قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 21 تموز/يوليو 2016 07:35

في ذكرى أزمة الخليج وجذورها الاقتصادية: قراءة في الاقتصاد التقليدي قبل النفط مقارنة باقتصاد طفرة "الحداثة"2/2

كتبه  الأستاذ محمد شعبان صوان من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

و من الطبيعي أن يحوز إنجاز "الاستقلال" على ثناء الإنجليز على أنفسهم و الذين لم يستطيعوا تقديم أي إنجاز عملي واحد لعملهم الذي لم يكن سوى تلبية لمصالحهم ضد العثمانيين و الألمان بغض النظر عما أجهضه من مصلحة الكويت نفسها في اندماجها بدولة إسلامية كبرى:"كان تولي الشيخ مبارك للحكم ضربة قوية ضد التوجهات الموالية للعثمانيين في الكويت (التي مثلها أخواه الحاكمان السابقان المقتولان اللذان لا يذكرهما النص البريطاني !)، كما اتسم حكمه بالإقرار بأن بريطانيا هي مفتاح ضمان حماية الكويت ضد القوى الإقليمية الأخرى التي كان بوسعها هزيمة إمارة الكويت الصغيرة (الصحيح أن تلك "الأخطار" نشأت من قبل القوى العثمانية و المؤيدة للعثمانيين كمدينة حائل آل الرشيد نتيجة زيادة النفوذ البريطاني في الكويت، و كان من الممكن تسويتها في ظل العثمانيين أيضاً، أي أن تطفل بريطانيا على المنطقة هو منبع الخلل فيها)، و كانت تلك الحسبة الدقيقة (للشيخ مبارك) تنم عن الحكمة و البصيرة (بالطبع مادامت تحقق مصالح بريطانيا)، حيث أنه مهما كان من أمر الأهداف الإمبريالية البريطانية (حتى لو كانت تعطل ازدهار ميناء الكويت آنذاك ؟) فإنها لم تشمل أبداً على حرمان الكويت من استقلالها[45] (أو على الأصح تحويلها لدولة وظيفية تُجبر على تحقيق مصالح الأجانب حتى لو كان ذلك ضد قرارها السياسي و من ثم ضد استقلالها الذي يدعيه الإنجليز و ضد مصالحها كما سيأتي).

و الطريف أن بريطانيا التي بذلت جهوداً كبرى لتحقيق استقلال الكويت عن الدولة العثمانية عادت بعد ذلك لتنقض ما فعلته و لتعترف بسلطة الدولة على الكويت و بكون حاكم الإمارة موظفاً عثمانياً في اتفاقية 1913 و التي وصفتها الوثائق البريطانية بأنها "استخدام الكويت من قبل الحكومة البريطانية للحصول على شيء آخر في مكان آخر، و الاعتراف بأشياء أخرى في أماكن أخرى، كتقديم التنازلات لها في خطة سكة حديد بغداد و ما شابه ذلك، و عندما نتذكر بأنه لم يتم أخذ رأي حاكم الكويت أو التشاور معه خلال المفاوضات كما لم يتم إبلاغه عن سير هذه المفاوضات و نهجها، ثم تقدم له بعد ذلك كأمر واقع.....و مهما كانت التفسيرات طويلة بهذا الصدد، فإنها غير قادرة على إزالة الانطباع بأننا استخدمنا الكويت كمخلب لضمان الحصول على منافع أخرى لأنفسنا"، و ذلك في الوقت الذي كان الشيخ يخاطب السير بيرسي كوكس بقوله "إنني أعتمد على الحكومة (البريطانية) العظيمة لمساندتي، طالما أنني مخلص في الالتزام و الوفاء باتفاقاتي " فيتلقى شكراً "لامتثالكم لوجهات نظر الحكومة البريطانية"[46].

 و لما اندلعت الحرب الكبرى الأولى "أعلن الشيخ مبارك ولاءه للحكومة البريطانية نيابة عن نفسه و عن قبائله كما وضع جهوده و رجاله و سفنه تحت تصرف بريطانيا" مقابل الحصول على "استقلال" تحت الحماية البريطانية[47]، و تعرضت تعهداته بالمشاركة في مجهود الحلفاء الحربي "لتحرير" البصرة لأول اختبار عندما اندلعت الثورة ضد صديقه خزعل خان في المحمرة لمشاركته في القتال إلى جانب الإنجليز ضد الخلافة الإسلامية، فأمر الشيخ مبارك الكويتيين بالقتال إلى جانب حليف بريطانيا ضد الدولة العثمانية فعصوا أمره على قلب رجل واحد و تذكر المصادر الكويتية ميل الكويتيين في هذه الحرب إلى جانب العثمانيين و سرورهم عندما تكون "الدولة معتزة" و رفضهم القتال إلى جانب الإنجليز و حليفهم الشيخ خزعل أمير المحمرة رغم أوامر الشيخ مبارك كما جاء مثلاً في كتاب الأستاذ سيف مرزوق الشملان الذي نقل "عصيان الكويتيين و عدم امتثالهم" لأوامر الشيخ الذي "غضب غضباً شديداً" و طلب منهم السير "و عصوا، و قالوا: نموت على الإسلام و لا نموت على الكفر" ، "فكيف يقاتلون إخوانهم في الدين لأجل الشيخ خزعل خان و كيف يشتركون في حرب لا ناقة لهم فيها و لا جمل "[48]، و رغم الصداقة الوطيدة بين الشيخ مبارك باشا ابن الصباح و الشيخ خزعل خان الكعبي حاكم المحمرة فقد رفض أهل الكويت رفضاً قاطعاً نصرة خزعل حليف بريطانيا ضد دولة الخلافة الإسلامية.

 بل إن الباحثة الكويتية الدكتورة سلوى الغانم تروي في كتابها الصادر باللغة الإنجليزية "عهد مبارك الصباح" ؛ استنادا إلى وثائق بريطانية، أن مباركاً ذهب إلى أبعد مما سبق حين حاول قبل وفاته سنة 1915م أن "يهب الكويت لبريطانيا" و ذلك بتسليم جميع الموارد الكويتية للإنجليز لإدارتها بأنفسهم و خصم نفقات الإدارة لحسابهم و تسليم الباقي له، الأمر الذي أربك المسئولين البريطانيين أنفسهم و وصفته الباحثة المذكورة بأنه "من أغرب ما قدم لمسئول بريطاني في غضون قرون من الانهماك البريطاني في الخليج"، و لم ينفذ الاقتراح نتيجة الرفض البريطاني الممزوج بالذهول[49]، و قد حاول أحد المؤلفين الأجانب التخفيف من وطأة الحدث إلا أن حكمه جاء في ضمن عدة أحكام لا تنطبق على واقع الأحداث و يمكن مراجعة الهامش للاطلاع على قيمتها[50]، و ظلت الكويت في زمن الشيخ مبارك و من بعده منطلقاً لقوات الحلفاء ضد العراق العثماني[51]، و في ذلك تقول موسوعة تاريخ الخليج العربي :"و قد وجه المقيم السياسي البريطاني في الخليج، برسي كوكس، تبليغاً إلى مبارك حثه للعمل و التعاون مع مشايخ العرب الموالين لبريطانيا من أجل دخول القوات البريطانية البصرة و احتلالها و طرد الأتراك منها، و طلب من مبارك أيضاً مهاجمة أم قصر، و صفوان، و بوبيان، لمنع وصول الإمدادات للعثمانيين في البصرة ، و الحفاظ على ممتلكات الرعايا البريطانيين الموجودين في البصرة.

"لقد وعدت بريطانيا حاكم الكويت مبارك الصباح إذا أحسن التعاون مع جيش الاحتلال البريطاني حمايته من أي هجوم...و وضع الكويت تحت الحماية البريطانية.

