3- الجهل بفقه الخلاف و حب الجدل:
كثيرا ما يحل العنف في المسائل الاجتهادية محل الحوار، بل و يتطور الأمر إلى حد التبديع و التفسيق ثم التكفير و استباحة الدماء المعصومة، و قد قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:" و لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"، و المراد من هذا أنه لا يجوز لأحد أن يكفر مسلما موحدا بذنب يرتكبه كالزنا و شرب الخمر و عقوق الوالدين و هي من الكبائر ما لم يستحل ذلك، فما بالك بالأمور الخلافية.
و انظر إلى الرجل الذي سأل سيدنا علي فلما أجابه، فقال الرجل:" ليس كذا يا أمير المؤمنين و لكن كذا و كذا"، فقال:" أصاب و أخطأت و فوق كل ذي علم عليم"، قال الغزالي معلقا:" و هكذا يكون إنصاف طالب الحق!! و لو ذكر مثل هذا الآن لأقل فقيه لأنكره و استبعده".
كما نهى النبي الكريم عن الجدل؛ و ذلك لمعرفته بما يجنيه هذا الأخير على أمته، قال صلى الله عليه و سلم: (ماضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل).
فالجدل من أخطر الأمراض التي تفتك بالشباب المبتلى بالفراغ الديني، فينشغل بالقضايا الجزيئية أو الأحداث التاريخية المنتهية و لا يسأم من المجادلة فيها، و ينصرف عن القضايا المصيرية للأمة، في الوقت الذي طالت فيه العولمة كل مقومات الأمة من ثقافة و دين و هوية، و أصبح للعلمانيين منبرهم و لليمينين منبرهم، و حيث الحملات التنصيرية مستعرة في دول افريقية الفقيرة و المسلمة.
3- الفكر الجهادي المغلوط لدى الجماعات الدينية:
من المآخذ التي تؤخذ على بعض الجماعات البعد عن الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية، فكثير من الأحزاب و الجماعات تأسست بناء على قراءات خاصة و مفاهيم مغلوطة عن الجهاد و الإمارة و التعامل مع الحاكم حالة الفتنة، و التي تعتمد في دعوتها على الشحن العاطفي المبني على المغالطة الفكرية و الدينية، و كل ذلك ناتج عن إهمال الجانب التربوي و الديني لدى أفراد المجتمع في فترة الدراسة ما جعلهم عرضة للانحراف و صيدا سهلا للشعارات البراقة عن إقامة الدولة الإسلامية المنشودة التي ظاهرها الصلاح و باطنها الخراب و الدمار؛ لذا فإن ما تطفح به بعض المنتديات الالكترونية اليوم و صفحات الإنترنت من عناوين بجواز قتل النساء و الأطفال و السفراء .....و غيرهم، لا يعبر عن أصالة هذا الدين، بقدر ما يعبر عن فكر مأزوم منفعل، مصدوم بواقع الهزيمة، فاقدا البوصلة الشرعية و الفكرية و المصلحية في التعامل مع هذا الواقع.
4- ضعف دور العلماء في التوعية الدينية لشباب الأمة:
يتحمل علماء الأمة و مفكروها في جميع المجالات وزرا لا يستهان به فيما يتعلق بانحراف الشباب فكريا، و ذلك أن العلماء عزلوا أنفسهم بقصد و بدونه عن شريحة واسعة من شبابنا الذين التبس عليهم الحق بالباطل، فراحوا يبحثون بأنفسهم عن مخارج شرعية لحالة الإحباط السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي التي تعيشه الأمة دون الرجوع إلى العلماء و لا يخفى خطر ذلك على أحد، قال ابن مسعود: "لايزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم و عن أمنائهم و علمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم و شرارهم هلكوا" ، قال ابن قتيبة في تفسير ذلك: "لايزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ و لم يكن علماؤهم الأحداث لأن الشيخ قد زالت عنه حِدة الشباب و متعته و عجلته واستصحب التجربة في أموره فلا تدخل عليه في علمه الشبه و لا يستميلها لهوى و لايستزله الشيطان، و الحَدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ".