قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 26 نيسان/أبريل 2020 04:36

أصداء التزكية القرآنية في شعر محمد إقبال

كتبه  أ.د. أحمد حسن فرحات
قيم الموضوع
(0 أصوات)

العلامة محمد إقبال -الشاعر الإسلامي الكبير- ولد 1877م-و توفي 1938م.

شاعر إسلامي عالمي، وصفه الأستاذ عباس محمود العقّاد بأنه :

طراز العظمة الذي يتطلبه الشرق في الوقت الحاضر، و في كل حين، لأن عظمته ليست بالدنيوية المادية، و ليست بالأخروية المُعرضة عن الدنيا، "و هو زعيم العمل بين العُدْوتين من الدنيا و الآخرة، قوّام بين العالَميْن كأحسن ما يكون القوّام 

شاعر الإسلام:

كان إقبال أول شاعر يلقب بشاعر الإسلام، كما كان أول مناد بقيام وطن خاص بالمسلمين في شبه القارة الهندية، و هو ما تحقق بقيام باكستان- بعد وفاته بسنوات-.

و يبدو أن آثار النشأة الأولى قد أورثته حبا للرسول صلى الله عليه  سلم، جارفا غامرا، ملك عليه أقطار نفسه و استبد بهواه، و عصمه من غوائل الحياة الغربية، و شرور الحضارة المادية، يقول عن نفسه :

"لم يستطع بريق العلوم الغربية أن يبهر لبي و يُعشِيَ بصري، لأني اكتحلت بإثْمِد المدينة".

"إن تربة المدينة أحب إلي من العالم كله".

و قد ظل مشبوب الحنين مستطار اللب هائما بأمجاد المسلمين، يرسل شعره على هذا النحو.

-من ترجمة الشيخ أبي الحسن الندوي لإقبال-:

"إنني هائم في شعري وراء الشعلة التي ملأت العالم أمس نورا و حرارة، و قد قضّيت حياتي في البحث عن تلك الأمجاد التي مضت، و أولئك الأبطال الذين رحلوا، و غابوا في غياهب الماضي.

إن شعري يوقظ العقول، و يهزّ النفوس  و يُربّي الآمال في الصدور. و لا عجب إذا كان شعري

يملأ القلوب حماسة و إيمانا، و كان وقعه في النفس كبيرا و عميقا، فقد سالت فيه دموعي و دمائي، و فاضت فيه مُهجتي".

و كان شديد الاعتزاز بنفسه و دينه، قوي الإيمان بذاته و عقيدته:

"إن الموت أفضل من رزق يقصّ من قوادمي، و يمنعني حرية الطيران".

و مذهب إقبال الشعري و الفكري قائم على الثورة و الحركة و القلق، و على التجديد و تحطيم القيود و تحرير "الذات"، يقول:

"كل حياة لا تجديد فيها و لا ثورة، أشبه بالموت. إن الصراع هو روح حياة الأمم، إن أمة تحب عملها في كل زمان: سيف بتار في يد القدر، لا يقاومه و لا يقف في وجهه شيء".clip_image001.png

و هو فوق كل ذلك شاعر مسلم قوّام بالقسط -حسب وسعه و وسع زمانه- نزّاع إلى الحركية الإيجابية، و إلى البعث و الإحياء، و إلى "إعادة بناء التفكير الإسلامي" وفق منهج يزدوج فيه العقل و النقل، و يصطحب فيه الرأي و الشرع.

و قد جمعت فلسفته بين حرارة الإيمان و صفاء التأمل العقلي الراشد، فجاءت الحقائق الفلسفية في شعره متلفّعة بمروط العواطف، متحررة من قيود الأرض، متطلّعة إلى السماوات العلى، ها هو ذا في حديث الروح -ترجمة الشيخ الصاوي شعلان-يقول:

لقد فاضت دموع العشق مني   حديثا كان عُلْويَّ النداء

فحلّق في رُبى الأفلاك حتى      أهاج العالم الأعلى بكائي! 

و حينما يمعن النظر في مباهج الفلسفة الغربية و مفاتنها، فإنه ينعى عليها إيمان العقل، و كفر القلب، و يعيب عليها عبادة الجسم، و إهمال الروح، و الشغف بالعلم و هجران "العشق".

يقول مخاطبا الغربيين: "إن حضارتكم سوف تقتل نفسها بخنجرها.. إن العُشّ لا يثبت على غصن ضعيف مضطرب"! 

ذاع صيت إقبال و طارت شهرته، و انكبّ الناس في الشرق و الغرب على شعره بإعجاب و دهشة، ففي لندن جاءته دعوات من فرنسا و إسبانيا و إيطاليا.

