قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الإثنين, 26 تشرين1/أكتوير 2020 15:24

الفراغ الروحي و العملي في حياة الفرد و الأمة مقاربة في الدوافع و المسببات و طرق العلاج..

كتبه  الأستاذ نبيل علي صالح
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تتجلى أزمة الفراغ الفكري والسلوكي الذي باتت معالمه تظهر  و تمتد  و تتوسع يوماً بعد يوم في حياتنا الإسلامية العامة فردياً و جماعياً، من خلال فقدان الإنسان المسلم الانسجام مع ذاته و انعدام المصالحة مع قيمه، و حالة انعدام مسؤولية الإحساس الحي بإسلامه الحركي العملي كنظام فكري و عقائدي متين و أصيل، يملأ جوانب حياته النفسية  و الوجودية، و يدفعه باتجاه العمل و الجهاد و الكفاح في سبيل احتلال مواقع أكثر تقدماً و رقياً في الحياة الإنسانية و الإبداعية من موقع الوعي الجمالي بالحياة و الوجود و الإنسان..

فمعظم المسلمين حالياً يشعرون بالإسلام كحالة ذاتية طقوسية يمارسونها يومياً عبادات و مشهديات بصرية تغيب عنها عوامل الوعي و الانسجامية الروحية التكاملية، أي يعيشون الدين كمجرد طقس روحي يحلق في عالم الخيال البعيد عن الأرض، بما يجعله فاقداً للعلاقة و التواصل مع واقع الحياة و المجتمع.. فتأتينا صورة الدين في حياتنا كمجرد طقوس مقدسة تتلاحق فصولها على شكل صور غامضة و مبهمة، و كليات لا يعرف مداها و معناها في حركة التطبيق.

و قد ساعد على تعميق هذا التصور الخاطئ في نفوس المسلمين، و محاولة إيجاد قواعد فكرية و معرفية فلسفية مستحدثة في ذهنية أجيال الأمة الإسلامية، وجودَ تيارات سياسية و ثقافية بعيدة –في وعيها و نهجها و خطوطها– عن حضارة و ثقافة و رسالة هذه الأمة، قامت بإبعاد قطاعات المجتمع الشابة عن الإسلام الحركي الاجتماعي المتواصل بلطف و هدوء و تكامل حقيقي مع كافة مجالات السلوك الحياتي الفردي و المجتمعي، و قدمته لهم بصيغ فكرية مقولبة و منمطة جامدة تنتمي إلى مرحلة تاريخية قديمة لا يعيشونها و لا يعرفونها، انتهت بوعيها و فكرها و مكتسباتها في زمن انقضى، و لم يعد بمقدور (هذا الإسلام) حالياً أن يستوعب، و يستجيب، و يقدم الحلول المناسبة لمشاكل الإنسانية المعاصرة التي تتزايد يوماً بعد يوم.

و إذا كان لنا أن نحدد الأسباب (و المسؤوليات) عن وجود و تكوين هذا الفراغ الروحي و انعدام حس المسؤولية الرسالية الإنسانية التي هي جوهر التفكير و العقيدة الإسلامية الأصيلة، فإننا نعتقد أن هناك عوامل و ظروفاً و ملابساتٍ عملية راهنة و تاريخية عديدة ساهمت و دفعت كلها - بشكل أو بآخر- في اتجاه إيجاد و خلق هذا التصور السلبي القائم عن الإسلام و المسلمين و الرسالة الإسلامية النبيلة، و عملت على تأسيس ذلك الفراغ الفكري و العقدي من خلال تهيئتها للتربة المناسبة التي نشأت عليها تلك الأفكار الخاطئة التي باتت ديناً بحد ذاته.. و يمكننا -في هذا الإطار- أن نتحدث عن أهم تلك الأسباب، و نحلل مختلف تداعياتها و آثارها السلبية من خلال ما يلي:

1-أسباب سياسية:

تعود هذه الأسباب بالدرجة الأولى – كما ألمحنا سابقاً– إلى طبيعة و نوعية و شكل أنظمة الحكم السياسية المستبدة التي مرت في تاريخنا العربي و الإسلامي، و التي حكمت بإسم الإسلام، و لكنها لم تكن تمثل –في كل حكمها السياسي التاريخي- طبيعة الروح الإسلامية الصافية و النقية لا في المضمون و لا حتى في الشكل.

