قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الإثنين, 05 تشرين1/أكتوير 2020 19:20

الأسرة في المجتمعات الغربية: إلى أين المصير؟

كتبه  الأستاذ بشار بكور
قيم الموضوع
(0 أصوات)

﴿ وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

لو لم يكن في الإسلام سوى هذه الآية الكريمة في سموِّ العلاقة الزوجيَّة و قدسية الزواج، و ما يتفرَّع عنها من مودَّة و رحمة، و من سكَن و طمأنينة بين الزوجين و بين الأولاد أيضًا - لكان في ذلك كفاية و غَناء.

ثلاث كلمات "سكَن، و مودَّة، و رحمة" تختصر الحكاية كلها، ثلاث كلمات يحقِّقها في الوجودِ رجلٌ و امرأة ارتبطَا برباط الزَّواج؛ رباط العفَّة و النزاهة، مختلفان لكن متكاملان، اختلافهما اختلافُ تنوعٍ لا اختلاف تضادٍّ، اختلافُ ودٍّ لا اختلاف بُغْضٍ، اختلافٌ يجمع لا اختلاف يفرِّق، اختلافٌ يبني لا اختلافٌ يهدم.

تأمَّل معي قولَه عزَّ و جل في آية أخرى: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، ماذا تفهم من كلمة لباس؟ اللِّباس بداهةً مناسب لِلابِسِه، و كذا الزَّوجة تلائم زوجها و هو يلائمها؛ و اللِّباس يستر جسدَ لابسِه، و كذا الزوجة ستَّارة لعيوب زوجها؛ و اللباس دفءٌ للابسه، و كذا المرأة تدفئ زوجَها بحنانها الفياض الذي لا ينقطع مدده.

كانت "الأسرة" أو "الزواج" عند المجتمعات الغربية - قبل ما يسمَّى بالثورة الصناعيَّة - ذا قداسة خاصة؛ فالرباط بين الزوجين رباط مقدَّس و محترم، لا يفرق بين الزوجين إلا الموتُ أو خيانةُ أحدهما للآخر، و قد اعتبرت المسيحيةُ الكاثوليكية الزواجَ واحدًا من المقدَّسات السبع [1].

و يبيِّن علماء الاجتماع الغربيون أنَّ ما يسمَّى بالأسرة الممتدة أو الموسعة Extended family كان هو النَّمطَ الغالب في المجتمعات الغربية، فالأسرة الموسعة كانت تشتمل في الغالب على ثلاثة أجيال تعيش معًا، جميعُ أفرادها متعاونون متضامنون، و منتجون أيضًا، حتى الأطفال كانوا يساعدون الكبارَ في الرعي، و زراعة المحاصيل، و الحصاد[2].

لكن هذه الحال لم تستمر بعد مرحلة الثورة الصناعية[3] في القرن الثامن عشر الميلادي؛ فقد انحسرَت الصناعاتُ المنزلية الصغيرة التي كانت تقتات منها الأسرُ مقابلَ عملها عند الإقطاعيين، و حلَّ محلَّها المصانع الضخمة التي اضطر الرجالُ إلى العمل فيها، فهجروا الريف و قصدوا المدنَ للعمل ثَمَّ، و صار العمل بالأجر و التنافس على الفرص المتاحة ظاهرةً جديدة في أوروبة[4]؛ لذا فإنَّ أفراد العائلة الذين كانوا ينعمون بالعيش معًا اضطروا - سعيًا إلى الرِّزق - إلى هَجْر عائلاتهم و العيش في مكان آخر، و هذا الهجر المُلْجِئُ و التفكيك المُلْزِمُ اللذان وقعا على أعضاء الأسرة، كان من أوائل الضَّربات التي وجِّهَت إلى صرح الأسرة المقدس.

