قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الجمعة, 30 تشرين1/أكتوير 2020 15:20

محورية فهم الواقع في الصراع الفكري عند مالك بن نبي

كتبه  الأستاذة سهيلة عظيمي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تمهيد:

يحظى الواقع الإنساني بمكانة هامة عند المفكرين و الفلاسفة و قادة التغيير عبر الأزمنة و العصور، من حيث محاولة قراءة سجل التجارب و الأحداث الي حفل به ماضيا، و كذا التوغل في عمقه التاريخي و محاولة الإحاطة بتجاربه و الأحداث التي مر بها ، و تشخيص علله الحضارية، و رصد جوانب الضعف و الهزيمة و كذا معالم الانتصار و القوة فيه، و من ثمَّ اكتشاف السنن الاجتماعية الفاعلة فيه، و الإلمام بقضاياه، و تحليل جوانبها المتعددة؛ إذ إنّ استيعاب هذا التاريخ الطويل، و طبيعة استجابته للظروف المتعاقبة و المختلفة؛ من حيث فهم ثقافته و أوضاعه النفسية و الاجتماعية؛ يُعين الناقد و الراصد لأحواله على امتلاك الرؤى اللازمة لمعالجته، و التصدي للتحديات و الاحتمالات بخاصة إذا تعلّق الأمر بميدان خطير ألا و هو الصراع الفكري و ما يفرضه من اختلالات في مرحلة ما، و إن الناظر في الإنتاج الفكري لمالك بن نبي يجد ثراء كبيرا لهذا الجانب فيه. لقد كان لفهم الواقع عنده مكانة هامة و دور لا يستهان به في فهم الصراع الفكري، و إن تسمية ما دبج يراعه ضمن ما يسمى مشكلات الحضارة لدليل بارز على ذلك.

مفهوم الصراع الفكري:

الصراع لغة و اصطلاحا:

1 - لغة:
الصراع مصدر لفعل صرع، و الصرع الطرح بالأرض، و منه صارع أي حاول طرحه 1، و الصرعة الحليم عند الغضب لأنٰ حِلمه يصرع غضبه.
2 - اصطلاحا:
الصراع الفكري هو معركة فكر مع فكر و مقاومة حجة لحجة؛ فهو أحد مجالات التفاعل و التدافع الإنساني؛ يقوم بين الأفكار أو الأيديولوجيات أوالفلسفات أو الأطر المرجعية أو النظريات في شتى المجالات، و بين كل مفهوم أو اتجاه فكري يتعارض أو يختلف عن مفهوم أو اتجاه فكري آخر، و الغاية من تلك المعركة هي إسقاط الفكرة بتحطيمها و عدم توفير البيئة العقلية التي تحتضنها أو تتفاعل معها. أو محاولة اختراقها بشتى الوسائل و الأساليب حتى لا تجد الصدى المستهدف بها في الواقع.
و يبدو أن مالك بن نبي هو أول من وضع عبارة “الصِّراع الفكري
ologique)idé lutte) و هو يعني استراتيجية للسيطرة بوسائل أخرى غير السلاح لإضعاف صاحب الفكرة بالانتقاص من فعالية أفكاره، و إذا كان هذا الخصم مِنْ مُبْدِعِي الأفكار يُسْعى إلى مُحاصرته و عزله عن وسطه الاجتماعي.
و قد كانت سلسلة المحاضرات التي ألقاها بن نبي في باتنة خلال شهر ماي من سنة 1973 هي آخر محاضراته، و هي تُعالج موضوع الصِّراع الفكري، و هو يصف الأفكار بأنها “أسلحة غير مَرْئية، بل إنها غير مرئية أكثر من الأشعَّة غير المرئية. فبمعالجة قدرٍ مُعَيَّنٍ من الأفكار معالجة خاصة يمكن تحقيق أهداف تعجز عن تحقيقها القوة المادِّية“، و يضيف “إنَّ الاستعمار لا يمكن له أنْ يُبْقِيَ على حالة التأخر في بلداننا إلاّ إذا حَبَسَنا في مجال خالٍ من الأفكار. و على نقيض ذلك، لا يمكن لنا التخلص من تأخرنا إلاّ إذا تخلّصنا من الأفكار المتردِّية التي تمثل المجال الفكري الموروث عن قرون الانحطاط“. و قد اشتهر مالك بن نبي بأنه أول من استعمل هذا المصطلح2.

