قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الثلاثاء, 10 كانون2/يناير 2017 10:59

الصعود التركي في آسيا الوسطى الواقع والآمال

كتبه  الأستاذ محمد الأمين مقراوي الوغليسي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

عندما سقطت دول آسيا الوسطى في قبضة الاحتلال الروسي سقطت الخلافة العثمانية، فقد كانت هذه المنطقة الواسعة، الحديقة الخلفية للخلافةالعثمانية، و كانت تمثل خزانا بشريا هاما للجيوش العثمانية، و حائط سد منيع ضد الأطماع الروسية، فما هي أهمية دول آسيا الوسطى بالنسبة لتركيا ؟ و ماذا يمكن أن يقدم الأتراك لآسيا الوسطى في ظل الصعود التركي المشهود ؟ سنحاول في هذه المقالة التعريج على عديد القضايا التي تمكننا من رسم صورة واضحة لمستقبل الصعود لتركي في آسيا الوسطى.

مدخل تاريخي عام:

تعرف آسيا الوسطى عند العرب تاريخيا بمنطقة "تركستان الكبرى"، و أيضا "بلاد ما وراء النّهر"، و "منطقة توران"، و قد دخلها الإسلام فعليا عام 86هـ، و استمرت الفتوحات بها إلى سنة97هـ.

كانت هذه المنطقة تعيش حياة مزدهرة، و عرفت تطوّرا عمرانيا مشهودا، بعد دخول الإسلام إليها، حتّى أصبحت منارة علمية، و مركز إشعاع حضاري امتد نفعه إلى باقي العالم، و يحفظ التاريخ لنا أسماء حواضر خالدة مثل : طشقند و بخارى و سمرقند و مرو، خيوة، كمدن و مراكز حضارية لعبت دورا هامّا في تطور الحضارة الإسلامية، و يكفي أن نذكر أنّ هذه المنطقة المغيّبة قد أنجبت للأمّة الإسلامية ثلة خالدة من العلماء و الفقهاء و الأطباء و علماء في مختلف المجالات، نذكر منهم على سبيل المثال : الإمام البخاري، و الغزالي و النّسائي و الترمذي، و الخوارزمي، و السّرخسي و السّمعاني، و الدبوسي، و الفارابي، و ابن سينا، و البيروني، و غيرهم. و نشير هنا إلى أنّ اللغة العربية كانت لغة المسلمين، و لغة الثقافة و العلم و الأدب و التخاطب، و من أسباب إبداع هذه الأرض المسلمة و أبنائها.

جغرافية آسيا الوسطى:

تتمتع منطقة آسيا الوسطى بموقع استراتيجي و حيوي هام، فهي تقع بين روسيا و الصين، و أفغانستان و إيران، و قريبة من تركيا، كما أنها محل اهتمام القوى العالمية و الإقليمية الأخرى مثل أميركا، روسيا، الصين، إيران، و الهند.

الموارد الطبيعية لآسيا الوسطى:

تتمتع دول آسيا الوسطى بثروات طاقوية هائلة، إذ يبلغ حجم الغاز الطبيعي فيها 34% من الاحتياطي العالمي، أمّا النّفط فتبلغ احتياطاته 27% من الاحتياط العالمي، بالإضافة إلى ثروات ضخمة من المياه العذبة و الباطنية، و احتياطات هائلة من المعادن و القطن و الفحم ما يجعلها أحد أغنى مناطق العالم بامتياز.

كما تملك قاعدة صناعية ثقيلة و استراتيجية ضخمة، خاصةّ أنّ هذه الأرض كانت قطبا زراعيا و صناعيا هامّا أيام السوفيات، مع وجود قاعدة علمية جد هامّة، حيث كانت هذه المنطقة ملتحمة في الصناعات مع الأيادي و العقول الصناعية و التقنية السوفييتية، و لا زالت تتوفر على كتلة هائلة من العلماء في مختلف المجالات، ممن استقروا فيها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، مع تميزها أيضا بمعدل عمر شبابي عالٍ.

