(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 04 شباط/فبراير 2018 09:28

أصابعنا و أيادي إيران

كتبه  الأستاذ نور الدين قلالة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لست أدري لماذا في كل مرة يتحرك فيها الشارع الإيراني، نسمع أصواتا من هنا و هناك تستشرف المستقبل و تتنبأ بثورة إيرانية جديدة و تطلق العنان لخيالها يصور تداعي نظام الجمهورية الإسلامية بتفاصيل افتراضية لا تمت للحقيقة بصلة. للأسف هذا المنطق لم تسلم منه الأحداث الأخيرة التي عرفتها إيران و التي وضعها الغرب و جماعته من العرب تحت عنوان نهاية ولاية الفقيه و الربيع الإيراني على الأبواب و نظام الملالي يعيش أيامه الأخيرة.

من المنطقي أن نقول أن الاضطرابات في إيران تقف وراءها مشكلات داخلية كإخفاقات حكومة الرئيس حسن روحاني في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي و التعب المتنامي من دعم باهظ التكاليف للقوى الخارجية الموالية لطهران. أي أن إيران تدفع فاتورة تدخلاتها الخارجية و سياستها الإقليمية بمزيد من الإضطراب و التوتر على جبهتها الداخلية.

لا إصلاحيين و لا محافظين

بدون الدخول في مسارات اللعبة الأزلية المفضلة في إيران، و المتمثلة في الصراع بين المحافظين و الإصلاحيين، حيث استخدم المحافظون هذه المرة الاحتجاجات لإضعاف مواقع حكومة حسن روحاني الإصلاحية، مثلما قاد الإصلاحيون الاحتجاجات التي واكبت نتائج انتخابات الرئاسة عام 2009 ، قبل أن ينتهي الأمر ببعض رموزهم إلى الإقامة الجبرية، بعد أن وصفهم النظام (المحافظ) بأنهم أصحاب فتنة.

بدون الدخول في هذه اللعبة لأن جناحي النظام يتبادلان الكر و الفر في كل مرة حسب الجناح الذي يتواجد في السلطة و حسب طبيعة المشكلات التي يطرحها الشارع بإيعاز من أحد الطرفين، يجب أن نقول أن الحقيقة و الواقع يؤكدان أن إيران بمؤسساتها و مجتمعها و مشاكلها الداخلية تتحرك بأسلوب مختلف تماما، أسلوب يحمل دائما مكنزمات جديدة للتكيف مع الأوضاع الطافحة، بغض النظر عن مدى شرعيتها الأخلاقية.

و لعل ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية يشير – بما لا يدع مجالا للشك- أن الإيرانيين يعيشون في واد آخر، يتحركون ببطء و لكن بثبات، يخططون للمستقبل، يفكرون بما تعلموه من هذه الأحداث و من مثيلاتها التي تكررت خلال السنوات الأخيرة. ثم يضعون الخطط المناسبة لمواجهتها و تطويقها و احتواء مضاعفاتها. كل هذا يحدث بحزم و لكن بضجيج أقل و بدون شعارات فارغة و وعود كاذبة أو استخفاف بمشاكلهم و خلافاتهم.

و حتى ندرك أن النظام السياسي في إيران بمحتوياته الإيديولوجية و الإستراتيجية لم يتأثر بهذه الاحتجاجات، نشير فقط إلى التقارير التي تسجل يوميا تزايد فعل الاحتجاج في هذا البلد.

فخلال السنة المنقضية قبل أيام قليلة، زاد عدد الاحتجاجات على 5275 احتجاجًا ضد ممارسات السلطات، بمعدل 15 حركة احتجاجية يوميا، و أكثر من 3 احتجاجات كل ساعتين، ضد القمع و الاضطهاد و قلة الخدمات و غلاء الأسعار و عمليات الابتزاز التي يمارسها المسؤولون، إضافة إلى الاشتباكات التي تندلع باستمرار بين الشباب و النساء مع عناصر النظام. و هذا الفعل الاحتجاجي الذي يتسارع بوتيرة كبيرة و ملحوظة، لكنه في النهاية لا يؤثر على السياسة العامة لإيران.

ليس هذا تمجيدا للنظام الإيراني، و لكن من قبيل أن نعطي حتى الشيطان حقه، يجب أن نعترف أن الرهان على الجبهة الإجتماعية و تحريك الاحتجاجات لقلب نظام الحكم في إيران استراتيجية أثبتت فشلها في هذا البلد. طهران تدير أزماتها بثقة و قوة و ثبات، لا تترك مجالا للصدفة، و لا تسمح لخصومها بالتدخل في خياراتها الاستراتيجية، الإقليمية منها و الدولية.

إيران الحالية تحسن الحديث بلغة الواقع، و لا تسعى للقفز على أوضاعها الداخلية الهشة، لكنها لا تتردد في القول أنها ليست دولة من دون مشاكل، بهدف الحفاظ على تماسكها الداخلي و في نفس الوقت صيانة ما تسميه “مكتسباتها” الإقليمية و هي كثيرة و استراتيجية و تصنع قوة الدولة و هيبتها، فبدون سلوكها و مسؤولياتها الإقليمية لا وجود أصلا لدولة اسمها إيران.

سيناريوهات مرعبة..و لكن لمن؟

إيران اليوم لديها يد في العراق و يد في سوريا و يد في اليمن و أخرى في السعودية و لبنان.. أخطبوط أذرعه طويلة ممتدة إلى أبعد الحدود، طالت حتى دولا غير عربية، إيران لديها موضع قدم في كل مكان! أما نحن فليس لدينا موضع أصبع في أي مكان ثم نأتي لنتحدث عن ثورة جديدة في إيران و عن سقوط نظام الملالي و انهيار الامبراطورية الفارسية الشيعية.

