قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 16 نيسان/أبريل 2017 14:45

التنشئة الاجتماعية و صناعة المشاعر

كتبه  الأستاذ محمد الأمين مقراوي الوغليسي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في زمن تاهت فيه البشرية، و انحرفت عن بوصلتها، و فقد الإنسان الكثير من مبررات الحياة، راحت المشاعر الإنسانية تدفع ثمنا فادحا لهذا الطيش البشري، فقد عم الجفاء الأجواء، و ضرب القحط النفوس، و تصحّرت القلوب من المعاني، و صارت البشرية عطشى لمشاعر كانت تجسد المعاني الجميلة للحياة، حيث فقد الناس احترامهم لعالم المشاعر، و بات الإنسان لا يفكر إلا في إرضاء نفسه و الانتصار لها، مهما كان الثمن.

و عندما يتوقف الناس عن احترام مشاعر بعضهم البعض؛ فإن ذلك يعني أن الروابط الاجتماعية تتحول من مصدر للسلام النفسي، و الاستقرار الاجتماعي إلى بؤرة للشر و الضرر.

القابلية لإيذاء الآخر:

 و لا يمكن أن يتوقف الأمر هنا؛ لأن انحراف المشاعر لا يقف عند مستوى واحد من الشرّ، بل إنّ أخطر نهايات هذا الانحراف هو: انتشار القابلية للإيذاء، حيث تصبح بواعث الشر و الكراهية و الحقد في الإنسان أقوى ما يحركه، و أشد ما يشغل باله، فالتخوين و الهجر و الشتم و الطعن و التجريح و القذف ظواهر صارت تسيطر على المشهد العام للإنسانية؛ بسبب تمكن الشر من النفوس، و يمكن للشخص –اليوم- التأكد من ذلك من خلال التموقع في شبكات التواصل الاجتماعي؛ ليرى و يدرك حجم البراءة و المثالية التي يُغلف الناس بها ذواتهم و تواجدهم، ثم ليرى بعد ذلك حجم خطاب الكراهية المتسع في صفحاتهم، و حجم البؤس الذي يميز مواقفهم في الواقع.

المشاعر في عصر الأنانية:

إن هيمنة نفسية الإضرار و الإيذاء على أفراد المجتمع جعلت العلاقات الاجتماعية تتحول إلى ما يشبه ساحة حرب حقيقية بين مختلف شرائحه، و داخل مختلف المؤسسات و القطاعات، و أصبح الانتصار الشخصي محصورا في معنى واحد، هو: إلحاق أكبر ضرر معنوي أو جسدي أو مادي بالآخر، ما يجعل سُحُب الانتقام و الثأر تمطر حقدا و كراهية، ليكون حصادها في الأخير تمزق النسيج الاجتماعي، و شيوع الطلاق، و تفشي ظاهرة الغدر في المعاملات، و انتشار الخيانة، و غلبة المادية و الأنانية على مختلف التعاملات اليومية بين البشر.

علاقات بشرية معلبة:

أصبحت هشاشة العلاقات الاجتماعية محل استغراب العقلاء و الخبراء، الذين لم يتوقعوا أن تصير إلى ما صارت إليه من ضعف و هوان؛ خاصة أن الذين بشروا بعصر التقنية و سرعة التواصل اعتقدوا أن الإنسان سيتوجه نحو تمتين علاقاته بالبشر، أكثر من أي وقت مضى، لكن الحقيقة المرة هي أن هذا التقنية التي سيطرت على العصر الحالي، جعلت المشاعر  الإنسانية تشبه الأغذية المعلبة في ردائتها، فهشاشتها و تلاشي حقيقتها هو ما يفسر سرعة انتهاء العلاقات البشرية، بعضها ينتهي بعد يوم، و بعضها ينتهي بعد عشرة دامت سنوات أو عقودا، و لا يكتفي كل طرف بإنهاء علاقاته مع الآخر بأخف الأضرار، بل يسعى إلى تحطميه بالشكل الذي يجعله يعاني طيلة حياته، بسبب إفشاء أسراره، أو فبركة تهم تضر به أو بسمعته أو أسرته، أو الوشاية به لصده عن مشواره، أو لإيقاف إنجازاته، و قد صار ذلك أمرا أسهل من شرب الماء؛ لأن هيمنة نفسية الإيذاء على أفراد المجتمع تجعله كل واحد منهم يجري وراء الفضائح، و يستلذ تعاطيها، في صورة بشعة، تقشعر منها الأرواح البريئة.