هوية آسيا الوسطى:

تعتبر اللغة التركية اللغة الأم لخمس دول من دول آسيا الوسطى، و هي: كازخستان، أذربيجان، و أوزباكستان، قيرغيزستان، تركمانستان، ما عدا طاجكستان التي تتحدث الفارسية، كما تتشابه العادات و التقاليد في هذه الدول مع نظيرتها في تركيا، مع وجود رابط أقوى و هو الدين الإسلامي، الذي يوحد بين مشاعر شعوب هذه المنطقة و الشعب التركي.

تركيا و عناصر القوة:

تمتلك تركيا كل عناصر الصعود الإقليمي، فمن الناحية الجغرافية تتربع تركيا مساحة قدرها 780.580 كلم2،  أمّا من الناحية الديمغرافية فيبلع عدد سكانها حسب آخر إحصاء رسمي حوالي 75 مليون نسمة، أما من الناحية الاقتصادية فقد قفزت إلى المرتبة السابعة عالميا، بدخل قومي قدره 900 مليار دولار، كما تملك موارد طبيعية هامة، و تنوعا في التضاريس، بالإضافة إلى تمكنها من الحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي يضم 25 عرقية، و عقيدة و هوية و مهارات و موارد طبيعية.

تركيا و البعد الاستراتيجي:

لم يكن لتركيا بعد استراتيجي قبل مجيء حزب العدالة و التنمية، ما أسهم في غياب تركيا عن آسيا الوسطى و غيرها، و يرجع الدكتور معروف البخيت سبب ذلك إلى: " تشتت عناصر القوة في الدولة فقد كانت السياسات التركية في تلك المرحلة في مواجهة القضايا الداخلية و الاقليمية و الدولية، حيث تشتت بين سياسة إدارة التنوع، أو سياسة إدارة المتناقضات"، و هذا ما يفسر تأخر ظهور استراتيجية تركية في دول آسيا الوسطى، التي شكلت عبر التاريخ العمق الاستراتيجي لها.

آسيا الوسطى و الغياب التركي:

انفصلت هذه المنطقة مبكرا عن الخلافة العثمانية، ما جعلها ترزح طويلا تحت السيطرة الروسية، التي أزاحت الإسلام من المشهد الحياتي في هذه الدول، و نشرت الشيوعية المتوحشة، و حاربت كل الحركات التي حاولت استرجاع هوية المنطقة، الأمر الذي جعل الأتراك يبتعدون عن الاقتراب من تركستان الكبرى -آسيا الوسطى- تفاديا للصدام مع الروس، الذين يعتبرونها حديقة خلفية كبرى لهم، و منطقة حيوية لمصالحهم.

واقع تركيا و آسيا الوسطى ما بعد الاتحاد السوفياتي:

بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، و إعلان دول آسيا الوسطى استقلالها رسميا، حاول الأتراك إعادة الارتباط بهذه المنطقة، فظهرت الكثير من المبادرات و المشاريع، حيث جاء في تقرير لوزارة الخارجية التركية بعض تفاصيل هذه العودة : "لقد أصبحت تركيا رائدة لـ "قمم قادة الدول الناطقة بالتركية" التي بدأت بالانعقاد منذ عام 1992 و لغاية الآن، و ذلك من أجل زيادة التضامن بين الدول الناطقة بالتركية، و خلق فرص تعاون جديدة بينها. و قد اكتسبت عملية تنظيم هذه القمم بنية مؤسساتية بالتوقيع على اتفاقية ناهتشيفان، المتعلقة بتأسيس مجلس تعاون بين الدول الناطقة بالتركية، و التي تم التوقيع عليها بتاريخ 3 تشرين الأول 2009. و قد تأسس المجلس المذكور في القمة العاشرة لقادة الدول الناطقة بالتركية، التي عقدت في إسطنبول في شهر أيلول 2010، حيث أقيم مقر الأمانة العامة للمجلس في إسطنبول، و باشر السفير المتقاعد خالد أكينجي مهامه أمينا عاما للمجلس.

كما تطورت العلاقات التركية مع جمهوريات آسيا الوسطى بشكل سريع، و قطعت أشواطا متقدمة على صعيد العلاقات التجارية و النقل و الاتصالات. و قد بلغت قيمة القرض الذي منحته تركيا لدول المنطقة عبر مصرف أكسيم بنكحوالي 1 مليار دولار أمريكي. كما تم إنشاء رئاسة إدارة التعاون و التنمية التركية(تيكا)من أجل تقديم المساعدات التقنية لجمهوريات آسيا الوسطى.