فقد قدمت تلك الأنظمة للناس تصورات و أنماطاً سلوكية منحرفة غير سوية للفكر و السلوك الديني، ظهرت على حقيقتها خلال مرحلة التطبيق، بصورة محرّفة عن حقيقة الجانب السياسي و الثقافي في الإسلام الذي قدمته تجارب الرسالة النبوية الشريفة في عهد الرسول الأكرم، مما جعل الكثيرين منهم (من الناس) يعتقدون بأن معنى عودة الإسلام إلى الحكم، ليس إلا عودة عصور القهر و الطغيان و السلطنة و العنف و الدماء، إلى عصرنا و حياتنا.

و يبدو لنا من خلال استقرائنا لحركة الواقع السياسي الراهن أن كثيراً مما تبقى من هذه الأنظمة السياسية و الثقافية العربية الحاكمة حالياً على الرغم من حدوث ثورات الربيع العربي، لا تختلف كثيراً عن سابقاتها من حيث طبيعة الأفكار، و الرؤى العملية التي تتأسس عليها هذه الأنظمة أو تلك.. إنها أفكار و نظم الاستبداد و التسلط و القمع و الفساد و الإفساد و الهيمنة على مفاصل البلاد و العباد، و التحكم القسري الأرعن على مختلف منافذ الثروات و الموارد الهائلة الموجودة في داخل الأمة، و مواجهة أي موقع (فردي أو اجتماعي..الخ) قد تسول له نفسه التفكير –مجرد التفكير– بإحداث تغيير معين في طبيعة السلطة القائمة، حتى لو اقتضى ذلك، وضع السلاح في مواجهة الأمة كلها، بدلاً من أن يكون في مواجهة العدو، أي هناك بعض النظم غير القابلة للإصلاح على استعداد للتضحية بكل مقدرات و إمكانات مجتمعاتها للبقاء في السلطة حتى لو كلف ذلك خوض حرب تدميرية ضد تلك المجتمعات بأكملها..

إننا نعتقد أن تلك الأعمال المشينة التي يرتكبها زعماء و سلاطين الأمة بحق شعوبهم و أبناء أمتهم المستضعفة تتعمد الإساءة إلى القيم و المفاهيم الإسلامية الأصيلة المنفتحة، و تحاول -من خلال ذلك– إبعاد الإسلام عن حياة المسلمين، بما تشرعه لهم من قوانين و نظم تتناقض مع المضامين الروحية و العملية الحية للقرآن الكريم و السنة المطهرة، و تتعارض كلياً مع معطيات العقل و المنطق.

و هنا نشير إلى أنه لا يجوز لأي كان من الإسلاميين الملتزمين –دولة كانوا أو حزباً- إلا أن يقفوا مع الحق ضد الباطل، و مع المظلوم ضد ظالمه، مهما كلفت التضحيات، و حتى لو كان ثمن هذا الوقوف خسارة مواقع عمل و تحالفات سياسية معينة و استراتيجيات عمل سياسية و غير سياسية و غيرها.. هذا ما تعلمناه من ثورة أبي عبد الله الحسين الذي رفع شعار "هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك و رسوله..".. و قدم للأمة كلها -بسنتها و شيعيتها- نموذجا للفداء و التضحية و للبطولة الحقة التي مثلها الحسين عملياً متماهياً مع قيم الإسلام الرسالي الإنساني. 

إذاً هناك فكرة و قيمة اسمها الحرية و الكرامة و العزة و كلها قيم إنسانية و إسلامية طلب الإسلام من المسلم أن يعيشها فعلاً لا قولاً فقط..

فالظلم الواقع على الناس هنا و هناك لا دين و لا مذهب و لا انتماء له، و المجرم القاتل السفاح الذي يمارس مثل تلك الأفعال و الأعمال الإجرامية الدموية لا دين له، و لا إله له سوى إصراره على القتل و الظلم و انتهاك الحرمات و الكرامات و الأعراض..