أهمية استيعاب الواقع في رصد الصراع الفكري:
إنّ الواقع الإنساني في بعده الإرادي - المعيش- عامة غير خاضع لقانون معيّن يتوجّه به، بل هو في تبدّل دائم لتداخل معطيات كثيرة فيه، و على رأسها أنّ مجالاته محلّ تصرّف حركات الأفعال الإنسانية الكبيرة المنبثقة عن نظريات و أفكار متباينة و غير ثابتة أو دائمة في صيرورتها التاريخية. ففيما تنبّه الغرب إلى الدور الذي تكتسيه دراسة و استيعاب الواقع في خدمة مصالحه المادية ، و ضمان تأثيره الفكري و الثقافي في غيره من الأمم، فإنّ التاريخ ليحمل لنا أنباء حركات كثيرة بشّرت ببدائل ذات قيمة في معيار الحق و الخير، و لكنّها أخفقت في مهمّة ترشيد المسار الحضاري للواقع بسبب المناهج غير الموفقة التي سلكتها في تعاملها معه، حيث غفلت عن امتلاك رؤية عميقة و شاملة لطبيعته و مكوّناته، الأمر الذي حرمها من الاقتراب من أهدافها الثابتة التي سعت إلى تحقيقها3 و إذا أردنا استحضار شواهد من التاريخ نجد قامة فكرية و دعوية كأبي الأعلى المودودي في محاولته التحليلية لبعض للجهود الإصلاحية كتلك التي قام بها الشيخان "أحمد البربلوي"إسماعيل "4 الشهيدان، عاب على عمل هذين المصلحين على الرغم من إنصافه لهما لقيامهما بعمل جليل في مجال الفكر و الإصلاح، أنه :(( لم يخطر ببالهما أن يبعثوا وفدا من العلماء المتبصّرين إلى أوروبا ليدرسوا هناك تلك الأمّة الغربية، التي كانت و لا تزال تجترف أقطار الأرض كالسيل الآتي ))5 ، لا سيما القطر الهندي الذي قاما للجهاد فيه، حيث لم يكن خافيا على أحد أن عامل الحضارة الغربية -ممثلا في الاستعمار البريطاني هناك- كان من أهم الأسباب التي أسهمت في محاولة طمس معالم الهوية الإسلامية، فهذان الرجلان لم يفقها عامل الحضارة الغربية الذي غدا آنذاك عاملا قويا و مؤثّرا في الواقع الفكري و النفسي إلى حد كبير، و لم يقفا على مواطن القوة فيه و مواطن الضعف في واقع المسلمين آنذاك6.

