في قريتي التى أسكنها في أرض البلقان بإحدى دول أوروبا الشرقية يوجد مسجد فيه يوم السبت و الأحد حلقات تحفيظ القرآن الكريم..* ظننته في البداية يوما عاديا حيث يجلس الشيخ و يلقّن الأطفال القرأن الكريم و يصحّح لهم الأخطاء..
*و إن شئت فقل الأسلوب التقليدي الذي اعتدت أن أراه في معظم البلاد العربية.*
صليت المغرب و هممت بالخروج فإذا بالأطفال الذين صلّوا معنا ينشطون عقب الصلاة و الأذكار *و يحوّلون الصالة الأمامية للمسجد إلى ساحة لعب.*
أحضروا طاولة للعب : تنس الطاولة، جهزوها و أمسكوا المضارب فتحوّلت الصالة الأمامية إلى كرنفال بهجة و سرور.. إمام المسجد يشبه الطفل في تصرفاته معهم، هل هذا هو الإمام الذي يقبّل الأطفال يديه منذ قليل ..؟*
نعم هو .. وقفت ألاحظهم و أتعجّب ؛ فاقترب مني الإمام و قال لى :
*أعتقد أن بلادكم العربية لو رأى المسؤولون في مساجدها ما نفعل في مساجدنا لبدّعونا و فسّقونا ..*
علمت ما يريد قوله و وفرت عليه حوارا كبيرا و قلت له كل ما تريد قوله أعلمه، و لكن أعطني شيئا جديدا تهدفون إلى الوصول إليه من أساليب التربية هذه.
*تربية المسجد ؟*
فقال *قتل النفاق.*
سبحان الله، إجابة لم اتوقعها و انا من ظن بنفسه انه يعرف الأساليب و الأهداف كلها بحكم طبيعة تخصصي و عملى كأخصائى اجتماعي طيلة عشرين عاما .
*قلت له كيف هذا ..؟*
قال : الطفل عندكم يلتحق بمكاتب التحفيظ ليتعلّم القرآن الكريم *فيعيش في بيئة إيمانية*، ثم يخرج إلى الشارع يريد أن يشبع رغباته كطفل يريد اللعب، اللهو، الأصدقاء فيشبعها في *بيئة غير منضبطة* شتائم و ألفاظ و معارك ووو... ، و لا بد أن يتأقلم معهم في هذه البيئة حتي يستطيع أن يشبع رغباته من خلالهم، فإن عاد إلى مكتب التحفيظ *التزم سلوك التديّن و سلوك الطفل المتأدب بآداب القرآن* كما هو مطلوب منه .
*فيعيش الطفل حالة من التقلب تؤدي به إلى طريق النفاق .*
هل عرفت الآن ؟ لماذا نربي أولادنا في المسجد *نحفظ و نلعب ندرس و نلهو ..* ؟؟
ثم قال نزل الإسلام ببلادكم، بلاد العرب *و كان النبي صلى الله عليه و سلم يجعل من المسجد حياة كاملة.* بل حياته كانت كلها نسقا متكاملا حتى أنه كان يسابق عائشة و هو في طريقه للقتال.
*و أنتم أخذتم من الإسلام جسده و تركتم روحه..*
و هنا أوشكت دموعي على السقوط ..
*و تذكرت قصة المرأة التى بعثت بابنها صاحب الأربعة عشرعاما لأحد المراكز الإسلامية بأوروبا لكي يسلم ..*
و حين دخل على الإمام سأله الإمام :
من أتى بك إلى هنا ؟
قال الطفل : *أمي..* و هي تقف خارج المركز
قال الإمام : *لماذا لم تدخل معك ..؟*
قال الطفل : *هي غير مسلمة.*
تعجب الإمام و طلب منه أن يستأذن أمه لتدخل .
دخلت الأم فسألها الإمام. .
أنت *لست بمسلمة* كما أخبرني ابنك .. *إذن لماذا تطلبين من ابنك أن يسلم ..؟*
امتلأت عيون الأم بالدموع و قالت :
*لي جارة مسلمة و لها طفل في عمر ابني، ما دخل البيت و لا خرج إلا قبّل يدها و سلّم عليها، فتمنيت أن يكون ابني مثله ..*
*أيها السادة علّموا أولادكم الشطر الأعظم من هذا الدين، الروح، الحب، التسامح، اللين، البشاشة، العفو، التعايش، الصدق، القيم و المبادئ كلّها *
يقول الدكتور عمر عبد الكافي ، *القرآن الكريم ٦٢٣٦ آية* أيات *العبادات* في القرآن لا تزيد عن *١٣٠ آية* فقط أي نسبة *٢٪ من القرآن* ، في حين ان آيات الأخلاق *١٥٠٤ آية* اي نسبة *٢٤٪ من القرآن* ، تقريبا *ربع القرآن* ،
و مع ذلك ركّز عدد كبير من المسلمين على *العبادات* و ترك الجزء الأكبر من *المعاملات و حُسن الخلق !*
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : *( ما مِن شيءٍ أثقلُ في الميزانِ من حُسنِ الخُلُقِ )*
و قال ابن قيم الجوزية : *الدين كله خُلق، فمن فاقَك في الخلق، فاقَك في الدّين.*
اللهم ارزقنا حسن الخُلق و طهارة النفس, و حلاوة اللسان وسعة الصدر و سلامة القلب و أعنا على تربية ذريتنا كما تحب و ترضى.