(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 28 أيلول/سبتمبر 2019 11:37

العدوان الغربي حقيقة دموية أم عقدة نفسية؟ والمقاومة فطرة بشرية أم مظلومية ما بعد كولونيالية

كتبه  الأستاذ محمد شعبان صوان من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

عندما أراد رئيس عربي التمهيد لعملية التسوية بين العرب و الصهاينة قال إنه سيقوم بتحطيم "الحاجز النفسي" بين الطرفين، فهل كان يقصد بالفعل أن الصراع لا وجود له و أنه مجرد "عقدة نفسية" لدى أمة غير سوية بأكملها ؟ و لكن فيم تم تشريد شعب فلسطين و قتله و مصادرة أراضيه و نهب ممتلكاته و اعتقال و تعذيب أبنائه و الاعتداء على مختلف دول الطوق و دخول حروب عديدة ضدها ؟ هل كل هذا مجرد أوهام لم تحدث في عرف مدرسة "العقدة النفسية" التي لم تنشأ في السبعينيات بل سبقها قادة الثورة العربية الكبرى في بداية القرن العشرين و الذين زعموا أن مصالح العرب و الصهاينة منسجمة لولا مؤامرات العثمانيين في الإيقاع بين الطرفين ؟ و الأدهى من ذلك المدرسة التي تجعل مقاومة العدوان الغربي عموماً بل الحديث عنه مجرد عقدة أيضاً، فهل كل ما حدث منذ احتلال القرم في الربع الأخير من القرن الثامن عشر و الحملة الفرنسية على مصر ثم الشروع في الحرب التي امتدت قرناً (1821-1922) و ذهب ضحيتها خمسة ملايين مسلم في البلقان و القوقاز و خمسة ملايين مشرد، و احتلال الجزائر و ما تبعه من أهوال ثم عدن ثم تونس فمصر و السودان و أرتريا و الصومال ثم ليبيا فالمغرب ثم الحرب الكبرى الأولى و ما تبعها من تقسيمات و انتدابات و قمع ثورات ثم الحرب على العراق (1941) ثم نكبة فلسطين و أهوالها و العدوان الثلاثي ثم معركة النكسة و غزو لبنان و حصار العراق و غزوه و الأهوال التي صاحبت كل ذلك و الملايين الذين دفعوا الأثمان من حياتهم و ممتلكاتهم و حاضرهم و مستقبلهم و أموالهم و أبنائهم، كل ذلك مجرد تخيل و أوهام ؟ ففيم كتب السادة من الغرب، لمن لا يصدقون سوى الرجل الأبيض، الكثير من أدبيات تتحدث عن عدوان بلادهم ؟ عن "تفتيت الشرق الأوسط" و تاريخ الاضطرابات التي يثيرها الغرب في بلادنا، و عن "الاستشراق الأمريكي" الذي يحكم السياسة الأمريكية، و عن "تشريح القومية الأمريكية" ؟ و عن تحطيم النهضات في بلادنا ؟ و ماذا كان موضوع "المسألة الشرقية" و الأدبيات الكثيرة التي كتبت عنها ؟ و "الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة" ؟ و "الفوقية الإمبريالية الأمريكية" ؟ و"غطرسة القوة" ؟ و"الغزو المستمر" منذ خمسة قرون ؟ و"الإرهاب الغربي" ؟ و"الكابوس الأمريكي" و"الداء الأمريكي" و كراهية العالم لأمريكا ؟ و"الكتاب الأسود للاستعمار" ؟ هل كان كل هؤلاء معقدين أيضاً و يتخيلون ما لا وجود له ؟ و لماذا يراد منا أن نصدق بخيرية السيد الاستعماري و جمال عدوانه عندما نتحدث عن مقاومته ؟ فأين وصلت مدرسة معالجتنا من هذه العقد النفسية و ماذا حققت من نجاحات على أرض الواقع في التنمية الاستعمارية المرجوة لأمتنا ليقوم أبناؤنا باتباع سبيلها دون المرور بدورات العلاج المستعصي ؟ إذ يكفيهم إنجازات حقيقية و ليس مجرد خداع و أباطيل خيالية، فهل أقام سادة الغرب أي وزن لأتباعهم و المعجبين بهم فمنحوهم أي ميزة أو إنجاز يقدمونه و لو على سبيل الدعاية ؟ أم أن الحالة الأمريكية صارت القاعدة فيها هي التلذذ بإذلال أتباعها مع مطالبتهم بالدفع المستمر بلا مقابل حقيقي، هي الحالة السائدة بين السيد الغربي و التابع العربي كما نرى جلياً في علاقة الكيان الصهيوني بالسلطة الفلسطينية التي لا يراعي لها حرمة و يتفنن في إذلالها مع اعتماده الكبير عليها في تحقيق أمنه و سلامة مستوطنيه ؟