مالك بن و قضية الصراع الفكري :
1- استقراء تحليلي للتاريخ الحضاري الغربي:
انطلق مالك بن نبي في محاولة فهمه لقضية الصراع الفكري الذي هو في حقيقته لغة صامتة ليس لها من معنى واضح إلا بالنسبة لمن عاش أو يعيش تجربة خاصة، فعلم الاجتماع الحديث حتى في نظرته إلى العالم الثالث يستمد مصطلحاته من تجربته الخاصة التي تحكمها ثقافة السيطرة التي تتعالى على إدراك التجربة الإنسانية خارج حدودها و إطارها7، لذا نجد بن نبي في تناوله لقضية الصراع الفكري من أساس فكري واضح و هو المدخل الحضاري ، فقد حمل معه إلى باريس و هو ما يزال في سنِي الدراسة إحساسه العميق بمشكلة ابن المستعمرات، و بدلا من أن يأخذه الانبهار و الشعور العميق بالإحباط، أخذ يتتبع بمنهجية تاريخ الحضارة الأوروبية ؛ ذلك التاريخ الذي أورث ما سماه الحالة الأوروبية، و قد أناخت بثقلها على مسيرة العالم الإسلامي، حيث استقالت الحضارة الإسلامية من التاريخ بعد زوال دولة الموحدين في المغرب8. الذي كان في حقيقته سقوط حضارة لفظت آخر أنفاسها9.
فإذا كانت الحضارة الأوروبية قد عملت على بسط العلم في أرضها، ففي غيرها تستعين بالقوة و هنا تبدأ الجذور الأولى لحقيقة الصراع الفكري بداية انفصال حقيقة العلم عن الضمير. و لها شبيه حالة بالانفصال الذي حدث في الحضارة الاسلامية في معركة صفين حين حلت القوة مقام الفكر و الحوار.
تناول مالك بن نبي الظاهرة الاستعمارية باعتبارها نتيجة لمرض أصابنا و هو التخلف و القابلية للاستعمار من ناحية، و من ناحية فهو نتيجة للصراع الفكري الذي خططت له المصادر الاستعمارية التي أحسنت إحكام خطتها، إذ سلطت على مسرح الأحداث العالمية أضواء على المشكلات الهامشية، بينما تركت في الظلام و وراء الكواليس كل رؤية منهجية سليمة، تفتح الطريق أمام خطط التنمية الفاعلة و المتفاعلة مع حركة التاريخ10، أحسّ بن نبي (( إن البلاد المستعمرة لا تعرف عموما ما هو الصراع الفكري، و إنما تسجل تلقائيا نتائجه السلبية في حياتها، فحين ترسل إلى الخارج بعثة من الطلاب للدراسة العليا، فقد قامت بعمل يتصل بالصراع الفكري، و لكنها لا تعلم بالضبط مقتضيات هذا الصراع و أسلوبه و وسائله و أهدافه))11.
2 - الانخراط الفعلي في الواقع:
تخرّج مالك بن نبي من كبرى المعاهد الهندسية العالية في فرنسا، و سلخ أكثر من ثلاثين سنة عاشها في أوروبا، و كانت هذه السنون الطويلة و الخصبة بالنسبة إلى رجل عربي مسلم عميق الثقافة سببا في إظهار ذاتيته، و كان تعمقه في الثقافة الأوروبية سببا في تحرره من نفوذها، و معرفته لمصادرها و مواردها و دوافعها الخفية و بواعثها العميقة. لقد تميّز مالك بن نبي على سائر الطلاب المغربيين و المشرقين بموقف جديد، لقد كان بن نبي في باريس مستغربا يريد أن يفهم الغرب ليفيد منه و يفيده ؛ أي دارسا للحالة الغربية التي فرضت وجودها على العالم بكل أبعادها، و ليس مثل موقف المستشرق ؛ ذلك الغربي الذي جاء إلى الشرق يدرسه ليقدم للغرب خدمة تُعضّد أساليب السيطرة عليه، و بخاصة حين عاين الحالة الشرقية التي حملت على ظهرها تراثها كالعيس في البيداء يحملها الظمأ و الماء محمول على ظهورها،  المدّ الغربي طفق إلى الشرق يتخذا طابع الصراع.12 ذاك الذي مهدت له أقلام منظّريه و فلاسفته بسنين خلت؛ فقد قدّم علم الأنثروبولوجيا الذي كان من مراميه الكبرى دراسة المجتمعات الانسانية المتخلفة بقصد السيطرة عليها من خلال معرفتها خدمات كبيرة للقوى الاستعمارية يمكن لمس آثارها بوضوح في مواطن كثيرة في التبعية التي تعيشها قطاعات هامة في المجتمعات البشرية و يؤكّد لنا مالك بن نبي ذلك بقوله:(( إن الاستعمار لا يتصرف في طاقاتنا الاجتماعية إلاّ لأنّه درس أوضاعنا النفسية دراسة عميقة، و أدرك منها مواطن الضعف فسخّرها لما يريد كصواريخ موجَّهة يصيب بها من يشاء، فنحن لا نتصور إلى أيّ حد يحتال علينا لكي يجعل منّا أبواقا يتحدّث فيها و أقلاما يكتب بها، إنّه يُسخِّرنا و أقلامنا لأغراضه بعلمه و جهلنا ))13 لقد أصبح موجهوه يتلاعبون بعقول الناس و نفسياتهم و بمصير شعوب بأكملها، إنه مازال الى حد الآن يتفنّن في اكتساب أقلام متجددة ليخطّ معالم المستقبل كما يريدها هو، و كما يقول الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله تعالى- : (( يا إخوان هل أنتم مستعدون لسماع الحقيقة و لو كانت مؤلمة ؟.. الحقيقة أننا نقول و خصومنا ( أعني خصوم الإسلام ) يعملون، نحن ننام و هم يسهرون، نحن نشتغل بحكم السبحة و نكتفي من الإسلام بالدعوة إلى تقصير الثوب و تطويل اللحية و هم يدرسون أحوال كلّ بلد و وضعه الديني و الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي، و يضعون لكل بلد المنهاج الموافق له لتضليل أولاده و ناشئته، و إخراجهم من دين الإسلام، يُخططون لعشر سنين و عشرين سنة، ننتظر حتى تقع الواقعة، فنعقد المؤتمرات و نتخذ القرارات و نخطب الخطب الصاخبة المزلزلة، و نكتب المقالات الملتهبة، و لكنها لا تحرق إلا أصابعنا، و عدونا ماض في طريقه لا يبالي بِنَا، لأنه خبرنا و عرفنا، و علم أنه ليس عندنا إلا الكلام، و ليس في خططنا إلا الارتجال))14.
و إذا تمعّنا في علاقة البلدان العربية و الإسلامية تاريخا و حاضرا بالعالم الغربي ذي الصبغة التوسعية، نجد أن الاستعمار الظالم - نفسَه - على الرغم من الأهبة العسكرية التي قدم بها إلى العالم الإسلامي عامة، ما كان - حسب مالك بن نبي - معتمدا على عامل وحيد و هو هذه الآلة العسكرية للتحكم في هذه الشعوب، بل كان يُخطّط في الصراع الذي جرّ نفسه إليه تخطيطا علميا - إذ لم يكن يستبعد احتمال مطالبتها بالاستقلال و الحصول عليه، لذلك نجد في كتاب شاهد القرن التأكيد التالي :(( يجب علينا أن نتصور الاستعمار كما هو، أي عقلية علمية مطبّقة في المجال السياسي فهو عندما أتى استصحب معه خطته الفنية في الاستعمار الأخلاقي و المادي لعله يستطيع تخدير الضمير و إعاقة الحياة الفكرية و بالتالي يعيق تطورها))15 ، لهذا يؤكد قائلا: ((إنّ البلاد المستعمرة تعيش الصراع الفكري، و تسجل نتائجه السلبية في حياتها و ميزانيتها و أخلاقها، دون أن تعلن عن حقيقته شيئا، و تترك المعركة في وجوه نشاطها نتائجه المتنوعة، دون أن تشعر تلك البلاد أن معركة مرت بأرجائها))16

