعجيل بعبادة الله و تقواه.
فالأجل الذي في قوله: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} غير الأجل الذي في قوله: {وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} و يناسب ذلك قوله عقبه {لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} المقتضي أنهم لا يعلمون هذه الحقيقة المتعلقة بآجال الأمم المعينة لاستئصالهم، و أما عدم تأخير آجال الأعمار عند حلولها فمعلوم للناس مشهور في كلام الأولين. 
و في إضافة {أجل} إلى اسم الجلالة في قوله: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} إيماء إلى أنه ليس الأجل المعتاد بل هو أجل عينه الله إنذارا لهم ليؤمنوا بالله. و يحتمل أن تكون الجملة استئنافا بيانيا ناشئا عن تحديد غاية تأخيرهم إلى أجل مسمى فيسأل السامع في نفسه عن علة تنهية تأخيرهم بأجل آخر فيكون أجل الله غير الأجل الذي في قوله: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}.
و يحتمل أن تكون الجملة تعليلا لكلا الأجلين: الأجل المفاد من قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [نوح: 1] فإن لفظ {قبل} يؤذن بأن العذاب مؤقت بوقت غير بعيد فله أجل مبهم غير بعيد، و الأجل المذكور بقوله: {وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} فيكون أجل الله صادقا على الأجل المسمى و هو أجل كل نفس من القوم. و إضافته إلى الله إضافة كشف، أي الأجل الذي عينه الله و قدره لكل أحد.
و بهذا تعلم أنه لا تعارض بين قوله: {وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} و بين قوله: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} إما لاختلاف المراد بلفظي "الأجل" في قوله: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} و قوله: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ}، و إما لاختلاف معنيي التأخير في قوله: {إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} فانفكت جهة التعارض.(2) 
قد يشكل على بعض الناس مواضع في كتاب الله و أحاديث رسول الله صلى الله و سلم، فيقول بعضهم: إذا كان الله علم ما هو كائن، و كتب ذلك كله عنده في كتاب فما معنى قوله: {يمحو الله ما يشاء و يثبت} [الرعد:39] .
و إذا كانت الأرزاق و الأعمال و الآجال مكتوبة لا تزيد و لا تنقص فما توجيهكم لقوله -صلى الله عليه و سلم-: «من سرَّه أن يُبسط له في رزقه، و يُنسأ له في أثره فليصل رحمه».
و كيف تفسرون قول نوح لقومه: {أن اعبدوا الله و اتقوه و أطيعون - يغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجل مسمى} [نوح:3-4] .
و ما قولكم في الحديث الذي فيه أن الله جعل عمر داود عليه السلام مائة سنة بعد أن كان أربعين سنة. و الجواب أن الأرزاق و الأعمار نوعان:
نوع جرى به القدر و كتب في أم الكتاب، فهذا لا يتغير و لا يتبدل، و نوع أعلم الله به ملائكته فهذا هو الذي يزيد و ينقص، و لذلك قال الله تعالى: {يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب} [الرعد:39]. و أم الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي قدر الله فيه الأمور على ما هي عليه.
ففي كتب الملائكة يزيد العمر و ينقص، و كذلك الرزق بحسب الأسباب، فإن الملائكة يكتبون له رزقاً و أجلاً، فإذا وصل رحمه زيد له في الرزق و الأجل، و إلا فإنه ينقص له منهما.
"و الأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، و أجل مقيد، فإن الله يأمر الملك أن يكتب لعبده أجلاً، فإن وصل رحمه، فيأمره بأن يزيد في أجله و رزقه. و الملك لا يعلم أيزاد له في ذلك أم لا، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لم يتقدم و لم يتأخر".
يقول ابن حجر العسقلاني: «الذي سبق في علم الله لا يتغير و لا يتبدل، و الذي يجوز عليه التغيير و التبديل ما يبدو للناس من عمل العامل، و لا يبعد أن يتعلق ذلك بما في علم الحفظة و الموكلين بالآدمي، فيقع فيه المحو و الإثبات، كالزيادة في العمر و النقص، و أما ما في علم الله فلا محو فيه و لا إثبات و العلم عند الله». (3) 
قال الزمخشري تبعاً للمعتزلة: يؤخركم إن آمنتم إلى آجالكم، و إن لم تؤمنوا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت، و هذا على قولهم بالأجلين. و أهل السنة يأبون هذا، فإن الأجل عندهم واحد محتوم، و الله تعالى أعلم. (4) 
قال ابن عطية : {و يؤخركم إلى أجل مسمى} مما تعلقت المعتزلة به في قولهم أن للإنسان أجلين، قالوا: لو كان واحداً محدداً لما صح التأخير، إن كان الحد قد بلغ، و لا المعاجلة إن كان لم يبلغ، قال: و ليس لهم في الآية تعلق، لأن المعنى: أن نوحاً عليه الصلاة و السلام لم يعلم هل هم ممن يؤخر أو ممن يعاجل، و لا قال لهم إنكم تؤخرون عن أجل قد حان لكم، لكن قد سبق في الأزل أنهم إما ممن قضى له بالإيمان و التأخير، و إما ممن قضى له بالكفر و المعاجلة.
