إن هذه الآلة الإعلامية الفكرية على فتْكها و خطورة ترسانتها إلا أنها تخِرّ فاشلة و تندحر مهزومة مهزوزة حين يتعافى جيلُنا من إدمان شبكات التواصل (غير) الاجتماعي، و ومضات "اليوتوب" الجاهزة، و تصنيفات "غوغل" الرتيبة.
هناك خلف الكواليس، و في عتْمة غرف التحْرير المغلّقة في عالمنا العربيّ الإسلاميّ: آلةٌ فكرية - إعلاميّة خفيّة تتحرّك في الظلام، لترسُم بريشتها الإشهارية السحريّة مشهداً فكرياً مشّوشاً؛ فترسم أمام الناشِئة عدداً من المشاهير و النجوم من المُتحدّثين باسم العِلم و الدين، لكنها بالمُوازاة، تعمل، بكل دهاء و مُكْر، أن تخفِض آخرين و تحاصرهم، و كلُّ أملها أن تنجح في حجب الناس عن رُؤْيتهم، و التوجُّه إليهم، و الانطلاق من أفكارهم...
تقوم هذه الآلة الخفيّة، في المقام الأول، برفْع عددٍ من المُنتسِبين إلى "العِلم" و المُتحدّثين باسْم "الدين" فجأة، و من دون سابق إنذار، إلى سماء الشهرة؛ فتصنع منهم وُعّاظاً نجوماً، و مُفكِّرين واعدين: يُمَنُّون الجماهير التوّاقة بغدٍ أفضل، و يومٍ أسْعد: فيوحون إلى الجماهير من حولهم أنهم هم الوكلاء الحصريون لتحقيق خلاص الأمّة و نجاتها من تخلُّفها، و وهنها، و ضُعْفها...
حين تتحقّق نجومية هؤلاء الدُعاة، و تلْمع أسماؤهم، و تخفَقُ لذكرهم قلوبُ الجماهير و أفئدتها؛ في تلك اللحظة يخيّرهم أسيادهم و كبراؤهم الذين رفعوا ذكْرهم و فتحوا أمامهم طريق النجومية من دون قيد أو شرط في ما مضى: طريقين لا ثالث لهما؛ فإما أن يتبنّى هؤلاء "الدُعاة النجوم" المواقف السياسية لسادتهم، و يُدافعون بشراسة عن حروبهم هنا و هناك، و سياساتهم العرجاء العوجاء مشرقاً و مغرباً، أمّا إن غلب هؤلاء الدُعاة صوتُ ضميرهم و دفعهتم فطرتهم إلى الانسحاب من الأضواء الكاشفة و النجومية اللامعة؛ فإن تلك الآلة الإعلامية الخبيثة ستتحرّك ضدهم و ستكيل لهم كل أنواع التّهم ليدفعوا بذلك فاتورة الكهرباء، و الإنارة، و الإشهارات، و المساحيق التي جعلتْ منهم، في السابق، نجوماً و مشاهير...
هذا الصنف من المتحدّثين باسم العِلم و الدعوة، و بعد أن ذاقوا متاع الشهرة، و تذوّقوا مُتَع النجومية لن يرفضوا، في الغالب، مطالب أسيادهم، و لن يقوَوْا على مقاومة إغراءاتهم، فقد انهاروا قلْبيا أمام "النجومية" و"ذئب الشهرة"، تماماً مثلما يفْقد الصبيّ حِلْمه و أعْصابه حين تهدّده بحرمان ما أدْمن عليه من حلوى أو أفلام كارتونية أو ألعاب إلكترونية...
بالمقابل تعمل هذه الآلة الإعلامية؛ بما تُمليه عليها بعض "مراكز التفكير" الغربيّة الذكيّة: في تسويد وجوه مفكّرين آخرين جادّين، ممّن يمثّلون "المرجعية الفكرية الحقيقية" للناشِئة المسْلِمة؛ فحين يتجاوز هؤلاء المُفكّرون الأصلاء حدُودَهم التي رُسِمت لهم، و حين يشوّشون خطط "مراكز التفكير الغربية" تلك؛ فإنها تُحرّك آلتها الإعلامية العربيّة لتفتّش عن عيوبهم، و في معايبهم، و عوْراتهم...
و إن لم تجد إلى ذلك سبيلاً؛ فإنها تحضّر لهؤلاء المُفكّرين الجادّين في مطابخها تهَماً سريعة جاهزة؛ تصِمُهُم بالطائفية أو بالإرهاب، و تشوِّشُ نقاءَ أعراضهم، في أعين متابعيهم: بتحرُّشٍ جنسي، أو تهرُّبٍ ضريبي، أو خطأ سياسيّ... حينها لا يفقد الشاب الشرقي المسلم ثقته في مشايخه، و علمائه، و مرجعيّاته فحسب، بل يسحب الثقة من ثقافته و دينه و رؤيته الكونيّة جمعاء...
إن هذه الآلة الإعلامية الفكرية على فتْكها و خطورة ترسانتها إلا أنها تخِرّ فاشلة و تندحر مهزومة مهزوزة حين يتعافى جيلُنا من إدمان شبكات التواصل (غير) الاجتماعي، و ومضات "اليوتوب" الجاهزة، و تصنيفات "غوغل" الرتيبة...، و حين يُقرِّر قارئ هذه الكلمات، بكلّ حزْمٍ، أن يفتح كتاباً يطالعُه و يسامرُه؛ فإنه سيكُفُّ عن كونه: "قطيعاً جماهيرياً"؛ و يغدو، بذلك، رقماً صعْباً في "معادلة الحضارة"، و نِدّاً شرساً في "معركة الوعي"..