قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 15 تشرين1/أكتوير 2017 08:32

موت البيداغوجيا The end of pedagogy

كتبه  الدكتور طه كوزي
قيم الموضوع
(1 تصويت)

أنا طفل من سجيته الشرود، و الاسترسال في حــــمْأة الأفكار؛ أذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله؛ حين حملت محفظتي المثقلة، يحدوني الأمل، و تغمر قلبي أحلام وردية: كنت أقول لنفسي حين كانت أمي تزج بي، عنوة إلى الحمام؛ لتغسل أطراف بدني، و تجمّلني للدخول إلى أعتاب المدرسة: «أنا العروس أما عروستي فهي مدرستي».
لقد كان ثمة طيف جميل يراود إحساسي، و يخالجني شعور يلهب وجداني؛ كنت أحلم بأنني سأجد في القسم عالما أجمل، و أنني سأعثر في حجرة الدرس على شِلة تصادقني، و مُرَبٍّ يأخذ بيدي، و يربت على كتفي، و أنني هنالك في مروج المدرسة الخضراء سألعب، و أتعلم، و أتنزه، و أسافر، و أنجز... إلا أن هذا الإحساس أخذت جذوته تنطفئ و تبرد رويدا رويدا...
إنني الآن أشعر بالوِحدة و الوحش و الغرابة بين مئات البشر، لست أرى في مدرستي إلا الجدران لأنني لا أجد البشر، و لا تدرك عيني إلا علامات، و نقاطا حمراء، و واجبات منزلية، و مواعيد اختبارات؛ لأن رحِم العلاقات هنا قد تفتت و تقدد...، أرى البراعم من حولي براعم تهاوت بِتِلّاتها و سِبِلّاتها أمام هذا الريح البيداغوجي الصرصر، فحين كنا نشاغب في الطرقات كنا أفضل: نغامر "معا"، نلهو بأجراس البيوت قرعا و إزعاجا "معا"، ننتظر آباءنا حين يعودون من صلاة الجماعة "معًا"، و كنا نضع الدينار على الدينار لنقتني كرة لنلعب "معا"، و كنا نتشاجر و نتعارك و دوما "معًا"...
أما اليوم؛ ففي مربع البيداغوجيا الكئيب: كل واحد منا يواجه قدَرَه "بمفرده"، يُختَبر في لحظة الامتحان "وحيدا"، و يواجه ضعفه و إخفاقاته "منفردا"، و يُحشر في السبورة، على رؤوس الأشهاد، للإجابة عن تحقيق "المعلم" "مفردا"... لقد بدأت صِلاتي بشِلّتي و أصدقائي تفتُر و تُنْقض؛ فصديقي "علي" اغتيلت صداقتنا لأنني أجبتُ عن سؤال لم يستطع هو الإجابة عنه؛ فوبخه الأستاذ "لأنني أعرف و هو لا يعرف"!! أما "سمير" فقد أضحى عدوّي اللدود؛ لأنه ينتزع مني الصدارة في الترتيب دوما، أما "عز الدين" فقد توارى عن مجموعتنا؛ لأن الأستاذ أقنعه بأن الحياة ينبغي أن تخضع للبيداغوجيا (أي هراء هذا...): فالصحبة، و الزمالة، و الصداقة، و اللعب، ينبغي أن يخضع للبيداغوجيا أي حسْب معدلاتنا و نقاطنا... لقد جعله يتوهم بأننا كنا نضحك عليه في نهايات الأسبوع؛ لقد توهم "عز الدين" أننا كنا نشاركه اللعب في الطرقات لهْوا، و نتفوق عليه في الدراسة و التحصيل قصْدا...