و سألته فرنسا أن يزور مستعمراتها في شمال إفريقيا، فرفض، كما رفض الصلاة في جامع باريس، و قال إنه ثمن بخس لتدمير دمشق.

و في طريقه إلى الهند مر بالقدس، و اشترك في المؤتمر الإسلامي المنعقد فيها، و كتب قصيدة يترسم فيها خطى البوصيري في "البردة" و يندب واقع المسلمين، و يبكي جراحهم.

و بعد، فقد كان إقبال موكلا بتتبع آثار العرب في العالم، يبكي أطلالهم في لوعة و مرارة، و يخلّد مآثرهم بإعجاب و دهشة، فهذه دموعه في صقلية:

"ابك أيها الرجل دما لا أدمعا، فهذا مدفن الحضارة الحجازية"

ثم يندفع منشدا:

"فوا أسفا و الذكريات تهدُّني *            و أين الذي أبكي فيبكي أسى معي؟

على أنني ألزمت نفسي رشادها *         و عدت بقلب مستطار التطلع

أرى لمحات الفجر في غيهب الدجى *    و قد تسمح الآمال بعد التمنع"

هذا الرجل أصبح حديث الناس في الشرق في الغرب لماذا؟؟

لأنه صاحب شعر كثير، و شعر مؤثر، و يعتمد شعره على نظرية فلسفة إثبات الذات، التي اكتشفها، المسمى" ديوان الأسرار و الرموز" يريد بهذا العنوان: " أسرار إثبات الذات، و رموز نفي الذات" -و قد ترجمه إلى و هي عكس نظرية الفناء في الذات، التي يقول بها بعض المتصوفة، و قد ضمن هذه النظرية ديوانه العربية عبد الوهاب عزام-. و قد وضع إقبال أبياتا لجلال الدين الرومي على صفحة غلاف الديوان، و هي:

رأيت الشيخ بالمصباح يسعى                له في كل ناحية مجال

يقول مللت أنعاما و بهما                    و إنسانا أريد فهل ينال

برمت برفقة خارت قواها                  برستم أو بحيدر اندمال

فقلنا ذا محال قد بحثنا                      فقال ومنيتي هذا المحال

فظن كثير من الكتاب أنها من شعر محمد إقبال-كما هو مذكور على الشبكة العنكبوتية-

و كأن إقبال بوضعه هذه الأبيات- على صفحة الغلاف-يشير إلى أن المقصود من هذا الديوان بيان حقيقة ذات الإنسان، و صفاته المميزة له عن بقية المخلوقات، و بيان كيف يستطيع الإنسان أن يحقق ذاته، و يسمو بها إلى المهمة التي خلقه الله-عز و جل- من أجلها.

هذا الرجل كان يقرأ القرآن كل يوم في الصباح، فيأتي والده فيقول له: ماذا تفعل؟ فيقول: أقرأ القرآن- و بقي ثلاث سنوات متواصلة على هذا السؤال و هذا الجواب-. ثم قال لأبيه: أريد أن أفهم لماذا تسألني هذا السؤال. و أجيبك بهذا الجواب؟ قال يا بني: أردت أن أقول لك: اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك. يقول محمد إقبال: فمنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن، و أقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست، و من بحره ما نظمت.

إذن كل أفكاره تعود إلى القرآن.

يقول العلامة أبو الحسن الندوي عن تأثر محمد إقبال بالقرآن:

لم يزل محمد إقبال إلى آخر عهده بالدنيا، يغوص في بحر القرآن،

و يطير في أجوائه، و يجوب في آفاقه، فيخرج كل يوم بعلم جديد.

و إيمان جديد، و إشراق جديد، و قوة جديدة.

و كلما تقدمت دراسته، اتسعت آفاقه و مداركه، و ازداد إيماناً بأن القرآن

هو الكتاب الخالد، و العلم الأبدي و أساس السعادة، و مفتاح الأقفال

المعقدة، و جواب الأسئلة المحيرة، و أنه دستور الحياة، و نبراس الظلمات.

