تعتبر القيم حاكم السلوك الأول، رغم أن تكوين القيمة يحمل معنى وجداني بنسبة تزيد عن ٧٠٪ من المعاني المعرفية و المهارية؛ و لذلك يكثر الخلط بين مصطلح «القيم» و مصطلح «المبادئ» أحيانًا كثيرة!.
و بالنظر إلى مصطلح « القيادة بالقيم » نجد أنه يختصر معنى " دمج القيم في الإدارة " بحيث يصبح القائد شخصية ذات قيم و مبادئ ثابتة يضيفها إلى تعامله مع الأشخاص الذين يعملون تحت قيادته، و يصل هذا النمط القيادي إلى ترسيخ و غرس الولاء و الشعور بالذات و الميول و الدافعية في داخلهم، و يزيل تناقضاتهم حتى يصبح تفكيرهم و هدفهم الأول هو نجاح هذه المؤسسة و نجاح قائدها و تحقيق أهدافها و مهامها.
و لعل هذا المصطلح قد برز في الفترة المتأخرة بعد نجاح الأنماط الإنسانية في القيادة و قد بدأ هذا المصطلح يتبلور بوضوح من العام ٢٠١٠ م من خلال بعض الدراسات العالمية و الإدارية تحت مسمى « القيادة بالقيم »، و« القيادة الروحانية »، و« القيادة بالسمات ».
و عليه فالقائد بالقيم هو في الحقيقة القائد الأخلاقي الذي يتعامل مع الإنسان أولًا قبل القوانين و الآلة.
و بتعامله بهذا النمط يوظف كل الإمكانات لخدمة أهدافه.
و لكي يتبنى القائد هذا النمط في القيادة فيلزمه بناء استراتيجيته الكاملة من البداية إلى النهاية وفق قيم محددة ذات مرجعية ثابتة بطرق علاجية ناجحة و إلا فلن يتمكن من تطبيق هذا النمط القيادي بطريقة صحيحة.
و لينجح القائد في تطبيق « القيادة بالقيم » فلابد من تحقيق عدد من المتطلبات لهذا النمط ثم عدد من المعايير الخاصة بالقائد ثم استراتيجية قيمية متكاملة، و فيما يلي تفصيل لكيفية تطبيق هذا النمط القيادي بشكل صحيح و علمي:
أولا: متطلبات القيادة بالقيم:
١- الفهم الدقيق لأهداف المؤسسة التي سوف تقاد بهذا النمط، و من خلال هذا الفهم و التحليل يستطيع القائد تحديد القيم المناسبة لتعامله مع الأفراد في كل مرحلة من راحل العمل، و لتحديد القيم في هذه المرحلة أهمية كبيرة إذ تساعد على التفكير العميق في أهداف المؤسسة و تنظم الأعمال بدقة و سرعة عالية و كذلك تسهم في استقطاب الأفراد ذوي المهارات و الجدارات المناسبة و احتياجاتهم، و تحدد أولويات العمل، و تبعث على راحة العامل و القائد، و المستفيد من هذه المؤسسة إذ سبق و أوضحنا ارتباط القيم بالوجدان و الميول النفسي و الروحي تجاه المؤسسة و أهدافها. بل أن بعض الكتّاب العالميين مثل (توم بيتر) حينما سئل عن نصيحة تعطي الامتياز لأي منظمة كانت اجابته (عليك بتحديد القيم).
٢- تحديد مصادر القيم التي سيتبناها لقيادة مؤسسته و لهذه القيم عدد من المصادر و منها:
♦ القيم الدينية الثابتة اللازمة.
♦ القيم المجتمعية.
♦ سمات العاملين الذين سيقودهم.
♦ التشريعات و القوانين و اللوائح التي تنظم منظمته.
♦ القيم التنظيمية المناسبة للمؤسسة.
٣- تحديد القيم التي سوف يتبناها القائد من خلال ما سبق بدقة تتناسب مع نوع و أهداف هذه المنظمة أو المؤسسة، و هذه المرحلة هي الأصعب على القائد.
