قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 13 آذار/مارس 2022 12:14

مشروع إعداد المربي.. الواقع و الآفاق 1/2

كتبه  د. ليلي حمدان
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يقول مالك بن نبي في كتابه “شروط النهضة” [1]: “إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته، و لا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، و ما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها.. و ما الحضارات المعاصرة و الحضارات الضاربة في ظلام الماضي و الحضارات المستقبلية إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ فجر القرون إلى نهاية الزمن، فهي حلقات لسلسلة واحدة تؤلف الملحمة البشرية منذ أن هبط آدم على الأرض إلى آخر وريث له، و يا لها سلسلة من النور.. تتمثل فيها جهود الأجيال المتعاقبة في خطواتها، المتصلة في سبيل الرقي و التقدم”.

إن الوقوف عند كلمة “الأجيال” يفتح أمامنا قضية مصيرية هي اليوم -على أهميتها البالغة- في أسفل قائمة اهتمامات المسلمين، من حيث جدية التناول و التعامل و الاستدراك.

و للأسف يتعرض الجيل الجديد لحملات خبيثة تستهدف مقوماته العقدية و الأخلاقية بشكل مباشر و غير مباشر، فضلًا عن تبعية منهزمة لمناهج الخارج، مما يهدد آمال الأمة المستقبلية في النهوض الواعد، بل و ينذر بخسائر كارثية لا يليق أن تتكبدها أمة مسلمة تقوم رسالتها على صناعة الأجيال و إعدادها.

ضعف ثغر التربية

و ما يزيد الأسف شدة، أن العناية بحفظ هذه الأجيال لم ترتق لمستوى الأخطار التي تتربص بها، بل و لم تبلغ بعد نصاب الوعي المنذر بأهميتها في وقت تعيش فيه الأمة حربًا شرسة تعمل على تحويل أجيال المسلمين لأعداء للإسلام لا قادة و جندًا له كما ينبغي. أو يُتركوا لمصير “الصدفة” بلا بوصلة و لا إعداد إسلامي متين، تتخطفهم الدعوات الضالة أو النهايات البائسة.

و رغم ازدحام التنظيرات التي تستخلص الحلول لنهضة هذه الأمة، تبقى ساحة العمل و ميدان التطبيق يعانيان من ضعف الجدية و قلة التأثير، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، حيث تُفتقد القوى المحركة التي تصنع الرجال و تُصلح المجتمعات، و تُفتقد المشاريع المؤسساتية الفعالة التي توفر مصادر القوة وأسبابها و تُوجد التغيير و مسبباته.

و حين نتحدث عن مجتمع مسلم فنحن أمام شعب حديث اليقظة لاتزال آثار النوم الطويل بادية عليه. مما يستوجب النفير و التعبئة لتحقيق الانبعاث الإسلامي الذي طال انتظاره. و قد جرت السنن كما لاحظ ذلك مالك بن نبي و غيره أن الحضارة لا تنبعث إلا بالعقيدة الدينية [2]، و هو نفس ما عبّر عنه “والتر شوبرت” في كتابه “أوروبا و روح الشرق”.

الحاجة الماسة لصناعة الرجال

 لذلك لا يمكن لنا أن نحقق تغييرًا منشودًا و قفزة حضارية إلا بترجمة العلاقة العضوية بين الإسلام كعقيدة و الفرد المسلم كحامل لهذه العقيدة و عامل بها و لها. و قد أشار مالك بن نبي لهذه القضية بشكل تشخيصي حين قال: “الأمر متصل بمشكلتين مختلفتين في أساسهما، فهنالك هم في حاجة إلى مؤسسات، بينما نحتاج هنا إلى رجال، فمن الرجل تنبع المشكلة الإسلامية بأكملها”.  ثم أضاف: “يجب أولًا أن نصنع رجالًا يمشون في التاريخ، مستخدمين التراب و الوقت و المواهب في بناء أهدافهم الكبرى”. [3]

و أما عن صناعة هؤلاء الرجال، يقول مالك بن نبي: “فالتّغيير يبدأ بنثر بذور الإصلاح في نفوس الأجيال من خلال تقديس الهيكلين الأساسيين المسجد و المدرسة باعتبارهما منطلقًا للبعث الرّوحي و البعث الفكري اللذين هما عماد كلّ حضارة”.

وهو تمامًا ما انطلق منه و دعا إليه الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل في سلسلته “أين الطريق؟” عند طرحه لمشروع المؤدب أو المربي، الذي تناوله في باب التزكية و التربية الإسلامية، و هو المشروع الذي إن حرصنا على تحقيقه، سيقفز بالأمة قفزات كبيرة، يخرج بنا من دائرة القول و التنظير إلى دائرة العمل و التأثير، يسد النقص الذي أحدثه انشغال الناس بهموم العيش، بحسن استثمار الطاقات و الفرص، على أساس العلاقة التكاملية التكافلية في المجتمع المسلم. فكم من النساء و الشباب و المتقاعدين ممن يحمل كفاءة في التربية يجلس عاطلًا عن العمل بينما يفتقد الآباء الوقت و المعرفة و الوسائل لتربية أبنائهم. لقد آن الأوان لأن يقوم بوظيفة التربية الأكثر كفاءة لإعداد الأجيال المسلمة.