و من المهم عند الحديث عن العدوان الغربي المستمر منذ خمسة قرون، التنبيه أن شعور الشعوب الأصلية بهذا العدوان و مقاومتها إياه، لم تنتظر الآداب الغربية التي أطلق عليها ما بعد الكولونيالية، فشرارة المقاومة ضد الاستيطان الأوروبي على السواحل الشرقية لأمريكا بدأت مبكراً جداً مع شعور السكان الأصليين بحقيقة الخطر على وجودهم من القادمين عبر البحار، و ذلك بعد فترة من الترحيب الذي قام على وهم الصداقة الذي ما زال كثير من الضحايا يعتقدونه إلى اليوم، و هذا ما حدث في كل البلاد التي تعرضت للهجوم الاستعماري سواء كان استيطانياً أو تقليدياً، و إذا تحدثنا عن بلادنا، فسنجد أن المقاومة كانت تندلع فور التعرض للهجوم و العدوان الغربي، هذا ما حدث تلقائياً بعد رسو الحملة الفرنسية على مصر، و ما حدث في الجزائر بعد قدوم المحتلين الفرنسيين، فلم يكن ثوار القاهرة و لا سليمان الحلبي و لا الأمير عبد القادر و لا أحمد عرابي و لا المهدي و لا عمر المختار و لا مصطفى كامل باشا و لا غيرهم من المقاومين تلاميذ لما بعد الحداثة، و بالتأكيد لم يقرأ الشيخ عز الدين القسام كتب نعوم تشومسكي أو روجيه غارودي أو روبرت فيسك ليصبح ساخطاً على الاحتلال و يثور ضده، بل إن المقاومة فسدت و تراخت و استسلمت لمّا تصدرها تلاميذ الغرب، و إن الإهانة بعينها لشعوبنا و أبطالنا أن نظن بأن المقاوم بسكينه في فلسطين يستند إلى أي نظرية غربية و ليس إلى شعوره الذاتي و ميراثه الثقافي، نعم لقد أدرك الغربيون حقائق الظلم بعد فوات الأوان كالعادة، و كتب بعضهم بل كثير منهم عن ذلك، و هو ما لم يغير شيئاً في سياسة بلادهم، و لكن المظلوم رغم تشبث الظالم بروايته و ظلمه، شعر بالظلم فور حدوثه، و تكلم اللاجئ الفلسطيني عن نكبة 1948 و التهجير القسري و المجازر التي وقعت قبل أن يتحدث المؤرخ إيلان بابه، و ظل اللاجئ متمسكاً باعتقاده و مفتاحه بغض النظر عما يقوله المثقفون الغربيون، نعم احتفت بلادنا بالاعترافات المتأخرة، و ترجمت كثيراً من أدبياتها، و لكنها بالتأكيد لا تعتمد على ما يقوله الآخرون عنها و عن حقوقها، فعندما يحتج طرف بما ينطق به خصمه فهو يطبق المثل المعروف: من أفواههم ندينهم، و لكنه لا يعلق حقه على اعتراف الخصم، إنه فقط يوجه هذا الحديث لمن يقدسون كل ما يصدر عن الرجل الأبيض، و هو ماض في الجهاد لأجل حقه سواء رضي العدو أم رفض، اعترف أم أنكر، فهذا الاعتراف يهم المبهورين فقط، و في الحقيقة يزعجهم لأن الانبهار يجعل صاحبه متلقياً و مرحباً بكل ما يأتي من الغرب إلا لو كان إنصافاً لنا، فحينئذ يصبح موضع سخرية الضحية التي ترى نفسها غير جديرة بأي اهتمام من سيدها، و لكن أي تصور غير التصور الفطري للمقاومة يجانبه الصواب مهما حاول المعتدي و أتباعه تحريف