إننا نعتقد أن العمل على منع حدوث مآسٍ أخرى جديدة – مثل تلك التي حدثت في كربلاء- هي من أولى مهامنا و الواجبات الرسالية الإسلامية (التي سيسألنا الله تعالى عنها يوم الحساب) الملقاة علينا كمسؤولين و تيارات و أحزاب دينية أو غير دينية، خصوصاً و أن منطقتنا العربية الآن حبلى بالصراعات و الفتن، بل و باتت أرضاً خصبة و صالحة لنمو و نشوء مزيد من الاستقطابات الطائفية الحادة (بين الشيعة و السنة و هما جناحا الإسلام الأساسيان) التي نأمل ألا تقع في شراكها أحزابنا و تياراتنا المقاومة التي نحب و نحترم و نقدر تاريخها النضالي و الكفاحي الجهادي و الذي هو أحد أهم نقاط القوة و الإشراق في عتمة هذه الأمة.

و هذا ما يدعونا للاستنتاج بأنه لو أتيح للإمام علي أن يتحرك بحرية ضمن هذا المسار المشرق (مسار وعي الإسلام كرسالة و ليس كسلطة، كثقافة محبة و حرية و تسامح و ليس كثقافة سلطنات و زعامات و عروش وو..الخ) لكانت البشرية قد اكتشفت –منذ زمن بعيد- البذور و الأسس الفكرية و العملية الأولى للنهج التعددي القائم على الشورى (الديمقراطي)، و وفرت على نفسها عناء الصراعات و التكاليف الباهظة للحروب المعنوية و المادية من دون أدنى شك.

2-أسباب تربوية نفسية:

ساهم عدم اكتراثنا بأهمية السياسة التربوية الإسلامية السليمة - في داخل بيوتنا و مجتمعنا الديني- في تهيئة التربة الملائمة لنمو بذور الفراغ النفسي و العقائدي في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية.

و حتى لو وجدت هناك أساليب تربوية معينة تقليدية موروثة أو حديثة تعتمدها الأسر و مختلف الفئات الاجتماعية في تلك المجتمعات المسلمة، من أجل تنمية سلوك أبنائها، فإننا نجد أن أغلب هذه الطرق المتبعة خاطئة، و غير واقعية، و عديمة الجدوى و النفع، خصوصاً في المسائل المتعلقة بأساليب تعليم الدين، و تثقيف الأبناء به، الذي ما يأتي غالباً بطريقة فجة و غير واقعية، بل و مخيفة لهم أيضاً، يعتمد فيها على طرق الزجر و الردع و الخوف و التخويف، و تجذير عقلية الحلال و الحرام من دون مقدمات تربوية صحيحة يمكن إبداعها لدى الناشئة من أجيالنا.. و هذا ما يخلق في نفوس هؤلاء الشباب ردة فعل سلبية تجاه المعطى الديني، و يشكل لديهم ربما نوعاً من العقدة النفسية المرضية تجاه عالم الدين بأسره، قد تؤثر سلباً على مستويات وعيهم، و انتمائهم الفكري الديني في المستقبل.

و هذا ما يظهر أمامنا في السلوك التربوي الديني لأفراد مجتمعاتنا، من خلال اكتفاء الآباء بالتركيز على تعليم الأبناء الجانب العبادي الرمزي و الطقوسي فحسب، الأمر الذي يساعد كثيراً – مع مرور الزمن – على خلق تصور فكري خاطئ لدى الأبناء عن حقيقة الدين يقوم على اعتبار الدين مجرد عبادة مظهرية شكلية طقوسية خالية من أي جوهر أو مضمون أو معنى رسالي و حركي في الحياة.