فتربية الجيل تعاني اليوم التقصير الشديد من جهة؛ لانشغال الآباء عنها بمشاغل الحياة، و من جهة أخرى لعجز هؤلاء الآباء عن تقديم التربية الإسلامية القويمة لأبنائهم. من هنا تأتي أهمية صناعة مربين قادرين على انتشال الجيل من مستنقع هذا التقصير و تأمين قوى مصيرية لمستقبل الأمة. إنه مشروع صناعة الرجال الذين يسهرون على إصلاح نفوس الأجيال و بالتالي تأمين الجيل الذي سيحمل الراية من بعدهم.

العناية بالتربية سنة قديمة

لطالما أولت الأمم السابقة عناية فائقة بالأجيال، و يعد ذلك من أهم أسباب نجاحها في إقامة حضارة إسلامية خلدها التاريخ، حيث كانت تربية الأبناء مقترنة بالتعليم، منتشرة في مجتمعات الأقدمين، يتكفل بتربية الجيل و تهذيبه المربون للعامة في المساجد و للخاصة في القصور، و كان يُنتخب لهذه المهمة العظيمة متخصصون متمكنون يتفرغون بشكل كامل لتربية أبناء الملوك و الأمراء و القادة، و لم يكن يتولى هذه المهمة إلا المشهود لهم بالعلم و الكفاءة و حسن السيرة و الصدق، فكانت مهنة النبلاء الذين يحملون صفة الرسالية.

و كان المربي قدوة يقتدى به من خلال الاحتكاك و التعايش معه، كما يرد ذكره في العديد من المواقف التاريخية التي تتناول سير القادة، نذكر منها وصية عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدِّب ولده، حيث قال له: “ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح ابني، إصلاح نفسك؛ فإن أعينهم معقودة بعينك، و الحسن عندهم ما استحسنت، و القبيح عندهم ما استقبحت”. [4]

و قد ظهرت ثمار هذا التخطيط الواعي بتربية الجيل و إعداده عند ظهور العدوان الخارجي ببروز القيادات النجيبة التي وقفت على ثغورها في الوقت المناسب، و حتى حينما كان يمر المسلمون بحالات ضعف مزلزلة، ما نلبث أن نشاهد بركات هذا الاهتمام بالتربية في ظهور قادة فرسان جدد يحملون الراية و يكملون المسيرة.

غياب المربي المتخصص في زماننا

لقد جنت هذه الأمة خسائر كبيرة لغياب هذا التخصص، تخصص المؤدب الصائغ الذي يصوغ و يصنع المربي، يصفه الشيخ حازم فيقول: “فرق كبير بين مشروع لدين الإسلام و بين مشروع لدنيا المسلمين، مشروع الإيجاد غير مشروع الاستفادة من موجود… مشروع ينتج الأئمة غير مشروع ينتج المأمومين”.

فدعوة العامة تختلف عن صناعة الأئمة الذين يدعون هذه العامة، من هنا تظهر الحاجة الملحة لمشروع المربي في زماننا لاستدراك الأجيال و حفظها من الضياع و إعدادها للجد و العمل و تحمل أمانة الدين.

مشروع المؤدب إنشاء للأمة الإسلامية

في سبيل ذلك اقترح الشيخ حازم مشروعًا عمليًا لصناعة المربي، يهدف إلى التحول من العطاء الفردي إلى العمل المؤسسي. يقوم بشكل خاص على إيقاظ حس المسؤولية في ذات الفرد، و يدفعه للتحول بنفسه إلى محرّك يصنع التغيير و مؤسسة تصنع أجيالًا مسلمة. فلا يسارع لرفع العتب بإرسال مبلغ من المال للمشاركة في تأسيس المشروع، بل يتحرك بنفسه لتأسيسه، و يتحول من فكر العمل العابر إلى فكر العمل المؤسسي الذي تزداد الحاجة إليه في كل يوم.

إن إنشاء مؤسسة تنتج لنا قادة للتربية و توفر لنا العنصر المؤدب المربي، ستسد حاجة جميع قطاعات المجتمع من الأسرة إلى المدارس الإسلامية و النوادي و تصل بركاتها إلى المسلمين في الغرب، بتوفير ما يحتاجه المعتنق الجديد للثبات على الإسلام سواء انتقل للعيش في بلاد إسلامية أم بقي يكابد العقبات في بلاد الغرب.

كيف ننشئ مشروع المؤدب

للمشروع عناصر محددة وخطة عمل واضحة، تشمل 3 حلقات متصلة ببعضها اتصالًا وظيفيًا دوريًا بحسب ما لخصها الشيخ حازم.

الحلقة الأولى هي المساجد: نقطة الانطلاق الأولى حيث سيتم ترشيح و انتقاء الموهوبين من الشباب ذوي الكفاءات، ممن ازدان بالصدق و التقوى و اشتهر بحسن الخلق و الأدب، و أظهر قدرة على التعامل القدوة مع النشء.

