في قَلب المعركة، داخل غُرف الرعاية الصحية وبين آلاف من المرضى، خاضت الأطقم الطبية بـ"ووهان" جهودًا كبيرة مع المصابين بـ"كورونا" المستجد، خاصةً مع وجود نقص عددي بينهم مقارنةً بالمصابين؛ إذ تصل نسبة الأطباء إلى 2.55لكل ألف شخص في مقاطعة "خوبي" وفق الحكومة الصينية، غير أنهم ظلوا صامدين دون يأس أو تأفف، يوضح "نشيوي" الذي التقى  أطباءً في مستشفى للعزل "يعملون بكل طاقتهم دون استسلام للضغوط، لم أتعرض لأي مضايقات أو أشاهد تراخيًا حينما تم الاشتباه في إصابتي بالفيروس".

تابع "نشيوي" مثل غيره من السكان فيديوهات نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية لانهيار أطباء من الإرهاق و نومهم في ممرات المستشفيات، "شاهدت مقطع فيديو لطبيب ينصح المواطنين بعدم الاستهانة بالأمر، قال نصًّا: أرجوكم تعاملوا مع الأمر بجدية و عناية بالغة"؛ لتفادي العجز في أعداد الأطباء وصلت فرق طبية من الجيش الصيني إلى المدينة، و تحولت المؤسسات الطبية إلى خلية نحل لإحداث انتعاشة في حالات التعافي، خاصةً بعد استخدام عدد من العقاقير لوقف تطور أعراض الفيروس لدى المرضى، مثل "الكلوروكين" و"فوسفات الكلوروكين" و"الريمديسفير"، ولا توصي منظمة الصحة العالمية بالتطبيب الذاتي بواسطة أية أدوية، وفق "الخولي"، استشاري الأوبئة بالمنظمة.

عقاقير استخدمتها الصين لمواجهة أعراض "كورونا"

بجانب العقاقير، استخدم الصينيون بلازما مستخلصة من دماء متعافين من "كورونا" المستجد لعلاج آخرين، وفق مجموعة الصين الوطنية للتكنولوجيا الحيوية، إذ أشارت إلى بدء التجربة في 8 فبراير الماضي على 3 مرضى في حالة خطيرة، ثم 10 آخرين، أظهرت تحسُّنًا في الأعراض السريرية على المصابين خلال 24 ساعة، و انخفض الالتهاب الرئوي فضلًا عن تشبع الأكسجين في الدم بشكل جيد.

 في الوقت نفسه قدمت الشركات المتخصصة و الجامعات و معامل الأبحاث يد العون خلال الأزمة، كما يُشير فايد عطية؛ "لعمل اختبار تشخصي دقيق لكوفيد - 19 للتعرف على أسرار الفيروس، و كيفية انتقاله و مهاجمته للأجساد، و محاولة للوصول إلى دواء دون آثار جانبية تؤذي المرضى"، فضلًا عن البحث بصورة علمية و دقيقة عن "المريض صفر" و مصدر العدوى، في حين أقرت الصين في 17 مارس بإجراء التجارب السريرية على أول لقاح لمكافحة "كوفيد -19".

استخدام التكنولوجيا

شكلت التكنولوجيا و الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي سُبلَ مساعدة في التعامل مع تفشي الفيروس، "نشيوي" الذي رفض الخروج من "ووهان" لشعوره بتحسُّن الأوضاع، يؤكد تلقِّيه رسائل هاتفية بجميع المعلومات الخاصة بتطور الأحداث مع "كورونا" المستجد، سواء نصائح طبية لا بد من اتباعها، أو أعراض المرض، و أعداد الإصابات و الوفيات، "استقبلت نتيجة تحاليل الإصابة بكورونا بالطريقة ذاتها"، فضلًا عن ظهور طائرات مسيرة دون طيار (درون) في أنحاء المدينة "تحذر المواطنين من الخروج، و تحثهم على لزوم بيوتهم لحين زوال الأزمة"، و تخصيص سيارات أجرة لنقل المشتبه في إصابتهم، "و الاتصال بهم من خلال موقع وي تشات WeChat- موقع تواصل اجتماعي بالصين".

بحلول شهر مارس، شهدت الصين تضاؤل أعداد المصابين الجُدد بالفيروس، أُغلق 11 مستشفى في "ووهان" بعد تعافي المرضى، إذ وصلت حالات الشفاء إلى 77 ألفًا و575 حالة حتى كتابة تلك السطور، "زيارة الرئيس الصيني لـ"ووهان" مؤشر كبير على النجاح في التصدي للمرض داخل المدينة، شعرنا بأن نهاية الفيروس قريبة"، كما يقول "نشيوي"، فيما صارت الأعين تتجه إلى الصين للاستفادة من تجربتها.

 في هذا الشأن يقول أمجد الخولي -استشاري الأوبئة في منظمة الصحة العالمية- لـ"للعلم": إن التجربة الصينية تضع أمامنا العديد من الدروس المستفادة التي يمكن اتباعها، و أهمها السرعة القصوى في التعامل مع الأزمة، و الجدية الشديدة في تطبيق كافة الإجراءات اللازمة للتصدي للفيروس ثم احتواء انتشاره، فضلًا عن التحري النشط لاكتشاف الحالات و الإسراع بعزلها و معالجتها، و تتبُّع المخالطين، و إجراء الفحص المختبري على الحالات المشتبه فيها.

و في سبيل الاستفادة من التجربة الصينية تشجع المنظمة -وفق الخولي- على تبادل المعلومات و الخبرات و قصص النجاح بين البلدان المختلفة، و تنسيق ذلك من خلال شبكات تبادل المعلومات و آليات و وسائل الإبلاغ و التواصل، موضحًا أن ما جرى في الصين يقدم دليلًا واقعيًّا على أن احتواء الفيروس و وقف انتقاله أمرٌ قابلٌ للتحقيق إذا ما اتُّبعت خطط الاستجابة بدقة و جدية و حسم.

عودة الحياة لـ"ووهان"

رغم ما جرى في الصين من احتواء الفيروس، لكن التخلي عن الحذر عواقبه وخيمة، لذلك ينصح الخولي بتجنُّب الإحساس المبالغ فيه بالأمان و انتهاء الأزمة، منوهًا بأن الجائحة لا تزال تهدد جميع البلدان، و احتمالات حدوث انتكاسة واردة ما دامت احتمالات الانتقال بالوفادة أو بالانتقال المحلي للعدوى قائمة، و الحل الأمثل -وفق تعبيره- أن تواصل الصين العمل بكل جدية لترصُّد الحالات و اكتشافها، و إجراء الفحوص المختبرية، و عزل الحالات المشتبه فيها، و تتبُّع المخالطين، و مواصلة توعية الأفراد و المجتمعات بأهمية تدابير الوقاية.

الرابط : https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/out-of-pandemic-scenario-of-china-dealing-with-spread-of-coronavirus/