و من ناحية أخرى، وصل حجم التبادل التجاري بين تركيا و دول المنطقة إلى حدود 6.5 مليار دولار أمريكي، و تجاوز مجموع استثمارات الشركات التركية في المنطقة 4.7 مليار دولار أمريكي في عام 2010. أما قيمة المشاريع التي نفذتها شركات التعهدات التركية في المنطقة فقد وصلت إلى حدود 30 مليار دولار أمريكي، و هناك حوالي 2000 شركة تركية تعمل في المنطقة.

كما تطورت العلاقات في المجالات الثقافية و التعليمية بشكل متسارع. ففي عام 1993 تم إنشاء منظمة الثقافة التركية الدولية توركصوي.

 و قد قامت تركيا أيضا بتنفيذ برنامج منح شامل لطلاب دول آسيا الوسطى تحت عنوان "مشروع الطلاب الكبير". و توجد مدارس تركية تتبع لوزارات التربية الوطنية في جمهوريات آسيا الوسطى، تقوم مؤسسات خاصة بتشغيلها. و توجد في مدينة تركستان القرغيزية جامعة الشيخ أحمد ياساوي الدولية التركية القرغيزية، و توجد في العاصمة القرغيزية بيشكاك جامعة ماناس التركية القرغيزية".

و يبين هذا التقرير حجم الدور التركي في هذه المنطقة رغم العوائق الكثيرة، و من جهة أخرى يثبت التقرير قابلية إعادة ربط تركيا بآسيا الوسطى، من خلال مضاعفة التواجد المؤسساتي الرسمي و الاقتصادي و المالي و الثقافي في هذه المنطقة، و رفع الدعم المقدم لها، بصورة تسمح بمشاهدة صعود تركي في المنطقة.

ماذا يمكن لآسيا الوسطى أن تقدم لتركيا؟

يمكن لتركيا الاستفادة من علاقاتها مع آسيا الوسطى في عدة مجالات، لكن أهم مجال يمكن أن تستفيد منه تركيا هو بلا شك مجال الطاقة، بسبب معاناتها من تبعيتها لروسيا في مجال الطاقة،  و قد بينت الأزمة التي نشبت بين تركيا و روسيا شتاء 2015، ذلك بوضوح، حيث تستورد تركيا 60 بالمئة من الغاز و النفط من روسيا؛ لذلك فإن تركيا قد تجد الحل النهائي الذي يخلصها من التبعية الطاقوية لروسيا، من خلال الاستفادة من  الطاقة التي تزخر بها دول آسيا الوسطى، فأذربيجان على سبيل المثال قادرة على جعل تركيا مستقلة عن روسيا في هذا القطاع، و قد أدرك الأتراك ذلك، و سارعوا إلى إنشاء  مشروع (تاناب) و مشروع (تاب) الذي يتوقع أن يتم  في عام 2018، الذي "سيضع تركيا في موقع استراتيجي مهم إقليميًا لتوزيع الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، حيث سيوصل الغاز من أذربيجان مارًا بتركيا إلى اليونان و بلغاريا ليصل إلى أوروبا بتكلفة تقدر بـ 45 -47 مليار دولار، و من المتوقع أن تبدأ إمدادات الغاز الأذري إلى أوروبا عام 2020 بحجم 10 مليارات متر مكعب و 6 مليار متر مكعب إلى مناطق غرب ما يجعل إمكانيات".

إنّ التحرر التركي على صعيد قطاع الطاقة، سوف يساهم في جعل تركيا أكثر قوة و حرية في إدارة عديد الملفات الدولية، بعد أن تكون قد تخلصت من أوراق ابتزاز ظلّت تشكل سلاحا استراتيجيا في يد أعدائها.

