قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 19 كانون1/ديسمبر 2021 09:33

إشكاليات طلب العلم المعاصرة

كتبه  الأستاذ مصطفي مهدي
قيم الموضوع
(0 أصوات)
 

بالرغم من الحالة التي كان عليها سلفُنا، من العلماء و طَلَبة العلم و رجال الدَّعوة، من الفقر و الحاجة، و قلَّة المصادر و المراجع العلميَّة، و بُعد المسافات بين العُلماء، و تفرُّقهم في البُلدان، و انشغالهم مع طَلَبِ العلم بالجهاد، و غير ذلك من الأمور التي انتفتْ عن حاضرنا الآن؛ إلاَّ أنه من المُتَّفق عليه أنَّهم كانوا أعلمَ و أتْقن، و أضبط للعلم، و أخلص لله -تعالى- لذلك خلَّد الله -تعالى- ذِكرهم، و بارك أعمالهم، فلا يدانيهم أحد في بذْلهم و عطائهم.

و على النقيض تجد حالَنا الآن، فبالرَّغم من تحسُّن الأوْضاع المادّيَّة لكثير من طلَبة العِلْم في بعض البُلدان، و بالرَّغم من توفّر الكتُب العلميَّة المختلفة و المتنوّعة في المكاتب العامَّة و الخاصَّة في بعض البقاع، و سهولة الاتّصال بالعلماء من خلال وسائل الاتِّصال الحديثة المتنوّعة، إضافةً إلى إمكانيَّة الاحتفاظ بالدُّروس مسجَّلة، و الاستِماع إليها مرارًا، إلاَّ أنَّ المنصف يجد أنَّه لا وجهَ للمقارنة بين طلب العلم المعاصر و طلب العلم عند السَّلف، و هذا يتبين من آثار حالتي الطَّلب على الفرد و المجتمع.

و لأنَّ ما أسلفته مقرَّر عند كلِّ عاقل ناصح لنفسه، فأرى أنَّ الأَوْلى و الأَحْرى هو الدّخول في صُلب الموضوع، و هو حال طلب العلم المعاصر، و لماذا لا يُثمرُ الثَّمرة المرجُوَّة على الوجه الذي يُداني حالَ السَّلف أو يُقاربه؟ أو لماذا إنتاجُه ليس على وجهٍ يُلبِّي و يُشبعُ حاجة المجتمع الإسلامي المعاصر؟

فأقول - مستعينًا بالله تعالى، طالبًا منه التوفيق و السَّداد و الرشد -: إنَّ طلب العِلْم الشَّرعي الهدفُ منه في الجملة حفظُ الشَّرع، و حفظ التُّراث العلمي، و نقله للأجيال القادمة، و بالطبع الغاية من ذلك العلم و العمل ليس مُجرَّد العمل، و لكن دَوْر العُلماء الأكبر هو حِفْظ الشَّرع من التَّحريف و التَّبديل و الذَّب عنه، و نقله سالمًا خالصًا إلى المسلمين، و أمَّا العمل فكلٌّ بحسبه ما بين مُقلٍّ و مستكثر.

فهذه المعضلة المُعاصرة يتجاذب أطرافَها أمورٌ، و كلُّ أمر منها له تأثير بشكْل مُعيَّن على عمليَّة طلب العلم الشرعي، و أَثَرٌ ملموس، إمَّا سلبي، و إمَّا إيجابي، هذه الأمور على ما يلي من تقسيم و عرض:

أولاً: طالب العلم:

و هذا العُنصر أتناوله من عِدَّة مَحاور، و هي على الوجه الآتي:

أ- كثيرٌ من الذين يزجُّون بأنفسهم في طلب العلم يَخلطون بين التديُّن أو الالتِزام و طلَب العلم، و هذا أمر مُلاحظ مشاهد، ففرْقٌ بين أن تكون مسلمًا متديّنًا عالمًا بحدود دينِك؛ للتعبد إلى الله -تعالى- على بصيرة، و بين أن تكون طالبًا للعلم، و هذا الفرق يتَّضح ببيان ما يلي:

1- المسلم العادي يلزمُه العلمُ بما يَحتاجه من الدِّين، ممَّا تصحُّ به عبادته و عبادة أُسرته، و ما يتعرَّضون له من أحوال يُريدون معرفة حُكم الشَّرع فيها، و يكفيه العمل بقول المفتي العدل، بخلاف طالب العلم، فإنَّه يتعلم لنفسه و لغيره، فيحيط بمسائلَ قد لا تقعُ له؛ و لكن ليبيِّن للنَّاس حكم الشَّرع فيها، و الصَّواب الأقرب للأدلة، مع العمل على تحصيل آلات الفهم من علوم الوسائل، و التدرُّج فيها، و بلوغ الغاية الممكنة في التشبُّع بآلات الفهم و الإدراك الصحيح لكلام الشَّرع و أهل العلم.

2- طالب العلم يلزمُه الصِّدق مع نفسه، و النَّظر في قُدراته الَّتي وهبها الله -تعالى- له، من جوْدة الذِّهن، و قدْر من الذَّكاء و الفهم، و القُدرة على الحفظ، مع فقه النَّفس و سَعة الأفق، إضافة إلى إدراك الواقع، من خلال متابعتِه أو الانخراط فيه، و مشاهدته عن حسٍّ أو تجرِبة، بخلاف المسلم غير طالب العلم، فلا يلزمُه شيء من ذلك، سوى أنَّه يَجب عليه تعلُّم أصول عقيدته و عبادته، و يعلم أنَّه لا يَحِلُّ له إجماعًا الإقدامُ على شيء من الأمور إلاَّ بعد معرفة حُكمه الشَّرعي.

3- البذل والتضحِيَة من متطلَّبات طلب العلم، فالطَّالب يحتسب الوَقْتَ، و يحتسب قليلَ الكسْب الَّذي يُعين على قيام الحياة؛ ليفرِّغ وقته و جهده و ذهنه لطلب العلم، و الإحاطة بالمسائل الشرعية، بخلاف غيره، فلا يلزمه ذلك؛ بل إنَّ جُهده و وقته إمَّا مقطوع في عبادة، و إمَّا مستثمر في عمل و كسْب حلال.

و غير ذلك من الأُمُور التي يجبُ على المرء أن يكون صادقًا مع نفسه و يدركها، و لا يقْحِم نفسَه في أمر قد لا يستطيعه، و يترتَّب على العجز عنه الآثار السلبيَّة على الطلب، أو نفسيَّة الطالب، أو مَن زجَّ بنفسه في هذا المضمار، فبذلك يكْفي المراد من الإشارة إلى الفرق بين طلب العلم، و التدين والالتزام.

و ليلاحظ أنَّ الخلط بين هذين الأمرين لا ينتج إلاَّ ما نراه من ضَعْفِ كثير ممن ينتسبون للطلب، فتجده قليلَ الفهم و الإدراك، ضعيفَ الحفظ و الاستحضار؛ بل إنَّ منهم مَن لَم يَختم القرآن حفظًا و فهمًا، ثمَّ زجَّ بنفسه في ذلك البحر الخِضَمِّ، الَّذي يقف المتمكنُ على ساحله، فما بال المنصِف بمَن كان دون ذلك؟! و لله -تعالى- الحكمة البالغة، و فَضْل الله -تعالى- واسع.

ب- يواجه طالبُ العلم في الوقت المعاصر كثيرًا من العوائق التي تعرقل السير في طريق التحصيل، و لو بوجهٍ ما، فمن ذلك:

1- قضيَّة الكسْب و تحصيل الرِّزق، و التي يقضي الطالب فيها وقتًا، و يبذل فيها جهدًا يعود على طلبِه للعلم بقدْر من السلبيَّة و الانتقاص من حقِّه، و العجز عن إتيان الأمر على وجهه.

2- العجز عن شراء الكتُب و المراجع اللاَّزمة لعمليَّة الطَّلب، إمَّا بسبب ارتفاع ثمنها - و هو السببُ الأكبر - و إمَّا بسبب عدم توفّرها، فإذا قيل: لا يلزم الطالب الشِّراء و التملك، و لكن الأهم توفر الكتاب و تمكُّنه من المطالعة، فيجاب عن ذلك بقلَّة أو ندرة المكتبات العامَّة التي تُعنَى بتوفير الكتب الشرعيَّة اللازمة لطالب العلم على تنوّع المراحل، و تنوع الكتب ما بين تصنيف لمعاصر، و مُتقدم، و غير ذلك من الأمور.

