لا أحد يجادل في أن العرب و المسلمين دولا و شعوبا، بالنظر إلى الأحداث التي توالت عليهم، و تلك التي لا يزالون يعيشون وقائعها حتى الساعة، قد أفقدتهم اتجاههم، و ما عادوا يدركون إلى أين يسيرون، و إلى أي اتجاه يقصدون، و لا أحد يجادل أن معظم الدول العربية و الإسلامية قد انفلت زمام المبادرة من بين يديها، و لم تعد تملك السيطرة على سياساتها الداخلية و الخارجية، و أن قراراتها باتت موجهة و مفروضة عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، و لم تعد قادرة على فرض إرادتها و إملاء شروطها داخليا أو خارجيا، و أصبح الخارج و ما يمثله من لوبيات داخلية تسهر على خدمة مصالحه و رعايتها، هم الذين يتحكمون في الأمور و يقررون بدل السلطة، فالعراق تتنازع إرادته كل من الولايات المتحدة الأمريكية و إيران، و سوريا خضع النظام فيها لإملاءات إيران و روسيا و تركيا، و اليمن و السعودية يخوضان حربا بالوكالة نيابة عن أمريكا و إيران، و السودان المقسم هو ضحية الصراع الأمريكي الصيني على ساحته، و مصر تتصارع على ساحتها دول الخليج، كما تؤثر على سياساتها الداخلية و الخارجية إسرائيل، و ليبيا وتونس و الجزائر و المغرب، ليست بأفضل حال مما يجري في المشرق، إذ أن أوضاعها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية، و إن كانت أقل سوءا مما هو عليه حالها في المشرق، فإنها غير محصنة و يمكن لها في أية لحظة أن تسوء أكثر فأكثر، و تغدو أسوأ مما هي عليه في المشرق، و الكل يعلم أن الحكومات في دول شمال إفريقيا، تسيير شؤونها يوما بيوم، و هذا معناه أنها لم تعد قادرة على التخطيط للمستقبل، و عدم امتلاكها لتلك القدرة، يعني من وجه آخر أنها لم تعد تمتلك أدوات التخطيط و التنفيذ، و لذلك هي لم تفعل، و هي لم تفعل لا من باب الزهد فيه و لكن بسبب العجز و القصور. و بديهي أن من لا يملك القدرة على التخطيط، لا يملك القدرة على تحديد مستقبله، و الإعداد له، و المساهمة في بنائه، على النحو الذي يطمح إليه و يريده و يتمناه، و تنتقل هذه القدرة إلى غيره، فهو الذي يتولاه بدلا عنه، و ليس له هو أن يقبل أو يرفض، بل لا يملك إلى أن يقبل ما يعرض عليه ناسبه ذلك أم لم يناسبه. و هذا لا يعني أن الدول العربية و شعوبها لا تستطيع أن تخر ج من هذا النفق الذي يبدو أنه مسدود و غير منفذ، بل هناك إمكانية للإفلات من هذا الشَّرَك، و ذلك يتطلب من أنظمتها أن تراجع سياساتها في تسيير شؤون شعوبها، و أن تضع حدا لأسباب الصراع و الحرب بينها، و أن لا تسمح للغير، أن يتخذ منها أداة لتصفية حساباته مع الأخرى، و أن يجعل من أوطانها ساحات لمعاركه، و من شعوبها وقودا لحروبه. إنه لم يعد خافيا على أحد من الناس أن معظم الحروب التي تدور رحاها في بعض بلداننا العربية إنما هي حروب بالوكالة، و إلا كيف نفسر اقتتال السودانيين في دارفور؟ أو اقتتال الليبيين فيما بينهم؟ أو اقتتال الأكراد و العراقيين؟ أو اقتتال السعوديين و اليمنيين؟ أليست تلك الحروب و المعارك تخدم مصالح الغير الذي لا يريد لنا خيرا؟ و لا يريد لنا أن نعرف أين نسير، و كيف نحدد المستقبل و المصير…
الرابط : https://elbassair.org/1169/