الصورة، فمقاومة العدوان سلوك و مشاعر فطرية في جميع الأحياء و لا تحتاج تنظيرات معقدة و لا فلسفات متناقضة و لا اعترافات متأخرة، و المقاومة ظاهرة بشرية عرفتها بلادنا منذ القدم، و سطرتها ضد الفرنجة و المغول قبل أن تولد الحداثة و ما قبلها و ما بعدها، و كتب علماء أمتنا كثيراً من المؤلفات و الرسائل في دعمها دون الرجوع إلى أي مصادر خارجية، هذا هو الوضع الحقيقي لا المقاوم المتخيل الذي ينتظر على باب الثقافة الغربية ليفرغ عقده النفسية المعادية للإنسانية كما يظَن، فهذا هو الخيال و هذا هو الوهم، و إن المشكلة ليست في ثقافة المقاومة التي تعكر أجواء الإنسانية الغربية التي يصورونها بصورة المتسامحة، بل في الثقافة التي تتخيل وجود هذه الإنسانية الجامعة التي لا يعترف بها أي قوي، و مع ذلك تجعل هذه الثقافة من المقاومة عقدة نفسية يجب البرء منها للدخول في جنة العصر، و بذلك تمهد الطريق لأن تظل بلادنا تحت مصيبة الهيمنة بذريعة أن دعوى مظلومية المقاومة تلهينا عن بحث أمراضنا الداخلية الحقيقية، مع أن أي بيت لا يستطيع ترتيب شئونه و علاقاته الداخلية في الوقت الذي تتساقط القنابل على سقفه، و أي نهضة تحتاج إلى التفرغ للبناء الداخلي و هذا ما ترفض القنابل الخارجية الحالية التي بدأت منذ القرن الثامن عشر و نراها في كل مكان إلى اليوم، منح الفرصة لحدوثه، سواء اعترف بذلك أي مثقف غربي أم رفض السياسي الاعتراف، و من يطلع على مسار الأحداث في أي بلد من بلادنا يعجب من بقاء الناس فيه أحياء لا من عدم نهوضه و ترتيب شئونه، خذ مثلاً أهوال الاستعمار الفرنسي في الجزائر التي لم تنته بالاستقلال، أو أهوال الاحتلال في العراق حيث رجع إلى العصر الحجري بدل التخلص من الاستبداد، أو أهوال قصف اليمن أو ليبيا، و كيف لشعب مصر ترتيب أموره بوجود التدخلات السافرة التي تدخله في دوامة بعد أخرى ؟ أو أهوال الاحتلال الصهيوني في فلسطين، نعم هناك من يعمى عن كل آثار التدخل الغربي و الاحتلال الأجنبي و ما يحدثه من كوارث يومية، ليركز على قضايا داخلية يراد منها لفت الأنظار عن مشهد الحريق إلى مشهد عدم العدل بين الأبناء في وقت احتراق البيت، و ذلك مثل قضية جرائم الشرف أو غيرها من مشاهد أخرى قد لا تكون بهذه البراءة أحياناً مثل الحريات المنفلتة التي عبثت بأهلها في الغرب نفسه، و ذلك في سبيل إدانة تخلف مجتمعاتنا وحدها في خطة متكاملة مع تبرئة الأخطبوط الذي يعبث يميناً و شمالاً، و لكن من حيث المبدأ كيف سنعالج أي مشكلة و الرصاص ينهمر من كل جانب على الرجل و المرأة و الطفل و الوليد ؟ إلا إذا كان التمهيد لهذا العدوان و تسهيل طريقه هو المراد من كل ما يطرح من أفكار الثقافة "الإنسانية".

قراءة 1000 مرات آخر تعديل على الخميس, 03 تشرين1/أكتوير 2019 08:20