زمن المشاعر الباردة:

مع انتشار ظاهر الإيذاء المتبادل، ظهرت إلى السطح ظاهرة أخرى هي برودة المشاعر الإنسانية و تكلسها، حتى أصبح قلب الإنسان في بعض المواقف أقسى من الحجر، و لعل أبرز أسباب قسوة المشاعر البشرية اليوم -بالإضافة إلى احتلال ظاهرة القابلية لإيذاء الآخر مساحات واسعة في المجتمعات البشرية- اعتياد هذه الإنسان على مشاهد القتل و الظلم و الفساد و الغدر و أخبار الجرائم، فالإنسان يألف الجو العام للمجتمع الذي يعيش فيه، و مع مرور الوقت و توارد أخبار السوء على قلبه، تموت مشاعره رويدا رويدا، و أول خطوة في هذا المسار المميت هي اتصاف مشاعره بالبرودة القاتلة.

المشاعر صناعة:

و حتى لا يقف الحديث عند التوصيف، فإن التحليل العلمي لهذه الظواهر الاجتماعية و النفسية أمر مطلوب، فما سبب هذا الطاعون الذي أصاب العواطف البشرية؟

في رأيي فإن الإجابة لا تحتاج إلى مستوى كبير من الذكاء، فأسباب انحراف الإنسان ترجع عادة إلى سوء التربية، و غياب التنشئة، و فساد البيئة الحاضنة.

فأي فرد لا يملك مشاعر طيبة يكون في النتيجة –غالبا- ضحية لغياب التربية، أو لهشاشة التربية التي تلقاها في الأسرة و المدرسة.

فالتربية أمر حساس جدا، و لنوضح ذلك بطريقة مبسطة، يمكننا الإشارة إلى خطورة الأخطاء التي تحدث أثناء ممارسة عملية التربية على الطفل، حيث تشكل هذه الأخطاء مصدرا للانحرافات و التشوهات النفسية، و يؤكد علم النفس الحديث هذه النظرة؛ و يصرح علماؤه أن كل خطأ لم يتم تقويمه من الصغر فإن آثاره السلبية و الخطيرة على الإنسان و محيطه ستستمر في حياته إلى أن يرحل، و لن يرحل إلا بعد أن يكون قد تسبب في دمار هائل داخل محيطه الاجتماعي الصغير و الكبير.

و أكبر ما يؤثر في المشاعر الإنسانية بصورة إيجابية هي التنشئة السليمة المتزنة؛ التي تؤتي أحاسيس سليمة في حال تمت وفق منهج رباني، و وفق أسلوب مناسب لكل المراحل التي تهدف إلى تنفيذ هذا المنهج.

بين تربية النخل و تربية الإنسان:

و حتى نكون عمليين نضرب مثالا لعملية إنتاج التربية مشاعر طيبة و أصيلة و إنسانية بالنخلة، التي لا يمكن أن تنشأ و هي فسيلة إلا وفق شروط يمكن وصفها بالحساسة.

فالنخلة لا تثمر إلا في ظروف و شروط يعرفها المختصون من أهل الغراسة، و ما يهمنا هنا هو شبهها العجيب بالإنسان في أمور كثيرة، و كذلك التربية لا تعطي فردا صاحب مشاعر فاضلة و صادقة إلا وفق شروط معينة، و اعتماد مثال النخلة سبب الاشتراك العجيب بينها و بين الإنسان في عدة أمور، جاء في كتاب النبات و الحيوان في أن بينهما سبعة قواسم مشتركة ".. فهي ذات جذع منتصب، و منها الذكر و الأنثى، و لا تثمر إلا إذا لقحت، و إذا قطع رأسها ماتت، و إذا تعرض قلبها إلى صدمة قوية هلكت، و كما لا يستطيع الإنسان تعويض سعفه فإن النخلة لا تستطيع تعويض سعفها إن تلف، و كما زين الإنسان بشعره، فإنها مزينة و مغطاة بالليف"، و هذا التشابه يحيلنا إلى معرفة كيف تنمو الفسيلة و العلاقة بين ذلك و بين المشاعر.