و لم يزل يدعو المسلمين و غير المسلمين إلى التدبر في هذا الكتاب

العجيب، و فهمه و دراسته و الاهتداء بــه لحل مشكلات العصر،

و استفتائه في أزمات المدنيــة، و تحكيمه في الحياة و الحكم، و يعتب

على المسلمين إعراضهم عن هذا الكتاب، الذي يرفع اللَّه به أقواماً،

و يضع آخرين. يقول في مقطوعة شعرية:

«إنك أيها المسلم لاتزال أسيراً للمتزعمين للدين، و المحتكرين للعلم،

و لا تستمد حياتك من حكمة القرآن رأساً. إن الكتاب الذي هو مصدر

حياتك و منبع قوتك، لا اتصال لك به إلا إذا حضرتك الوفاة، فتقرأ

عليك سورة ' يس ' لتموت بسهولة. فو ا عجباً! قد أصبح الكتاب الذي

أنزل لمنحك الحياة و القوة، يتلى الآن لتموت براحة و سهولة».

لهذا أردت أن أتحدث عن هذا الموضوع:

" أصداء التزكية القرآنية في شعر محمد إقبال"

لأن أشعاره انعكاس في الواقع، لما فهمه من القرآن الكريم.

له قصائد كثيرة .. أشهرها قصيدتان:

شكوى... و جواب الشكوى

الشكوى يشكو فيها إلى الله ما أصاب المسلمين في هذا العصر من تخلف، و يتعجب كيف تخلى الله عن هؤلاء المسلمين، في ذات الوقت الذي يرى فيه الغربيين قد تقدموا و أصبحوا في مقدمة الركب، علما بأن المسلمين لهم تاريخ عريق حافل بالجهاد و التضحيات، و التي يشير إليها بمثل هذه الأبيات:

نحن الذين استيقـظت بأذانهم              دنيا الخليقة من تهاويل الكرى

نحن الذين إذا دُعُوا لصلاتهم               و الحرب تسقي الأرض جاماً أحمراً    

جعلوا الوجوه إلى الحجاز و كـبّروا             في مسمع الروح الأمين فكـبرا

نحن الذين بنور وحيك أوضحوا         نهج الهدى و معالم الإيمان

كنا جبالا فى الجبال و ربما     ...سرنا على موج البحار بحارا

بمعابد الإفرنج كان أذاننا ......قبل الكتائب يفتح الأ مصارا

لم تنس إفريقيا و لا صحراؤها....سجداتنا و الارض تقذف نارا

و كأن ظل السيف ظل حديقة....خضراء تنبت حولنا الأزهارا

لم نخش طاغوتا يحاربنا...    .  و لو نصب المنايا حولنا أسوارا

كنا نقدم للسيوف صدورنا....   لم نخش يوما غاشما جبارا

كنا نرى الأصنام من ذهب.....فنهدمها و نهدم فوقها الكفارا

لوكان غير المسلمين لحازها ....كنزا و صاغ الحلي و الدينارا. 

يعني نحن كنا مجاهدين، كنا مضحين في سبيل الله .. فكيف تتخلى عنا يا رب.

ثم يتخيل بعد ذلك أن الله أجابه بقصيدة أخرى يسميها جواب شكوى يقول فيها:

عطـايـانـا سـحـائـب مــرســلات     ***       و لـكــن مـــا وجـدنــا السائلـيـنـا

و كـل طريقنـا نَــورٌ و نُــورٌ (1) ***             و لـكــن مـــا رأيـنــا السالـكـيـنـا

و لــم نـجــد الـجـواهـر قـابــلاتٍ ***           ضياء الـوحـي و الـنــور المبـيـنـا

و كــان تـــراب آدم غـيــرَ هـــذا ***            و إن يــك أصـلـه مـــاء و طـيـنـا

و لو صدقوا و ما في الأرض نهرٌ ***          لأجريـنـا السـمـاء لـهــم عـيـونـا

و أخـضـعـنـا لمُـلـكـهـم الـثـريــا ***              و شيـدنـا النـجـوم لـهـم حصـونـا

و لكـن ألـحـدوا فــي خـيـر ديــنٍ ***        بنـى فـي الشمـس ملـك الأوليـنـا

تـــراث مـحـمـدٍ قــــد أهـمـلــوه ***         فعاشـوا فــي الخـلائـق مهمليـنـا

تـولـى هـادمـو الأصـنـام قدمــاً ***          فـعــاد لـهــا أولـئــك يصنـعـونـا

أبـاهــم كـــان إبـراهـيــم لــكــن ***          أرى أمثـال آزر فـي البنينـا (2)

الذي يستحق هذه التجليات غير موجود. و هؤلاء يقولون بأنهم على ملة أبيهم إبراهيم

نعم.  و لكن المشكلة في الأبناء، و الأحفاد، الذين جاؤ ا لجدهم آزر، و ليس لأبيهم إبراهيم:

لكن أرى أمثال آزر في البنينا.