3- فإذا توفَّر للطالب القُدرة الجِبِلِّيَّة و الوقت و الكتاب، و صاحَبه التَّوفيقُ في ذلك، احتاج للمتابعة من قبل العُلماء و المتقدّمين من طلبة العلم في جَميع مراحله، و هي قليلة جدًّا، بحيث إنَّك تكاد لا تراها متَى قلَّبت بصرَك في أرجاء معاقل الطَّلب و التَّحصيل.

4- مجال التَّطبيق العملي لما تحمَّله الطالب من العلم، ففرصة الدَّعوة أو التعليم أو التصنيف يتجاذبها كثيرٌ من الأطراف، و التي تعرقل عمليَّة بثِّ العلم و نشْره، ممَّا يؤدِّي إلى ركود ذهني، و تراكُم الرَّصيد العلمي، مما يُنسي بعضه بعضًا، حتَّى و لو عمد الطالب إلى المراجعة، فإنَّ التَّعليم و التَّلقين ممَّا يعين على تثبيت العلم.

ج- المنهجيَّة: و المقصود بالمنهجيَّة الطَّريق الواضحة في تَحصيل العلم، و السير على مرحليَّة تناسِبُ القُدرات، و تناسب الحاجة، و تناسب الظُّروف المُحيطة بالطالب، مع مُراعاة البداية السَّليمة، الَّتي تؤدي للثمرة المرجُوَّة بأنْ يكونَ تركيزُ الطالب و سيره و بذْله في الاتِّجاه الصحيح، الذي يصنع منه عالمًا يومًا ما.

و الناظر في المناهج التعليميَّة الآن يَجدها على ثلاثة أنواع:

1- المنهج العشوائي:

و هذا المنهج الطالبُ يتخبَّط فيه، لا يدري ما يدرس، و ما المقدَّم، و ما المؤخَّر من العلوم، و متى يقرأ ذلك، و متى لا يقرؤه، و لا تجد المنتسب لهذا المنهج عنده علم بالعلوم المتنوعة، و لا بالكتب، و لا بالفنون، و لا القُدرة على التفرقة بين علوم الآلة و علوم المقاصد، فضلاً عن أن تجده قد أنهى كتابًا واحدًا، و حصَّل ما فيه من علم، فهذا الصِّنف من الطَّلَبة سرْعَان ما يتبدَّل بهم الحال، إمَّا إلى ترك الطَّلب بالكلِّية و الاكتفاء بالثَّقافة العامة، و إمَّا إلى الهداية لمنهج سليم صحيح، و ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء.

2- المنهج المقلوب:

و هذا المنهجُ من أخطر الآفات التي أصابت طُرُق الطَّلب و التحصيل؛ مِمَّا أدَّى لقلب كثير من الموازين و المفاهيم في عالَم طلب العلم، و هذا المنهج لا يثمر عالمًا و لا فقيهًا؛ بل إنْ أثْمَرَ فلا ينتج إلاَّ حافظة و وعاء لنقْل أقوال العلماء فقط.

و مُشكلة هذا المنهج أنَّه يسير ضد تيار الفطرة و التدرُّج، و ضد منهج القُدماء، و الرَّاسخين من المعاصرين، فالطالب المبتدئ الذي لم يحسن قراءة القرآن، و لم يدرس العربيَّة، و الأصول الفقهيَّة، و علم المصطلح، و القواعد، و الضوابط المنطقيَّة التي يحتاج إليها بصورة تُمكِّنه من الفهم و الإدراك، تجده يتجاسَرُ بالخوض في مقارن الفقه، و مُتقدم كُتُب العقائد، و يلبس ثَوْبَ العُلَماء؛ لما علَّمه شيخه - المخطئ - من مسائل كثيرة و أقوال و نقولات، ثُمَّ رجَّح له أحد الأقوال، فيظنُّ المسكين أنَّه قد حِيزَت له دنيا الطَّلب، و لا يدري أنَّ ذلك سرْعَان ما يذهب هباءً منثورًا؛ لأنَّه لم يتأسَّس، و لم يرسخ في التَّقعيد و التَّأصيل الَّذي يُمكن له تَشْيِيد بناء علمي يبقى و لا يزول، و يزداد مع الوقت يُعين صاحبَه على الفهم و الضَّبط، و الرَّبط بين ما تحصَّل و ما جدَّ و حدث من المتغيرات و الوقائع و النوازل.