ثم توالت الضَّربات الموجعاتُ و المقوضات لهذا الركن الركين في حياة المجتمع الغربي، و من هذه الضرباتِ: تحجيمُ سلطان المسيحية في نفوس أبنائها، و الابتعادُ رويدًا رويدًا عن تعاليمها، ابتعادٌ مضى عليه قرونٌ و دهور، تحرَّر فيه المسيحيون من قبضة الكنيسة الغربية و سطوتها، و حجبها ضياءَ العلم و المعرفة، و اضطهادها العلماء[5]، و هذا الإعراض عن تعاليم الكنيسة، الممثلة الشرعية للمسيحية هو حق و نتيجة لا بدَّ منها لكبح و تقييد الحريات، لكنه جرَّ معه - و لو عن غير قصد - الابتعادَ عن أمور أخلاقية، حصَّنها الدينُ المسيحي؛ لأنَّ المحافظة عليها أساسٌ لا غنى عنه لضمان استقرار الفضيلة؛ مثل تقديس الزواج، وك ما قيل: "قد يُؤخَذُ الجارُ بجُرْمِ الجار".

و من هذه الضربات: الفرديةُ المفرِطة، التي تقدِّس الفردَ، و تجعله المركز، و قُطْبَ الرَّحى، و تجعل القِيَم و المبادئ و الأخلاق أمرًا هامشيًّا: (أنا و مِن بعدي الطوفان)؛ لذا فالمصلحة الخاصَّة مقدَّمة على المصلحة العامَّة، و الحرية الفردية فوق سائر الحريات.

أمَّا الضربة القاضية لصرح الأسرة في العالم عمومًا و في الغرب خصوصًا، فقد جاءت مما يسمَّى "الزواج المِثْلي": ذَكر يتزوج ذكرًا، و أنثى تتزوج أنثى Same - sex marriage، أو يتعاشرون دون زواج.

إنَّ حربًا ضارية قامت بين أنصار هذه الدعوة، و بين معارضيها؛ إنها و الله لحَربٌ بين الملائكة و الشياطين، بين العقلاء و المجانين، بين المحقِّين و المبطلين، بين الجادِّين و الهازلين؛ هي حربٌ جديرة بأن تُبذل لها المُهَجُ حتى تغدو كفَّة الحق هي الراجحة.

و كم من كُتُبٍ أُلِّفتْ، و مؤتمراتٍ أُقيمَتْ، و مقالاتٍ كُتبَتْ، و لقاءات عُقِدَتْ، بشأن هذه الحرب!

منها كتاب: "الحرب حول الأسرة: التمسُّكُ بالمنهج الوسط".

The War Over the Family: Capturing the Middle Ground. Brigitte Berger and Peter L. Berger.(Garden City: AnchorPress/ Doubleday, 1983).

للكاتبين: بيرجيت بيرغر، وبيتر بيرغر.

و منها مؤتمر البيت الأبيض عن الأسرة White House Conference on Families، بدعوة من جيمي كارتر عام 1977، و منها مؤتمر "الدعوة إلى العمل" المنعقد في مدينة ديترويت في الولايات المتحدة عام 1976 Detroit Call To Action.

و ممَّن أسهموا في هذا الموضوع، و هو من المعارضين لهذه الدعوة الإبليسية، الباحث الأمريكي ريان أندرسون Ryan Anderson في مقالته "الزواج: ما هو، و لماذا أهميته؟ و عواقب إعادة تعريفه".

Marriage: What It Is, Why It Matters, and the Consequences of Redefining It

يذكر أندرسون أنَّ الزواج المكوَّن من رجل و امرأة أمرٌ تتفق عليه الأديان الثلاثة (اليهودية و المسيحية و الإسلام)، و اليونان القديمة، و المفكِّرون الرومان، و فلاسفة التنوير، و يؤكِّده القانون المدني والعام.

و يؤكد أيضًا على فائدتين اثنتين للأسرة التقليدية المكوَّنة من أب و أم يجمعهما عقدُ الزَّواج، و ليس مجرد المساكنة أو المعاشرة خارج رباط الزوجية؛ الفائدة الأولى: هي التربية السَّليمة للأولاد نفسيًّا و أخلاقيًّا، تربية تترك آثارَها الإيجابية على سلوكهم و دراستهم و علاقاتهم الاجتماعية، أبحاث كثيرة قام بها علماء الاجتماع أكَّدَت على هذا الواقع؛ منها دراسةٌ قام بها وندي ماننغ و كاثلين لامب بعنوان: "سعادة المراهقين في الأُسَرِ المتساكنة، و المتزوجة، و الأحادية الوالد"[6].

Wendy D. Manning and Kathleen A. Lamb. Adolescent Well - Being in Cohabiting, Married, and Single - Parent Families.