ما يحدث هو العكس تماما، بل أن السيناريو الأكثر رعبا في نظري لو كُتب لهذه الاحتجاجات في إيران بأن تصل إلى نقطة اللارجوع، ليس الخوف على مصير الرئيس روحاني و انهيار نظام ولاية الفقيه، و إنما الخوف على بشار الأسد و على غيره من الشخصيات و الحكومات و الأحزاب و الفصائل و الطوائف و المذاهب و حتى الدول التي ترعاها طهران في الخارج..فكلما انكفأت إيران على نفسها و انشغلت أكثر بداخلها رفعت غطاءها عن كل هؤلاء و تركتهم يلاقون مصيرهم.

الأغرب في هذه الحالة أن العرب ليس لديهم القدرة على ملء الفراغ الذي يمكن أن تتركه إيران إذا ما أُرغمت على الانطواء للاهتمام بمشاكلها الداخلية. و الأخطر أن تراجع مساحة إيران الإقليمية سيتيح الفرصة لقوى إقليمية أخرى إسرائيل مثلا بالتمدد و فرض سيطرتها على الوضع. كما سيسحب هذا الوضع البساط من تحت سياسات بعض الدول التي تتحجج بالتغلغل الشيعي الإيراني في المنطقة للتدخل فيها.

ليست مؤامرة

ما يحدث الآن لإيران ليس مؤامرة، لأن إيران هي التي تحيك المؤامرات، و هي أكثر دولة في المنطقة تعيش من فيضان بيئتها الخارجية لدرجة أنها لم تعد تهتم، أو بالأحرى، لم تعد تقوى على وقاية بيئتها الداخلية من شتى المضاعفات و التأثيرات. فما تشهده من توتر و تململ داخلي هو نتاج أوضاع اقتصادية صعبة، يعرف الجميع أنها باتت تشكل عبئا على المواطن الإيراني، نتيجة الحصار و الكلفة العسكرية الثقيلة التي تدفعها ايران في أكثر من منطقة، و التي تجد الحكومة الايرانية أن حضورها في ميادينها الملتهبة، يمثل دفاعا عن أمنها القومي، و انسجاما مع قناعاتها العقائدية و السياسية.

إيران تعيش في منطقة ملتهبة، و طبيعي جدا أن تتأثر داخليا بما يحدث من توترات سياسية و اقتصادية و استراتيجية في المنطقة. لا يمكن فصل المجتمع الإيراني عما يحدث من تحركات إقليمية و دولية في المنطقة و في العالم. و الواقع أن هذه الحركية التي يشهدها الشارع الإيراني ليست وليدة اللحظة، و ليست مرتبطة بحدث ما، أو اتجاه معين، إنما هي نتاج تراكمات مختلفة تشكلت عبر سنوات من التفاعل المجتمعي مع الحكومة أو السلطة الحاكمة في طهران من جهة، و مع القوى الدولية و الإقليمية و كذلك الساحات التي تلعب فيها إيران ألعابها المفضلة: تصدير الثورة، دعم الشيعة، إثارة النعرات الطائفية، السباق نحو التسلح النووي..

و بالتالي فإن ما يحدث لإيران ليس فعلا اقتصاديا منعزلا و مجردا من أي عمق تاريخي أو فكري أو إيديولوجي، و إنما هو نتاج كل ذلك، و أي قراءة في أسباب و مآلات هذه الاحتجاجات لا تأخذ في اعتبارها هذه المعطيات هي قراءة مضللة و تمشي برجل واحدة.

سؤال كبير

لكن السؤال الكبير هو كيف نجحت إيران “الدولة” في التعامل مع إيران “المجتمع”؟

إلى حد الآن نجحت الدولة في إخماد نار المجتمع، على الرغم من أن هذه النار أشعلها لهيب الأسعار و تفشي البطالة و سوء المعيشة، ثم انتقلت ألسنتها لتطال عمل الحكومة و تنتقد سياستها الداخلية و الخارجية أيضا، حيث رُفعت شعارات عابرة للحدود مثل: “لا غزة لا لبنان..روحي فدا إيران”، و”اترك سوريا و فكر في حالنا”. ثم سرعان ما انتقلت عدوى المطالب المعيشية إلى مظاهرات سياسية و أحداث شغب  و تخريب بمهاجمة مقرات حكومية و ممتلكات عامة، و هو سلوك واضح على رفض المجتمع الإيراني لسياسة دولته الإصلاحية و المحافظة على السواء.

و مع ذلك نجحت الدولة في السيطرة على الاحتجاجات رغم عدم انتفاء أسباب انفجارها، و هذا قد يعود لكونها لم تحظ بأي نوع من أنواع القيادة السياسية و الإيديولوجية، على غرار ما حدث في 2009، و إن كانت بعض الجهات في حكومة طهران وجهت أصابع اتهامها إلى أياد خارجية متهمة إياها بالوقوف وراء إشعال فتيل هذه الإحتجاجات، خاصة عندما تحول مسار المظاهرات من مطالبات معيشية يومية إلى مطالبات سياسية تصعيدية و غير سلمية، لكنها أبدا لم ترقى إلى أي نموذج من نماذج الربيع العربي، لأن البيئة الداخلية في إيران رغم هشاشتها لا زالت قوية و متماسكة و غير قابلة لانتشار الأجسام الغريبة فيها، و هو الأمر الذي يفسر الفرق بين ضعف أصابع العرب و قوة أيادي إيران.

قراءة 1545 مرات آخر تعديل على الإثنين, 12 شباط/فبراير 2018 09:54