و نحن -بطبيعة الحال- عندما نحّمل أسرنا المسؤولية الأهم و الأكبر عن اتساع دائرة الفراغ الروحي و النفسي في داخل مجتمعاتنا، لا يمكن أن نغض النظر عن دور و مسؤولية مواقع التعليم و التربية المتعددة الأخرى عندنا كالمدرسة و الجامعة و المؤسسات و الهيئات المجتمعية الأخرى.. لأن تلك المواقع - التي يفترض أن تعمل على تعميق الحس الديني الحضاري لدى الطالب- تشعره (بوحي الطريقة التي تتبعها في تعليم و تلقين دروس الدين) بأن هذه الدروس و التعاليم و القيم الدينية لا تمثل شيئاً من الأهمية الموجودة لباقي المواد و المقررات.

و هذا الأسلوب شبه العدمي –إذا صح التعبير– في التعامل مع المواد و الدروس الدينية، يبعث في نفوس الطلاب الشعور بالعبث عند تناول المادة الدينية، و فقدان الاهتمام الكلي بالدين، و تضعيف الحس و الانتماء الديني في داخل كيانه الذاتي، و الابتعاد عن المطالعات الدينية، و عن الكتب التي تتحدث عن نظام و ثقافة الدين، و أساليبه الفكرية و العملية في الحياة. فيظهر تعاطي أبنائنا مع فكر و ثقافة الدين و كأنه نوع من الترف و العبث الذي لا يقدم و لا يؤخر.

3- شيوع الانحلال الفكري و الأخلاقي:

يتمثل ذلك من خلال اتساع الرؤى و النظرات المعرفية العملية التي تنظر إلى الدين من منظار الحداثة الغربية القائمة على:

أ- الرؤية الدنيوية المادية المحدودة و المفضية إلى اعتبار العالم الموضوعي الخارجي هو الحقيقة، و لا شيء وراءه. و هذه الرؤية تنفي وجود تدخلات غيبية ما ورائية في أصل وجود هذا العالم، أو صيرورته. و تعتبر تلك النظرة أنّ الغاية النهائية و القصوى لحياة الإنسان على الأرض مجردة من أي معطى جوهري آخر غير المادة، و هي بلا مضمون روحي و أخلاقي قيمي عملي مجسد على الأرض. أي أن يصبح النجاح المادي –و تحقيق اللذة و المنفعة و الوصول إلى درجة القوة، و امتلاك رؤية دنيوية غير دينية– هو القيمة الأخلاقية الذاتية الأساسية التي تدفع الإنسان للحركة الفاعلة في الحياة.

ب- أن يكون الفرد هو القيمة الأساسية المطلقة في حركة المجتمع، و هو محور العمل و النشاطات و الوجود.. و لا علاقة لأحد به من موقع المرجعية الفكرية الدينية أو غير الدينية.

ج- أن يكون العقل الوضعي النفعي –الذي يتأسس على مبادئ البراغماتية (النظرة النفعية و الربحية المحضة)، و يستبعد أي دور للعقل الأخلاقي العملي القائم على قيم و مبادئ أخلاقية رسالية ذات امتداد ديني في فهم معنى الخير و الشر، و الحق و الباطل- هو المرجعية الحقيقية و الواقعية المطلقة في فهم الأشياء و الموضوعات، و في وعي و إدراك آليات العمل و الحكم على الأعمال و السلوكيات المختلفة. و بشيء من الاستطراد يمكن القول هنا بأن انتشار أفكار و نظريات و طروحات الحداثة الغربية في أوساطنا الاجتماعية الإسلامية -بالمعنى الذي تحدثنا عنه- قد قاد إلى:

1- نشوء تطبيقات روحية و مفاهيمية عملية تخاطب الغرائز و الجوانب المادية الحسية فقط عند بني البشر، و تدفعهم إلى تقديسها و اعتبارها محور النشاط و الفاعلية البشرية، من دون أن يكون للعوامل و الدوافع الروحية أي دور في ذلك. الأمر الذي ساعد كثيراً على إشاعة الروح الانحلالية، و أجواء التهتك الاجتماعي، و التمييع الفكري و الأخلاقي في نفوس الناس و المجتمعات.

