نظرة الإسلام للحرية كموروث تاريخي:
الانسان السوي النقي يؤمن بشكل فطري، بأنه حر؛ ثم جاء الإسلام ليعزز هذه الفطرة و يقننها في آن، فأصبح المؤمن مؤمنا بأن اختيار الأفعال التي يقوم بها هو بالفعل أمر يؤول إليه، ضمن شرع ثابت الجذور و هو الدين، و بالتالي لا بد من وجود شروط توافقية مع الدين لنكون أحرارا. فلِكَي نكون أحرارًا، لا بد أن تكون أفعالنا محددة سببيٍّا بشكل مسبق و ليست عشوائية.
من المسائل التي بثها الغرب في صميم القيم المعاصرة الحرية، الديموقراطية، حقوق الانسان.. و جعل الغرب تلك المفاهيم و المصطلحات مبهمة دون تعريف واضح، و هذا ما تسبب بإيجاد صعوبة في فهمها، و أدت الى وجود مشكلة في سلوك الفرد الغربي. و لكن المجتمع الإسلامي يرفض هذه الحرية و الديموقراطية بمفاهيمها الغربية غير الواضحة، و بالتالي ثارت الحملات ضد الإسلام على انه دين رجعي.
لا شك أن الحرية بطبيعتها ما هي إلا قوة يمكن ممارستها و لكن بما يتناسب مع حياة الفرد دون أن تؤدي الى وقوعه في المحظورات التي نهى عنها الدين و العقيدة؛ و الإسلام ترك مساحة كافية من الحرية للمسلم تجعله يعيش بهناء، و ترك له المآل في اختيار الأفعال التي يؤديها، و لكن ما تدعيه العلمانية و اللادينيون أن هناك قوى سببية مسببة للأشياء كالطبيعة فهذه أفكار خبيثة لإيجاد خلل في الوعي عند المسلم تقود الى دروب الالحاد ...أليس للكون إله واحد، هو الخالق الأوحد و هو المحدد للقضاء و القدر؟
نزاعات ثقافية تَنْشَب أو تُنْشَب بين الحضارات بهدف زرع موروث تاريخي او اصطناعه، لتثبيت جذور قد تكون صحيحة و قد تكون وهمية، ثم تعبئة ذلك الموروث باللغة و الدين و التاريخ و توظيفها جميعا لتحقيق اغراض بعينها. يلجأ الغربيون الى محاولة زرع جذور لهم عن طريق اعطاءها الطابع الثقافي و الديني بهدف السيطرة على عقول الاخرين، و علينا نحن كمسلمين ان نتنبه الى مصادر الثقافة الغربية التي نستقي منها، و نستشعر ما يحيط بنا، و نستلهم الأسباب التي قد توصلهم الى مبتغاهم للهيمنة و السيطرة.
قدرة الغربيين على سن القوانين لغيرهم دون تطبيقها على أنفسهم لقدرة هائلة اشبه ما تكون بالفصام، و قدرتهم على التلاعب بالكلمات و الالفاظ لها وقع عجيب كالسحر، و القدرة على غزو البلاد و استعمارها و استعباد العباد فيها ان لم يكن عسكريا فهو فكريا و ثقافيا بتخطيط شيطاني لهي قدرة مفزعة، و لو كان السيد الغربي الفاتح للأمصار يرى في الذي يستعبدهم مثيلا له أو ندا، ما استطاع إيجاد المبررات المنمقة لجرمه و لا استطاع عقله أن يتحمله، و كل هذا باسم الحرية و الديموقراطية و حقوق الانسان، و هو في الحقيقة للسيطرة و الهيمنة و الرغبة البشعة في التفوق.
" لا يوجد إنسان أحمق و لا آخر سخيف و لا أبله، بل هناك إهمال في استخدام القدرة على التفكير أو عدم القدرة على التركيز و رؤية الأمور بصورة سليمة صحيحة، و قد يكون تغاضيا عن كل ذلك."
إن الذي يحول دون تردي الانسان ليصبح مسخا هو شعوره بآدميته و إحساسه بكرامته، و أنه محصن ضد الاهانة و الدونية، تيقنه أنه يساوي شيئا، مصان ماله و عرضه، و أنه يمتلك موهبة كامنة في أعماقه مثل درة لا تقدر بثمن، حتى يتمكن من العيش الكريم.