ضرورة فهم الآخر بين النقد و الرصد:
إن النقد لا يجب أن يكون موقف عداء يتبادل فيه الخصمان الشتم و الضرب بالأقلام و الجمل، بل موقفا فكريا يتبادلان فيه آراءهما، و إذا كان من الذين ألًفوا كتبا حول تجاربهم في الغرب ـ من المشارقة ـ : المصريان رفاعة الطهطاوي و عياض الطنطاوي، و السوري أحمد فارس الشدياق و التونسي خير الدين باشا، فإن مالك بن نبي يبقى هو أحسن من عرف الغرب لأنه عايشه بمشاعره و لم يكتفِ بمجاورته أو التأمل فيه من الخارج. لقد تغلغل في أعماق الغرب بفضل دراساته و زواجه و علاقاته و قراءاته، و بفضل طول المدة التي أقام خلالها في فرنسا، و كما يقول كمال مسقاوي :(( مالك بن نبي أطلّ في باريس على العالم الغربي و لم يدخل لعبته؛ لقد كان بين ناظريه حقل دراسة يُسيطر عليه بفكره، و يرقبه بعين الناقد يدرك محاسنه و يحسُّ بأبعاد مساوئه ))17. إن أمر الحضارتين الغربية و الإسلامية، قد جذب اهتمامه للتعمق فيهما، و دراستهما لما لهما من اتصال مباشر بحياته، فهو الذي عايش الصدى المادي للأولى و أحس بفطرية أسس الثانية. و من بين أعمال مالك بن نبي كلها، يُعدّ كتاب “وجهة العالم الإسلامي” بحقٍّ مساحةً للمقارنة بين هاتين الحضارتين. فمنذ أنْ وطئتْ قدماه أرض فرنسا سنة 1930 راح يُمعن النظر في الذات الفرنسية ، يحلل أفكارها و يرصد موقفها تُجاهّ المسلمين. و يحلل تاريخ الغرب مع العالم الاسلامي، لقد وقف على أن علاقة الجوار بين العالم الإسلامي و أوروبا قديمة، لكننا نسجل أن العالم الإسلامي لم يحدث له أنْ تحوّل إلى المسيحية (حتى قبل ظهور الإسلام)، و أوروبا من جهتها لم تقبل أبداً بالإسلام بين ظهرانيها. لقد تصادما في الأندلس في أواخر حكم المسلمين هناك، و تصادما في الحروب الصليبية و أثناء العهد الاستعماريّ. و كانت الحضارة الغربية تريد فرض سيطرتها على العالم الإسلامي الذي لم يواجه ذلك إلاّ بنهضة وهمية. و هكذا عاد الاتصال بين هاتين الكتلتين الثقافيتين في ظرف كانت فيه أوروبا في أوج ازدهارها، بينما كان العالم الإسلامي في الحضيض. الأولى صارت مُستعمِرة، و الثاني صار قابلاً للاستعمار الذي هو في حقيقته نتيجة للصراع الفكري. و من هذه المواجهة انبثق تاريخ القرن العشرين المُثْقَلُ بالآلام و سوء الفهم و المآسي.