القرآن جعل العبادات اليومية، و الشهرية، و السنوية، هي طريق التزكية:

فيقول الله تعالى في شأن الصلاة اليومية:

" اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَ أَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)

لكن أي صلاة هذه التي تسهم في تغيير السلوك؟

" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" (2) -المؤمنون : 1-2

إذن فالصلاة الخاشعة هي التي تترتب عليها النتائج المغيرة للسلوك. لأن الخشوع هو روح الصلاة.

أما الصلاة التي تفتقد الخشوع- فهي صلاة المرائين، المنافقين- و التي تفتقد الروح المؤثرة.

و من ثم فقد توعد الله أصحابها بالويل:

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَ لَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَ يَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) الماعون:1-7

إذن فالصلاة ليست عبارة عن أقوال و أفعال تبتديء بالتكبير، و تختتم بالتسليم فقط، كما يقول الفقهاء- هذا عبارة عن الشكل الظاهري- لكن الحقيقة: أن روح الصلاة هي الخشوع.

إذن هناك فرق بين أن نقيم الصلاة بالمظاهر الشكلية، و بين أن نؤكد فيها المعنى الحقيقي الذي هو روحها. و من ثم نرى العلامة عبد الحميد الفراهي الهندي يعرف الصلاة تعريفا يكشف حقيقتها حينما يقول:

الصلاة: ركون العبد إلى الله محبة و خشية كما يعرف"الزكاة" بقوله: ركون العبد إلى العبد محبة  و شفقة.

لاحظوا المعنى الحقيقي للصلاة، و المعنى الحقيقي للزكاة. فهو مرتبط ارتباطا وثيقا جدا بالتزكية، التي تهدف إلى تغيير السلوك الإنساني، ليكون الإنسان المسلم جديرا بالخلافة في الأرض.

و نرى في شعر محمد إقبال ما يشير إلى هذه الحقائق حينما يقول:

و أصبح وعظكمْ من غير نور            و لا سحرٍ يطلُّ من المقال

و عند الناس فلسفةٌ و فكر          و لكن أين تَلْقِينُ الغزالِي

و جلجلة الأذان بكلِّ أرض        و لكنْ أين صَوْتٌ مِنْ بلال

منائركمْ عَلَتْ في كلِّ حيّ         و مسجدكم من العباد خالي

على حين كان الأمر على خلاف ذلك، حينما تحدث عن المسلمين الأوائل حيث قال:

نحن الذين استيقظت بأذانهم      دنيا الخليقة من تهاويل الكرى

نحن الذين إذا دُعُوا لصلاتهم           و الحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا

جعلوا الوجوه إلى الحجاز و كبروا           في مسمع الروح الأمين فكبرا

إذن هؤلاء الناس الذين يصلون بهذه الطريقة -صلاة شكلية- يعني تعتمد فقط على هذه الظواهر التي أشرنا إليها. فمثل هذه الصلاة لا تحدث تأثيرها، و لذلك إذا سها الإنسان عن حقيقة الصلاة، فماذا تكون النتيجة:

فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَ يَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)

و لذلك لا تؤثر في صاحبها.

و أكثر ما تكون الصلاة تزكية للسلوك، حينما تكون في الليل، و المشار إليها بقوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَ أَقْوَمُ قِيلًا (6)-المزمل:1-6

و المشار إليها بقوله تعالى:

" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَ طَمَعًا وَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)

فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (17) الحج:16-17

و المشار إليها بقله تعالى:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَ بِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) -الذاريات:15-18

- ويرى العلامة الندوي أن المؤثر الآخر الذي يرجع إليه الفضل في

تكوين سيرة «إقبال»  و شخصيته، و في قوة شعره و تأثيره، و جدة

المعاني و تدفق الأفكار، هو أنه لم يكن يقتصر على دراسة الكتب

و الاشتغال بالمطالعة، بل كان يتصل بالطبيعة من غير حجاب،

يتعرض للنفحات السحرية، و يقوم في آخر الليل، فيناجي ربه، و يشكو

بثه و حزنه إليه، و يتزود بنشاط روحي جديد، و إشراق قلبي جديد،

و غذاء فكري جديد، فيطلع على أصدقائه و قرائه بشعر جديد، يلمس

الإنسان فيه قوة جديدة و حياة جديدة، و نوراً جديداً، لأنه يتجدد كل يوم،

فيتجدد شعره، و تتجدد معانيه.