"و بعد هذا الوعد البريطاني بدأ مبارك يعبئ قواته من البدو التي قامت بدور مهم لحماية القوات الهندية في المراحل الأولى من غزو هذه القوات و دخولها البصرة و احتلالها عسكرياً، و قد كان حاكم الكويت مبارك الصباح على رأس قوة كبيرة من البدو فحوّل بذلك أنظار العثمانيين عن قوات الجنرال آرثر باريت و جيشه...و بقي مبارك على الرغم من المعارضة الداخلية ...مستمراً في مساندة البريطانيين من أجل إكمال احتلال البصرة و تقديم الدعم اللازم لهذه القوات الغازية و بذلك كان له دور مهم في توفير السبل الكفيلة في احتلال المدينة فقد زود بريطانيا بمعلومات تفصيلية عن الوجود العثماني في البصرة و أعداد الجند فيها.

"هدفت بريطانيا من حملتها العسكرية على العراق في العمل على الإبقاء على استمرارية تدفق النفط من عبادات (عبادان) و الحفاظ على عمليات شركة النفط الأنكلو-فارسية.

"اتخذ الإنكليز من الكويت مخزناً لتموين قواتهم في المنطقة و كانت الاتصالات البريدية مستمرة بين الكويت و البصرة المحتلة بل إن مبارك قد ذهب إلى حد بعيد في التضامن مع الإنكليز، و قد أكد السير بسي (برسي) ككس هذه الحقيقة"[52]، و العجيب أن يكون هذا هو جزاء العثمانيين الذين أرادوا تحقيق ازدهار الإمارة بجعلها محطة رئيسة لخط تجاري عالمي، و لكن كان طعن الذات هو سمة تاريخنا المعاصر لصالح ذوات الأجانب، و لكن لم يكن الأمر دائماً بموافقة الشعوب، فقد "أثار خضوع مبارك لبريطانيا و قبوله بالحماية البريطانية و تقديمه المساعدات للجيش البريطاني في أثناء احتلاله للبصرة و تنفيذه رغبات بريطانيا ثورة الشعب العربي في الكويت ضده و رفضهم للتدخل في الشؤون الداخلية حتى أنهم أبلغوا ابنه جابر صراحة في أثناء لقائهم بهم "نموت على الإسلام و لا نموت على الكفر""[53].

و ظل أهل الكويت في عهد خلفه الشيخ جابر المبارك إلى جانب الدولة العثمانية "فازدهرت تجارتهم حتى وصلت بضائعهم إلى سوريا و الحجاز و نجد، بل أنها تعدتها إلى اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية لأن الحصار البحري قد أحكمه الحلفاء على سواحل سوريا أثناء الحرب العظمى"، و لما عقد الإنجليز مؤتمراً في الكويت سنة 1917 لتوحيد العرب ضد الأتراك مع اندلاع الثورة العربية تكلم الملك عبد العزيز آل سعود و الشيخ خزعل خان عن بغضهما للأتراك و حقدهما عليهم، أما الشيخ جابر فقال نحن مسلمون و إذا ما أجمع المسلمون على شخص فنحن له من الطائعين، و كانت العلاقة قوية بين الشيخ جابر و الأمير سعود الرشيد حاكم حائل المتحالف مع العثمانيين[54].

و لما توفي الشيخ جابر و خلفه أخوه الشيخ سالم المبارك كانت الكويت ماتزال تصدر البضائع إلى سوريا و العراق و نجد و الحجاز حتى اسطنبول، مما أغضب بريطانيا لعلمها أن هذه البضائع تصل إلى أعدائها لاسيما في وجود حصارها على سوريا، فهددت الشيخ سالماً بقصف الكويت و إمطارها بوابل من القنابل، و لما رجع إلى وجوه أسرته و قومه رفضوا التهديد و"أظهروا عدم موافقتهم على هذا الطلب مهما حدث لهم"، و هنا نرى الطاقات الكامنة التي تخزنها النفوس التي تحمل قضية بعيداً عن حسابات الزعامات، و لكن المسئولين الإنجليز تمكنوا من استمالة الشيخ باللين و التملق و تراجعوا عن تهديدهم الذي لم يكن جدياً أصلاً و بعرض تعويضات عليه، و هنا فعل الترغيب ما عجز عنه الترهيب و كلف الأمير ابنه الشيخ عبد الله السالم بالإشراف على ما يخرج من الكويت من بضائع و أطعمة[55]، و أدركت بريطانيا "أن فشل الشيخ سالم في تحقيق الأهداف التي أرادها من اتباع سياسته الجديدة (المقاومة) سيعيده إلى السياسة التقليدية للحكام السابقين (أي مسايرة بريطانيا)، و أنه قد تفهم بالفعل أن القوة التي يريدها لنفسه و للكويت لن تأتي إلا عن طريق بريطانيا" كما تقول الدكتورة نجاة عبد القادر الجاسم[56]، و تم إحكام الحصار البريطاني على الكويت "و كانت الأطعمة و الحاجيات لا ترد إلى الكويت إلا بمقدار"[57]، و لأن الحرب كانت في نهايتها و قد وقعت معظم الأراضي العراقية تحت الاحتلال البريطاني فإن المؤرخة الكويتية الدكتورة الجاسم ترى أن الهدف من الحصار لم يكن حربياً بقدر ما كان رغبة بريطانية في إفهام شيخ الكويت ضرورة الانصياع لأوامر بريطانيا[58]، و نلاحظ هنا أن بلادنا لم تتعرض لمحن الحصار إلا بعد دخول النفوذ الأجنبي الذي أراد كسر إرادة الأهالي و ما تبعه من تجزئة وضعت الأخ في مواجهة أخيه ليكون الأجنبي هو الحكم أو النصير، و في النهاية لا منتصر سواه.

و بعد انتهاء الحرب كافأت بريطانيا الأمير بمبلغ من المال و وسام[59].، و هنا نرى الفرق التدريجي بين الحال الذي استند فيه الشيخ جابر الأول إلى دولة إسلامية عظمى حتى مع ضعفها عندما تمكن من صد الأطماع البريطانية فعاد الإنجليز خائبين و بين الحال الذي جعل خلفه الشيخ سالماً يتذبذب بين العصيان و طاعة الأمر البريطاني بعدما أصبح النفوذ الأجنبي واقعاً في الإمارة و لكن كان ظل الخلافة مازال قائماً، فلما زال شبحها تماماً لم يعد هناك ما يفسد استقرار النفوذ البريطاني أو يهيج الخواطر عليه إلا رذاذ من العراق ما لبث أن خبا نتيجة خضوع الجميع لهيمنة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس و لا تشرق على غيرها.

و بعدما زار شيخ الكويت أحمد الجابر بغداد مرتين 1935-1936 أبدى الملك غازي رغبته في رد الزيارة "فتدخلت السلطات البريطانية لإحباط ذلك المشروع"[60]، ثم تدخلت مرة أخرى ضد رغبة شعب الكويت رغم ادعاءاتها الديمقراطية التي لا تعمل إلا عند تحقيق المصالح كما تبين من موافقتها على رغبة شعب الكويت في أزمة 1990، على عكس سنة 1938، مما يعطي صورة واضحة عن طبيعة الديمقراطية الاستعمارية الانتقائية.

"و في شهر كانون الأول/ يناير 1938، تجدد التوتر في العلاقات العراقية-الكويتية عندما بحثت قضية العلاقة بالعراق في المجلس التأسيسي الكويتي، فصوتت الأكثرية إلى جانب الانضمام إليه، مما دعا الأمير إلى حل المجلس، و رداً على القرار، نظم دعاة الوحدة مع العراق مظاهرات احتجاج، و ناشدوا فيها العراقيين تأييدهم حتى تصبح الكويت جزءاً من المملكة العراقية، و اتخذت المسألة بعداً آخر عندما اقترنت الدعوة إلى الانضمام إلى العراق بالمطالبة بالحياة الدستورية، و لم تنحصر الحركة في الكويت، بل انتقلت منها إلى البحرين و مسقط و مناطق خليجية أخرى انتشرت فيها المطالبة بالخروج من واقع الحماية البريطانية، انتهت تلك الحركة إلى إنزال حكم الإعدام بثلاثة من وجوه المعارضة الكويتية، و تبع ذلك إجراءات متشددة أصابت زعماء المعارضة الآخرين"[61].