و يؤيد هذه الدراسة دراسات أخرى مسحية قام بها معهد بروكنجز Brookings Institution، و كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة و الدولية في جامعة برنستون the Woodrow Wilson School of Public and International Affairs، و مركز القانون و السياسة الاجتماعية the Center for Law and Social Policy، و معهد القيم الأمريكية[7] the Institute for American Values

و جدير بالذِّكر أنَّ باراك أوباما في 15 حزيران عام 2008 اعتمد على هذه الإحصائيات في خطابه عن الأبوَّة، فكان مما قال: "نحن نعلم من الإحصائيات أن الأطفال الذين ينشؤون من دون أبٍ هم أكثر احتمالًا خمس مرات في أن يعيشوا في فقر و يرتكبوا الجرائم، و تسع مرات في أن يتركوا المدرسة، و عشرين مرَّة أن ينتهي بهم المصير في السجن، هم أكثر عرضةً لأن يقوموا بمشاكل سلوكيَّة، أو أن يهربوا من البيت، أو أن يكونوا آباء و هم في سنِّ المراهقة، كما أن أسسَ مجتمعنا ستغدو أضعفَ بسبب هذا الأمر".

و يقول الكاتب ديفيد بوبينو في كتابه "الحياةُ من دون أب: أدلَّةٌ جديدة قويةٌ حول أن الأبوَّة و الزواج لا غنى عنهما لخير الأطفال و المجتمع":

David Popenoe, Life Without Father: Compelling New Evidence That Fatherhood and Marriage Are Indispensable for the Good of Children and Society (New York: The Free Press, 1996),

"إنَّ غياب الأب دافعٌ رئيسي وراء العديد من القضايا الخطيرة التي تستحوذ على اهتمام الإعلام: الجريمة، و السلوك غير الأخلاقي، و ممارسة الجِنس قبل سنِّ النضج، و ولادات المراهقات خارج إطار الزَّواج، و الإنجازات الدراسية المتدهورة، و الاكتئاب، و استعمال المخدرات استعمالًا ضارًّا، و الجفاء بين المراهقين، و زيادة نِسبة الفقر بين النساء و الأولاد".

و يضيف قائلًا بأنَّ بذور غياب الأب عن الأسرة زُرِعَتْ في الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن التاسع عشر، فبسبب من الثورة الصناعية و مع ظهور العائلة العصرية، انتقل عملُ الرجال خارج وطنهم، و أنيط بالمرأة المسؤوليةُ شبه الكاملة في تنشئة الأولاد، كما أن عددًا من مسؤوليات العائلة - مثل التربية و التعليم - تولَّتها مؤسساتٌ حكومية، و انحصر دورُ الأب في تقديم الدَّعم الاقتصادي، و أثناء القرن العشرين زادت مشاركةُ المرأة الرجلَ في العمل، و بذلك زاد استقلالها الاقتصادي عنه، بل أكثر من ذلك، غدَت مشاركتُها تهدِّد الرجلَ من حيث كونُه المعيلَ الرئيسيَّ للأسرة، و من جرَّاء ذلك بدأَت أهمية الزواج في الانحسار.

الفائدة الثانية هي فائدة اقتصادية: ينقل أندرسون عن بروفيسور علم الاجتماع برادفورد ويلكوكس، مدير مشروع الزواج الوطني في جامعة فيرجينيا، في دراسة له أن الدولة بتشجيعها للزواج تدعم الرفاه الاقتصادي، و أنَّ ثراء الأمم معتمد كثيرًا على ثراء الأسرة، كما أنَّ دعم الزَّواج و الإنجاب ذو تأثير كبير على حجم و كيفية القوى العاملة[8].

إن الدعوة إلى حَلِّ الأسرة التقليدية و العزوف عن الزواج بين رجل و امرأة - تعُودُ ضررًا ماديًّا على المجتمع بأسره؛ ففي دراسة قام بها معهد بروكنج، دفعت الحكومة الأمريكية 229 مليار دولار كنفقات للصَّالح العام من عام 1970 إلى 1996، هذه النفقات سببها انحِلال مبدأ الزواج و الآثار السلبية المتفاقمة بسبب الأمراض الاجتماعية؛ من حمل المراهقات، و الفقر، و الجريمة، و المخدرات، و المشاكل الصحية.