2- ظهور النظريات و الأفكار الفاشية و النازية و الاتجاهات العدمية اللا إنسانية، و كل ما يقوم على تعزيز النزعة القهرية و العدوانية –إذا صح التعبير- في استلاب الآخر و إلغائه، و ليس بالتكامل معه و به.. و ذلك كقيمة طبيعية لتجريد هذه الحداثة من الإيمان الديني الأخلاقي.

و هنا نشير إلى أن ظهور مبادئ "الأنسنة" بالمفهوم الغربي، قد ترافق مع الاندفاع الأكبر و الأعظم في التاريخ للنزعة العدوانية الغربية في استعمارها و نهبها و أحياناً تدميرها لإنجازات حضارات و ثقافات الشعوب المستضعفة الأخرى، و منها شعوبنا و بلداننا العربية و المسلمة.

و من الطبيعي أن يحدث مثل هذا الواقع –في أجوائه السلبية الضاغطة– تأثيراً نفسياً و سلوكياً كبيراً في نفوس أبناء المجتمع خصوصاً فئة الشباب، ليشعرهم بأن الإيمان الديني الإسلامي لا يتصل بحياتهم و بسلوكياتهم على الأرض في قليل أو كثير، و لا علاقة له بتوجهاتهم الفكرية و العلمية و العقلية، و يصبح –بالتالي- من العبث أن يشغلوا أنفسهم  بدراسته و التعرف عليه.. لذلك من الطبيعي أن تتسع و تمتد تلك الطروحات و المفاهيم إلى ساحة الحياة كلها خصوصاً مع عدم وجود فكر و نهج واع مقاوم و مواجه لتلك الأفكار العبثية الرافضة للدين.

من هنا يجب علينا - على طريق إيجاد حلول متوازنة لمشكلة الفراغ الروحي العقائدي- أن نكون صريحين مع واقعنا و أنفسنا و مشاكلنا. أي أن تكون المكاشفة و الوضوح هي السبيل الذي نجابه به تحدياتنا و أزماتنا التي يعيشها تفكيرنا و واقعنا الديني و الاجتماعي و السياسي.. لأن المكاشفة هي القاعدة الأساسية في فهم و تصوُّرِ أسباب المشكلة، ثم في تبني حلول عملية لها.

و بمقدار ما نفعّل هذا الأسلوب النقدي في حياتنا الدينية و الحضارية (مع توافر شرط عدم إلقاء التهم، و تحميل المسؤوليات للآخرين) بمقدار ما ننجح في عملية المواجهة، و نؤسس لمستقبل ديني و رسالي ناجح و مستقر.

طبعاً نحن عندما قلنا أن هناك تأثيرات سلبية للتفاعل الديني و الاحتكاك الحضاري مع حداثة الغرب، لا يعني ذلك أن مفاهيم و نتاجات الحداثة الغربية هي كلها في نفس المنحى السلبي بالمطلق، بل نعتقد جازمين أن واقع و آثار و إبداعات تلك الحداثة الغربية –خاصة في المجال العلمي و التقني و المؤسسات الدولتي- قدمت للإنسانية عموماً كثيراً من الأفكار و المناهج الثقافية النافعة و المفيدة، و شكلت تجارب متراكمة مهمة على طول المسيرة الإنسانية.

و الحداثة الغربية التي ترتكز على مفاهيم العقلانية و الإنسانية و التسامح و الاعتراف بالآخر و التعايش معه و الاستفادة منه و تبادل الخبرات معه، لا يوجد بينها و بين الإسلام –كدين إنساني يهدف لخير البشرية- أية مشكلة على مستوى المناهج العامة، و ليس على مستوى المفردات. فأفكار و طروحات العقل و الانفتاح و غيرها موجودة أصلاً في داخل المنظومة الاعتقادية و الفكرية الإسلامية. و حركة العقل و العقلانية في التاريخ الإسلامي -التي مرت بكثير من الأزمات المستعصية، لم يكن للفكر الإسلامي الأصيل أي دخل فيها- يمكن التأسيس عليها مجدداً في عصرنا الراهن.