أما الديمقراطية البريطانية العريقة فقد انتقلت من مطالبة الشيخ أحمد الجابر بالإصلاحات و محاولة الاتصال بأعضاء المعارضة إلى الرغبة في تقييد صلاحيات المجلس التشريعي الكويتي ثم إلى إظهار الندم على وجود هذا المجلس كما تقول الدكتورة نجاة الجاسم، و لم ترحب بالقانون الأساسي للمجلس رغم توقيع الحاكم و اطلاع الوكيل السياسي البريطاني عليه، فقد خشي الإنجليز أن يوضع دخل النفط مستقبلاً تحت تصرف المجلس، و أغضبها المطالب العمالية التي قدمها لصالح عمال شركة النفط، و خشيت تعرضه لاتفاقية 1899، و لما حُل المجلس و صودرت الأسلحة رضيت بريطانيا كل الرضا و سرها إعلان الحاكم أنه سيحكم بمفرده إلى أن يعود الهدوء[62]، و لما جرت الانتخابات الثانية و تأسس مجلس جديد (1939) طالب مرة أخرى بالنظام النيابي و الانضمام إلى العراق رفض الحاكم ذلك و أيده الوكيل السياسي البريطاني و تم حل المجلس "و ألقي بالزعماء المحرضين في السجن بينما انفجرت في أنحاء الإمارة اضطرابات دامية"[63]، و فر كثير من المعارضين إلى العراق[64]، و لم يتم تنفيذ الدستور الذي اقترحه الحاكم نفسه [65] و لم تنجح الإجراءات الاستشارية اللاحقة التي اتخذها، و بعد حل المجلس حصل الشيخ "على تأكيد من بريطانيا بأن الحكم و القوة ستظل بيد الأسرة الحاكمة، و بأن الشعب لن يقبل أحداً كحاكم غيره"، و أرسل بقية الحكام العرب من أصدقاء بريطانيا برقيات تأييد كذلك[66].

جرت في أواسط الخمسينيات محاولات عراقية اتخذت صفة الحل الوسط بين مطالبات العراق بضم الكويت، و الإصرار على استقلالها، و ذلك بحصول العراق على ممر مائي عن طريق تأجير جزيرة وربة و الشاطئ البري المقابل لها و قد "وافق شيخ الكويت على ذلك في البداية ثم رفض بتحريض من البريطانيين"[67]، و هي قضية يرى الدكتور مؤيد الونداني أنها "ستستمر في المستقبل مادام العراق محروماً من الشاطئ البحري الذي تمتع به عبر تاريخه الطويل"[68]، و أضيف على ذلك مادام التدخل الأجنبي مستمراً في توجيه الأحداث نحو مصالحه و يجد من يصغي إلى وسوسته دون الاهتمام بمصالح أهالي المنطقة.

و في صراع لم تكن الكويت طرفاً فيه بين بريطانيا و حركة رشيد عالي الكيلاني في العراق (1941)، كانت الكويت هي منطلق الطائرات البريطانية سنة 1941 لقصف الثورة و تمت مكافأة شيخ الكويت أحمد الجابر الصباح على ذلك بوسام نجمة الهند لرتبة الفارس القائد سنة 1944 [69] ، و بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية سنة 1988 كان هناك مشروع عراقي لتحويل مجرى شط العرب مما سيجعل صحراء شمال الكويت خضراء يانعة دون الإضرار الفعلي بإيران[70]، و لم يتم توضيح مصلحة الكويت آنذاك في الإنتاج الزائد للنفط و الذي كان سبب الشكوى العراقية[71]، بل لقد كان المكسب العائد من رفع الأسعار و الالتزام بحصة أوبك أكبر من المكسب العائد من بيع كميات كبيرة من النفط بسعر منخفض[72]، و هل كان من الأفضل تغليب مصلحة آنية عاجلة بتحقيق أرباح كثيرة، على فرض تحققها، و الاهتمام بالوصول بالإنتاج إلى الحد الأقصى أكثر من الاهتمام بالوصول إلى أعلى سعر للبرميل عن طريق الالتزام بأسعار منظمة الأوبك، و المهم هل كان ذلك سيحدث لولا إشارات التشجيع الأمريكي[73] التي حفزت الطرفين ضد بعضهما البعض؟

و على كل حال لما اندلعت الأزمة سنة 1990 وجهها البريطانيون و الأمريكيون نحو مصالحهم الذاتية و أغلقوا كل المبادرات السلمية العربية و الدولية التي استهدفت نزع الفتيل و القضاء على سبب الخلاف، لاسيما أبرز هذه المحاولات حين صرح الأمير السعودي سلطان بن عبد العزيز تصريحاً مهماً عن عدم استخدام القوة في حل المشاكل بين العرب و منح العراق منفذاً على البحر بكرم الأخوة العربية الذي لا يسيء إلى أي عربي حين يتنازل لأخيه، و كان من الممكن أن يجنب هذا الأمر الأمة كوارث و نكبات لاحقة لو أنه أخذ فرصته المنطقية و لكن الأمريكيين و الإنجليز و على أعلى المستويات خرجوا يشجبون ذلك و يرفضون تطبيقه تحت شعار "و لا بوصة" مما اضطر الملك السعودي نفسه و صاحب التصريح ذاته للتراجع و الاعتذار و دخلت بلادنا في دوامة لا يمكن أن يدعي الفوز فيها أحد غير الأغراب الأجانب المتطفلين[74].

ثم حشر الأجانب الكويت في مشاريع لم تكن لمصالحها علاقة بها، فلم يكن أحد يدري ما هي مصلحة الكويت حين انطلقت منها جيوش احتلال العراق سنة 2003 بعد سنين طويلة من خروج الجيش العراقي من الكويت و وقوع العراق نفسه تحت حصار قاتل حصد الملايين من أبنائه، أما مصلحة المعتدين فكانت واضحة إذ كانوا هم القائمين بالعمل من أجل الكيان الصهيوني و النفط و إيجاد حلفاء عراقيين لمخططاتهم في منطقة الخليج الهامة لهم كما قال الرئيس العراقي زمن الاحتلال جلال طالباني بنفسه، ففي اعتراف مثير قال الرئيس العراقي في سنة 2008 "إن الأمريكيين جاءوا إلى العراق من أجل القضاء على صدام حسين لأنه كان ديكتاتوراً خطيراً يهدد حلفاء أميركا في المنطقة (و هذا هو ميزان الاستبداد عند الاستعمار) و لا يهدد الشعب العراقي فحسب" و لفت طالباني أثناء مقابلة مع صحيفة الخليج الإماراتية الانتباه إلى "الأهمية البالغة التي توليها واشنطن لمنطقة الخليج و نفطها، و قال إن صدام حسين كان يشكل خطراً على الكويت و السعودية و نفطهما، كما كان يشكل خطراً على حليف أميركا الأساسي "إسرائيل"، و أضاف أن أميركا بالقضاء على صدام أنجزت عملاً مهماً بالنسبة لمصالحها في المنطقة...و قال: إن الأميركان يعتقدون أيضاً، و هم على حق، أنهم سيكسبون بعض المزايا الاقتصادية النفطية في العراق، و أضاف أن توقيع شل و شركات أخرى على اتفاقيات مهمة مع الحكومة العراقية دليل واضح على ذلك" و عد كسب الأميركيين حلفاء عراقيين مهمين جداً بالنسبة لمخططاتهم في المنطقة من أهم نتائج التدخل في العراق[75]، كما أنه اعترف بعد ذلك في مواجهة شكاوى نساء العراق بفشل الحكم الذي نصبه الاحتلال[76]، مع كون حالة المرأة هي ذريعة التدخلات الاستعمارية دائماً.

كما لم يدر أحد ماذا كانت مصلحة الكويت في وضعها على كف عفريت بإعطاء عدة إشارات للعراق منذ بداية سنة 1990 بأن أمريكا لا تتدخل في الصراعات العربية-العربية و جعلها طعماً لاستدراج الرئيس العراقي للوقوع في الفخ [77] ؟ و ما هي مصلحة الكويت بعد ذلك في إجهاض الغرب المبادرات السلمية بسبب إصرار الولايات المتحدة على تدمير العراق سنة 1991، ماذا كانت مصلحتها في تفويت أمريكا و بريطانيا فرص الحل السلمي (الذي لم يغلق بابه في وجه الصهاينة رغم جرائم سبعة عقود و لكنه أغلق بابه في وجه العراق في غضون شهرين وفق الفتوى الدينية التي استدعت التدخل الأجنبي) في ضوء كثير من مقترحات الحلول التي عرضت و كانت ستحقق مراد الكويتيين لولا تدخل الغرب لإجهاضها[78] لأنها لا تحقق مراد الولايات المتحدة الذي كان هو القضاء على القوة العراقية الصاعدة و هو هدف فرض نفسه على الأحداث بعيداً عن أي مصالح عربية و تم التخلص من قوة إقليمية في بلاد العرب، و هذه هي المصلحة الغربية الحقيقية التي تحققت (دراسة لماذا يحطم الغرب نهضاتنا/2)، كما لم يدر أحد ما هي مصلحة الكويت في انطلاق البريطانيين منها سنة 1941 عندما لم تكن طرفاً في الصراع العراقي البريطاني و مع ذلك حشرتها بريطانيا في صفها، أما مصلحة بريطانيا فكانت واضحة و هي ضرب الثوار و هذا ما تحقق، و قبل ذلك أيضاً لم يعرف أحد ما هي مصلحة الكويت سنة 1914 عندما اعتدى الحلفاء من الأراضي الكويتية على دولة الخلافة الإسلامية التي كانت بصدد تطوير الكويت تطويراً كبيراً سبق النفط بعشرات السنين، أما الحلفاء فكانت مصالحهم واضحة و هي الاحتلال و الانتصار في الحرب، و هذا ما حصل على حساب الكويت و العراق معاً، و لعل التصريحات السياسية التي قدمتها المراجع السياسية العليا في سنة 2003 توضح بجلاء لا لبس فيه أن موقف الكويت لم يكن نابعاً سوى من عدم القدرة على مواجهة قرار دولة عظمى بحجم الولايات المتحدة "قررت" استخدام أراضي غيرها في العدوان على أطراف ثالثة "هذه أمريكا...من يستطيع قول لا لها؟"، و لم يستح زعماء عملاء كالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك من تبرير ذلك العدوان الأمريكي باحتلال العراق للكويت سنة 1990 بعد مرور دهر على إغلاق ملف تلك الحوادث بتحرير الكويت.

و من الإنصاف القول إن هذا الضعف سمة ملازمة لجميع دول الاستقلال و التجزئة العربية، و قد أدى كثير منها دور الكيان الوظيفي الذي كان يتلقى الرشوة رسمياً من الاستعمار نظير الخدمات الاستراتيجية التي كان يقدمها سواء نظير منح الامتيازات أو المواقع أو القواعد[79]، و سنعجب لو علمنا أن دول النفط قبل اكتشافه فيها كانت تتلقى الدعم من الخزانة البريطانية لمساعدتها على البقاء و تقديم الخدمات لحكومة لندن، و في ذلك يقول الأستاذ أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية إن الوطن العربي كان "في أكثر أقطاره، تحت رحمة الدول الغربية حماية و وصاية في السياسة و الاقتصاد، من ذلك مثلاً، أن السعودية، و هي قوة اقتصادية عالمية، كانت في عهد مؤسسها الكبير الملك عبدالعزيز آل سعود تتلقى عوناً مالياً سنوياً من بريطانيا  أول الأمر، ثم من أمريكا في ما بعد، و مثلها الكويت و قطر و البحرين، و المحميات التسع (السبع) التي أصبحت دولة الإمارات العربية، كانت كلها تتلقى مساعدات مالية مقررة من الخزانة البريطانية عاماً بعد عام. و من ذلك أن كلاً من ليبيا و إمارة شرق الأردن في أوائل عهدهما كانتا تتلقيان عوناً مالياً يصل إلى نصف ميزانيتهما"[80]، و من هذه الدول أيضاً محميات الجنوب العربي التي ضمت بريطانيا كثيراً منها في اتحاد الجنوب العربي (1959) و كانت تموله بملايين الجنيهات[81]، ثم تخلت عنه و عن جميع حكام المشيخات و السلطنات التي أنشأتها هي من قبل و ظل حكامها موالين للإنجليز حتى آخر لحظة عندما تخلت عنهم عند حصول اليمن الجنوبي على استقلاله (1967)[82]، كما تخلت عن حكم الملك الليبي إدريس السنوسي سنة 1969 ، و ذلك كله عندما انتهت وظائفهم جميعاً، في الوقت الذي تدخلت فيه لحماية أنظمة مازالت فعالة، و مازالت بعض الدول العربية، لاسيما المفتقرة بحكامها و ليست الفقيرة أصلاً، تعتمد على المساعدات الأمريكية لقاء القيام بأدوار الوكلاء و تنفيذ ما هو مطلوب استعمارياً منهم.

و خلاصة الأمر من الحديث عن الدول الوظيفية أنها تُسخر لمصالح الدول الكبرى حتى لو كان ذلك دون وجود مصالح لها في سياسات هذه الدول أو حتى لو كانت هذه السياسات ضد مصالحها الحقيقية أو ضد وجودها نفسه أحياناً و ذلك في مقابل ما سماه الدكتور المسيري رشوة تقدم لهذه الشعوب الصغيرة على شكل استقلال محتفى به دون مضمون حقيقي، بالإضافة إلى الوفرة المادية التي ستصبح معيار اتخاذ المواقف مع أو ضد مصالح الأمة العريضة، و لكن حتى هذه الوفرة هي على حساب المستقبل غير المعد له، و على حساب الاستقلال الحقيقي عن المراكز الاستعمارية التي تعادي الأمة التي ينتمي الوظيفيون لها، و على حساب الشعوب المحيطة التي ينالها الكثير من أذى الوجود الاستعماري في الدول الوظيفية، و ليس من العجيب بعد كل هذا أن تتحد رؤى الوظيفيين و الاستعماريين فيرى الأوائل أن بقاءهم مرهون بالآخرين و أن حماية البقاء تعتمد عليهم حتى لو توفر مثلها من الأخ العربي الذي يظل محل الشك و الريبة[83]، بل محل النميمة و التحريض، قبل العدوان الثلاثي و بعد نكسة حزيران، أي في الملمات، و من ذلك التأكيد على وجوب تعامل البريطانيين معه "بسرعة و قسوة و بلا رحمة" لأنه "خطر على العالم العربي كله" و يجب أن يستعيد الإنجليز قواعدهم للقضاء عليه[84]، و بذلك تلتحم المصالح الثنائية مع المستعمِرين بمرور الزمن فلا يرى الوظيفيون أي شيء حتى أنفسهم إلا من خلال العدسات المستوردة من السادة و أن يفقدوا الإحساس بذواتهم، المفترض أنها مستقلة، و أن يكون هدفهم هو أن يحصلوا على ثناء هؤلاء المستعمرين[85] الذين يتغزلون في الحكمة الوظيفية الفائقة و بصيرتها و حساباتها الدقيقة[86] ، و على رضاهم و حمايتهم (كالتدخل البريطاني لحماية النظام العراقي 1941 و التدخل الأمريكي و البريطاني للدفاع عن أنظمة إيران 1953 و لبنان و الأردن 1958 و الكويت 1990) فتصبح كل مصلحة استعمارية مبررة بالحفاظ على الاستقلال الوظيفي و سيادته و سلامته رغم كذب كثير من هذه الدعاوى كما سبق ذكره، و في النهاية ما الذي يدفع عمالقة الغرب لعدم القبول بالمعادلة السائدة حالياً و هي التي تتيح لهم الحصول على النفط لشرايين اقتصادهم بالإضافة إلى الحصول على المال الهائل الناتج عن بيعه إما على شكل نفقات الاستهلاك المنفلت و شراء البضائع المصنعة عندهم أو على شكل ودائع بليونية لاقتصادهم و عملاتهم، في نفس الوقت الذي يعيش فيه المالك الأصلي لهذا المال في وهم راسخ بالاستقلال و الاكتفاء و النعيم و الأمان و الاستقرار في ظل الحماية الدولية؟

و أمام هذا الكشف الحسابي على كل امرئ اختيار ما يناسب أولوياته: هل هو الغرق في المتع المادية العاجلة الممزوجة بالتبعية للأعداء و العزلة عن الإخوة أم بناء مستقبل راسخ لا يفتقد الازدهار في أحضان أمة عظيمة يمكن أن تجعل نفسها بهذه الثروات قوة عظمى كانت الحيلولة دون نشوئها هي السبب الذي خاض الغرب من أجله معارك الحفاظ على استقلال الدول النفطية الصغيرة[87].