إن الصعود التركي لا يمكن أن يتحقق بالصورة المأمولة و يصل إلى العالمية، إلا من خلال الالتحام مع عمقها الاستراتيجي في آسيا الوسطى، تقول الباحثة حنان أبو سكين: "إنّ أهمية منطقة آسيا الوسطى تكمن باعتبارها تمثل المتغير الجيو ــ سياسي اللازم الذي يمثل مفتاح السيطرة على العالم، فالتمركز في آسيا الوسطى يتيح الإطلالة الأكثر سهولة و الأقل تكلفة نحو العمق الحيوي الروسي باتجاه الشمال، و العمق الحيوي الصيني باتجاه الجنوب الشرقي، علاوة على العمق الحيوي لشبه القارة الهندية باتجاه الجنوب و العمق الحيوي الإيراني باتجاه الجنوب الغربي، و العمق الحيوي لكامل منطقة بحر قزوين باتجاه الغرب، علاوة على أن السيطرة على موارد آسيا الوسطى تتيح التحكم في إمدادات النفط و الغاز و المعادن و الموارد الزراعية إلى روسيا و الصين و شبه القارة الهندية و دول الاتحاد الأوروبي. و السيطرة على ممرات آسيا الوسطى تتيح السيطرة على الممرات البرية و الجوية التي تربط بين شبه القارة الهندية و روسيا و الصين".

 المخاطر التي تواجه الصعود التركي في آسيا الوسطى:

صحيح أن أداء المؤسسات التركية الداعمة لدول آسيا الوسطى لم يكن في المستوى المأمول، غير أنّ هذا لا يعد السبب الوحيد لبطء ميلاد مفهوم استراتيجي موحد بين تركيا و دول آسيا الوسطى، فهناك أسباب أخرى هامة جدا و خطيرة تشكل عوائق في التقدم التركي بالمنطقة، نذكر منها:

-الخوف الذي تبديه هذه الدول من الدور التركي، إذ تعتقد أن تركيا تحاول ممارسة الوصاية عليها باسم الأخ الكبير، خاصة في ظل حزب العدالة و التنمية.

-وجود تنافس دولي كبير على المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، و ازداد بعد أحداث 11 من شهر سبتمبر2001م، فالصراع بين روسيا و أمريكا على الثروات الطاقوية فيها معروف، دون أن ننسى الصين التي تتابع باهتمام و حرص بالغ تطورات التنافس الدولي على المنطقة.

-كما نجد في دائرة الحريصين على الاستفادة من المنطقة إيران، التي تسعى للسيطرة عليها من بوابة بحر قزوين، و من بوابة فارسية طاجكستان، على مشاريع الطاقة، و هنا نذكر ما حدث بين تركيا و أذربيجان في أواخر القرن العشرين، عندما اقتربت تركيا من دول آسيا الوسطى –أشرنا إليه سابقا- اعتبرت إيران ذلك تهديدا لها و لمصالحها، بل إن الإيرانيين اعتبروا ما تقوم به تركيا تهديدا وجوديا للثقافة الفارسية في طاجكستان و غيرها؛ لذلك يظلّ التهديد الإيراني قويا، و سترفض إيران أي تقارب بين تركيا و دول تركمانستان الكبرى.

-تعود جذور الحكام المسيطرين على آسيا الوسطى إلى الحقبة الشيوعية، و قد عرفوا بعدائهم الشديد للإسلام؛ لهذا أعلنوا صراحة رفضهم عودة الإسلام و الثقافة الإسلامية إلى شعوبهم، يقول رئيس قيرغيزيا السابق كرمان بك باكييف -تم خلعه في انقلاب2010م-: "إنني ضد التعصب، و هناك احتمال أن تصبح جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية دولاً إسلامية، و أتعهد بأن لا يحدث ذلك"، و قال رئيس كازاخستان سلطان نزارباييف: "نريد تطبيق نظام السوق الحر، و النموذج الوحيد الذي أمامنا هو النموذج التركي، و لا أعتقد أن الإسلام له فرص كبيرة، و إن علمانية تركيا تمثل نموذجا لنا"، أما الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف -توفي قبل أسابيع- فقد صرّح بعدوانه للإسلام كعادته: "إنني أعلن أمام العالم بأسره أنّ بلادي سوف تسير قدما في الطريق التركي و لن نحيد عنه"، فالنّخب السياسية الحاكمة في تركستان الكبرى تصرح بشكل علني عداوتها لكل المشاريع الإسلامية التي تريد إعادة الإسلام لشعوب المنطقة، و يصرون على استحضار النموذج الأتاتوركي؛ لذلك تبقى هذه النخب أكبر عقبة في وجه الصعود التركي بالمنطقة في ظل قيادة حزب العدالة و التنمية.