و نحن نعرف أن هناك جدلاً واسعاً بين الأشاعرة و المعتزلة، مورست فيه حالات ضغط و قسر في كل حركة العقل في بعض الأحيان. لكنها لم تكن بالمستوى الذي أدى إلى إلغاء دور العقل و إسقاطه بالمطلق. لكن العقل استطاع –في نهاية المطاف- إثبات نفسه، و فرض وجوده في تاريخ الفكر و الثقافة الإسلامية.

و بالإضافة إلى مفهوم العقل، هناك مصطلح و مفهوم و مفردة "العلم" الذي دعا الإسلام إلى اعتماده في كل المجالات. و لا حاجة بنا هنا إلى التذكير بكثير من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية التي دعت إلى تلقف و نيل العلم، و اكتسابه، و العمل به و الانتفاع من خيراته.. و أن يفكر الإنسان، و يصول بعقله في كل الواقع الحياتي و الكوني من أجل أن يدرس أسرار الكون، و حركة نظامه و نواميسه و قوانينه. كما و نددت الثقافة الإسلامية –التي تحمل الإنسان مسؤولية التعقل و التعلم و اكتساب المعرفة- بأولئك الذين لا يتفكرون و لا يتعقلون و لا ينتجون، و الذين "لهم قلوب لا يفقهون بها و أعين لا يبصرون بها". لأن العقل هو المنتج للعلم و المعرفة. كما و دعا الإسلام إلى ضرورة عدم اتباع نهج الآباء و الأجداد، و رفض تقليد الآخر..﴿وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ)(البقرة:170).. بل أن يكون للمرء وعيه و سلوكه و دوره و عمله و كسبه الحياتي.. ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَ لَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَ لا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (البقرة:134).

و في عصرنا الراهن نحن نريد -كمسلمين- أن يكون  لنا وجود نوعي و مؤثر في ساحة الحياة، و أن نضيف أشياء نافعة للبشرية، و على هذا الطريق لا عيب أن ننفتح على تجارب الآخرين للاستفادة و ليس للإتّباع، و أن نقدم الحداثة الغربية في عالمنا العربي و الإسلامي على أساس أنها خطاب ثقافي جديد أو رؤية ذات مفاهيم جديدة مختلفة عن كثير من أفكار و مفاهيم الخطابات القديمة، و تهدف إلى تشكيل و تنظيم مجتمعاتنا العربية و الإسلامية عموماً على معايير تأسيسية جديدة (ليست مغايرة أو متناقضة مع بعض معاني و تعابير ثقافتنا الإسلامية الأصيلة)، تأخذ بعين الاعتبار أولوية وجود الإنسان الفرد الحر (بعقله و سلوكه) على أي شيء آخر مستفيدةً من أجمل ما في تراثنا و ماضينا من قيم و مبادئ مهمة و جميلة تلحظ تفعيل دور و نشاط الإنسان الإيجابي في الحياة.. و قد انبثقت الحداثة خلال مرحلة الزحف السياسي و العسكري الأوروبي على عالمنا العربي و الإسلامي، و امتد زماناً منذ غزوة بونابرت لمصر في خواتيم القرن الثامن عشر، إلى انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، ما رتّب عند كثير من الباحثين العرب استنتاجاً يقضي بالشك في أصالة ميلاد فكرة الحداثة و في شرعيتها التاريخية.

و في الختام نؤكد على أن لا بديل لنا كعرب و مسلمين عن الانخراط في الواقع المعاصر، و الاهتمام بكل أحداثه و وقائعه و أحداثه و شؤونه المختلفة.. و هذا يتطلب البحث الجدي منا عن مضامين معرفية جديدة، ما يؤهّلنا لـ"التكيّف الإيجابي" مع معطيات و مواقع هذا العالم، و بالتالي الانخراط في مقتضياته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية، بما يقلل من الخسائر التي علينا دفع أثمانها نتيجة فواتنا التاريخي، ريثما تتوفر شروط عامة للتحرر و الانعتاق في المستقبل.