فالقضية ليست ما قد يتبادر إلى الذهن السطحي من أن هذا الاستعراض هو رفض لمظاهر وفرة نتجت عن الغنى و الثراء، القضية أن هذه الوفرة و هذا الغنى و الثراء غير قابلين للاستمرار ما داموا قائمين على معادلة الإنفاق من ثروة ناضبة، و من الطبيعي ألا يشعر صاحب هذه الثروة بمآل المستقبل و أن يرفض التفكير في الآتي ما دام يومه سعيداً و هو غارق في لحظته الحالية و لكن هذا لا يعني أن أي تنبيه هو حسد و غيرة لاسيما بعدما دقت الأحداث ناقوس خطر متأخر كشف للجميع بعد هبوط أسعار النفط بحدة ما يمكن أن يصيب المعتمدين عليه و أن يبين لهم أن ما كانوا يحسبوه ادخاراً للأجيال القادمة ليس بأيديهم و لا بحوزتهم و لا تحت تصرفهم، و من ثم فإن الادخار الحقيقي هو ما تصنعه الأجيال الحالية على أرضها و تقرر به مستقبلها بعيداً عن تحكم الأجانب.

●بلادنا بين الأمية في آخر أيام الخلافة و طوفان الشهادات في دولة التجزئة

 عند المقارنة بين تعليم الدولة الحديثة و تعليم آخر أيام الخلافة يجب أن نتذكر ان الأمية في ذلك الزمن كانت عالمية بسبب أن التعليم لم يكن شرطاً لكسب الرزق في عالم يتكون معظم سكانه من الفلاحين الذين لا يحتاجون التعليم في كسب معاشهم إذ أن ضرورة التعليم و الحصول على الشهادات ظاهرة حديثة لخدمة جهاز الدولة البيروقراطي و لكن هذا لم يكن يعني أن الناس قبل ذلك نائمون في بيوتهم لا يحسنون صنع شيء أو عاطلون عن العمل كما ينظر اليوم لمن لا يحمل شهادة.

و عند تفحص اقتصادنا في ذلك الزمن الذي وصف بالأمية نجد شيوع الحرف و الصناعات التي كانت تتطلب مهارات حسابية و علمية يمارسها أربابها دون تعليم و لا شهادات، نتخيل مثلاً الكويت التي كانت مجرد قرية نائية في أطراف الدولة العثمانية تصنع سفناً كبيرة تصل شرق آسيا و الهند و شرق إفريقيا، و يبنيها "القلاليف" الذين لم يحملوا أي شهادات علمية و ربما لا يعرفون القراءة و لا الكتابة، و لكنهم متخصصون و يقومون بتقسيم العمل بين تخصصات دقيقة لكل منها صانع ماهر خاص، و كل تجهيزات البيت الكويتي كانت من إنتاج محلي، و كان المجتمع العثماني عموماً مكتفياً ذاتياً في الغذاء و الصناعات الأساسية بما فيها صناعة الأسلحة و ظل كذلك إلى زمن متأخر رغم عدم شيوع القراءة و الكتابة، المجتمع العثماني رغم "أميته" قام بصناعات ضخمة و مشاريع كبيرة حتى و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة : سكك الحديد و التلغراف و مصانع الأسلحة و تجارب الغواصات و الطائرات، هذه حقائق و ليست خيالات[88].

نقارن مثلاً بوضعنا الآن حيث بلادنا تزخر بالشهادات و تطفح بها و لكن دون القدرة على صناعة قلم رصاص و لا إبرة حياكة رغم مظاهر الوفرة المادية التي ليس لنا أي نصيب في ابتكار شيء منها و تضطر أمتنا للتبعية لدول الغرب في احتياجاتها الأساسية حتى في الطعام رغم خصوبة أراضينا التي كانت مخازن للقمح في الماضي، و هل يصدق أحد اليوم أن بلدة صحراوية كالكويت كانت مكتفية ذاتياً في زراعة القمح ؟؟ ثم أصبحت كل بلادنا أسيرة للمساعدات و الصدقات الغربية التي تكبلنا و تمنعنا من الزراعة لنأكل، العبرة بالنتيجة و ليست بالقياسات الرقمية الجامدة.

و يهمني توضيح نقطة هنا و هي أن كلامي ليس انتصاراً للأمية بأي حال من الأحوال بل محاولة لفهم هذه الظاهرة في سياقها التاريخي عندما لم تكن شذوذاً عن العالم و لم تكن مؤثرة في مكانة بلادنا آنذاك أما فيما بعد فقد استدرك العثمانيون على أنفسهم و قاموا بخطوات جادة و حثيثة لنشر التعليم و لو كنا قد واصلنا بنفس الهمة لاختفت الأمية التي ما تزال منتشرة انتشاراً وبائياً يجعلنا في مؤخرة الأمم اليوم و لكنا قد استفدنا من العلم بطريقة أفضل من "تطفيش" حامليه إلى بلاد الغرب التي تتلقفهم بكل اهتمام بعدما نبذتهم بلادهم التي أنفقت على تعليمهم ! (دراسة: آثار التغريب الاجتماعي على المجتمع الإسلامي)

●مدى فاعلية بديل التبعية و التغريب في إدارة حياتنا

لا تستطيع مدرسة التغريب و التبعية العربية ادعاء أنها أقامت بديلاً مستقلاً قابلاً للحياة فضلاً عن نموذج نهضوي رغم الفرص الكبيرة التي حصلت عليها بعد سقوط الخلافة، فقد حكم أنصار التبعية، المتغربون و التقليديون، كثيراً من البلاد العربية بمساندة الدول الكبرى، و لم تؤد جميع "مزايا" الاختراعات الغربية و الاندماج بالغرب (التعليم و الصحة و المواصلات و زيادة السكان و التصنيع و الزراعة) إلى بناء بديل مستقل قادر على تحقيق مستوى مقبول من إطعام مواطنيه و كفاية حاجاتهم و الدفاع عنهم بإمكاناته الداخلية دون الاعتماد الكلي على الخارج:

1-فإما أن هذه المزايا سهلت حصول الغرب على ثرواتنا، كالمواصلات الحديثة لنقل مورد كالنفط أو الغاز الذي لا يفيد مالكيه إلا بتمويل ترف استهلاكي سطحي يعتمد على شراء مكثف من الأسواق الغربية، في الوقت الذي يحرك فيه النفط مصانع الغرب و اقتصاداته ثم تعود الفوائض المالية العربية إلى الخزائن الغربية أيضاً، و كزيادة الرقعة الزراعية لزراعة المواد الأولية لمصانع الغرب بدل إنتاج الطعام لنا، و ذلك في بلاد عربية يزيد اتصالها بالغرب عن الاتصال فيما بينها و لا تستطيع إطعام أنفسها أو كفاية حاجاتها أو الدفاع عن أنفسها،

2-أو أنها مزايا تحولت إلى أعباء على دولة التجزئة كزيادة عدد السكان الذين يعيش كثير منهم في الفقر و المرض و الجهل في وقت تؤلف كثرة السكان مصدر قوة للدول الكبرى،

3-أو أنها مزايا عجز النظام الرسمي عن الإفادة منها كالتعليم إذ لا يجد تصريفاً إلا في الأعمال الخدمية و المكتبية فيهاجر المتعلمون جاهزين إلى الغرب، أو التصنيع الذي ما زال يحبو و لم و لن يصل درجة تنافسية في زمن دخل العالم الثورة الصناعية الثالثة و نحن لم ننجز الأولى، و مع كثرة الشهادات العلمية التي يتباهى بها البعض على "جهل" و"أمية" العهد العثماني، فإننا اليوم لم نتمكن من صناعة إبرة الحياكة أو قلم الرصاص بهذه الشهادات، في الوقت الذي كان فيه المجتمع العثماني مكتف ذاتياً حتى مراحل متأخرة في الطعام و البضائع، و اليوم كلما رفعنا رأسنا قليلاً ضُربت نهضاتنا، و لا ننسى أن الاندماج بالنظام الغربي العالمي هو الذي يحمي بالقوة المسلحة الظروف السياسية للضعف و التجزئة و يمنع الخروج عليها و إيجاد بديل عنها و هو ما يجعل كل مزايا الحياة الحديثة سطحية و مستعارة و غير قائمة على أسس ذاتية قابلة للاستمرار لاسيما عندما تنضب الثروات الطبيعية في بلادها أو يوجد بديل عنها.

●الخلاصة و الاستنتاج

1-كان الاقتصاد القديم في أطراف بلادنا (كالكويت نموذجاً) عاملاً، مستقلاً، مكتفياً، و ليس فقيراً بل احتوى جوانب من الثراء و الفاعلية أهلت أصحابه للقيام بأدوار سياسية و عسكرية بارزة في زمنها، كالتصدي للمطامع الأجنبية و المشاركة في حملات الدولة العثمانية و دعم مجهودها ضد أعدائها.

2-كان هذا الاقتصاد يتطور حسب الحاجات المستجدة و يستند إلى الدعم من المجال الموحد الذي يظل بلادنا، و لم يكن وصف هذا الحال بالتخلف و الأمية منطبقاً عليه وفق شروط زمانه، و ليس من العدل وصف مجتمع مكتف ذاتياً وفق ظروف زمنه بالتخلف و وصف مجتمع آخر بالعلم لمجرد وفرة الشهادات التي لا تؤهله لصناعة قلم رصاص فقط.

3-أدى التدخل الأجنبي لحماية مصالح الغرب إلى وقف احتمالات النمو كالتي جسدتها التطورات المستمرة سواء التدريجية أو الطفرات كسكة حديد بغداد، و تم احتلال بلادنا تحت عناوين متباينة من الحماية إلى الاحتلال العسكري إلى الانتداب، و وضعت أقطارنا في مواجهة بعضها البعض لخدمة المصالح الأجنبية، و كانت تعين الأجنبي على الاحتلال الذي لم تكن أزمة 1990 هي الأولى فيه بل استمرار لظاهرة استخدام الأجنبي لتجزئتنا في احتلال هذا القطر أو ذاك.

4-أدى ظهور النفط إلى تكالب المصالح الاستعمارية من جهة و توقف النمو في الاقتصاد التقليدي من جهة أخرى و الانتقال إلى اقتصاد ريعي قائم على الإنفاق من الثروة الناضبة دون تحقيق أي نمو مستقل كان من المفترض تحقيقه بهذه الإمكانات المستجدة، فتراجع الاستقلال الاقتصادي و العمل الإنتاجي و التطور التدريجي و الاكتفاء الذاتي عما كان عليه الحال زمن الاقتصاد التقليدي.

 5-و أصبح هناك عقد غير مكتوب بين دولة التجزئة النفطية و الدول الكبرى تدفع بموجبه دولة التجزئة ثمن رفاهيتها من خيراتها مقابل ضمان الدول الكبرى لبقاء حدودها و أنظمتها، و لم يكن هناك سبب لدى الدول الاستعمارية للثورة على هذه المعادلة التي تغرق البلاد النفطية في بحبوحتها الظاهرية، فتحت تبرير قبول و رضا صاحب الثروة المتنعم بالاستهلاك المفرط، يذهب النفط لتسيير عجلة الاقتصاد الغربي المتطور، ثم ترجع عوائد الأسعار التي دفعت ثمناً له و كانت باهظة (أحياناً)، لسداد أثمان البضائع الاستهلاكية الأعلى سعراً بكثير، ثم تذهب الفوائض على شكل ودائع ضخمة في مصارف الغرب و استثماراته البليونية، فلماذا يغضب الغربيون من هذه الديمقراطية المريحة ؟

6-لم يقتصر الأمر على الإفادة الاقتصادية من موارد الدول الوظيفية و أموالها، فبعد زوال ظل الخلافة الإسلامية هيمن الغربيون على بلادنا و اتخذوها أدوات وظيفية استراتيجية ضد بعضها البعض لحماية المصالح الغربية في النفط و الكيان الصهيوني و ضرب القوى المعادية بالاحتلال و الحصار و التآمر و الحروب الاقتصادية، و كانت قيادات التجزئة العربية تقع في الفخاخ إما مدركة أو غافلة لتصبح حراباً في ظهور إخوتها، و كان الرابح من كل الأزمات التي نشبت بين هذه الأقطار هو المستعمر الأجنبي وحده و كنا نحن دائماً الطرف الخاسر حتى لو خدعتنا أوهام القوة و النصر.

7-لم يؤد نموذج التغريب الذي حكم بلادنا بعد زوال الخلافة برضا و دعم كاملين من المراكز الغربية أي إنجاز نهضوي حقيقي سوى الوفرة الاستهلاكية التي انتشرت في البلاد النفطية، و هي وفرة خادعة و غير قابلة للاستمرار، كما تحولت الإنجازات إلى خدمة المصالح الأجنبية و أصبحت الإمكانات كالوفرة السكانية عبئاً، و النفط نقمة على بلادنا.

8-ليس الهدف من إيراد هذه الحقائق الدعوة إلى العودة إلى الغوص على اللؤلؤ و الاعتماد على فرش الحصير، بل دق ناقوس الخطر من التقصير في استغلال الطاقات النفطية الهائلة في تطوير الاقتصاد المحلي الذي تمكن فيه أجدادنا من إنجاز الكثير من القليل جداً من الموارد و كان من المفترض أن تزيد هذه الإنجازات بالإمكانات المستجدة لا أن يتراجع الاكتفاء و العمل و الاستقلال و الكد فيكون المرء معتمداً على ذاته و قوياً و هو طفل فلما أصبح راشداً صار عالة و كسولاً و أداة بيد الأجنبي، و إن الانخفاض الحاد في أسعار النفط و ما صاحبه من عجز في الميزانيات لنذير بما ينتظر بلادنا لو استمر هذا الشكل من الاقتصاد الريعي.

9-الخروج من هذا النفق يقتضي تغيير المعادلة السائدة من أساسها، فدولة التجزئة غير قادرة على مواجهة الهيمنة الاستعمارية التي تديم هذا الاستغلال، و ليست قادرة أيضاً على توظيف إمكانات بلادنا بما يحقق نهوضها، إذ ليس لديها مستلزمات هذا التوظيف الأمثل سواء نتيجة عجز قرارها السياسي المرتبط بالضمانات الأجنبية التي يحتاج إليها أو نتيجة صغر مساحاتها التي لا تؤهلها لتوفير أي أسواق عريضة لازمة لصناعات ناجحة، و توفير المستلزمات المذكورة يقتضي اندماج بلادنا في صيغة وحدوية تثور على الهيمنة الخارجية و الاستبداد الداخلي العميل دفعة واحدة.

10-من الواضح أن شن الحرب على أحد هذين القرينين غير ممكن بالاستناد إلى قرينه، فلن يثور الاستبداد على الاستعمار الذي يضمن وجوده، و لن يتخلى الاستعمار عن الاستبداد لأنه يعلم أن الجماهير لن ترضى به يوماً لأن الحقائق الموضوعية تؤكد تناقض المصالح و لن يمكن خداع كل الناس في المشرق إلى الأبد و إيهامهم أن الغرب هو منقذهم.

