أبعد الطفل عن المعلم الأول و هي الطبيعة، و تم إغراقه في بيئة مزيفة من الإلكترونيات.
تم سجنه خلف جدران تحجب عنه لمسات أشعة الشمس، و مشاكسات نسمات الهواء، و منع عنه شحنات أصوات أعذب موسيقى طبيعية قد تحدثها التقلبات الجوية.
إن ما نلاحظه للأسف على أطفال المدينة، بل و حتى المتواجدين في الريف بعدهم الشاسع عن اتخاذ ما حولهم كألعاب، فكل لعبهم و ألعابهم جاهزة، تفقد كثيرا ذاك الرونق الطبيعي.
إن الحياة المدنية تحيط الصغار بمساحات إسمنتية للأسف.
كل ما يحتاجه الطفل موجود في الطبيعة، فهي الصديق الفعلي و الفعال له.
بالتربة و الصلصال و ما يوجد من مواد خام فيها..يجسد الطفل خيالاته، بل و يصنع ألعابه بأنامله.. فتكون منه كبعض الروح.. يعجنها براحته فيستخرج أشكالا تلفت انتباهه، و تعتني باهتمامه الإبداعي ربما كالنحت مثلا.
و بهذا يكون قد تم تنمية جمالية الفن فيه.
كما أن المخلوقات التي توجد بالطبيعة التي لا تكف عن إصدار أصواتها..مثل القطط و مناوشاتها، الطيور و زقزقتها، الكلاب و نباحها، الأحصنة و صهيلها.
الحشرات بأشكالها، الحلزون بهدوئه.. كلها أصوات و حركات و أنواع تدعوه للتأمل و الاستماع و يصير مركزا في محيطه، فيتعلم متى يهدأ، متي يبدي ردة فعل، و يتعلم كيف يتحرك، و كيف يوظف أعضاءه.
و بهذا يكون قدم تم تنمية حواسه و عقله و روحه.
السماء بتغيراتها بأمر ما تفرضه عليها تغيرات فصول السنة، الشجر الذي يدعو الطفل للعب حوله فلا يكل و لا يمل منه، بل تنثر عليه أوراق الحب فلا تنهاه و لا تصرخ بوجه و لا تخبره أن يخفض صوته حين يريد تمرين حباله الصوتية بضحكات السعادة.
و لا تدعوه للتوقف عن دورانه بها.
كذلك الأزهار، بألوانها و أشكالها و اختلاف روعتها تبع في نفسه الطمأنينة و الجمال.
فكم هي جميلة حياته مع الطبيعة كصديقة صادقة.
هذا ما يفسره حياة العرب قبل الإسلام و أثناءه، إذ كانوا يختارون مراضع لأولادهم و يرسلونهم للبادية في تكويناتهم في المرحلة الأولى فتغرس فيهم المبادئ و الأخلاق.
و قد بينت الأبحاث و الدراسات أن نشوء الأطفال وسط الطبيعة، و التعلم في مدارس محاطة بالمساحات الخضراء يرفع مستوى الذكاء لديهم، و يجعلهم أكثر قدرة على الاستيعاب و على اكتساب مهارات اجتماعية، بالمقارنة مع تلاميذ المدارس المدن.
و عليه فإن من المزايا التي يحظى بها الطفل حين يكون صديقا للطبيعة ما يلي:
- يطور الإبداع و يساعد التلاميذ على حل العقبات.
- يعزز القدرات المعرفية.
- يزيد النشاط البدني، و يحسن تغذيتهم، و ذلك لمعرفتهم بالتغذية الصحية و لتناولهم الخضر و الفواكه.
- يحسن الانضباط الذاتي و تقلل التوتر.
لهذا و من هذا المنبر ندعو كل الأمهات و الآباء أن يعطوا لأولادهم مساحة من اللعب بعيدا عن سجنهم بالألعاب الالكترونية، أو داخل المنزل، و من لا تتوفر حوله هاته الطبيعة فإن الخروج في نزهة نهاية كل أسبوع كفيلة بتعزيز تلك الحاجة الماسة للطبيعة.
الرابط :