-تعاني دول آسيا الوسطى من فراغ روحي كبير، فعندما استقلت جمهوريات آسيا الوسطى عن الاتحاد السوفيتي عام 1991م، اصطدمت بعوامل أيديولوجية معقدة أعاقتها عن مسيرة النهوض الحضاري، منها : التركة السوفيتية الشيوعية الشمولية و منظومتها، الصراع الهويّاتي و العرقي و الاثني بين القومية التركية و القومية الفارسية، و ضعف الحركة الإسلامية.

-الضعف الاقتصادي لآسيا الوسطى أحد أكبر معوقات التكامل بين تركيا و آسيا الوسطى، فقطاع الصناعة يعاني من الترهل و التخلف، و الصناعات الثقيلة ورثت عن السوفيات عدم الجودة، أما الجانب الزراعي فيبقى بعيدا جدا عن المأمول، أما الجانب المالي فيعاني من النهب و التبذير، بسبب سيطرة النخب الحاكمة و أفرادها على الموارد المالية و عوائد تجارة النفط، و عدم تسخيرها لبناء اقتصاد قوي، كما أن النخب الحاكمة بسياساتها المرتبطة بروسيا تطرد كل فرص الاستثمارات، و اعتمادها على بعض الموارد كمورد أحادي مثل النفط و القطن.

-الرفض الروسي القاطع لرؤية تركيا تلعب دوراي هذه المنطقة، و نذكر هنا ما قاله بوتين عن تركيا في نوفمبر2015م، عن اتهامه أردوغان بمحاولة أسلمة تركيا، فكيف يقبل بأسلمة آسيا الوسطى؛ لأجل ذلك  رفضت روسيا رفضا واضحا دخول آسيا الوسطى في معاهدات و تحالفات إقليمية و عالمية تشكل تهديدا لروسيا حسب تفسيرات الروس؛ لأجل ذلك قامت روسيا بعقد معاهدات ثنائية تحكمت بواسطتها في خيرات المنطقة، فمثلا لا يمكن لهذه الدول أن تبيع مواردها الطاقوية من خلال صفقات كبرى إلا بموافقة روسيا، كما تريد تأمين و ضمان تحكمها في نفط و غاز بحر قزوين، و صد الزحف الغربي نحو الطاقة في آسيا الوسطى؛ لإفشال الخطة الغربية التي تريد تأمين الطاقة لأوروبا و فكها من التبعية لروسيا، و نفس الأمر بالنسبة لتركيا، فالروس يرفضون التمدد التركي البطيء في المنطقة و حتى على الحدود مع إيران حليفة روسيا.

-طغيان العنصر الشبابي على مسلمي تركستان الكبرى يخيف روسيا، و يجعلها تتربص من هذه الثروة البشرية المخيفة، مع ما يتميز به هذا الشباب من قوة بدنية و روح معنوية عالية، ترى روسيا أن تمكن الإسلام فيها سيشكل خطرا وجوديا على روسيا؛ لذلك تصرّ روسيا على احتوائها، و ترفض النشاط الثقافي التركي فيها، و قد أشارت تقارير روسية كثيرة من خطورة التغلغل الإسلامي التركي، و أدرجت روسيا بعض الجمعيات الخيرية و الثقافية التركية ضمن قائمة الحركات الإرهابية.

هل تساهم تركيا في نهضة الإسلام بآسيا الوسطى؟

 كان عدد الناطقين بالروسية -روس بجنسيات دول آسيا الوسطى- الذين يعيشون في آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي حوالي : 11 مليون روسي يعيش أغلبهم في كازاخستان، و قيرغيزستان، و قد صار عددهم اليوم حوالي ثلاثة ملايين فقط حسب آخر إحصاء روسي –إحصاء2012م-؛ و قد كان لهذه الجالية الروسية الضخمة دور كبير في إبعاد المسلمين عن دينهم، فقد كانت معظم الوظائف الهامة في هذه الدول للروس، و قد ساهموا في التضييق على المسلمين، و قد تغير الحال اليوم و صارت هذه الشعوب أحادية العرق، تكاد تكون تركية خالصة، ما يسهل لتركيا لعب دور كبير في إعادة المنطقة لهويتها الإسلامية، خاصة أن العودة إلى الالتزام بالإسلام في أوساط الكثير من أفراد الشعب أمر ظاهر و ملحوظ، حيث تفشل الأنظمة الشمولية يوما بعد آخر في صده.