و هذا المنهج الطالب فيه ضحيَّة نفسه، و ضحيَّة مَن تصدَّر و تَمشْيَخ، و قدم هذا الطرح على أنَّه منهج علمي، فيجعل مَن لا يُحسن قراءة الفاتحة ينظر في "المغني" لابن قُدامة، أو "الدرء" لابن تيمية، أو متون البخاري و مسلم، بلا أدوات النَّظر في تلك البحور العظيمة، ثُمَّ يَمر الزَّمن، و يكتشف الطالب أنَّه لم يحصل شيئًا، و لم يبقَ معه شيء مِمَّا قرأه و طالعه.

3- المنهج الفطري التدرُّجي:

و هو المنهج الذي سار عليه الرَّاسخون في العلم من المتقدمين و المعاصرين، و الذي يتناسَبُ مع الفطرة و سُنَّة التدرُّج، و البداية بصغار العلم قبْل كباره، و الاهتِمام بالمراحل العمرية للطَّالب و القُدرات الذِّهنية، و تقديم الأهمّ على المهمّ.

فالطَّالب يستقبل أمرَه بدراسة يسيرة لأصول العقيدة الصَّحيحة، و شيء من الفقه الَّذي تصحّ معه عبادته، ثمَّ يبدأ بحفظ كتاب الله -تعالى- و شيء من سنَّة النَّبيِّ - صلى الله عليه و سلم - ثُمَّ بعد أنْ يحفظَ الأصول يعتني كثيرًا بدراسة و تحصيل الآلة التي تُعينه على فهم كتاب الله - تعالى - و سنة رسوله - صلى الله عليه و سلم - فيدرس اللغة، و مصطلح الحديث، و أصول الفقه، و غير ذلك من العلوم الخادمة لأصول الدين و الملَّة، و يتدرَّج الطالب في دراسة هذه العلوم إلى أنْ يصلَ إلى مرتبة تُؤهله لحُسن الفهم و الإدراك عن الله - عز و جلَّ - و رسوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - و جودة ضبط المسائل الفقهيَّة، و ما يناسب النَّاس من الأحكام التي تمليها الأدلَّة و النُّصوص و الغايات و الحكم و المقاصد الشَّرعيَّة.

و هذا المنهج هو الذي سار عليه أهلُ العلم، الذين يتقوَّى المرءُ بمطالعة كُتُبهم، و يحيا باستنشاق روح الرُّسوخ و الإخلاص و التأصيل من تصانيفهم، و مع أنَّ هذا المنهج يستغرق الوقتَ من العمر و لكنَّه أكثر المناهج سدادًا و توفيقًا، و به يُصنع العالِمُ الرَّاسخ، الَّذي يستطيع حمايةَ الشَّريعةِ، و نقْلها على أكمل وجْه و أتمِّه، و ثَمرتُه أحْلى الثَّمرات و أطيبها على الإطْلاق.

ثانيًا: المعلم:

يُعدُّ طلبُ العلم الشَّرعي تركيبةً من طالبٍ و مُعلِّم، يربطُ بينهما منهجٌ، و يوحِّدهما هدفٌ، و هو نُصرة الدين و الذَّب عنه، و حمل علم الأُمَّة و تراثها للأجيال القادمة، و حفظ الشَّريعة و نشرها؛ ليكون الدين كلّه لله - تبارك و تعالى.

و المعلِّم له دَوْر عظيم في هذه المهمَّة، و عليه من الأعْباء ما لا يُطيق حمْله إلاَّ الرَّاسخون المسدَّدون، ممن وفَّقَهم الله -تعالى- و رزقهم حُسْنَ الفهم و الخبرة، و فقه النفس العلمي و التربوي.

