(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 17 تشرين1/أكتوير 2020 14:49

كيف عالج الإسلام الاضطرابات النفسية؟

كتبه  الأستاذ طلعت شعبان
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لا شك أن النفس دائمًا ما تبحث عن راحتها و سعادتها و تحقيق توافقها من حين لآخر، و قد جاء الإسلام بمنهج سليم يُلبّي احتياجات النفس البشرية، و السمو بها نحو نفس متوافقة مطمئنة، متمثلة في الكتاب و السنة الحافلين بالموضوعات التي تقوم بمداواة النفوس بعبارات بسيطة تعطي معانٍ كثيرة تُستشَّف منها العبر و العظة و الإجابات الشافية.

لم يخلُ أي دين على وجه الأرض منذ آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه و سلم إلا و قد تكلم عن النفس، و أبدى اهتمامه لها ومحاولة تهذيبها و الارتقاء بها نحو الأفضل، و تحقيق السعادة نحو نفس مطمئنة يرضى عنها الله عز و جل.

إن الإنسان -شئت أم أبيت- يتكون من جسد و روح، فالجسد الظاهر يمكنك تعديل السلوكيات الصادرة منه و علاجها بسهولة، و لكن ماذا عن الروح إذا حدث لها اضطراب، كيف يتم علاجها؟

يظل المرض النفسي أعظم من الأمراض العضوية، بل إن المرض النفسي قد يأتي بأمراض عضوية، فالأمراض العضوية يمكنك علاجها بالعقاقير و تشفى، أما الأمراض النفسية إذا لم تُعالَج قد يفضي بها إلى الانتحار.

و قد جاء الإسلام برسالة خالدة و منهج سليم يداوي النفوس و يعلي الهمم و يُزكي النفوس و يقودها نحو نفس تليق بعبوديتها لربها عز و جل، و متزنة انفعاليًا في بيئتها الاجتماعية.

أسباب الاضطرابات النفسية

تنشأ الاضطرابات النفسية من أمور عدة، كارتكاب المعاصي و تشويه المفاهيم الدينية و ضعف الضمير و القيم و المعايير و الضعف الأخلاقي و الشعور بالذنب.

إن البعد عن الدين و عدم ممارسة العبادات و الإذعان للشيطان و اتباع الهوى يؤدي إلى الانحراف و الشقاء و الضيق، و يدخل الإنسان في صراع داخلي بين تأنيب الضمير و الشعور بالكدر و حزن و الهم. و مع الإصرار على العصيان و اتباع الهوى يضعف الضمير و يحدث نوع من عدم التوازن لدى الفرد .قال تعالى:﴿وَ أَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153] كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ مَا بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾  [الأعراف: 33]

أعراض الاضطرابات النفسية

إن ارتكاب المعاصي و الآثام  يكشف لنا أعراض الأمراض النفسية و الانحرافات السلوكية و الاجتماعية –مثل الجنس، و السرقة و العدوان..إلخ–، و بالتالي تنعكس سلبًا على الفرد؛ إذ يشعر الفرد بعدم الارتياح و الضيق، ما يهدد الذات و يجعل الفرد غير متزن سواء مع نفسه، أو مع أهله و البيئة التي يحيا فيها.

و من أعراض الاضطرابات النفسية أيضًا الخوف المستمر و توقع الخطر، و عدم الثبات و الاستقرار النفسي، و الاكتئاب و التشاؤم و الغم و الكدر و القلق، و من ثم انعدام السلام و الطمأنينة و الراحة النفسية.

العلاج النفسي بين الروحانية و المادية

يقوم العلاج الديني على أساليب و مفاهيم و مبادئ دينية و روحية، بينما يقوم العلاج المادي على أساليب و مفاهيم و مبادئ و طرق للعلاج من صنع البشر. و يمكن تلخيص العلاج الديني و المادي في النقاط التالية:

  • يعتمد العلاج النفسي الديني على التوجيه و القيم و المبادئ الروحية و الأخلاقية.
  • يقرر العلاج الديني أن الصراع يقوم على أساس روحي و أخلاقي، بينما العلاج النفسي المادي يقوم على أساس بيولوجي غرائزي.
  • العلاج النفسي الديني هو عملية توجيه و تربية و تعليم و إعادة سمة الفطرة للإنسان و تقوية ثقتها بنفسها و بخالقها.
  • إن العلاج الديني أفضل و أعظم العلاج للنفس البشرية، لأن النفس كما أننا لا نعلم حقيقتها، إلا أننا نتأثر بما يُصيبها، و أن من يعلم حقيقتها هو الله عز و جل لأنه خالقها و يعلم مكنونها و ما يصيبها، و لذلك أنزل المنهج الذي فيه صلاح الناس، و أرسل الرسل لتوضيح هذا المنهج و تهذيب نفوس البشر.
  • يوفر الدين الأمن الذي قد لا يستطيع علم النفس أن يوفره، و قد أكد بعض علماء النفس على ذلك مثل “كارل يونج”، حيث أكد على أهمية الدين و ضرورة إعادة غرس الإيمان و الرجاء لدى المريض، كما أكد “سيكل” على أهمية تدعيم الذات الأخلاقية لدى المريض.

علاج الاضطرابات النفسية في الإسلام

للعلاج النفسي في الإسلام طرق عديدة و لها فاعلية و تأثير كبير في النفوس، و ما أحوجنا في هذا العصر للاهتمام و الأخذ بهذه الطرق و المساهمة  في معالجة النفوس المريضة، و التي تسعى للخلاص و السعي نحو الأفضل و لا تجد من يأخذ بيدها ليحررها من أغلال الانحرافات التي نراها. و لكي يتم العلاج الصحيح و الحصول على نتيجة فعالة، يجب أولًا تهيئة البيئة النفسية الداخلية للفرد قبل البدء في تطبيق طرق العلاج.

أولًا: تهيئة البيئة الداخلية للفرد

الاعتراف: و هو أن  يُقِرّ لربه بذنوبه و خطاياه  و تفريغ ما بنفسه من انفعالات و مشاعر الإثم المهددة حتى يخفف من مشاعر الخطيئة و عذاب الضمير، و قد تمثل ذلك الاعتراف فيما ورد على لسان آدم و حواء عليهما السلام عند مخالفتهما أمر الله تعالى، كما جاء في قوله تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَ إِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾  [الأعراف: 23]

الاستبصار: و يعني الوصول بالمريض إلى فهم أسباب شقائه و مشكلاته النفسية و الدوافع التي أدت إلى ارتكاب الذنوب، و في ذلك يقول الله عز و جل: ﴿وَ مَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ [طه: 124]

التعلم و اكتساب اتجاهات وقيم جديدة: فمن خلال ذلك، يتم محو أو تعديل سلوكيات قديمة و اكتساب سلوكيات جديدة، و من ثم يحدث تقبل الذات و تقبل الآخرين و تكوين علاقات اجتماعية صادقة مع الآخرين. قال تعالى:

﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114]

التوبة: تعتبر التوبة أمل المخطئ الذي تحطمه ذنوبه، و الطريق إلى المغفرة إذا تحرره من آثامه و خطاياه، و من ثم يشعر الفرد بالتفاؤل و الراحة النفسية، و بخاصة حينما يعتقد اعتقادًا تامًا أن الله يقبل التوبة من عباده، و يتمثل ذلك في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]

التضرع و الدعاء: و يقصد بهما سؤال الله واللجوء إليه وحده في كشف الضر و البلاء إذ يقول تعالى: ﴿وَ قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]

الإكثار من الطاعة وذكر الله: و هو غذاء روحي مطمئن و مهدئ، و علاج ناجح يبعد الوسواس القهري. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]

ثانيًا: طرق العلاج النفسي في الإسلام

الطريقة الاقتدائية: قد يكون القدوة الطيبة، و الاقتداء بالمربي الفاضل الأثر الطيب في تحقيق هدف المعالج. و هو ما يدعو إليه قوله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾

الطريقة الوعظية: و تعتمد على أساليب النصح و الترغيب و الترهيب، و ذلك لتعلم و تعديل المفاهيم امتثالًا لقوله تعالى” ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ اصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾  [لقمان: 17]

طريقة المناظرة والحوار الإقناعي الفكري المنطقي التدريجي: و يقصد بها استخدام المنطق و العقل و الحوار للتعرف على الأفكار غير العقلانية بطريقة مباشرة للإقناع، و يتمثل ذلك في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَ اللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 258]

الإسلام ليس مجرد دين إنما هو منهج حياة

إن الذين لا يريدون تدخل الدين في العلوم –العلمانيين–، و يظنون أن هذا لا يؤدي إلى التقدم و التطور و يرون بأن الدين إذا تدخل في العلوم فإنه لا يخرج من إطاره الديني و سيظل في تأخر و لن يتقدم، هم في الحقيقة مخطئون؛ لأن غاية الدين هي توحيد الله عز و جل و الإيمان به و العبودية له، و من ثم فإن الإيمان بالله يحث و يدعو للاكتشاف و البحث، فلم يكن الدين -الإسلام- معاديًا للعلوم، بل إن الله عز و جل ذكر آيات عديدة تدعو للبحث و التفكر و النظر (أفلا يتفكرون، أفلا يعقلون، أفلا يتدبرون،  فلينظر الإنسان مما خلق …إلخ)

إن علم النفس خير مثال على ذلك، حيث أن علم النفس تحديدًا يحتاج إلى الجانب الديني مع المادي –الجسد الظاهر-. فلا يمكن فصلهما عن بعض، لأنك إذا اهتممت بدراسة السلوك الظاهر دون الاهتمام بالجانب الروحي –الديني– فإنك أشبه بمن يدرس سلوكيات الأنعام أو حركات آلة عاملة فقط، همها إشباع حاجاتها البيولوجية فقط.

إن الإسلام لا يمنع الأخذ باكتشافات الغرب، و لكن يجب أولًا تفنيد هذه الاكتشافات و تنقيتها و أخذ الصحيح منها و ترك ما ليس بصحيح.

ختامًا

فإن النفس المطمئنة التي امتثلت لأوامر الله و اجتناب نواهيه لا يؤثر فيها أي اضطراب نفسي مهما كان، لأنها تحيا حياتها على يقين تام بالله، فهي متوافقة مع نفسها و المجتمع الذي تحيا فيه. هذا و إن تزكية النفس و محاولة علاجها و توجهها نحو النهج السليم يؤدي إلى تحقيق الراحة النفسية و الطمأنينة القلبية، و بالتالي تكون سلوكياتها التي تصدر عنها سليمة صحيحة و ليس بها شذوذ أو خلل. و يرحم الله ابن القيم إذ قال:

“إن العلاج الديني هو أجود العلاج و أنفعه و أفضله و أنجحه، و أكمله، و أجمعه”

الرابط : https://tipyan.com/role-of-islam-in-the-management-of-psychiatric-disorders

قراءة 1765 مرات آخر تعديل على السبت, 17 تشرين1/أكتوير 2020 17:11