تركيا أمل شعوب آسيا الوسطى:

لقد سقطت كل الاحتمالات التي كانت ترى أن آسيا الوسطى ستتحالف مع روسيا لإعادة إحياء القيصرية الروسية، و فشل الاحتمال الذي كان يرى أنها سترتبط مع أوروبا، و انحسر الدور الأمريكي عن آسيا الوسطى في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، و ازدادت قوة تركيا، و ازداد حضورها في هذه المنطقة، ما يجعلها الآن أمام فرصة تاريخية كبرى لإعادة تركمانستان الكبرى، إلى الجسد الإسلامي، و عودتها هامة جدا للمسلمين، خاصة أنها مثلت في تاريخها الخزان العسكري للأمة الإسلامية، و هي أرض خيرات و ثروات هائلة، بالإضافة إلى قابليتها للعب دور حضاري و علمي و ثقافي كبير، يساهم بشكل فعّال في النهضة الحضارية للمسلمين كما لعبته في الماضي.

و قد أدرك الغرب و الروس خطورة الصعود التركي في المنطقة، و كان ذلك أحد أكبر أسباب الانقلاب ضد تركيا، فالغرب الذي دخل في صراع شديد مع روسيا في السنوات الأخيرة، عدل عن فكرة إسقاط النظام الروسي؛ لأن الخبراء الغربيين قدموا بحوثا و دراسات تشير إلى أنه في حال سقطت روسيا و تفككت، فإنّ المستقبل سيكون للجمهوريات الإسلامية السابقة، و أن الدور التركي سيكون العامل الحاسم في عودة الإسلام إلى هذه المنطقة، كما ذهبت البحوث و التقارير الروسية إلى نفس الفكرة، و هذا يؤكد بالفعل على أن الدور التركي في آسيا الوسطى أهم من أي دور آخر في العالم.

و تمثل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الأسبوع إلى أوزباكستان حدثا استثنائيا، تلقته شعوب آسيا الوسطى بفرح و سرور بالغين، خاصة أنها أول زيارة لرئيس تركي إلى أوزباكستان منذ 16 سنة، و جلبت هذه الزيارة انتباه الكثير من الخبراء و الساسة، خاصّة أن أوزباكستان تمثل القلب النابض لآسيا الوسطى، و مفتاح المنطقة الأساسي و الأهم على الإطلاق.

أخيراً هذا هو المأمول من تركيا:

إن المطلوب من تركيا مضاعفة الارتباط الثقافي و اللغوي بجمهوريات آسيا الوسطى؛ من أجل إحياء الشعور الإسلامي، الذي سيكون خطوة أولى و كبرى لعودة شعوب المنطقة إلى الإسلام، و نركز على مضاعفة الجهد الثقافي الديني؛ لأن اللعب على ورقة العرقية قد يفجر ورقة القوميات الصغيرة و الاستقلال الذاتي.

المراجع:

-تركستان بين الدّب الروسي والتنين الصيني، الإسكندرية، دار الدعوة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1993.

-الطّرازي: نصر الله مبشر، تركستان ماضيها و حاضرها، القاهر، مكتبة الآداب للطباعة و التوزيع و النّشر، ط2010.

-بارتولد، تاريخ التّرك في آسيا الوسطى، نرجمه إلى العربية، أحمد السعيد، سليمان، القاهرة، الهيئة المصرية الهامّة للكتاب، ط1996.

-سلطان: سعيد أحمد، محنة المسلمين في آسيا الوسطى و القوقاز، القاهرة، ط2005.

-النّمر: عبد المنعم، إسلام لا شيوعية، القاهرة، دار غريب للطباعة، سنة1997.

 http://www.mfa.gov.tr.ar.mfa

وزارة الخارجية التركية

حنان أبو سكين الصراع على النفوذ يحتدم في آسيا الوسطى - العرب

http://www.alarab.co.uk/?id=25380

آسيا الوسطى تبحث عن هوية جديدة-إيغور ليبوفسكي أستاذًا للدراسات الآسيوية في الجامعات الأميركية

قراءة 2273 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 18 كانون2/يناير 2017 17:28

أضف تعليق


كود امني
تحديث