و لتحديد القيم المناسبة للمؤسسة ينبغي أن يعمل القائد في هذه المرحلة على تحليل عدد من العناصر التي سبق ذكرها بحيث يمزج بين هذه العناصر ليستخرج القيم اللازمة لقيادته فيجعل قيمة ( الإخلاص هي القيمة الدينية المحددة - ثم يحدد على سبيل المثال قيمة ( العمل بروح الفريق ) و قيمة (العدل) (و المساواة) هي القيم الاجتماعية المحددة ثم يحدد قيمة (المبادرة) و قيمة (الإتقان) و(النزاهة) قيم تنظيمية مختارة، و قد تزيد هذه القيم حسب كل قائد و كل مؤسسة و سمات العاملين بها، ثم يتبنى هذا القائد قيمة شخصية (القدوة) كقيمة محورية تدور حولها جميع القيم لتحقيق أهداف هذه المؤسسة، و بعد الانتهاء من هذه المرحلة يصبح لدى القائد حلقة مترابطة من القيم التي تتجه بجميع العاملين نحو نجاح مؤسستهم.
ثانيًا: العمل على بناء الخطة الاستراتيجية القيمية بكامل خطواتها.
ينبغي لأي عمل مؤسسي يتبنى القيادة بالقيم أن يشتمل على عددٍ من الأركان، منها:
1) تحديد الرؤية و الرسالة الخاصة بالمؤسسة.
2) اختيار النمط القيادي (القيادة بالقيم).
3) تحديد القيم المختارة بدقة في كل مجال.
4) توضيح الأنظمة المرنة التي تتناسب مع عمل المؤسسة، بتوازن بين الجانب القيمي و النظامي، و كلما ارتفع جانب القيم انخفضت الحاجة إلى القوانين.
5) تحديد الأهداف العامة.
6) تحديد الأهداف التفصيلية لكل هدف.
7) تحديد الهيكل التنظيمي للمؤسسة.
8) تحديد و استقطاب الكوادر البشرية لتنفيذ كل هدف.
9) تحديد متطلبات التنمية المستدامة للمهارات اللازمة لأداء عمل المؤسسة بحيث يشمل تنمية القيم المحددة للعاملين.
ثالثًا: تطبيق القائد بالقيم لأسلوب هذا النمط القيادي.
لتطبيق الخطة المؤسسية بهذا النمط ينبغي أن يتصف القائد بعدد من الخصائص و الصفات تعتبر الداعم الأول لنجاح هذا النمط، و من أهمها:
1) أن يكون له رؤية قيمية تضاف لما لديه من مهارات إدارية و تنظيم استراتيجي بحيث يكون البعد القيمي موجه لهذه الخطط و الوسائل و الأساليب، و على سبيل المثال: نجد أن العاملين لديه يملكون قيمة المبادرة لإنجاز عملهم دون توجيه منه.. و يعملون لتحقيق هدف محدد بروح الفريق اقتداءً به، و كذلك تظهر قيمة النزاهة و الشفافية و العدالة و المساواة.
2) امتلاك « الحس الأخلاقي »؛ إذ إن القيم ترتبط بالأخلاق و الوجدان أكثر من ارتباطها بالمعرفة و المهارات.. وعليه فيميل بطبعه للجانب الإنساني.
3) القدوة و هي التي تحكم على امتلاك القائد للقيم التي يسعى لتطبيقها و ينبغي أن تكون القدوة هي القيمة المحورية التي تدور عليها جميع قيم المؤسسة لأن الجانب القيمي ينمو بالقدوة و التكرار و القدوة و التكرار وسيلة القرآن الكريم لتنمية القيم.
4) أن يبني مقاييس قيمية مساندة لمقاييس الأداء تبين مدى تعديل السلوك المؤسسي و حاكمية القيم عليها.
5) أن يمتلك علاقات أخلاقية متميزة مع جميع الأطراف من عاملين و مدراء و مستفيدين...
الخلاصة: أن فلسفة القيادة بالقيم تقوم على الفهم الدقيق لمعنى القيمة و ما تحتاج إليه من معارف و مهارات لتكون حاكمة على كل سلوك عام و خاص للمؤسسة، ثم تفعيل هذا التوجه لدى القائد و بناءه في وجدان العاملين معه و توظيف ذلك في كل إجراءات أداء المؤسسة و مراحل و أساليب التنفيذ لتحقيق أهداف محددة.
و الحمد لله رب العالمين.