أما حفل نهاية السنة فليس تلك الحفلة العائلية التي كنت أتوهمها؛ لأن المعنيين بالاحتفال هم أبناء "المعدلات البورجوازية" العالية و أولياء أمورهم، أما هؤلاء الذين لا تُذكر أسماؤهم يوم التكريم فهم غير معنيين بالحضور ابتداء؛ و أنا أذكر إلى الآن كيف أن النجباء كانوا في الرياضيات متوَّجين، ثم هم يعودون إلى المنصة ليحصدوا الجوائز في اللغات، و الفيزياء، و حفظ القرآن...، و لا يغادرون الحفل إلا بأثقال من الهدايا... أما نحن، بقية التلاميذ (الشعب الكريم)؛ فكنا زبانية التحضير للحفل نعيد الطاولات إلى مكانها، و الكراسي إلى ثكناتها، و نكنس مكان الحفل بعد أن تنصرف الجموع، و كنا سعداء جدا بهذه الوظيفة التي كان مقابلها أن تحصل على ودّ معلمك لمدة ساعة في السنة على الأقل....
والدتي بدورها لم تعد والدتي؛ بل أصبحت هي أيضا "معلمتي"، لقد فقد البيت أنسه و دفئه؛ أمي الآن تلاحقني بين غرفة الاستقبال و غرفة النوم بالواجبات، و تهددني إن لم تتحسن نتائجي بكذا و كذا... لقد تغيرت والدتي؛ فقد تحولت فجأة من الأم التي أنجبتني إلى "كائن بيداغوجي" آخر يطاردني بالعلامات و الواجبات...؛ «لقد كنت أتمنى أن يغدو القسم عائلة يغمرها الأنس و الحب و الدفء؛ فإذا بي أجد البيت و الأسرة تحولا فجأة إلى حجرة درس، و ثكنة بيداغوجية كئيبة...».
بعد سنوات الدراسة؛ لم يبق في ذاكرتي سوى نوعين من الأساتذة: أستاذ صفعني، فخلّد ذكراه في خدّي، و أستاذ أحسست في نفسي أنه أخي الأكبر و قدوتي؛ لأنه لم يكن يتدثر بمئزر الخبير أو الجزّار، بل كان مُحْرِمًا بمئزر المربي الرحيم، و هذا الصنف لست أذكر منهم إلا الأخ الأكبر "ماهر"؛ كان يلاحظني كثير الشرود، كثير الوجوم، ملتهب السؤال و التساؤل، قلقا مضطربا...
صارحتُه عن مرضي، و أفصحت له عن سُقمي، و أنني أجد نفسي "مريضا نفسانيا"؛ لأنني مزدوج الشخصية و التفكير... أفصحت له عن وَ رَمي لا لأنه كان أكثر الأساتذة "عبقرية"؛ بل لأنه كان أقرب مني رحمة و صُحبة،: «أنا هنا في محيط المدرسة أحس بالغربة و الوحشة، أكون سعيدا خارجها، و كلما أزفت آزفة الاختبارات أُصاب بوعكة صحية، و حين أقدِم إلى المدرسة تتثاقل قدماي، و أجُرّ محفظتي جرا، و تغيب الابتسامة عن محيّاي، و ليس من شفاءٍ و بُرْءٍ لحالي إلا جرَسُ النفير آخر اليوم؛ لأخرج من أجداث المدرسة سِراعا، و ألمح الدنيا أجمل، و الأفق و أرحب... » فهل أنا مريض أستاذي؟ لقد تعبت من حالي هذه؟
-
أجابني الأستاذ ماهر: لست وحدك يا بني؛ إن كنت تألم من هذا، فثمة من يألم مثلك مما تُعاني...
-
أجبته: لست أرى واحدا منهم؛ فكلهم سعداء بحالهم: المجتهد، في نظرهم، يلهو بنقاطه و شهاداته، و الكسول، عندهم، اقتنع بأنه تمثال تزين به قاعة الدرس، و عينة تليق للتعذيب البيداغوجي...
-
الأستاذ ماهر: أنا بدوري أعاني مما تعاني؟ لستُ سعيدا، لستُ حرا بما يكفي...، لم آت إلى هنا لأعلم و أدرِّب؛ بل جئت لأربّي و أنشِّئ...
-
أستاذي ما الحل؟ أنا أفكر في المغادرة و الهروب...
-
بني؛ الحل ليس في أن تغادر و تهاجر كلما اعترضتك ورطة، و لكن الحل في أن "نقاوم معا"، لننفخ في المدرسة "الروح"، و نعيد إليها "الحياة"... إن غادرتَ و غادرتُ... فكُلُّ البراعم الأخرى ستموت... لستَ مسؤولا عن نفسك؟ بل أنت مسؤول عمّن بعدك.... هل فهمتني؟