«و كان عظيم التقدير لهذه الساعات اللطيفة التي يقضيها في السحر،

و يعتقد أنها رأس ماله و رأس مال كل عالم و مفكر، لا يستغني عنها

أكبر عالم أو زاهد، يقول في بيت:

«كن مثل الشيخ فريد الدين العطار في معرفته، و جلال الدين الرومي

في حكمته، أو أبي حامد الغزالي في علمه و ذكائه، و كن من شئت في

العلم و الحكمة، و لكنك لا ترجع بطائل، حتى تكون لك أنَّة في السحر».

«و كان شديد المحافظة على ذلك كثير الاهتمام به، يقول في مطلع قصيدة:

«رغم أن شتاء انجلترا كان قارساً جداً، و كان الهواء البارد يعمل في

الجسم عمل السيف، و لكني لم أترك في لندن التبكير في القيام».

«كان لا يبغي به بدلاً، و لا يعدل به شيئاً، يقول في بيت:

«خذ مني ما شئت يارب! و لكن لا تسلبني اللذة بأنة السحر، و لا

تحرمني نعيمها »، بل كان يتمنى على اللَّه أن تتعدى هذه الأنة

السحرية، و الحرقة القلبية إلى شباب الأمة المتنعمين، فتحرك سواكن

قلوبهم، و تنفخ الحياة في هياكلهم، يقول في قصيدة:

«اللَّهم جَرّح أكباد الشباب بسهام الآلام الدينية، و أيقظ الآمال و الأماني

النائمة في صدورهم، بنجوم سماو ا تك التي لا تزال ساهرة، و بعبادك

الذين يبيتون الليل سجداً و قياماً، و لا يكتحلون بنوم، و ارزق الشباب

الإسلامي لوعة القلب و ارزقهم حبي و فراستي».

و يقول في قصيدة:

«اللَّهم ارزق الشباب أنّتي في السحر، و أنبتْ لصقور الإسلام القوادم

و الخوافي، التي تطير بها و تصطاد، و ليست لي أمنية يا رب! إلا أن

تنتشر فراستي، و يعم نور بصيرتي في المسلمين» (روائع إقبال 54- 56      ).

و يتساءل محمد إقبال في شعره عن غياب أمثال هؤلاء الربانيين الذين كانوا يتصفون

بمثل تلك الصفات من الصحابة و التابعين، فيقول:

أين الذين بنـار حبك أرسلـوا                     الأنوار بين محافل العشاق

سكبوا الليالي في أنين دموعهم                   و توضـؤوا بمدامع الأشواق

و الشمس كانت من ضياء وجوههم                 تُهدي الصباح طلائع الإشراق

كيف انطوت أيـامهم وهم الأُلـي                 نشـروا الهدى و علـوا مكان الفرقد

هجروا الديار فأين أزمع ركبهم                    مـن يهتـدي للقـوم أو من يقتدي

يـا قلبُ حسبك لـن تُـلِـمَّ بطيفهـم               إلا علـى مصبـاح وجـه محمد

فـازوا من الـدنـيا بمجـدٍ خالـدٍ                    و لهـم خلـودُ الفـوز يوم الموعد

و من أجمل الشعر الذي جادت به قريحة محمد إقبال ما قاله في الأندلس، و هو يتأمل أمجاد المسلمين هناك، و يتخذ من ذلك حافزا لبث الشوق و الحنين لدى المسلم المعاصر، لعله يستيقظ من سباته، و يقتدي بسيرة آبائه و أجداده. و يعود إلى صناعة التاريخ من جديد.

و ها هو يسأل مدير الفندق الذي نزل فيه- في قرطبة- عن أحفاد العرب قائلا:

أين أحفاد العرب في هذه البلاد؟

فيقول له المدير: إنني منهم. ثم يجمع له وجوها من خيارهم، فيقول فيهم إقبال:

إلـى اليوم تلك ظباء الحمى        بأعينهن المراض الحســـان

و ألحاظها لــم تزل قادرات         على صيد أسد الشرى كل آن

و تلك المحاسن طبع الحجاز                    و هذا النســيم عبير يمان

فحىّ الجنان وســــكانها         و إن زال سـكان تلك الجنان

أما قصيدة محمد إقبال عن مسجد قرطبة، الذي حرص على الصلاة فيه، و التي كتبها لما زار الأندلس عام 1932م فقد جاء فيها:

قصر التاريخ  و مسجده ما أروع ما صنعتْ يدهُ

للقوم بصدر حكايتــه صـوت ما زال يردِّدهُ

ظمأ لا رِيَّ لـه وبــه طلب الظمآن و مقصدهُ

يزداد برؤيتـه ولَـهـًا و يريد يقـوم فيقـعِدهُ

و كأن علائـق زينـتـه خفقات القلب و معقدهُ

في الصخر فنون سرائرنـا بلطائـفـنا نتـعهدهُ

ليَهيج رنيـنُ جوانـبـه بأنيـن الروح نُـزوِّدهُ

يا ظل الغرب و دوحتـه من ذا تاريخك يجـحده ؟

بك أضحت تربة أندلسٍ حرما في الغرب نمـجِّده

لا نِدَّ لـه في سـؤدده إلا الإيـمان و سـؤددهُ

عربـيُّ اللحن حجازيٌ روح الإسلام تخـلِّــدهُ

يمـنـيُّ العطر تهبُّ بـه أنسـام الشـام و تحشدهُ

و لم ينس إقبال أن يقارن بين جمال الفسيفساء في المسجد، و جمال النفوس التي

أبدعت تلك الفسيفساء.

يحـكيــك جمالا و جـلالا رجـلٌ لـلـه تعـبُّدهُ

و حماسُ ضحاه  و وجدُ مسـاه و ما يخـفيه له غَــدهُ

و مسرَّتـه و محبَّتـــــه و تواضعــه و تـودُّدهُ

عذب الكلمات خفيف الروح رقيق القـلب مسـهَّدهُ

أبديُّ الحب نقــيُّ الحرب مَصون العرض مهنَّـدهُ

و على يده لله يـــــدٌ بلطيف القدرة تعـضُدهُ

العالم قصـر خلافـتــه و سماء الـعـالم معبَــدهُ

سرُّ الكونيـن برؤيتـــه و عن الكونـيـن تـجرُّدهُ

و سراب العصر بنور الدين و نار الحـــب يـبـدِّدهُ

و من الصور البديعة المشحونة بالدلالات التاريخية ما ورد في القصيدة من تشبيه:

أعمدة المسجد بأعمدة النخيل في أرض الشام.

كنخيل الشام و أعمدهـا شمختْ في المسجد أعمدهُ

تتـألق زرقـة قبتــه و تُقيم اللـيل و تُـقـعِدهُ

و تنـهُّدها في وحدتـها كالطور كواه تـنـهُّـدهُ

و يتحسر إقبال على ضياع ذلك الصرح الإسلامي أيما تحسر: فهل يعقل أن لا يرتفع الأذان على منارته. و هل يعقل أن ترتفع الصلبان عليها، و هي لا تزال مزينة بآيات القرآن ؟

تلك المنارة المهيبة التي احتضنت في ظلالها يوما قوما وحدوا الخالق ؟

يا لها من فجيعة !!! يقول إقبال مخاطبا المسجد:

إن أرضا أنت فيـها لسمـاء للعيـونْ

كيف لم يسمعْ أذانًا أهلُها مـنذ قرون؟

و لا تعجبْ من ذلك، فصوت الأذان عند إقبال ليس يضاهيه لحن آخر، و هو القائل: 

ليس في ضوضاء هذي الأممِ نغـمة إلا أذان المسلمِ

و يورد إقبال ترجمة لأبيات عبد الرحمن الداخل مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، الذي أمضَّتْه الغربة عن بلاده، و أرهقه البين عن الأهل و الأحبة، ثم أثارت نخلة غريبة كوامن نفسه، فقال بعد أن غرست النخلة الأولى في مدينة الزهراء:

تبدّت لنا وسط الرصافة نخلة             تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل

فقلت شبيهي في التغرب و النوى           و طول اكتئابي عن بني و عن أهلي

نشأتِ بأرض أنت فيها غريبة              فمثلك في الإقصاء و المنتأى مثلي

سقتك غوادي المزن في المنتأى الذي      يسح و يستمري السماكين بالوبل

ثم يكتب إقبال تكملة للأبيات، فيضفي عليها نفَسا إسلاميا، و عمقا فكريا، و يضمِّنها إشارات إلى نهاية الدولة الإسلامية في الأندلس، التي شهد عبد الرحمن الداخل بدايتها. يقول إقبال في تكملته للأبيات:

و أعجب ما في الكون غربة مثلنا           و في الشام من أمثالنا عدد الرمل

و ما زلت في التطواف ألقى على المدى    زمانا غريب الوجه مختلف الشكل

و ليس لهذا البحر من ساحل يرى           مضيت به عريان ممتشقا نصلي

و ما من حياة للذي أنف الردى            و هل يقدح الزند الشرار من الوحل

إذا شام طرفي البرق زاد تألقا              و حن بذكر الشام للأعين النجل

و ماضرنا ملك تركناه خلفنا                فكل بلاد الله ملك ذوي العدل

سنبني كما كنا بنينا لغيرنا                  وحاشا لأهل الجود توصم بالبخل

إذا نضبت أجسادنا من دمائنا             فمنزلنا ريان من غدق البذل

ستذكرنا الدنيا و تندبنا الورى              و تطلب من آثارنا كعبة الفضل

يقال هنا صلت و ضجت قلوبهم          هنا انتبذت أرواحها رسل النخل

و لا ينسى إقبال أن يكتب قصيدة- و هو يودع مسجد قرطبة - فيبث فيها خلاصة أحزانه، و حسرته على الماضي الضائع، و الحاضر البائس:

صوت المنائر في نسيمك يرقــدُ و صداه في أرواحـنـا يـترددُ

يا توأم الحرم الشريف تطوَّفــت بك ركَّع من عاكفين و سجَّـدُ

سيماك من أثر السجود على الثرى طرب يفوح و نضرة تتـجـددُ

خمدت حقيقتنا و زال بريقـــنا و بريق قرطبة الشريد مخــلَّدُ

و وقفتُ لا نومي حمدتُ و لا السُّرى أتكبد الجرح الذي أتـكـبدُ

تلكم زفرات قلب مفجوع على تاريخ أمة غافلة، بلغ بها التفريط فيه أن أصبح اليهود يفخرون به و يسرقونه، كما يخططون الآن لسرقة المسجد الأقصى بأساطير تاريخية هزيلة .. فهل نظل ندرِّس أبناءنا أمجاد نابليون، و ننسى مسجد قرطبة ؟؟!!

تلك نفحات من شعر إقبال في الأندلس، و هي جديرة بأن تحفز الهمم، و تعيد للمسلم فاعليته التي عرف بها في التاريخ، و هو حريص على ذلك أشد الحرص، و هو متفائل دائما بمستقبل الإسلام و المسلمين.

إن ما جاء في شعر محمد إقبال من نقد لأحوال المسلمين المعاصرين، ليس الهدف منه إشعارهم بالعجز، و تثبيط هممهم عن طلب المعالي، بل على العكس من ذلك، و من ثم فحينما يرى أن هذا النقد تجاوز المقدار، فإنه يعود لبيان إمكانية الإقلاع من جديد، مشعرا الأمة بإمكانياتها و قدراتها:

فحينما يقول في وصف واقع المسلمين المعاصر:

غدوتم في الديار بلا ديــــــار **** و أنتم كالطيور بلا وكور

و كل صواعق الدنيا سهــــام **** لبيدركم و أنتم في غرور

أهـــذا الفقر في علم و مــــال **** و أنتم في القطيعة والنفور

و بَيع مقابر الاجداد أضــــحى**** لدى الأحفاد مدعاة الظهور

سيعجب تاجرو الأصنام قدماً **** إذا سمعوا بتجار القبور

يقول في باب التفاؤل:

ضيــاؤك مشــــرق في كل أرض**** لأنك غير محدود المكان

بغت أمم التتــــــار فأدركتــــــها **** من الايمان عاقبةٌ الأمان

و أصبح عابدو الأصنـــــام قـدماً **** حماة الحِجر و الركن اليمان

فلا تجــزع فهــذا العصــر لـــــيل **** و أنت النجم يشرق كل آن

و لا تخش العواصف فيه و انهض**** بشعلتك المضيئة في الزمان

و يقول أيضا:

الليل ولى لن يعود و جاء دورك يا صباح

و سفينة الإيمان سارت لا تبالي بالرياح

و حياتنا أنشودة صيغت على لحن الكفاح

و طريقنا محفوفة بالشوك بالدم بالرماح

يا دربنا يا معبر الأبطال يا درب الفلاح

إنا إذا وضع السلاح بوجهنا ضج السلاح

و إذا تلعثمت الشفاه تكلمت منا الجراح

يا دربنا يا معبر الأبطال يا درب الفلاح

و في قصيدة شكوى يذكر فترة نزول الوحي في مكة، و أثر هذا الوحي، في نفوس الصحابة فيقول:

يـا طيـب عهـد كنت فيـه منـارنـا ... فـبـعـــثـت نور الحـق مـن فــاران

و أسرت فيـه العاشقيـن بلمـحـة ... و سـقـيـتــهـم راحـاً بـغــيـر دنـان

أحـرقـت فـيـه قـلـوبــهـم بـتوقـد ... الإيــمـان لا بـتـلـــهُّــب الـنــيـران

ثم يذكر ما حدث في واقعنا المعاصر فيقول:

لـم نبق نحن و لا القلوب، كـأنهـا ... لـم تحـظ من نـار الهوى بدخـان

إن لـم يُنـر وجـه الحبيب بوصلـه ... فـمــكـان حُـزن الـقـلـب كل مـكان

ثم يتطلع إلى المستقبل المشرق البهيج فيقول:

يا فــرحة الأيـام حـيـن نـرى بـها ... روض التجـــلـي وارف الأغصان

و يـعـود محفلنـا بحُسنـك مُسفـراً ... كالصــبح في إشــراقـه الفـيـــنان

و حينما يقارن واقع أعداء الأمة- و ما هم فيه من ترف و نعيم-بواقع المسلمين-

و ما هم فيه من بؤس و فقر- يشتد حزنه و يقول:

قـد هاج حزنـي أن أرى أعداءنـا ... بــين الــطـلا و الـظـــل و الألـحان

و نعـالج الأنفـاس نحـن و نصطلـي ... في الفقـر حين القـوم في بسـتان

ثم يجأر إلى الله بالدعاء: أن يعيد للأمة ما تصبو إليه من نور و حبور، فيقول:

أشـرِقْ بــنـورك و ابـــعـث الـــبرق ... القديم بومـضـةٍ لفراشـك الظمآن

أشــواقـنـا نحـو الـحـجـاز تطـلـعـت ... كحــنـيـن مـغـتـرب إلـى الأوطان

إن الطــيور و إن قصصـت جناحها ... تســمو بفــطرتهـا إلـى الطيـران

ثم يتحدث عن نفسه، و ضيقه بما يعانيه من كبت و صمت فيقول:

قـيـثـارتي مـكــبـوتـةٌ و نـشــيـدهـا ... قد مـل من صــمتٍ و من كتــمان

و اللـحـن في الأوتار يرجو عازفاً ... ليبـوح مـن أسـراره بـمعـان

و الطُّـورُ يرتقـب التجلـي صارخـاً ... بهوى المشُـوق و لهفـة الحيـران

و أكبادنا احترقت بـأنَّات الجـوى ... و دمـاؤنـا نهر الدموع القاني

و العطر فاض من الخمائـل و الربي ... وكـأنه شكـوى بغيـر لسـان

أوليـس من هول القيامة أن يكـون ... الـزهـر نمَّـامـاً علـى البستـان؟

النمـل لا يخشـى سليمانـاً إذا ... حرست قراه عناية الرحمن

ثم يشبه المسلمين الذين نأوا عن إسلامهم بالطيور التي نأت عن أشجارها، فيقول متسائلا:

مـا بـال أغصـان الصنوبر قد نـأت ... عنهـا قماريـهـا بكـل مكـان

و تعـرت الأشجـار من حلـل الـربـى ... و طيـورهـا فرَّت إلى الوديـان

ثم يستثني نفسه من هذه الطيور، و يتمنى أن يسمع المسلمون ألحانه-و إن كانت هندية-لأن  مضمونها كلمات عربية، تعود إلى عدنان.-يريد بذلك الإشارة إلى القرآن العربي.

يـا ربِّ إلا بـلـبلاً لـم ينتـظـر ... وحي الربيع و لا صَبا نيسان

ألحـانـه بحـرٌ جـرى متـلاطمـاً ... فكـأنـه الحـاكـي عن الطوفـان

يـا ليـت قـومـي يسمـعـون شِكايـةً ... هي في ضميري صرخة الوجدان

إن الجـواهـر حـيـَّرت مـرآة هذا ... القلـب فهـو علـى شفا البركان

أسمِعـهُـم يـا ربِّ مـا ألهمـتنـي... و أعـدْ إليـهـم يقظـة الإيمـان

و أذقهُـم الخمـر القديمـة إنهـا ... عيـن اليقيـن و كوثـر الرضـوان

أنـا أعجمـي الدَّنَّ لكـن خمـرتـي ... صُنـع الحجـاز و كرمهـا الفينان

إن كـان لـي نغـمُ الهنـود و لحنـهـم ... لكـن هـذا الصوت مـن عدنـان

رحم الله إقبالا في الخالدين، و أثابه جنة عرضها السمو ات و الأرض جزاء ما قدم لأمته.   و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الرابط : http://www.odabasham.net/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9/115034-%D8%A3%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B2%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D8%B9%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A5%D9%82%D8%A8%D8%A7%D9%84

قراءة 1477 مرات آخر تعديل على الإثنين, 04 أيار 2020 04:47

أضف تعليق


كود امني
تحديث