ثم تشدد هذا المعنى و لاح بقوله: {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر}، و جواب لو محذوف تقديره: لو كنتم تعلمون، لبادرتم إلى عبادته و تقواه و طاعتي فيما جئتكم به منه تعالى.
و لما لم يجيبوه و آذوه، شكا إلى ربه شكوى من يعلم أن الله تعالى عالم بحالة مع قومه لما أمر بالإنذار فلم يجد فيهم. (5) 
قال ابن عاشور: أما مسألة تأخير الآجال و الزيادة في الأعمار و النقص منها و توحيد الأجل عندنا و اضطراب أقوال المعتزلة في هل للإنسان أجل واحد أو أجلان فتلك قضية أخرى ترتبط بأصلين: أصل العلم الإلهي بما سيكون، و أصل تقدير الله للأسباب و ترتب مسبباتها عليها.
فأما ما في علم الله فلا يتغير قال تعالى: {وَ مَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} [فاطر:11] أي في علم الله، و الناس لا يطلعون على ما في علم الله.
و أما وجود الأسباب كلها كأسباب الحياة، و ترتب مسبباتها عليها فيتغير بإيجاد الله مغيرات لم تكن موجودة إكراما لبعض عباده أو إهانة لبعض آخر. و في الحديث "صدقة المرء المسلم تزيد في العمر". و هو حديث حسن مقبول. و عن علي عن النبي -صلى الله عليه و سلم- "من سره أن يمد في عمره فليتق الله و ليصل رحمه". و سنده جيد
فآجال الأعمار المحددة بالزمان أو بمقدار قوة الأعضاء و تناسب حركتها قابلة للزيادة و النقص. و آجال العقوبات الإلهية المحددة بحصول الأعمال المعاقب عليها بوقت قصير أو فيه مهلة غير قابلة للتأخير و هي ما صدق قوله: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} و قد قال الله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] على أظهر التأويلات فيه و ما في علم الله من ذلك لا يخالف ما يحصل في الخارج.
فالذي رغب نوح قومه فيه هو سبب تأخير آجالهم عند الله فلو فعلوه تأخرت آجالهم و بتأخيرها يتبين أن قد تقرر في علم الله أنهم يعملون ما يدعوهم إليه نوح و أن آجالهم تطول، و إذ لم يفعلوه فقد كشف للناس أن الله علم أنهم لا يفعلون ما دعاهم إليه نوح و أن الله قاطع آجالهم، و قد أشار إلى هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه و سلم "اعملوا فكل ميسر إلى ما خلق إليه"، و قد استعصى فهم هذا على كثير من الناس فخلطوا بين ما هو مقرر في علم الله و ما أظهره قدر الله في الخارج الوجودي. (6) 
قال الشيخ مصطفى العدوي: قوله تعالى: (وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) يرد عند هذه الآية مسألة و هي: هل عبادة الله تعالى و تقواه سبب في طول العمر؟ و هل يزيد العمر عن الحد الذي حده الله سبحانه و تعالى بشيء من الأسباب؟ 
إن مسألة الزيادة في العمر قد ورد فيها نصوص مختلفة، فقد وردت نصوص تفيد أن العمر قد يطول ببعض الأعمال، فمن ذلك قوله صلى الله عليه و سلم: (من سره أن يبسط له في رزقه -أي: يوسع له في رزقه- و ينسأ له في أثره -أي: يؤخر له في عمره- فليصل رحمه)، و قال النبي صلى الله عليه و سلم: (صلة الرحم، و حسن الخلق، و حسن الجوار، يعمران الديار و يزيدان في الأعمار).
و وردت أدلة أخرى في كتاب الله تعالى، و في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ظاهرها يفيد معنىً آخر، فقد قال الله سبحانه: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:38]، و قال الله سبحانه: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49]، و في الصحيح أن أم المؤمنين أم حبيبة -رضي الله تعالى عنها- قالت: (اللهم أمتعني بزوجي رسول الله، و بأبي أبي سفيان، و بأخي معاوية، فقال لها الرسول -صلى الله عليه و سلم-: لقد سألتِ الله آجالاً مضروبة، و أرزاقاً مقسومة، لن يقدم شيء منها و لن يؤخر)، أو بنحوه.