فنحن لسنا وحدنا في هذا العالم، كما أننا لسنا مركزه أو غايته أو منتهاه.. بل نحن أمة كباقي الأمم و الحضارات.. لها ما لها و عليها ما عليها.. إننا أمة من مجموعة أخرى من الأمم و الثقافات، لا يمكن أن نتكور على أنفسنا و ذواتنا، و لا نتقوقع و نعيش من دون جيران و أصدقاء و مصالح و توترات و مناخات باردة أو ساخنة و غيره.. و لا نستطيع أن ننعزل عن أية تأثيرات و تطورات قد تحدث في العالم الذي نعيش فيه. كما أننا نتحمل مسؤولية كبيرة في المشاركة في بناء هذا العالم الإنساني الكبير المتداخل بالتكامل مع باقي الأمم و الحضارات، و لا يكفي أن نوجّه إليها اللوم و نلقي عليها مسؤولية فشلنا و تقهقرنا الحضاري القائم حتى الآن، إذ أنه و على الرغم من التسليم بدور و مسؤولية العامل الخارجي في ما وصل إليه حال العالم العربي و الإسلامي من تدهور و تأخر، إلا أن هناك وعياً متزايداً بأن الكوارث التي يعيشها ليست كلها ناجمة عن المؤامرات و المصالح و الأطماع و التدخلات الأجنبية وحدها، و أن الكثير منها يعود إلى أسباب داخلية مقيمة ذاتية، من أبرزها عجز النخب السياسية عن إيجاد الحلول الملائمة لتناقضات كامنة في بنية و ثقافة المجتمعات و نظم الحكم العربية.. و ترتب على إهمالها و تراكمها نجاح القوى الخارجية في استثمارها و استغلالها إلى أن وصلت إلى نقطة الانفجار أو انفجرت بالفعل كما هو الحال في دول عربية كثيرة.. على الرغم من حدوث موجة الثورات العربية التي انفجرت في بعض تلك البلدان، التي تعاني معظمها من البطالة و الفشل التنموي و تعثر الإصلاح السياسي و الخلل الرهيب في توزيع الثروة و المداخيل تحولت إلى أمراض مزمنة راحت تنخر في عظام هذه الدول لتشكل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في جسدها في أية لحظة.

من هنا نؤكد على الحقائق التالية في سياق ضرورة قبولنا و تبنينا لأفكار الحداثة التي تنسجم مع ذاتنا الحضارية:

 1- إن الإصلاح الداخلي المنطلق من ترتيب أوضاع بيوتنا الداخلية أفضل و أقوى و أمتن من أي إصلاح خارجي مفروض لن يأتي إلينا إلا نتيجة الغياب المتعمد لانطلاقة مناخ الإصلاح الطبيعي في المجتمعات و الشعوب بما ينبع منها و يتفق مع تقاليدها و يرتبط بهويتها.

2- الإصلاح الحقيقي المطلوب الذي يستمر و يبقى هو فقط الإصلاح الذي يتم بالطرق السلمية الديمقراطية مع رفض كامل لمنطق العنف في العملية السياسية الإصلاحية، لأن مفاجآتها كثيرة  و ردود فعلها معقدة و نتائجها غير مضمونة.. بينما الإصلاح التدريجي المدروس وفقاً لخطة زمنية معلنة هو السبيل الأفضل للانتقال نحو غايات الأمم و أهداف الشعوب. و تستطيع نظم عربية كثيرة أن تتلاءم مع التطورات المقبلة بشرط أن تستوعب حقائق العصر و أن تمضي نحو المستقبل بخطى ثابتة، بدلاً من ترديد شعارات خادعة للاستهلاك المحلي و تسويف التغيير و إجهاض الإصلاح.

3- إن المؤسسة الدينية الحاكمة –ظاهراً أم باطناً- في العالمين العربي و الإسلامي مطالبة أكثر من أي وقت مضى باعتماد العقل و الحوار و الانفتاح على الآخر، و إطلاق خطاب ديني عصري واضح يعتمد على عنصر النقد الفاعل البناء و ليس التلقي و القبول و التسليم الكامل..