لكن مع كل هذه الأدلَّة الدامغة التي تعضد المعارضين لدعوة الزواج أو الارتباط بين المثليين، يزعم مناصرو هذه الدَّعوة بأنْ لا فرق على الإطلاق بين أن يعيش الطِّفل في ظلِّ أبويه، أو أن يعيش تحت جناح امرأتين متعاشرتين أو ذكَرين، و قد نشرَت جمعية علم النفس الأمريكية American Psychological Association في عام 2005 موجزًا رسميًّا عن أسرةٍ يكون الوالدان فيها من نفس الجنس Same - sex parenting، تزعم في هذا الموجز أنَّ الطفل الذي يعيش تحت مثل هذا النوع من الزواج أو الأسرة يحظى بنفس الميزات التي يَحظى بها الطِّفل الذي يعيش في ظل الأسرة التقليدية؛ و لا فرق على الإطلاق، و ادَّعَت هذه الجمعية بأنه ليس ثم دراسة واحدة تؤكِّد الزعم القائل بوجود الفرق بين هذين النوعين من الزواج! طبعًا ما سبق من دراسات يَنفي هذا الزعم الباطل، و أشير هنا إلى دراسة ألِّفَت خصوصًا لردِّ أباطيل نشرة جمعية علم النفس الأمريكية، قام بها لورين ماركس، حاصل على دكتوراه في دراسات الأسرة:

Loren Marks, “Same - Sex Parenting and Children’s Outcomes: A Closer Examination of the American Psychological Association’s Brief on Lesbian and Gay Parenting,” Social Science Research, Vol. 41, No. 4 (July 2012).

وضع الأسرة الراهن في المجتمع الغربي:

كتب الكثير عن الوضع الخطير للأسرة الغربية، الذي غدا نتيجة للعوامل التي سبق التنويه إليها، و هاك بعضَ الأخبار:

 في موقع الجزيرة في عام 2008 جاء الخبر التالي بعنوان "دراسة تقول: الزواج لم يعد المعيار الأول للأسرة في بريطانيا"، يقول الخبر (وهو منقول عن الديلي تلغراف): أظهَرَ أوسعُ مسح يجرى في بريطانيا حول مواقف المواطنين من الشؤون الاجتماعيَّة أن البريطانيين لم يعودوا ينظرون إلى الزواج بوصفه "القاعدة الأساسية" التي تُبنى عليها الأسرة، و أكَّدَت الدراسة التي شارك فيها 3300 بالغ و استمرَّت منذ العام 1983 أنَّ الزواج لم يعد بالنسبة لثلثي البريطانيين مختلفًا عن طرُق التعايش الأسري الأخرى، و قالت صحيفة ديلي تلغراف التي أوردَت نتائج هذا المسح: إن مبررات هذا التوجُّه تأييد الحكومة البريطانية "لزواج المثليين" و للأسرة القائمة على أحد الأبوين دون الآخر، إضافة إلى تزايد ظاهرة "التعايش بالتراضي"، و إحجام الحكومة عن تشجيع الزواج التقليدي، و تكمن أهميَّة هذا المسح الذي قام به المركز الوطني للبحث الاجتماعي في كون أسئلته معَدَّة بالتنسيق مع الوزارات الحكوميَّة؛ لاستخدامها في إعداد السياسات الاجتماعية.

و لا يَرى أنَّ المتزوجين أفضل في تربية الأطفال من غيرهم، سوى ربع الذين شملهم المسح، في حين يرى ثلثُهم أنَّ المثليين قادرون على الاضطلاع بنفس المهام التي يضطلع بها الأب و الأم المتميزان، كما يرى 61 % منهم أنَّ النساء يجب أن يمنحن حق إنجاب أطفال باستخدام حيوانات منوية متبرع بها.

و خلص المسح إلى أنَّ هناك انحطاطًا في رؤية البريطانيين لأهميَّة الزواج؛ إذ يعتبر أغلبهم حفل الزفاف مجرَّد مبرر لإقامة حفل بدلًا من أن يكون إعلانًا عامًّا عن التزام رجل و امرأة بالحياة معًا في عش الزوجية، و رغم أن تكاليف الزفاف ارتفعت إلى أكثر من 17 ألف جنيه، فإن 53 % من الذين شملهم المسح يعتبرون ذلك الحدث مجرد حفل لا يختلِف عن غيره من الحفلات، و يؤكد المسؤول عن وحدة السياسة القانونية بحزب المحافظين المعارض إيان دانكان سميث أن أطفال المطلقين أكثر تعرضًا للفشل في المدارس و اختراق القوانين و الإفراط في شرب الخمر، أو حتى التحول إلى إدمان المخدرات، و رغم أن 85 % من البريطانيين المتعايشين مع بعضهم البعض متزوجون، فإنَّ انهيار الأسر يكلِّف الدولة ما بين 20 و24 مليار جنيه إسترليني.