و في حديث التخلق قال -صلى الله عليه و سلم-: (ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه و أجله و عمله، و شقي أو سعيد).فاختلف العلماء في الجمع بين هذه النصوص على أقوال: 
القول الأول: أن لكل أجل كتاباً، و لكل شخص عمراً قدر له، و لكن إذا عمل الشخص الأعمال الواردة في حديث الرسول -صلى الله عليه و سلم- زيد له في عمره، فالجمع بين النصوص أن معنى قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [يونس:49] أي: إذا جاء أجلهم الذي قدر لهم لو لم يصلوا الرحم، فإذا وصلوها زيد في أعمارهم؛ لحديث النبي صلى الله عليه و سلم. و أشار إلى هذا المعنى الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى، و لم يطل في هذا المقام. فهذا قول مبنيٌ على ظاهر الأدلة، و هو أن الشخص له عمر مكتوب، لكن إذا وصل الرحم زيد له في عمره.
القول الثاني: أن المراد بطول العمر هو البركة في العمر، فيذكر بخير بعد مماته.
القول الثالث: أن الأجل أجلان: أجل أعلمه الله تعالى لملائكته أن إذا عمل عبدي كذا و كذا فاكتبوا له من العمر كذا و كذا، و إذا عمل كذا و كذا فاكتبوا له من العمر كذا و كذا، و الله تعالى يعلم بالذي سيختاره العبد، و أثبت في اللوح المحفوظ ما سيختاره العبد، و هذا المثبت في اللوح المحفوظ هو الأجل الذي عند الله تعالى في أم الكتاب، و المحو و الإثبات يكون في الكتاب الذي بين أيدي الملائكة.
و من هذا ما ورد في شأن موسى عليه السلام حين جاءه ملك الموت فلطمه ففقأ عينه -كما في صحيح البخاري رحمه الله- فرجع إلى الله تعالى، ثم بعد ذلك قبض روح موسى صلى الله عليه و سلم.
فالله يعلم بالذي دار كله، و أثبت عنده منتهى الأمر الذي سيصدر من موسى، و الوقت الذي ستقبض فيه روح موسى، فأثبت هذا في أم الكتاب، و أما الذي تغير فهو الذي بيد الملك. 
و إلى هذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض اختياراته، و ثم أقوال أُخر.
و هذه المسألة وصفها العلماء بأنها من المسائل الشائكة التي ينبغي أن تجرى على ظاهرها كسائر الأمور مثلها؛ فهي كمسألة الرزق، إذ الأجل و الرزق مكتوبان، فمكتوب لك و أنت في بطن أمك كم سترزق، فإذا سعيت و التمست الأسباب الصحيحة لطلب الرزق في الظاهر فإنك سترزق، و إذا نمت و تركت العمل، فلن يأتيك رزق ذلك اليوم، فإن آمنت بأن الرزق مقدر و مع ذلك تسعى في الأخذ بالأسباب، فكذلك تؤمن بأن الأجل مكتوب، و عليك أن تسعى بما يزيد في أجلك كما تسعى بما يزيد في رزقك.
فالإيمان قائم أن الأجل مقدر، و علمه عند الله تعالى، مع التدين بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم: (من سره أن يبسط له في رزقه، و ينسأ له في عمره، فليصل رحمه)، فعليك أن تصل الرحم، كما أن عليك أن تخرج لطلب الرزق، و مع ذلك تترك الباقي إلى المولى سبحانه و تعالى، كسائر المسائل المتعلقة بالقدر. و الله أعلم.
و من العلماء من قال: إن قوله تعالى: {يؤخركم إلى أجل مسمى} المراد بها: يدفع عنكم العذاب فلا تعذبون في الحياة الدنيا، و هذا كالأول، فإن العذاب مقدر، فإن أطعت الله رفع عنك العذاب، كما إذا وُصِلَتِ الرحمُ طالت الأعمار. (7) 

الهوامش
(1) الاعتقاد و الهداية إلى سبيل الرشاد، البيهقي: 1/171
(2) التحرير و التنوير:29/178
(3) القضاء و القدر:1/39
(4) البحر المديد:3/189
(5) تفسير البحر المحيط:10/355
(6) التحرير و التنوير:29/179
(7) سلسلة التفسير، مصطفى العدوي:75/7

قراءة 1142 مرات آخر تعديل على الخميس, 30 أيار 2019 09:11

أضف تعليق


كود امني
تحديث