مالك بن و فكرة الإشعاع بديلا عن الصراع:
يولي مالك بن نبي إلى ضرورة انتشار الفكرة بالإقناع لا بالقوة، يقول :(( يجب علينا أن نفكر كيف يجب أن نعطي لأفكارها أقصى ما يمكن من الفعالية، و من ناحية أخرى أن نعرف الوسائل التي يستخدمها الاستعمار لينقص ما يمكن من فاعلية أفكارنا))18، فيرى أن العالم الإسلامي هو الذي بإمكانه أن يحقق الظروف النفسية لظهور الإنسان الجديد، و أن رسالته هي التوفيق بين العلم و الضمير، و هي مهمة روحية تقوم على التخفيف من حدة الفكر المادي و الأنانية القومية، فهو بالأحرى يمثّل في الرواية الإنسانية دورين يقوم بهما في وقت واحد، دوره ممثلا (فاعلا) و دوره شاهدا؛ هذا الاشتراك المزدوج يفرض عليه واجب التوفيق بين حياته المادية و الروحية و بين مصائر الإنسانية، فهو لكي يقوم بدور مؤثّر فعال في حركة التطور العالمي ينبغي أن يعرف العالم، و أن يعرف نفسه و أن يعرّف الآخرين بنفسه، فيشرع في تقويم قيمه الذاتية إلى جانب تقويمه لما تملكه الإنسانية من قيم 19، لأن هذا العالم الإسلامي قد احتفظ بمعنى جوهري هو معنى القيمة الخلقية التي افتقدتها الحضارة الغربية.

الهـوامـش:
1- ابن منظور أبو الفضل جمال الدين بن مكرم : لسان العرب، ج8، دط، دار صادر ،بيروت/ لبنان، 2003،ص 227.
2- يراجع في هذا السياق مالك بن نبي 8: الصراع الفكري، مالك بن نبي 34 : الأفكار المميتة، بقلم نور الدين بوكروح، ترجمة عبدالحميد بن حسان: http://aljazairalyoum.com .
3- يُنظر: النجار عبد المجيد: تجربة التغيير في حركة المهدي بن تومرت ، ط1، دون، تونس، 1404/ 1984م، ص 11، 12، 85.
4- وُلد السيد أحمد البربلوي ( مسترشد الشيخ عبد العزيز بن الإمام وليٰ الله الدهلوي صاحب كتاب حجة الله البالغة) سنة 1201هج/ 1786م، و استشهد سنة 1246هج/ 1871م. أما الشيخ إسماعيل حفيد الإمام ولي الله الدهلوي فوُلد سنة 1193هج / 1789م، و استشهد سنة 1246هج/ 1831م، يراجع في هذا المودودي: موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه وواقع المسلمين وسبيل النهوض بهم ، هامش ص121
5- المرجع نفسه: ص136.
6- المرجع نفسه: المرجع نفسه، ص138.
7- مسقاوي : حول فكر مالك بن نبي ، ص70.
8- مسقاوي: حول فكر مالك بن نبي، ص 48.
9- بن نبي : وجهة العالم الإسلامي ، ص36.
10- ينظر : المرجع نفسه، ص75.
11- بن نبي : الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، ص 33.
12- مسقاوي عمر كامل/ حول فكر مالك بن نبي ، ص27.
13- بن نبي مالك / شروط النهضة - تعريب عبد الصبور شاهين - ط4، دار الفكر الحراش/ الجزائر، 1407/ 1987 م، ص159.
14- الطنطاوي علي: فصول في الدعوة و الإصلاح -جمع و ترتيب حفيده مجاهد مأمون ديانيه - ط1، دار المنارة للنشر و التوزيع، جدة، المملكة العربية السعودية، 2008 ، ص46، 47.
15- ينظر:بن نبي / وجهة العالم الإسلامي، ص: 109إلى 115.
16- الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، ص35
17- مسقاوي / حول فكر مالك بن نبي، ص 28.
18- الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، ص 19.
19- وجهة العالم الإسلامي، ص 165

الرابط : http://www.binnabi.net/detail/1846/%D9%85%D8%AD%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83-%D8%A8%D9%86-%D9%86%D8%A8%D9%8A

قراءة 759 مرات آخر تعديل على الجمعة, 30 تشرين1/أكتوير 2020 17:01

أضف تعليق


كود امني
تحديث