 يقول الكاتب ديفيد بوبينو في كتابه "الحياة من دون أب" - و قد نقلتُ عنه فيما سبق - بأنَّ أربعين بالمائة من الأولاد في أمريكا لا يعيشون مع آبائهم بسبب ارتفاع نِسبة الطلاق، و الولادات غير الشرعية، و كل ثلاثة أطفال من أصل عشرة يولدون من أمَّهات غير متزوجات، و أنَّ الغالبية من هؤلاء الأطفال لا يعيشون مع آبائهم، الأكثر من ذلك أنَّ هؤلاء الآباء لا يرون أبناءهم بصورة منتظمة و لا ينفقون عليهم، و السبب الجوهري في هذا الأمر هو التغيير الثقافي في القيَم؛ فهناك الفردية المفرطة المنتشرة في المجتمع، و يحذر الكاتب من خطورة هذا التغيير في القيَم، ليس لأنه يهدِّد المؤسسات الاجتماعية الأساسية فقط؛ بل لأنَّه يؤثر سلبًا على الأطفال.

 يحذر باترك بوتشانن Patrick Buchanan في كتابه "موت الغرب" The Death of the West (2002) من الموت الحضاري و الأخلاقي للغرب؛ فهو يشير إلى عدد من العوامل التي إنْ لم يتم احتواؤها و ضبطها، فسوف تؤذِن بانهيار الحضارة الغربية انهيارًا فظيعًا، من هذه العوامل: انخفاض معدَّلات المواليد، و ذوبان العائلة، و اندثارها وحدةً اجتماعية، و عزوف النساء عن الحياة الطبيعية التقليدية؛ مثل الزواج و إنجاب الأطفال و رعايتهم، و عزوف الشباب عن مؤسسة الزواج، و شيوع الجنس، و اللواط، و الحماية القانونية لهذه النزعات غير السوية[9].

أما الطامَّة الكبرى، و الداهية الدهياء، فهي جعل هذه الدعوة الشاذَّة (الزواج المثلي) تشريعًا تقرُّه الدول، و تباركه الكنائس، و يجعل لهؤلاء الأزواج المثليين حقوقًا كحقوق الأزواج الآخرين، هذا ما تمَّ بالفعل في عدد من الدول الغربية، و أقول جازمًا: إن هذا التشريع الإجرامي سينقلب يومًا ما جحيمًا مستعرة تلتهم الأخضرَ و اليابس، فلا تُبقي و لا تذر، و الأيام القادمة - دون ريب - شواهد صِدق على ما أقول.

أيها الإخوة القرَّاء، لا بد أن نعلم أنَّ الله تعالى أقام الكون كله على نظام الزوجية المكون من عنصرين مختلفين؛ رجل و امرأة، ذكر و أنثى، سالب و موجب، قال عز و جل: ﴿ وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]، و قال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يس: 36]، و قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِن ذَكَرٍ وَ أُنْثَى وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

و من هذا الاختلاف الذي يحقِّق التكاملَ يعمر الكونُ، و تستمر الحياة، و يكون الأولاد؛ ففي الذرَّة بروتون ذو شحنة موجبة، و إلكترون ذو شحنة سالبة، و هذا الاختلاف هو سبب التجاذب و الترابط، و كذا في الكهرباء سالب و موجب، و منهما يكون التيار الكهربائي، أما السالب مع السالب، و الموجب مع الموجب، فيتنافران و لا ينجذبان، إن الله تعالى بعد خلقه لآدم خلقَ منه أنثى (حواء) يأنس بها و تأنس به، و يداعبها و تداعبه، و يسامرها و تسامره، و لم يخلق منه ذكرًا آخر يتسلى معه.