بيداغوجياتكم ستموت؛ و أحيا أنا...
مات أستاذي، رحمه الله، في حادث مرور؛ لكن قبلها بأيام ترك لي رسالة: و كأنها عزفت سمفونية، لكنني قصُرتُ عن إدراكها معنى و عمقا، إنني إلى اليوم أعيد قراءتها، و أنا عازم على إنفاذ وصيته سطرا سطرا، و سأسمي تلك "المدرسة المشتلة" التي أشيدها باسمه؛ لأحقق رجاءه من بعده؛ فأستاذي لم يعلمني حرفا، بل حنكني الحرية بصبره، و سقاني المسؤولية بنظرته الثاقبة، و أشربني كأس الحكمة بصمته قبل حديثه...؛ أنا الآن أمسك نص وصيته مرتجفا لثقلها، وجِلا من قدرتي على إنفاذها:
أيْ بنيّ...
اعلم بأن السؤال الحي في قلوبنا و ضمائرنا، رغم ضراوة لهيبه و جذوته سينتصر؛ أما الأجوبة الباردة الباهتة التي يصبِّرونها، في هذا العصر، في عُلَب "الحوليات"، و"الكتب المدرسية"... ستتعفن و تندثر... "فتعلم السؤال، و لا تستعجل الجواب!"
أيقِن يا بني... أنني سأغادر يوما لا محالة، قد أموت، قد أفتن، قد أهرم... لكنّك إن رفعْت هامتك الآن ستجِد معلما آخر مِن حولك، لا يُفارقُك إلا إن فارقتَه أنتَ، إنه "الكتاب" يا بني؛ «فإنْ صحِبْته صاحبْتُك في كل آن، و إن عاديتَه غدوتُ "أنا" وثنا و صنما حاجبا بينك و بين طلب العلم...»
يا بنيّ؛ في الحياة ثمة الكثير مما لن يعجبك، و الكثير مما لا يناسب طموحك و مبادئك؛ و لكن لا تتخذ الهروب "زوْرقا"، «بل جذّف إلى الحق و أنت بين البشر، لا تترهْبَن بدعوى الحق، و لا تزهد في الحق فتنساب مع القُطْعان؛ قل الحق برِفْق، و استقم عليه، و لا تبالي...»
بنيّ! إن تدثرت يوما بمئزر المعلم و المربي؛ فلا تنس ما كنت تقوله عن أساتذتك...؛ «فإما أن تكون لهم هاديا، أو تغدو أمام ناظريهم صنما حائلا...»
بنيّ؛ ازدد علما و حلما؛ و حين تصل اللحظة التي تكون فيها جاهزا سنبني عالما أفضل معا: سنبني عالما تربويا يُطلَب العلم فيه لِذَاته لا لشهاداته، يرتوي "طالب العلم" في ربوعه السؤال و آدابه، و ينشَّأ على آداب الجواب و الطريق الــمُفْضِية إليه، حين تكون جاهزا للمغامرة، بنيّ، سننشئ، سويا، مشاتل للتعلم و التحلم، للتجربة و سلامة التفكير...
اطمئن يا بني؟
سيستعيد الإنسان إنسانيته و فطريته؛ و لكن بعد أن تنتهي "البيداغوجيا السكولاستيكية" و تموت، و تولد "بيداغوجيا الخضِر" و تورق... فقد صاغ القرآن عنوانها و بنيانها: «هل أتبعك على أن تعلمني مما عُلمتَ رشدا
ترك لي أستاذي وصية، و لكني لا أعلم هل أنا جاهز للمغامرة أم ليس بعد؟ لأن المهمة لا تطلبني وحدي، إذ ليس لي أن أنفذ الوصية بمفردي... لقد علّمني حيا، و ها هو يعلمني ميتا: انتبه! إن السؤال إنْ صيغ بالمفرد؛ فإنّ جوابه قد يكون بصيغة الجمع....
فهل نحن مُجتمعون؟

http://www.veecos.net/2.0

قراءة 2170 مرات آخر تعديل على السبت, 17 آذار/مارس 2018 14:44

أضف تعليق


كود امني
تحديث