إن غرس فسائل النخل يحتاج عناية دقيقة، و أي خطأ يعني موتها، و أول شرط في الفسيلة أن تكون مأخوذة من نخلة قوية سليمة، و كذلك المشاعر لا يمكن –إطلاقا- أن تنمو وسط بيئة غير صحية، فإصابة أحد الوالدين بأمراض عصبية و نفسية تؤثر بشكل كبير على استقرار مشاعر الإنسان، و تجعلها مضطربة عادة، و هذا ما يفسر اضطراب مشاعر الكثير من البشر الذين يتواجدون حولنا، لأن نشأتهم كانت و تمت داخل أسرة مضطربة و غير صحيحة.

أن تكون الفسيلة ناضجة وجيدة التكوين عمرا و وزنا و طولا،  و أن يكون مكان فصلها من أمها نظيفا، ليس به أية جروح، و أن يتم فصلها من طرف مختصين مؤهلين،  و نفس الشيء بالنسبة للمشاعر، فإن الأم عادة هي التي تمنحها و تغرسها في الطفل، فإن كانت الأم تعاني من اضطرابات في المشاعر في طفولتها أو شبابها فإنها ستنقلها إلى أولادها غالبا، لأن جروح الشخصية لا يمكن أن تلتئم إلا في حالات نادرة، كما أن فقدان المربي المعرفة و الثقافة التربوية، و المهارات يجعله غير مخول لممارستها أصلا، و إن مارسها يؤدي ذلك إلى ظهور أطفال يحملون داخلهم عاهات نفسية كثيرة، ستؤدي إلى تحويل حياة الآخرين إلى جحيم.

هل يمكن إنقاذ المشاعر؟

علم النفس الحديث يرى عدم إمكانية تقويمها، لأنها جروح غائرة في شخصية الإنسان، و يصبح التغلب عليها نهائيا أمرا شبه مستحيل، غير أن قراءة سير الصحابة الذين عاشوا في الجاهلية يثبت أن الإيمان الصحيح المرتبط بالعلم و الفهم السليم، قد يغير الإنسان إلى الأحسن. و من رأى حياة عمر -رضي الله عنه-قبل الإنسان و معاملته للمرأة ثم يتفقد سيرته و مشاعره مع زوجته بعد الإسلام سيدرك سر تلك المشاعر الصادقة و الحنونة.

في الأخير نخلص إلى النتيجة الآتية: عالم المشاعر حساس، يتأثر بالتنشئة سلبا و إيجابا، و البيئة الحالية قاتلة للمشاعر؛ لأنها ضد فطرة الإنسان، خاصة أن التنشئة اليوم هي تتويج لتربية الأسرة و الشارع و المدرسة و الإعلام، و الحل في أسلمة و أخلقة الحياة في كل مجالاتها و حقولها.

و عليه فإن الأب و الأم مطالبان بالنهل من المعرفة، و ممارسة المطالعة المستمرة، و دراسة الإنسان و طباعه، فتربية الذكر تختلف عادة عن تربية الأنثى لاختلافهما في التكوين النفسي و الجسدي و الطباع، و هذا لا يمكن الإلمام به إلا من خلال المعرفة و تثقيف الذات، كما أن الوالدين مطالبان بقراءة تجارب الأخرين في التربية، و استشارة أطباء علم النفس، خاصة في ما يخص كيفية معالجة المشاكل التي تظهر على الطفل و هو صغير. فلا تربية بلا علم و لا مشاعر صحية دون تربية صحيحة، و الطفل أغلى ما يملكه الأبوان لذلك وجب عليهما الاعتناء به الاعتناء التام، حتى لا يكون ضحية لجهلهما و أمراضهما. و ليتذكر كل والد أن التربية الحسنة من أعظم أبواب الجنة، و الجنة أعظم غاية في حياة المسلم، فدوننا هذا الباب.

قراءة 1509 مرات آخر تعديل على الجمعة, 21 نيسان/أبريل 2017 17:08

أضف تعليق


كود امني
تحديث