●الهوامش

[1]- سيف مرزوق الشملان، من تاريخ الكويت، ذات السلاسل، الكويت، 1986، ص 137.

[1]-محمد شعبان صوان ، السلطان والمنزل : الحياة الاقتصادية في آخر أيام الخلافة العثمانية ومقاومتها لتمدد الرأسمالية الغربية، دار الروافد الثقافية، بيروت، ودار ابن النديم، الجزائر، 2013، ص 17.

-أندريه ريمون، المدن العربية الكبرى في العصر العثماني، دار الفكر لدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، 1991، ترجمة: لطيف فرج، ص 200-201.

[1]-محمد شعبان صوان، معضلة التنمية الاستعمارية: نظرات في دعاوى إيجابيات الاستعمار، دار الروافد الثقافية، بيروت، ودار ابن النديم، الجزائر، 2015، ص 157-184.

[1]-بيتر مانسفيلد، تاريخ الشرق الأوسط، النايا للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2011، ترجمة: أدهم وهيب مطر، ص 325.

[1]-مريم جويس، الكويت 1945-1996: رؤية إنجليزية-أمريكية، دار أمواج، بيروت، 2001 ، ترجمة: مفيد عبدوني، ص 119 و 124.

[1]-نفس المرجع، ص 166.

[1]-جان جاك بيربي، جزيرة العرب، دار الآفاق العربية، القاهرة، 2001، ترجمة: نجدة هاجر وسعيد الغر (1960)، ص 252-269.

[1]-الدكتور علي محافظة، بريطانيا والوحدة العربية 1945-2005، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011، ص 15 و 220-232.

[1]-مريم جويس، ص 83.

[1]-نفس المرجع، ص 139 و 143و 146 و 151 و 168.

[1]-الدكتور حسن علي الإبراهيم ، الكويت: دراسة سياسية، مؤسسة دار العلوم، الكويت، 1980 ، ص 143 .

[1] -نفس المرجع السابق ، ص 157 .

[1] -مريم جويس ، ص 178 .

[1] -صحيفة الوطن الكويتية 11/8/2011 ، ص 22 .

[1] -صحيفة الوطن الكويتية 2/11/2010 ، ص 22 .

[1] -صحيفة الرأي الكويتية ، 19/3/2011 ، ص 7 .

[1] -صحيفة الوطن الكويتية ، 1/12/2011.

[1]- http://seifnews.com/last/index.php/news/kuwait/77532

[1] -صحيفة الرأي الكويتية ، 9/10/2009 .

[1] -وكالة الأنباء الكويتية ، 19/12/2006 .

[1]- http://seifnews.com/last/index.php/news/kuwait/77532

[1]-محمد حسنين هيكل ، حرب الخليج: أوهام القوة والنصر، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1992 ، ص 275 .

[1]-حمدان حمدان ، الخليج بيننا: قطرة نفط بقطرة دم، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، 1993 ، ص 193 .

   -الدكتور علي محافظة، ص 21 و 425.

   -رغيد الصلح، حربا بريطانيا والعراق 1941-1991، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1997، ص 342-346 و 352-353 و 393.

   -مريم جويس، ص 212.

[1] -وثائق سرية بريطانية : التآمر على بغداد يبدأ قبل 18 شهراً من الاحتلال، 2011 .

   - http://www.darbabl.net/akhbarshow.php?id=1905

[1] -محمد شعبان صوان، 2013، ص 283-286.

[1]-رغيد الصلح، ص 94-95.

[1]-نفس المرجع، ص 149-151.

     -وليد حمدي الأعظمي، الكويت في الوثائق البريطانية 1752-1960، رياض الريس للكتب والنشر، قبرص ولندن، 1991، ص 144-149.

[1]-الدكتور علي محافظة، ص 13 و 172 .

     -رغيد الصلح، ص 312-313.

     -مؤيد الونداني، الاتحاد العربي في الوثائق البريطانية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2013، ص 45-53 (مقدمة الدكتور سيار الجميل) وص 124-128.

[1]-الدكتور علي محافظة، ص 195.

[1] -مؤيد الونداني، ص 65.

[1]-دوجلاس ليتل، الاستشراق الأمريكي: الولايات المتحدة والشرق الأوسط منذ 1945، المركز القومي للترجمة، 2009، ترجمة: طلعت الشايب، ص 251 و 350-351.

     -مريم جويس، ص 151 و 172.

[1]-رغيد الصلح، ص 344.

[1]-الدكتور علي محافظة، ص 178 و 369-370.

     -رغيد الصلح، 396-398.

[1]-عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق، القاهرة، 1999، ج 1 ص 373.

[1]-عبد الوهاب المسيري، الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذج تفسيري جديد، دار الشروق، القاهرة،2002، ص 92.

[1]-رغيد الصلح، ص 235.

[1]-الشيخ عبد العزيز الرشيد، تاريخ الكويت، دار قرطاس، الكويت، 1999،  ص 225-226.

[1]-سيف مرزوق الشملان، ص 130.

[1]-نفس المرجع، ص 181 و 184.

[1]-عادل محمد العبد المغني، الاقتصاد الكويتي القديم، مطابع القبس التجارية، الكويت، 1987، ص 154 و173.

[1]-د. يعقوب يوسف الحجي، الكويت القديمة: صور وذكريات، مركز البحوث والدراسات الكويتية، الكويت، 2001، ص 188.

[1]-سيف مرزوق الشملان، ص 184.

[1]-د. يعقوب يوسف الحجي، ص 101.

[1]-صحيفة الوطن الكويتية 17/2/2008 ص 26.

[1]-وليام فيسي وجيليان غرانت، الكويت في عيون أوائل المصورين، مركز لندن للدراسات العربية، لندن، 1998، ترجمة: أشرف إبراهيم، ص 13.

[1]-وليد حمدي الأعظمي، ص 93-96.

[1]-نفس المرجع، ص 99-102.

     -زين نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، دار النهار للنشر، 1977، ص 209.

[1]-سيف مرزوق الشملان، ص 170-175.

[1]- Salwa Al-Ghanim, The Reign of Mubarak Al-Sabah Shaikh of Kuwait 1896-1915, I.B. Tauris, London, 1998, p. 197