إن الطفل يأخذ من أمِّه مع كل رَضعة يرضعها، مع كل ضَمَّة من صدرها، مع كل قُبلة من قبلاتها - عطفًا و شفقةً و حنانًا، تملأ ما بين جنبيه، تزوده بطاقة روحية لا تفارقه ما بقي حيًّا، أما الأب، فيمنح ابنه من قوة الفِكر، و صلابة الرأي، و شجاعة الإقدام، و اقتحام الأهوال و المصاعب في معترك الحياة - ما لا يستطيع أحد زرعَه في قلبه و عقله، إن الأب و الأمَّ هما جناحا الطفل لا يطير إلا بهما، و لا يحط إلا بهما؛ فالأم حنان و عطف و مودة، و الأب قوة و صلابة و شجاعة و انضِباط.

هذه هي سُنَّة الله الماضية في الكون منذ آدم عليه السلام، إلا أن هؤلاء المساكين - و إن شئتَ قلت: المجانين - يأبَوْنَ إلَّا أن يسدُّوا هذه السبيل، و يستعيضوا عنها بسبيل من سبل الشيطان، ألا و هي الزواج المثلي، فاعجب معي، رعاك الله!



[1] وهي التعميد، والتأكيد، و طقس القربان المقدس، و المصالحة أو الكفارة، و دَهن المرضى، و الزواج، و الأوامر المقدسة.

[2] من كتاب "الأسرة في الغرب: أسباب تغيير مفاهيمها و وظيفتها"؛ للدكتورة خديجة، ص (138، 139)، باختصار، نشر دار الفكر، 2009.

[3] اصطلاح يشير إلى التغيير الكبير الذي حدث في حياة البشر، خاصة في الغرب في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، بدأَت هذه الثورة في بريطانيا في القرن الثامن عشر، ثم انتقلت إلى أجزاء من أوروبة و أمريكا الشمالية في القرن التاسع عشر، ثم إلى غيرها من البلدان الأوروبية، أدَّت الثورة الصناعية إلى زيادة عظيمة في الإنتاج، كما أخرجت التصنيع من نطاق المنزل و الورشة الصغيرة، و حلَّت الآلات ذوات المحركات محل العمل اليدوي، و بهذا انتقل المجتمع الغربي من مجتمع ريفي زراعي إلى مجتمع حضري صناعي؛ من الموسوعة العربية العالمية (8/ 68، 69)؛ باختصار و تصرف يسير، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر و التوزيع ط 2، 1999.

[4] المرجع السابق (140)؛ بتصرف يسير.

[5] يراجع في هذا كتاب: "الجانب المظلم في التاريخ المسيحي"؛ للباحثة الغربية هيلين إيليربي، ترجمة: سهيل زكار، دار قتيبة - دمشق، 2005.

[6]Journal of Marriage and Family, Vol. 65, No. 4 (November 2003), pp. 876  and 890.

[7] هذه هي الدراسات المسحية التي قامت بها المؤسسات المذكورة:

SeeSara McLanahan, Elisabeth Donahue, and Ron Haskins, “Introducing the Issue,” Marriage and Child Wellbeing, Vol. 15, No. 2. Mary Parke, “Are Married Parents Really Better for Children?” Center for Law and Social Policy Policy Brief, May 2003. and W. Bradford Wilcox et al., Why Marriage Matters: Twenty - Six Conclusions from the Social Sciences, 2nd ed. (New York: Institute for American Values, 2005), p. 6.

[8] عنوان الدراسة:

Social Trends Institute, “The Sustainable Demographic Dividend: What Do Marriage and Fertility Have to Do with the Economy?” 2011

[9] للدكتور عبدالله النفيسي قراءة مفصلة لهذا الكتاب، تجدها في موقعه، و منه استقيت هذا النقل.

وانظر مقالة: "الشعب الدانماركي مهدد بالانقراض: الشيوخ قادمون و المجتمعات الغربية تدفع ثمن انفلاتها"؛ للأستاذ فهمي هويدي، مجلة المجلة، العدد 891، ص (9 - 15)، آذار 1997م؛ و الشرق الأوسط "المفوضية الأوروبية تدق ناقوس الخطر"، العدد (6307)، 5 آذار 1996 م.

الرابط : https://www.alukah.net/social/0/101600/

قراءة 977 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 06 تشرين1/أكتوير 2020 08:24

أضف تعليق


كود امني
تحديث