أكثر ما قد يشغل بالنا كأولياء هو أن يتربى أبناؤنا على قيم عالية و أخلاق سامية و سلوك قويم، لكننا للأسف مع الأيام نتيه في زحمة الحياة و مشاغلها و تضغطنا تقلباتها و مشاكلها فنفقد زمام الأمور و يصعب علينا التحكم في أساليبنا التربوية، و كثيرا ما نرتكب أخطاء تفسد من حيث نشعر و لا نشعر خططنا في تربية أبنائنا، فنسارع غالبا للحلول السهلة القريبة من طبائعنا المشحونة و التي تعتمد بالطبع على أسلوب التلقين و إعطاء الأوامر المتكررة التي لا تكاد تنتهي. و الحقيقة أن أسلوب التلقين أصبح ساريا في كل أسرنا و انتقلت عدواه لمؤسساتنا التربوية و النتيجة أن الأولاد يضجرون منه و يرفضونه و بالمحصلة لا يأخذون شيئا مما يلقن لهم من معلومات و آداب و نصائح تنفعهم، ليس لرفضهم إياها بل لضجرهم من هذا الأسلوب الممقوت لديهم.
و قد لاحظت خلال عملي كمديرة لمدرسة قرآنية أنّ المعلمات يبدأن بحماس كبير و حب جلي – منطلقه الإخلاص أكيد - لإعطاء تلاميذهن من الأطفال خاصة أكبر قدر من المعلومات و النصائح و التوجيهات و المواعظ و يحاولن تلقينهم بعض الأذكار و الأحاديث و و و و كلها قد تأخذ في بعض الأحيان حيزا مهما من وقت الحصة المقرر فيها برنامج خاص في المراجعة و تلقين السور و استظهارها و أحكام التجويد، ما يتعلق مباشرة ببرنامج تحفيظ القرآن. طبعا الأصل أن المدرسة في هذه الحالة تلتزم ببرنامجها المقرر و في الوقت نفسه لها دور تربوي رائد بحيث تغرس في طلبتها كل قيمة نبيلة و خلق كريم و سلوك سليم، الخلط يقع فقط في أسلوب غرس هذه القيم، حماس المعلمات يجعله يقترب من التلقين و الكلام الكثير الذي قد يطغى على وقت الدرس، بينما الصواب و الذي ندعو له دوما و نحرص عليه أن تكون هناك لفتات تطبيقية متكررة و ومضات إيحائية معبرة و استغلال لشروحات الآيات من أجل غرس أي قيمة جميلة ..
فأنت خلال الدرس تستطيع أن تحرص على إلقاء الطلبة السلام كل يوم دخولا و خروجا فتعلمهم التحية تلقائيا، ثم ينتظمون في الصف و يلتزمون أماكنهم و تحرص على نظام قسمهم فهذا يعلمهم النظام، و التدريب على احترام الوقت من أكبر القيم فتأتي مبكرا و تلزمهم بالحضور في الوقت ثم لا تضيع وقتا في حديث بهاتف أو مع أحد، هكذا تشعرهم بشكل تلقائي بأهمية الوقت الكبيرة فيتربون على احترامه بدقة، و تفتتح مجلسهم بدعاء و تختتمه بدعاء تكرره كل حصة فيتعلمون الذكر و يلتزمونه بلا عناء، و جميل أن ترتب أمامهم مستلزماتك و تلزمهم بترتيب أحذيتهم إن كانوا يفترشون الزرابي فيلتزمونها مع الأيام و قد تنغرس فيهم فيلتزمونها في البيت أيضا و هذا المراد، و لك في لحظات تلقينك لهم للسورة و تفسيرها متسعا في إعطاء ومضات مؤثرة قصيرة لكنها تنطبع في ذاكرتهم بأسلوب مميز قريب من أفهامهم و بأمثلة تمس حياتهم اليومية فتغرس فيهم ما شئت من قيم و تبعث إلى قلوبهم النقية ما يحتاجونه من رسائل دون كثير كلام فالكلام الكثير ينسي بعضه بعضا و المركز ينطبع في النفس انطباعا. هكذا ببساطة و بشكل مكرر في كل حصة و بأساليب متنوعة تحبب إليهم كل خلق سامي و تغرس فيه كل سلوك قويم بعيدا عن أسلوب التلقين غير المرغوب فيه عندهم.
و هي رسالتي لكل الأولياء بأن يتبعوا أسلوب التطبيق المتكرر لما يريدون غرسه في أبنائهم من سلوك بشكل محبب و بتشجيع مستمر و يبتعدون عن أسلوب التلقين و الأوامر الذي يعطي نتائج عكسية. فالتطبيق أبلغ بكثير من كل تلقين.