[1]- قام الباحث الهولندي بن سلوت بالرد على الدكتورة سلوى بالتخفيف من وطأة خطوة الشيخ مبارك في كتابه "مبارك الصباح مؤسس الكويت الحديثة1896-1915 م" ، مدعياً أن ليس هناك شيء غير عادي فيها وليس هناك إشارات حقيقية تدل على أن حكومة الهند كانت مرتاعة، والحقيقة أن أحكام سلوت وتقويماته يجب ألا تؤخذ على محمل الجد لأن كتابه كله مسخّر لخدمة هدف مسبق هو تفخيم شخصية الشيخ وتكبير إنجازاته ومحاولة إثبات الاستقلال الكامل لحكمه عن الدولة العثمانية أكثر مما تعرضه الأدلة الموضوعية ولهذا لم يكن يتحرج من اللجوء إلى إنكار المحسوسات في سبيل إثبات رأيه المسبق مثل ادعائه الغريب بأن الأتراك نسوا عند ادعائهم تبعية الكويت للدولة العثمانية أن "الكتاب الرسمي السنوي العثماني لم يذكر أي قائم مقام للكويت"ص472 وهذا خطأ فادح إن لم يكن كذباً صريحاً وقد رد عليه الباحث الكويتي الأستاذ طلال سعد الرميضي من واقع الكتاب الرسمي العثماني السنوي (السالنامة) الخاص بولاية البصرة لسنوات عديدة حيث ذُكر الكثير منهم (الكويت والخليج العربي في السالنامة العثمانية، 2009، ص85)، كما ادعى سلوت بأن"الحجر الصحي أمر دولي وليس له علاقة بالدولة العثمانية" ص121 وهو ادعاء تكذبه الوثائق البريطانية التي عاصرت الأحداث والتي تؤكد أن مكتب الحجر الصحي العثماني من أدلة السيادة العثمانية ولهذا كانت بريطانيا ترفض إقامته في البلاد التي تطمع فيها كالبحرين وقطر كما كانت الدولة العثمانية تعين مسئول الحجر الصحي حيث تريد إثبات سيادتها كالكويت (دليل الخليج القسم التاريخي، ط قطر، ج3 ص1256 و1406و1526-1527) ،وشكك سلوت أيضا فيما أجمعت عليه المراجع التاريخية المختصة -ومنها البريطانية التي عاصرت الأحداث كدليل الخليج- وهو صدور إرادة سلطانية رسمية بتعيين الشيخ مبارك قائم مقام على الكويت، ص171، ويحصر الدليل الذي يشكك فيه في مؤلف واحد نقل عن والي البصرة فقط، ويتجاهل سلوت أن الأمر أذيع في المنطقة ورد عليه أهل الكويت ببرقية للباب العالي تشكر أمير المؤمنين "بما عهد به إلى الشيخ مبارك الصباح ومن منصب القائمقامية وبذلك وله الحمد حلت الراحة العمومية في الكويت وأنحائها" ص67 من كتاب "بيان الكويت: سيرة حياة الشيخ مبارك الصباح" للدكتور سلطان القاسمي ط الشارقة 2004،كما ينكر سلوت المحسوس الذي نقلته المصادر الكويتية من ميل الكويتيين في الحرب الكبرى الأولى (1914-1918) إلى جانب العثمانيين ورفضهم القتال إلى جانب الإنجليز وحليفهم الشيخ خزعل أمير المحمرة رغم أوامر الشيخ مبارك وهو ما ينقله سلوت بإبهام غير علمي (ص523) يخالف ما جاء مثلاً من وضوح في كتاب "من تاريخ الكويت" للأستاذ سيف مرزوق الشملان الذي نقل"عصيان الكويتيين وعدم امتثالهم" لأوامر الشيخ الذي "غضب غضباً شديداً" وطلب منهم السير "وعصوا، وقالوا: نموت على الإسلام ولا نموت على الكفر" ، "فكيف يقاتلون إخوانهم في الدين لأجل الشيخ خزعل خان وكيف يشتركون في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل " (ص170-175) من ط ذات السلاسل في الكويت 1986،بل يجرؤ سلوت على الادعاء بعكس الحقيقة فيحاول إثبات موالاة الكويتيين لبريطانيا استناداً لتقارير بريطانية ربما لم يكن ليحفل بها لو قالت العكس كما فعل في مسائل أخرى، وهكذا يسير الكاتب بهذا الطريق الوعر الذي أوصله لمحاولة تربيع الدائرة أي إثبات الاستقلالية الكاملة لشخصية كتابه حتى عن بريطانيا (ص532- 533 مثلاً) رغم اتفاقية 1899 التي جعلت الشيخ مقيداً بقيود عديدة أوضح من الشمس في رابعة النهار (لا يبيع ولا يؤجر ولا يرهن ولا يفوض ولا ينقل ولا يعطي ولا يقبل...بغير رخصة الدولة البهية القيصرية الإنكليس...ويقيد نفسه وورثته وأخلافه إلى الأبد) حتى أن الكويتيين أنفسهم يحتفلون سنوياً بذكرى خلاصهم الرسمي من هذه المعاهدة ويسمون اليوم بعيد الاستقلال، فأي استقلال يريد المؤلف إثباته في ظل تلك المعاهدة التي كان الاستقلال في الخلاص منها؟ ولا يمكن حصر تجاوزات الكتاب في مقام ضيق كهذا والخلاصة أن أحكام سلوت في كتابه غير موثقة ولا يجب الاستناد إليها لأنها تلوي أعناق الأدلة لإثبات رأي مسبق.

[1]- Jonathan S. McMurray, Distant Ties: Germany, the Ottoman Empire, and the Construction of the Baghdad Railway, Praeger, London, 2001, p. 124.

[1]-محمود شاكر، موسوعة تاريخ الخليج العربي، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمّان، 2015، ج 2 ص 559-561.

[1]-نفس المرجع، ج 2 ص 561.

[1]-سيف مرزوق الشملان، ص 181-182.

[1] -نفس المرجع، ص 184-185.

[1]-الدكتورة نجاة عبد القادر الجاسم، التطور السياسي والاقتصادي للكويت بين الحربين (1914-1939)، الكويت، 1997، ص 92.

[1]-سيف مرزوق الشملان، ص 185.

[1] -الدكتورة نجاة عبد القادر الجاسم، ص 92.

[1]-سيف مرزوق الشملان، ص 185.

[1]-رغيد الصلح، ص 149.

[1]-نفس المرجع، ص 150.

[1]-الدكتورة نجاة عبد القادر الجاسم، ص 162 و 172 و 177 و 179.

[1]-جان جاك بيربي، ص 266.

[1]-الدكتورة نجاة عبد القادر الجاسم، ص 180.

[1]-جان جاك بيربي، ص 266.

[1] -الدكتورة نجاة عبد القادر الجاسم، ص 180-181.

[1]-مؤيد الونداني، ص 125 و 678-682.

[1]-نفس المرجع، ص 65.

[1]-وليام فيسي وجيليان غرانت، ص114.

[1]-فؤاد مطر (سلسلة أعماله الشاملة)، الخميني وصدام: القرار الصعب والخيار الأصعب، الدار العربية للعلوم-ناشرون، بيروت، 2007، ص 229-230.

[1]-رغيد الصلح، ص 332.

[1]-الدكتور سامي عصاصة، هل انتهت حرب الخليج: دراسة جدلية في تناقضات الصراع، مكتبة بيسان، بيروت، 1994، ص 144.

[1] -الدكتور علي محافظة، ص 357-359.

[1]- http://www.arabrenewal.info/2010-06-11-14-22-29/29936-في-ذكرى-ضياع-فرصة-مصالحة-ذهبية-إلى-متى-سنصغي-إلى-الأجنبي؟.html

[1]-صحيفة "الدستور" الأردنية: طالباني: أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل والنفط (25/12/2008)

http://www.addustour.com/15249/%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A:%20%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7%20%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%84%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%20%D9%85%D9%86%20%D8%A3%D8%AC%D9%84%20%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7.html

-صحيفة "النهار" الكويتية: طالباني: أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل والنفط (25/12/2008)

http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=113373

[1] -الرأي نيوز، طالباني يعترف: "أنا أول الفاشلين" (30/4/2011)

[1]-جيف سيمونز، 1998، ص 29.

[1]-الدكتور علي محافظة، ص 370.

     -رغيد الصلح، ص 353-355.

[1]-الدكتور علي محافظة، ص 119 و120-121.

     -دوجلاس ليتل، ص 354-366.

     -دكتور حسن صبري الخولي، سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، دار المعارف بمصر، 1973، ج 1 ص 641.

[1] -أحمد الشقيري،الأعمال الكاملة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006، ج 4 (الكتب والدراسات القومية-2)  ص 3243 – 3244 (الجامعة العربية كيف تكون جامعة وكيف تصبح عربية ص 231-232).

[1]-الدكتور علي محافظة، ص 218.

[1]- http://www.arabrenewal.info/2010-06-11-14-13-03/49400-من-تاريخ-اليسار-العربي-وسياساته-اليمينية-(1).html

[1]-مريم جويس، ص 151 و154 و 184.

[1]-نفس المرجع، ص 69 و 197 و 201.

[1] -نفس المرجع، ص 163.

[1]- وليام فيسي وجيليان غرانت، ص 13.

     -بيتر مانسفيلد، 325.

[1]-دانييل يرغن، الجائزة: ملحمة البحث عن النفط والمال والسلطة من بابل إلى بوش، دار التكوين للنشر والتوزيع، دمشق، 2004، ترجمة: حسام الدين خضور، ص 6-7 و 939-941.

[1]-محمد شعبان صوان ، 2013، ص 79-84 و 127-230.


قراءة 2082 مرات آخر تعديل على الجمعة, 22 تموز/يوليو 2016 06:36

أضف تعليق


كود امني
تحديث