فالشَّيخ يلزمه فهمُ منهج الطلب، و كَيْف اعتنى السَّلف بالطلب، و كيف تدرَّجوا في الطلب إلى أنْ وَصلوا إلى ما وصلوا إليه من المكانة الرَّفيعة بين الأُمَّة، و كذلك معرفة نفسيَّات الطلبة، و قدراتهم الذهنيَّة، و مُؤهلات الطَّالب، و ما الَّذي يستطيعه في عمليَّة الطَّلب، و مع كوْن الشَّيخ نفسه قُدوة علمًا و عملاً، فيكون كالصّورة التطبيقيَّة للعلم و العمل.

و بالطَّبع لا يغفل الشيخُ عن جانب التربيَة، و السلوك، و الإرشاد إلى هَدْيِ الإسلام في تزكية النُّفوس و تحليتها بكريم الخصال و الشِّيَم.

فالنَّاظر بعين البصيرة في الواقع المعاصر، يجد أنَّ طالب العلم يفتقر في كثير من البلدان و الأحيان إلى:

1- العالم المنهجي:

و هو الذي يهتمُّ بتلقين الطالب أصولَ الفنّ، ثُمَّ يرفع الطالبَ شيئًا فشيئًا في سلَّم التحصيل العلمي للعلوم المختلفة، و هذا النَّوع من أهل العلم، إمَّا موسوعي أو متخصِّص في فنٍّ من الفنون، و على دراية قويَّة به، و على كلِّ حال، فالمهمّ هنا هو التدرُّج و المرحليَّة التي تصنع عالمًا مرتبطًا بسلَفِه، في إطار منظومةٍ كبيرة من اتِّصال الخلف بالسَّلف في العلم و أصوله و قواعده و منهجه، و أمَّا أنْ يتلقَّى الطالبُ ما انتهى إليه العُلماء من المسائل، و ما انتهت إليه أيديهم من التَّصنيف، ثُم يظنُّ أنَّ ذلك العلمُ - فخداع للنَّفس و للطلبة المساكين، يدُلُّ على جهل بمنهج التَّعليم، الذي صار عليه الرَّاسخون مُنذ عهد النُّبوَّة إلى الآن، و الأحرى بصاحبه أنْ يصلحَ من نفسه، و لا يقع في تَخليط و مغالطة لمنهج التَّعليم و التلقِّي، و لْينظر في سِيَر العُلماء الذين سلَّمت لهم الأمَّة بالإمامة و الفقه في الدين بِمعناه العامّ؛ لعلَّ الله - تعالى - أنْ يُنير له بصيرتَه، و يسدِّد خطاه.

2- العالم المربي:

و هو الشَّيخ الخبير بالنَّفس و أحوالها، العالم بكيفيَّة معالجة الشَّرع لأدران البشريَّة، فيعمد إلى الأخذ بيد الطَّالب من التخلية إلى التحلية، و بنائه بناية نفسيَّة سويَّة ترتبط بالله - تعالى - و رسوله - صلى الله عليه و سلم - ارتباطًا تطبيقيًّا، من خلال الآيات و الأحاديث، و النَّماذج السلفيَّة و التَّاريخيَّة و المعاصرة للعُلماء و أهل الصَّلاح و الفلاح من صالِحي المسلمين و عُبَّادهم.

و هذا النَّوع من العلماء كالأب للابن و الأخ لأخيه، يبثُّ فيه التوادّ و الإخلاص و الجدِّيَّة، و اللِّين و الرِّفق و المحبَّة، و التَّواضُع و الصِّدْق و الصَّبر، و تعْبيد النَّفس إلى الله - تعالى - يُراعي أحوالَ الطالب و نفسيته، و ينظرُ في أمره، و يرشده و ينصحه، و يصنع منه نموذجًا يثبت في مظانِّ المواجهة.

3- القدوة الصَّالحة العالمة العاملة:

و هذا النَّوع من العُلماء هو الَّذي يُمثِّل نموذجًا تطبيقيًّا للقرآن و السُّنَّة، و السَّلف من الصَّحابة و التَّابعين، ماشيًا على الأرض بين النَّاس، فمن المقرر أنَّ التجربة العمليَّة و النماذج التطبيقيَّة لها على النَّفس من التَّأثير ما لا تبلغه النَّظريَّات المسطَّرة في الكتُب المدوَّنة.

و بعد أنْ تعرَّضْنا لهذه الأمور على طرفٍ من الإشارة و الإيجاز، و الَّتي يُرجى أنْ تكون أوْقع في النَّفس من التَّطويل و التَّذييل، و بها ندرك ما يلزم الحريصَ التزامُه، و السَّعي فيه و انتهاجه، لا يبقى إلاَّ بعضُ التَّوصيات و النَّصائح التي قد تُسْهِم في حلِّ هذه الإشكاليَّات، التي يَجب أن تُحَلَّ؛ لإنقاذ تُراث الأمَّة، و حمل عبْء التَّبليغ للعالم بجدّ و إخلاص، و منهجيَّة سالمة من الآفات و العوائق.

النصائح و التوصيات:

1- من لم يَجدْ في نفسه القُدرة على الوفاء بشروط الطلب الجِبِليَّة و المكتسبة، فلا يقحم نفسه فيه؛ خوفًا على دينه، و على دين الناس، و ليعلم أنَّ أبواب الخير و نُصرة الدين كثيرة، فلا يتَّبعُ شَهْوَتَه في ذلك، و لا يُطِيعُ نفسه الأمَّارة، بل يكبحُ جماحها و يقودها نحو سُبُل الخير، التي تتناسبُ مع ما منحه الله - تعالى - من قُدرات؛ كالدَّعوة العامة، و الإنفاق، و الجهاد، و القيام بحقوق الأهل و الإخوان، أو كفالة طالب علم، و هم في الأَجْر - بأمر الله تعالى - سواء، و لعلَّ ذلك يكون سببًا في الوصول إلى الرُّتَب و الدَّرجات في رِضوان الله - تعالى - و جنَّته.

2- توفير الكسب و الرِّزق للطَّالب، بالإعانة أو الكفالة أو المشاركة في الأعمال قليلة الوقت، كثيرة الدخل، و اهتمام الحكومات و المؤسسات الرسميَّة و الخاصَّة بذلك.

3- توفير الكتاب لطالب العلم، سواء بالنُّسَخِ المجانيَّة لطلبة العلم المعروفين بذلك، أو بالتَّخفيضات بحيث يكون الكتاب ثمنه رمزيًّا، أو بإنشاء المكتبات العامَّة، التي تحتوي على ما يحتاجه طالب العلم من كُتُب و مراجع متنوّعة لكافَّة المراحل.

4- إتاحة الفُرصة لطلبة العلم للعمل الدَّعوي، و نشر ما تحمَّلوه من علم، من خلال مساعدة إخوانهم، و يكون ذلك تحت إشرافِ و مُتابعة العُلماء و رجال الدَّعوة، مِمَّا يعين الطالب على استحضار المادة العلميَّة، و يتيحُ له التدرُّب على إلقاء العلم و المشاركة في مسؤوليَّة تحمُّل العلم و نقْله للمسلمين.

5- الاهتمام بالتدرُّج و التأصيل في منهجيَّة طلب العلم، و الاعتناء بتشبّع الطَّالب من علوم اللُّغة و الأصول و القَواعد، و صِغار العِلْم قبْل كباره، و التدرُّج في طلب الأقوال و الآراء، و التشبُّه بعلمائنا و سلَفنا الصَّالح، و مَن أراد أن ينتهي مثل نهايتهم، فليبدأْ مثل بدايتهم، و لْينتهج نهجهم.

6- الاهتمام بصناعة العُلماء و المربّين المنهجيِّين، و صناعة النَّماذج التطبيقيَّة العالمة العاملة من العُلماء، مع الانتِباه إلى التَّخطيط لصناعة كتائب من هذا الثَّالوث المبارك؛ لتتعدَّد الصُّفوف، و تتوالى في المواجهة و الدَّعوة، و التَّعليم و التطبيق، و غير ذلك من الأمور، التي بها ينصر دين الله -تعالى- و سنَّة رسوله -صلى الله عليه و سلم- و منهج السَّلف في العلم و التعبُّد.

الرابط : https://www.alukah.net/social/0/81833/

قراءة 795 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 22 كانون1/ديسمبر 2021 09:17

أضف تعليق


كود امني
تحديث