و من أجل ذلك، تبدو مقولة الحداثة العقلية و الفكرية و الاشتغال على الاجتهاد الديني –إذا صح التعبير- في رأس أولويات التجديد المطلوب للبناء و التطوير و من ثم اللقاء و التعاون مع باقي الحضارات الإنسانية.. فمسألة التقدم و التطور الحداثي تستدعي مقولات أخرى جديدة: المجتمع المدني، الديمقراطية، الدولة الحديثة، المواطنة، و هذا كله يمكن اختصاره بمقولة واحدة هي: الحكم الصالح. و تبدو أهمية ذلك إذا أدركنا أننا، بشكل عام، لا نملك لغة سياسية حديثة، منظمة و مؤسسة، في بنانا السياسية و الثقافية، إذا بقينا خارج تسلسل و تاريخ الأحداث و التغيرات التي تعصف بالعالم المعاصر.

طبعاً نحن عندما نتحدث عن قضية الاجتهاد الديني و أهمية الإصلاح في الفكر الإسلامي، فإن ذلك يعني من جهة أولى، رفض أن تراوح هذه الثقافة الإسلامية في مكانها ليجتر أصحابها مقولات و مفاهيم خارج نطاق الحياة و العصر.. و من جهة ثانية يعني عدم الاكتفاء بترديد أغاني الماضي التليد و انجازات العصور القديمة، بل عليها (على ثقافتنا الإسلامية) أن تواكب حركات التقدم الذي وصلت إليه الثقافات الأخرى و أن تتفاعل بشكل خلاق و مبدع مع كل الانجازات العلمية و الفكرية التي ساهم بها مثقفو الأمم الأخرى.

و هنا نؤكد دائماً على أن تجاوز هذه الإشكالية "الجديدة-القديمة" قائم على مسألة نظرية بسيطة النظرية لكن مركبة التنفيذ و التطبيق، و هي: أن نعمل على الاستفادة من ثقافتنا و حضارتنا العربية و الإسلامية بما يتلاءم و يتناسب مع سياقات و حاجات و متطلبات العيش المعاصر لمجتمعاتنا الراهنة ذات الحاجات المتبدلة و المتغيرة، و من دون أن نكون أسرى لقيم و أفكار و نصوص الماضي، و مستغرقين في مناخاته القديمة، و أن نأخذ بمعطيات الحاضر و نساهم في تطويره بما يمكننا من استشراف المستقبل، و أهم ما نحتاج إليه هنا هو الثقافة التنويرية العقلية، و ضرورة خلق نقاط ارتكاز و استنادات معرفية و فلسفية عميقة لها.. حيث لم يعد مقبولاً الاكتفاء بالنشاطات الثقافية الشكلية المجردة التي لا تمت إلى الجوهر بصلة، بل علينا أن نساهم في عملية البناء الفكري الذي يصوب سهامه إلى مكامن الجهل و مفاصل الترهل في زوايا مجتمعاتنا المتعطشة إلى نور العلم و المعرفة.. و هذا ما يتطلب توفير كل المقومات و الإمكانات الضرورية كأسس و قواعد، عن طريق إيجاد مناخ يكفل حرية البحث العلمي و الإنتاج الأدبي و النقد السياسي، بما يؤهل مجتمعاتنا لأن تكون رائدة في ثقافتها منسجمة مع ماضيها مترقبة لمستقبلها الواعد.. و تلك هي مسيرة الثقافات عبر التاريخ و خلال العصور فالتواصل الثقافي بين الأمم أشبه بسلسلة ذات قنوات متداخلة كل قناة تأخذ مما قبلها و تعطي ما بعدها، هكذا كان حال ثقافات الأمم الغابرة من مصرية  و رومانية و فارسية و يونانية و عربية إسلامية مروراً بثقافة أوروبا في عصر النهضة و التنوير و انتهاء بالثقافة المعاصرة التي نعيش في رحاب نتاجها الذي يرفد الإنسانية بعوامل الرقي و الإبداع لما فيه خير البشرية جمعاء.

الرابط : https://www.wahdaislamyia.org/issues/130/nalisaleh.htm

قراءة 745 مرات آخر تعديل على الإثنين, 26 تشرين1/أكتوير 2020 18:55

أضف تعليق


كود امني
تحديث