نعتقدُ أنَّنا في غايةِ اللُّطفِ و الحنانِ و الرقَّة، و نرى أنَّنا من الصابريْن الشاكريْن، و قد نصِفُ أنفسَنا بالمتعلمِّين الأذكياء المثقَّفين.. و ربّما نحن من فئةِ المتعاطفِين مع الضعفاء و المظلومِين. أو مِن الأقوياء الواثقِين؟ من المتواضعِين؟ أم هل نحن ممن يحبُّ الخيَر للنَّاس؟ و نساعدُهم عند حاجتِهم؟ أو ربما نظنُّ أنَّنا من الكاظمِين الغيظَ و العافِين عن النَّاس؟.
لكن، أيَّ المقايِيس يجبُ أنْ نعتمدَ لنحكم أنَّنا ضمن هذه الفئةِ أو تلك؟ هل هو مقياس التربية؟ ما أقوالُ النَّاس عنَّا و رأيهم فينا؟ هل الشهادات التي حصَلْنا عليها؟. كلها مقاييس لا يتأكد تأثيرها إلا بعد دخولِ اختبارِ الابتلاءات و المواقف!.
أليس ابتلاءً أو موقفًا غير متوقع نتعرض له، أو كلمة لم تعجبْنا يقولُها أحدهم، أو حتى نصيحةٍ، تكشفُ المستورَ من أخلاقِنا و طباعِنا، فيظهرَ البشعَ المتخفِّي، أو يتأكد الذهب الجميل الأصيل الذي لدَينا و الذي لا يتبَدل مهما تبدَّلت الظروف؟.
قد يطلبُ صديقٌ مالاً احتاجَه كدَيْن، و نحن نملكُ ما يريدُه فعلاً، فنرتبك و ننسَى كل نظريات الأخوَّة التي كنَّا نعظُ الناس بها في المجالس، و نعتذر له بأيِّ حجة! و قد يطلبُ أحدٌ خدمةً معيَّنة يعرفُ أنَّنا قادرون عليها، فنتَّهِمه بأنَّه يريدُ أن ينجحَ بالتسلُّقِ على أكتافنا، بل و حتى عندما ينجح بعيداً عنَّا نشعرُ بالغِيرة و نحسده! و جزعٌ يصيبنا و تذمرٌ و سخطٌ عند أوَّل شِدَّة، فأين الصبر و أين الرِّضا الذي كنَّا نقنعُ به الكثيرين؟.
و نذمُّ الغيبة في مكان، و في مكانٍ آخر نكون أعضاءً مهمِّين في مجالسٍ للغيبة!
معادِننا و أخلاقنا و طباعنا يكشفُها حدثٌ كبير أو صغير، فقد نكون نشبِّه أنفسَنا قبل موقفٍ ما و أثناءه و بعده، بل و يزيدنا ذلك ثباتاً و إيماناً و خبرة.. و قد يُظهر أنَّنا لسنا أنفسَنا، فقبْل قليل كنَّا مثالييْن، لكنَّ موقفاً فضحَ حقيقة أخلاقنا. و من فضلِ الله علينا أنَّه يمنحنا الفرصَ تلوَ الفرص لنتوبَ و نحسِّن أخلاقنا؛ فنفوزَ بمِنحة الأحبِّ إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و الأقرب منه مجلساً في الجنة: ((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقا)).
و التغيير عندما يكون هدفاً نريده و نسعى إليه، فإنَّه ممكنٌ و ليس مستحيلاً:
أولاً: مَن أرادَ التغيير؛ عليه ألا يلقي اللومَ على تربيةٍ أو صحبَةٍ أو شخصٍ، لأنَّه مهما كانت الأسباب من حولهِ فهو المسؤولُ عن إصلاحِ عيوبِه بعدما كبرَ و نضج.
ثانياً: يقرُّ أمامَ نفسِه بالعيب الذي اكتشفَ و لا يُخفي الحقيقَة مهما كانت صادمة.
ثالثاً: أن يمتنَّ لذلك الموقف الذي كان السبَب، فلولاه ما ظهرَ ذلك العيب، و يسألُ الله العَوْن و التوفيق، و يبدأ رحلة التغيِير ليكون ذلك المسلم الذي يرضى عن نفسِه لأنَّه يرضي الله.
رابعاً: يقرأُ و يستمعُ إلى الدُّروس و المحاضرات التي تتحدَّث عن بشاعةِ ما لديْه من سوءٍ (كذب، سرعة غضب، حسد، أنانيَّة، عجز و كسل أو غرور...) حتى يمكنه رؤية هذا السُوء جيداً و تأثيره عليه و على النَّاس و المجتمع.
و يقرأُ كذلك عن فضلِ و جمالِ و أثرِ و ثوابِ الصِّفات النبيلة التي يسعى إليها، و يتخيَّل نفسَه و قد أصبحَ صادقاً، أو محبًّا لأخيه ما يحبُّ لنفسه، أو متعاوناً، كريماً، حليماً، أو بارًّا... فينشرح صدره و يمتلئ حماساً نحو التغيير.
خامساً: قراءة سيرة الرَّسول صلى الله عليه و سلم و الصحابَة و الصالحِين، لأنَّ هذه السِّيَر العطِرة تزكِّي النفوس و ترفعَها عن الدَّنايا و السخافات و تُنضِج العقلَ و ترتقي بالأهداف.
سادساً: يطلبُ من أحدِ المحبِّين الصادقِين مراقبته لتقويم مستوى التحسُّن، و النُّصح و الدَّعم.
سابعاً: أن يثقَ أنَّه مادام يسعى لإصلاحِ عيوبِه، فهو إنسانٌ صالح جيِّد و يزدادُ صلاحاً يوماً بعد يوم.
ثامناً: يقيِّمُ وضعَه ليكونَ أفضل من نفسِه مرَّة بعد مرَّة، و خاصَّة في خضمِّ المواقف و الأحداث، حتى يرى أنَّه تخلَّص من السُوء الذي كان في خُلقِه و استبدلَه بحسَنٍ جميلٍ يُرضي الله و رسوله، فإنَّه ((مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ)).
المصدر : موقع مجلة إشراقات