الحلقة الثانية الأثرياء: ممن سيتكفل بتمويل المشروع، فضمان استمرارية المشاريع العظيمة كهذه لا يمكن أن يقوم على التطوع، إذ لابد أن يتفرغ العامل له بكل جهده و إخلاصه لنتأكد من جديته في العطاء و المثابرة، و لذلك لابد من سد حاجته للكسب، فلا يضطر لقطع العمل في منتصف الطريق عندما تخف حماسته للتطوع أو تضطره الحاجة للبحث عن مصدر رزق. و لعل أفضل طريقة لضمان استمرار التمويل أن يستفيد أبناء هؤلاء الأثرياء أنفسهم من هذا المشروع ابتداءً، فيتم بالموازاة انتقاء عدد من أبنائهم لتربيتهم تربية إسلامية واعدة. و هكذا تؤمن الأسر الثرية عملًا للمربي، و يؤمّن المربي للأسرة الثرية تربية إسلامية لأبنائها، يعود نفعها على أنفسهم و أمتهم.

الحلقة الثالثة مركز العمل: أين سيتم إجراء دورة للكفاءات المرشحة لتولي هذه المهمة -مهمة التربية- و في نفس المكان سيتم إلحاق الأطفال الذين وقع عليهم الاختيار لدورات التربية.

و الحقيقة أن أجيال الموحدين ليس هناك من يربيها البتة أو يجهزها و يعدها لما هو آت في معترك الصراع الذي تعيشه الأمة المسلمة، لذلك يجب المسارعة لإقامة هذا المشروع الذي ستزيد بركاته و يتسع تأثيره كلما امتدت دائرة نشاطه، فتكوين 20 مربيًا كفؤًا لتخريج 200 طالب بمقاييس التربية الإسلامية الجليلة، يقدم نتائج مضاعفة حين يتضاعف عدد هؤلاء المربين و الطلبة بشكل طردي.

شروط يجب أن تتحقق في مشروع المربي

يعتمد مشروع التربية على الكيف قبل الكمّ، و على الجودة قبل الكثرة، لذلك لابد من تقديم همم جادة تحمل الشغف و تقدر المسؤولية؛ من أجل صناعة الكفاءات القادرة على تأمين تربية جيل أكثر تمثيلًا للإسلام، لذلك وجب العناية بحسن اختيار المرشحين ابتداء ممن يحمل العقيدة و الحمية لهذا الدين وحب الله و رسوله صلى الله عليه و سلم ثم تقديم برامج شاملة متكاملة تعتني بكل فنون التربية، تنطلق من العلم الشرعي اللازم و تحيط بعلوم النفس و الاجتماع كي يتقن المربي التعامل مع أحلام الأطفال و طاقاتهم و طبيعة كل مرحلة عمرية. فالموهبة رأس مال إلا أن التعليم الشرعي وصقل النفس و ترقية معارفها في هذا الاختصاص عامل نجاح لا يُستغنى عنه.

يمضي هذا التأسيس بالتوازي مع حسن انتقاء الأطفال الذين سيستفيدون من هذه البرامج التربوية، أطفال سيرتهم تبشر بالفلاح، يحملون نصابًا من التهذيب و الجدية، يخوّلهم تقديم نماذج ناجحة عند مساعدتهم على اكتشاف ذواتهم و قدراتهم و مهاراتهم، لصالح أنفسهم و أمتهم.

و كذلك برامج صناعة المربيين و الأطفال على حد سواء، يجب أن تعتمد برامج عقدية و أخلاقية و سلوكية سليمة من البدع و الانحرافات و الخرافات، و تربط المربي و الطفل بالقرآن و السنة ربطًا وطيدًا، القدوة فيها الأنبياء و السلف الصالح.

ثم “ما لا يدرك كله لا يترك جله” و”قليل دائم خير من كثير منقطع”، كلاهما قاعدتان مهمتان لاستمرارية المشروع، و إن اقتصر على دورات تربوية خلال العطل الصيفية و الإجازات فإن ذلك أفضل من إهمال المشروع برمته، و كلما اجتهدنا في تعميم المشروع رأينا بركات السعي في جيل أكثر تمثيلًا للإسلام.

و الجميع معني بهذا الواجب و في المقدمة الآباء المقصرين جدًا، و غير الملتزمين، و فيهم المعاصي ظاهرة، فإن افتقادهم لهذا المستوى من التربية يجعل من سعيهم لتحقيقه في أبنائهم أولوية قصوى، و دعوتهم للانخراط في مشاريع التربية تستحق التشجيع.

و لا شك أن الأخطاء واردة عند الانطلاقة، لكن مع حسن المحاسبة و الاستدراك في أي مشروع لابد أن نبصر النجاح إن صدقت النوايا و المقاصد و الوسائل.

 يتبع ...
 
 
قراءة 626 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 16 آذار/مارس 2022 09:31

أضف تعليق


كود امني
تحديث