قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الإثنين, 18 تموز/يوليو 2022 08:16

قراءة تحليلية لرواية "رضى أمي بأي ثمن" 5/6

كتبه  عفاف عنيبة

المشهد الثالث عشر

بعد شهر من توقيع صفقة بناء مجمع فني في مدينة بيروجيا، و بعد ما أشرف بنفسه علي التصميم الهندسي للمجمع و التصميم الإلكتروني للآلية التي ستجهز المجمع، سافر توماس إلي إيطاليا. فقد كان مطلوب منه الإشراف المباشر علي البناء الرئيسي ذات سبع طوابق ليسلم في أوانه للسلطات الإيطالية اي بعد خمسة عشر يوم من إنطلاق الأشغال، و في الأسبوع الثاني كان مطلوب منه الإشراف الغير المباشر و في اليومين ما قبل الأخير كان يحق له أن يرتاح و في يوم عودته إلي

فرنسا، يدشن مع غابريلا و مسؤولين إيطاليين المجمع المبني جاهز كامل مكتمل.
لم يبدي شكوكه لشريكته فيما يخص المدة القياسية خمسة عشر يوما و قد كان يتوجه إلي الورشة علي الخامسة صباحا ليعود إلي فندقه علي الساعة الثامنة ليلا.
كانت الأشغال تتقدم و في الأسبوع الثاني، كانت تقضي غابريلا نهارها في ورشة البناء و في الليل كان رجال عائلة أبيها يبيتون بالورشة ليتابعوا عمل فرق عمل الليل. و وفق العقد الذي وقعته غابريلا مع شركة البناء الإيطالية أي إضاعة وقت لعشرة دقائق تغرم بعشرة آلاف أورو.
كانت الصرامة صنو غابريلا و في عطلته ليومين، كان توماس ينتظر بفارغ الصبر اليوم الأخير ليري هل ستكسب غابريلا التحدي.
صبيحة التدشين جهز نفسه و توجه إلي المكان ساعتين قبل التدشين و صراحة إنبهر، فقد كان المبني قائما أمامه بكل تجهيزاته و أثاثه و الديكور المرسوم له نفذ في تفاصيله الدقيقة.
هنأ غابريلا التي إلتحقت به و حرصت بدورها علي الوقوف علي العمل المنجز. 
كان توماس واقف امام المسبح الممتلأ و حديث الإنجاز، تأكد كمهندس معماري من صلاحية المسبح الذي سيدشن بعد قليل، إلي جنبه غابريلا، وقفت تنظر إلي المسبح  :

-عمل رائع قمت به.
إبتسم لها. إستدارت لتغادر المكان تاركة خلفها الشاب، و هي تلتحق بالطابق الأول سمعت فجأة "بلوف" ضخمة، فنزلت مسرعة متجهة إلي المسبح :
-ماذا تفعل ؟ صرخت في توماس الذي كان قد نزع قميصه الفاخر و غطس في الماء :
-إنني أتأكد بنفسي من المنافذ الداخلية للمسبح. رد عليها.
إستشاطت غضبا، أخذت قميصه و رمته في المسبح :
-إستر نفسك يا رجل، فأنا إمرأة أجنبية عنك و أخرج فورا من المسبح المسؤولين الإيطاليين علي وشك الوصول.
ذهل الرجل أخذ قميصه المبلل و أرتداه ثم خرج من المسبح بسروال مبلل :
- ألم تري أبدا في حياتك رجل بتبان البحر ؟ سألها مازحا.
-إنني كاثولكية ملتزمة و عمي لم يسمح لأختي و انا أن نرتاد شواطيء إيطاليا، فنحن نسبح بمسبح قصر أبي.
إبتسم توماس :
-عذرا آنسة نسيت ان لك تربية الأميرات العفيفات.
لم ترد عليه و غادرت المكان.
توجه بعدها توماس إلي قاعة حيث تمكن من تجفيف ملابسه و إعطاءها مظهر مقبول أمام المسؤولين و تذكر و هو يبحث عن غابريلا في طوابق العمارة الجديدة كيف أنه في كل مرة تعمل معه كانت تنبهه إلي أعلي قميصه المفتوح:
-تعلم من فضلك في حضوري ان تلبس بإحتشام. قالت له مرة.
فكان ينظر إليها مشدوها ليلاحظ رغما عنه إحتشام مظهرها، لم تلبس القصير و دائما ما تستر رقبتها و صدرها و شعرها معقود خلف رأسها و في كل مرة كانت تبدو أنيقة و بسيطة في آن لكن إحتشامها كان يضفي عليها وقار خاص.
و في يوم ما سألها عن سر حرصها علي الإحتشام :
-تربيت ككاثولكية أن أتمثل وفق مظهر سيدتنا مريم العذراء و الرب يحب في مخلوقه الستر كان رجلا أو إمرأ
ة.

و بعد حفل التدشين و توديعه لها، وجد في الفندق خبر سيء بإنتظاره، أدخلت أمه المستشفي علي عجل، إتصل بوالده :
-أمك تريد أن تراك مع غابريلا. عشنا لحظات رهيبة، فلا تتأخرا عنا.
علي السريع، إتصل توماس بغابريلا و هو يغلق حقيبته و أخبرها بالمستجدات:
-بالشفاء عليها، إذهب الآن و فورا إلي المطار، طائرة الشركة المستأجرة تنتظرك...
قاطعها :
-ألا ترافقيني آنسة ؟ فوالدتي تريد الحديث معنا نحن الإثنين.
-سيدي لا تضيع وقتك، بصفتي ماذا أرافقك ؟ سأتوجه إلي فرنسا غدا بعد الظهيرة و سأزور والدتك الكريمة، لا بد لي من تعيين شخص أمين ليعوضني في مشروع قد إنطلق فعليا اليوم و شكرا.
و أغلقت الخط دون أن تعطيه أي فرصة.
عاد توماس إلي فرنسا و هو جد قلق علي حالة والدته و لم يهنأ له بال حتي سمح له برؤيتها في قاعة الإنعاش.

 

حفظ الأمانة و الإتقان و إحترام المواعيد، هذا ما نتعلمه من أهل الكتاب و يا للأسف خصال أضعناها و هم من تعلموها عنا في زمن إنقضي و لا رجعة له إلا إذا ما وفرنا أسباب الإنبعاث الحضاري ثانية.

و ها أن سلوك غابريلا الصارم كان مفتاح نجاحها في كل شيء، في عملها، و في تعاملها مع الشاب توماس سورين، أيننا من هذه الصرامة ؟ أيننا من هذه اليقظة ؟ أيننا من آداب الحياء هذا و قد قضينا جل صائفتنا أمام مظاهر العري من الرجال و النساء معا.

و ها أن مرض والدة توماس يسمح له بالتأكد من موقف غابريلا من والديه. فقد وعدته بالحضور لزيارة أمه المريضة لكنها رفضت في المقابل مرافقته فورا إلي فرنسا. بصفتها ماذا ستفعل ذلك و هو أجنبي عنها ؟

 أود التطرق إلي هذا الجانب بإمعان، لا بد لشبابنا ان يفهموا الحدود الكائنة بين الرجل و المرأة الأجنبيان عن بعضهما البعض. غير مسموح الإستخفاف و الإستهتار المنتشرين بين شبابنا هذه الأيام، كم من مرة نبهت أخوات محجبات و سافرات " لا يجب تبرير السلوك الخاطيء بعذر أقبح من الذنب، بأي حق، يرافقك زميلك إلي موقف الحافلات أو إلي بيتك ؟ ما الذي بينك و بينه ؟ ثم كيف لا تأبهي لسمعتك ؟ من هو الرجل الذي سيتزوجك بعد ما عاشرت عشرات الرجال في مشوارك العلمي و المهني ؟"

و أوضح المعاشرة لا أقصد بها فقط الجماع أكرمكم الله، نعني من المعاشرة التمتع بصوت زميلته و زنا بلسانه و زنا بيديه و زنا بقدميه و زنا بعينيه و زنا بالخيال و زنا بالقلب و... و... و... و نفس الشيء ينطبق علي المرأة. فمسلمة هذا الزمان لا تبالي بهذه الأنواع من الزنا و تراها تصرح بوقاحة :

-المهم أنني حافظت علي عذريتي و أما أن يرافقني و يسلم علي و يمسكني من يدي و أضحك له و ينفق علي، فهذا كله مباح.

و هذا لا يقبله عقل و لا دين، و لا يعقل أن نأخذ من المشركين آداب الحشمة و الستر. فغابريلا دي سنيورا حرصت علي إبقاء مسافة بينها و بين توماس سورين في نفس الوقت عاملته معاملة إنسانية، لا بد من الحفاظ علي إحترامنا لأنفسنا كي يحترمنا الآخر.

 نحن في زمننا نري نساء جزائريات ترافقن رجال غرباء عنهن بدعوي العمل و تعرف عنه كل صغيرة و كبيرة و كأن هذا الرجل الأجنبي عنها زوجها. ثم نتحسر علي إنحدار مستوي الأخلاق !!! كيف لا يكون ذلك و كلا الرجل و المرأة علي السواء تجاوزا كل الحدود و كل الخطوط الحمراء ؟

المشهد الرابع عشر

تأخرت غابريلا عن السفر إلي فرنسا بثمانية و أربعين ساعة، راجعت عمها بيار لويجي و شاورته في أمر توماس سورين، فكانت ردة فعل عمها كما يلي :

"عامليه و عائلته بشكل حضاري و طبعا كوني حذرة."

حينها غادرت غابريلا إلي باريس. لم يسمح لها رؤية أم توماس إلا في اليوم الثالث و قد تجاوزت مرحلة الخطر بشكل فعلي. عندئذ أخرجت السيدة سورين من قاعة الإنعاش و نقلت إلي غرفة خاصة لتبقي تحت العناية المركزة، أول ما فتحت عيناها قابلت الوجوه المبتسمة لزوجها و إبنها توماس و غابريلا : آه ما أطيبكم!!! قالت لهم بإبتسامة عريضة.

سعدوا جدا بتجاوبها، إستعادت اللون الطبيعي لبشرتها و نبرة صوتها كانت متماسكة و دافئة. مدت يدها لزوجها في البداية، ضمها بكل محبة ثم مدت يداها لإبنها و غابريلا في آن فأخذت أيديهما معا :

-أسعدوني بزواجكما. قالت لهما بنظرة كلها محبة و عطف.

كان موقفا في غاية الإحراج لتوماس و غابريلا لكن سرعان ما الأخيرة قالت بصوتها الموسيقي و هي تسحب يدها:

-ما يهمنا الآن أن تنهضي بالسلامة و تتعافين سيدتي.

-هذا ما أتوق إليه لنفرح بكما. ردت أم توماس.

سارع إبنها بالقول :

-كل شيء في آوانه، المهم تعافيك أمي.

تركا الشابين للحظات الأب مع الأم و في قاعة الإنتظار، قال توماس :

-لن أنسي لك وقفتك في محنة مرض أمي.

-سيدي إنني إنسانة و فعل الخير محمود.

إلتحق بهما الطبيب المعالج و تكلم مع توماس، شارحا له وضعية والدته الصحية و قد إنضم إليهم والده، فأنسحبت غابريلا و عادت إلي أم توماس و جلست إلي جنبها قائلة :

-إرتاحي سيدتي.

و ساد الصمت بينهما لكن تبادلا النظرات و قرأت الشابة في عيناي أم توماس المحبة و الإحترام التي كانت تكنهما لها، تأثرت و تذكرت أمها و مرضها. في لحظة ما نامت أم توماس، خرجت غابريلا من الغرفة لتجد الأب و الإبن يتشاوران في الإجراءات الجديدة الذي يتوجب إتخاذها. فقلب السيدة سورين كان ضعيف جدا و لا يحتمل اي تعب مهما كانت خفته:

-لا بد من أن تغير غرفة نومها لتكون في الأسفل حيث بإمكانها أن تري حديقة البيت. فأنت تعرف مدي تعلقها بورد "غراس"، قال الأب.

-و من سيقوم بهذا ؟ و أنا هنا لن أسمح لنفسي بأن أبتعد عنها ثم عليك أبي أن تأخذ قسط من الراحة. سأله إبنه.

جاءهم صوت غابريلا هادئا :

-أنا من ستقوم بذلك و لديها حمية عليها أن تتبعها، أليس كذلك ؟

رد الأب قبل الإبن :

-بلي، ألا نتعبك معنا غابريلا، إبنتي ؟

-أبدا فأنا موجودة هنا إلي حين خروج السيدة الزوجة الكريمة بالسلامة إلي بيتها.

-لك عرفاننا.

-طيب أوصلك غابريلا... قال توماس، فكان جواب والده :

-ألم تقل بأنني متعب و لا بد لي من راحة ؟ إذن سآخذ معي غابريلا و أنت إبقي هنا إلي جنب أمك و سأعود عند الغروب.

 

في هذه الوقفة النبيلة لغابريلا إلي جنب توماس و جنب عائلته، أدرك توماس قيمتها حقا. فالرجل فهم طبيعة الشابة الهادئة و الأمينة. و قد إستطاعت برقتها و تفهمها أن تكسب قلوب كل من تعاملت معهم و بدأ ينظر إليها نظرة مختلفة.

فهي أدارت البيت العائلي بمهارة كبيرة و الكل كان يستجيب إليها بسرور و لحظة عودة السيدة سورين إلي البيت، سعدت بالتغييرات التي قامت بها غابريلا، فهي حافظت علي ذوق أم توماس سورين و جعلت كل ما تهواه الأم قريب منها.

حز في قلب توماس توديعها لحظة ما حان موعد مغادرة غابريلا باريس بإتجاه بلدها. شعر الكل بالفراغ الذي تركته خلفها، فحتي مساعد توماس سجل حالة الشرود التي كان عليها رئيسه.

و قد حرصت غابريلا أن تتصل بشكل منتظم بأم توماس لتطمئن عليها مباشرة. و مازح الإبن أمه :

-غابريلا لا تنساك أمي و أما أنا، فبلي.

 

هذه هي المرأة المعتدة بنفسها، تعرف قدرها و تحسن للآخر بحسن نية.

 عاد أهل الكتاب الي أخلاق التكافل و الإحسان و هذا بعد ما إشتدت عليهم  وطأة الفوضي و الحيوانية و التعري. هم إختاروا عن طواعية العودة إلي الأصول و أما نحن فوضعنا محير و مثير للقلق. متي سنعي أهمية أخلقة علاقاتنا الإنسانية و الإجتماعية و المهنية ؟ متي سنفهم بأن ما خسرناه بتقليد أسوأ ما لدي الغير، غير قابل للتعويض و أن الله عز و جل لن يبارك أمة تسعي وراء لذة اللحظة الهاربة ؟

إن هذه الدنيا إطباقة جفن العين، هذه هي كل الدنيا. أمن أجل هذه الإطباقة نخسر آخرتنا و الخلود في الجنة ؟

بربكم إلي أين نحن سائرون ؟ و نهايتنا معلومة و الحساب سؤال و عذاب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أعجبني موقف غابريلا التي شاورت عمها في حالة توماس سورين، و كانت لفتة كريمة أن تعتني بأم الشاب، معبرة عن إنسانية راقية، نفتقدها اليوم في أقرباءنا و أهلنا للأسف.

هذا و جميل جدا منها سؤالها عن الأم و عدم إتصالها بالإبن. هكذا هي العفة و إما فلا.

المشهد الخامس عشر :

 أثناء تواجد غابريلا في بلدها، عاني توماس من غياب تام من جهتها في السؤال عنه. و كانت فرصة له ليقيم جديا مشاعره التي نمت ناحيتها منذ مأدبة الغداء. غابريلا كانت تختلف جذريا عن خطيبته الأولي جانيت، لا تعبر بالكلام و لا بالحركات و ملتزمة بالقيم المسيحية بشكل صارم. وجودها يسعد الجميع و عملها الجاد ضمانة نجاح أي مشروع خاضه معها.

بمرور الوقت، شعر بضرورة التواصل معها خارج إطار العمل و من شجعه علي ذلك أباه :

-توماس، أرجوك قم بالفعل الأهم في حياتك و أخطب غابريلا، ثق يا إبني أنك لن تندم أبدا علي إرتباطك بها.

و سعيا منه بإسعاد والدته، سافر توماس إلي إيطاليا و بالتحديد إلي مدينة جنوة حيث تقيم غابريلا و قبل أن يقابل عمها، توجه إلي مقر شركتها.

هناك، أخبروه بأنها موجودة في ورشة جديدة، فقام بالإتصال بها:

-إنني في شمال جنوة بضاحية أوباردينو رقم 10. أجابته.

توجه رأسا علي هناك.

عندما وصل، دله مهندس علي مكان غابريلا، عند إقترابه منها، إنتبه إلي شحوبها الشديد و ملامح وجهها المتألمة، فأسرع الخطي ليمسك بها لحظة سقوطها علي الأرض، فقد إنتابتها تلك النوبة من الخوف الشديد و الغثيان المقيت.

-غابريلا، هل أنت بخير أو تريدي ان أنقلك إلي المستشفي ؟ سألها قلق عليها.

جاهدت نفسها لتطرد الضباب الكثيف بين عينيها و خطت خطوات لتسند ظهرها إلي حائط، مبعدة ذراعي توماس عن جسمها. لبثت دقائق كاملة صامتة و كان ينظر لها حائرا.

أخيرا نطقت :

-عذرا، إنني بخير، من فضلك أمهلني دقائق أخري.

-ما بك غابريلا ؟ هل أنت مريضة ؟

فرفعت عيناها عليه و سكتت، مرت هنيهات ثم بصوت متهدج باحت له بمأساتها :

-       -في السابعة عشر من عمري كنت ضحية إغتصاب.

-       وقع الخبر علي توماس سورين كالصاعقة و ارتسمت معالم الألم الشديد علي وجهه تضامنا معها، رغب في ضمها إلا أنها رفضت :

-       -عد إلي الشركة سألحق بك بعد ساعة، من فضلك لا تناقشني.

-       فعل مكرها و بعد ساعة إستقبلته في مكتبها، كانت تبدو أفضل و إن كان يشك في ذلك.

-أتيت لأمر سيدي ؟

-جئت لأطلب يدك غابريلا. قال لها.

ساد صمت قصير ثم سألته :

-هل هذه رغبتك أم رغبة والديك ؟

-معا. رد عليها واثقا من نفسه.

-طيب توجه إلي عمي و أرجو منك أن تصبر إلي حين ما أجيبك. ردت عليه و وضعت حدا للقاء سريعا.

رحب به عم غابريلا و دعاه إلي مأدبة غداء لم تحضرها غابريلا و تمكن توماس من لقاء عائلتي غابريلا من أبيها و أمها.

و كان جواب عم بيار لويجي :

-علي نفسي أقبل بك زوجا لغابريلا، إنما لا بد لك أن تنتظر رد غابريلا. الوضع جد صعب بالنسبة لها.

-مؤكد و أنا مستعد للإنتظار، المهم أن أحصل علي موافقتها.

عاد توماس إلي فرنسا دون أن يري غابريلا و تنقضي ثلاثة اشهر و يتفاجأ توماس بإتصال هاتفي من خطيبته الأولي التي تعتذر له عما بدر منها و تريد منه أن يمنحها فرصة ثانية.

حالما تسمع أمه بالأمر، تتصل بغابريلا و تخبرها بضرورة الإسراع في إعلان الخطوبة، فيكون موقف الشابة إحترازي:

-طيب سأتكلم مع إبنك أولا سيدتي.

بعد هذه المكالمة، تسترجع غابريلا مشوارها القصير في الحياة و تقرر معرفة رد توماس علي خطيبته الأولي :

-هل بإمكانك وضعي في الصورة ؟ سألته.

-عادت جانيت في توقيت محير...

قاطعته بلطف :

-سيدي  بإمكانك إعادة المياه إلي مجاريها بينك و بين خطيبتك، فقط أوصيك خيرا بوالدتك.

-غابريلا لحظة لا تقفلي الخط أرجوك...

-نعم، أستمع إليك.

-خطيبتي الأولي متزوجة و هي في حالة طلاق مع زوجها و لست مستعد لفتح باب جهنم مرة ثانية، أريحيني و وافقي علي خطوبتنا ؟

صمتت مرة أخري و قالت في النهاية :

-طيب أوافق شرط أن نختبر بعضنا البعض، أصدقك القول لست مستعدة بعد.

-أمامنا الحياة كلها غابريلا و سأكون خير عون لك.

وقع الإعلان عن الخطوبة إلا أن خطيبته الأولي لم تستسيغ الخبر و طلبت مقابلة توماس الذي إلتقاها في مكان عام ليشدد عليها بتركه و نسيانه نهائيا بإعتبار أن قصتهما منتهية و لا رجعة له عن هذا القرار. هذا و والدة توماس لم تكن مطمئنة :

-لا بد من الإسراع في الزواج، جانيت إمرأة لعوب و قادرة علي تهديم ما هو قائم بين إبننا و غابريلا، قالت لزوجها، حث إبنك علي تحديد موعد الزواج في اقرب الآجال.

إلا أن ردة فعل توماس كانت سلبية :

-أبي الوضع ليس سهلا كما نتصور، طلبت غابريلا وقت، لا يعقل أن نتزوج و الإعلان عن الخطوبة من أسبوعين فقط.

هذا و علاقة الفتاة بتوماس كان فيها قدر كبير من الحياء، كان هو دائما من يبادر للسؤال عنها، و لم تأتي إلا مرة واحدة إلي فرنسا لتقابل أمه و تحتفل معهم بعيد الفصح. لم ترفع السماعة لتكلمه أبدا و كانت تتحاشي الرد عنه في اوقات غير العمل. 

ليس هناك أفظع مما تكابده الفتاة المغتصبة. هذا و لفترة معينة ساورتها شكوك حول شخصية توماس، هل حقا أخرج من حياته خطيبته الأولي ثم ألم يضع نفسه في موقف مستحيل يوم عرفها بوالديه علي أنها خطيبته، فإذن إضطر إضطرارا للتقدم إليها ؟ هذا و كانت جد متخوفة من نفسها. هل بإمكانها أن ترتبط رسميا برجل و تعطيه نفسها ؟ كانت تعيش دوامة من الأسئلة بينما توماس من جهته واجه إستحقاق مالي و لم يجد من يقرضه مبلغ مالي. فلجأ إلي أبيه :

-طبعا سأقدم لك المبلغ و أعتبره هبة توماس فقط لدي شرط واحد.

-ما هو أبي ؟ سأل الشاب.

-وقع لي علي تعهد بأنك ستتزوج غابريلا قبل نهاية هذا العام.

صدم توماس فلم يبقي علي العام الجديد إلا أربعة اشهر، أراد ان يحتج لكن والده أخذ منه الكلمة بصوت حازم :

-أنت لا تري أمك تذوي، فلتعلم أن وضعها الصحي حرج و هي تموت ألف مرة في اليوم من جراء عدم زواجك، فأحسم أمرك و حدد موعد مع غابريلا.

-يا إلهي! أبي ألهذه الدرجة أمي في حالة خطيرة ؟ صرخ توماس.

-نعم، وقع لي و خذ مالك و أسعدها لآخر مرة في حياتها.

رضخ توماس و أنتقل علي وجه السرعة إلي إيطاليا. و كالعادة وجد صعوبة في معرفة مكان خطيبته، فإذا بها ترد عليه في الهاتف غير راضية :

-أريد الحديث معك.
-أجل الحديث، فأنت تتصل بي في غير اوقات العمل.
-غابريلا أريد الحديث معك في شأن خاص و إنني هنا أسفل العمارة، أريد مقابلتك.
إرتبكت الفتاة:
-لماذا لم تأخذ موعد مسبق قبل ان تضعني أمام الأمر الواقع ؟ لا أستقبل رجل في شقتي خاصة انني وحدي الآن.
-طيب غابريلا أعتذر لك شديد الإعتذار لكن أرجوك لا بد لي من مقابلتك.
-سأستقبلك لربع ساعة ليس أكثر.
أعطت الأوامر لحراس المبني بالسماح لتوماس بالصعود إلي طابقها.
فتحت له الباب و بقت معه في مدخل الشقة دون أن تدعوه إلي غرفة الإستقبال:
-نعم توماس، أسمعك.
شعر بإحراج كبير كان عليه أن ينفذ طلب أمه المحتضرة، فاستجمع شجاعته و أعلن:
-جئت لأقول لك أنني قررت الزواج.

-هل معني ذلك أنك جئت لتحدد تاريخ حفل الزفاف ؟ تساءلت بصوت مرتفع.

-نعم.

-لكن، إعترضت غابريلا...

لم يتركها تكمل :

-أريدك إلي جنبي غابريلا. لم أعد أطيق هذه العلاقة الباردة بيننا، لديك طبع جد خاص، لا أقوي علي هذه المسافة التي فرضتيها علي...

فقاطعته بإبتسامة :

-أنت من الآن تسير المركب دون إستشارتي.

فضحك توماس :

-لا إطمئني، ستسيريني كما شئت أنت، فقط لنتزوج غابريلا.
ملامح وجهه كانت تعبر لها عن الكثير، أشاحت بوجهها عنه :

-لم تمهلني الوقت الكاف لكن طيب موافقة، حدد التاريخ.

- في أكتوبر القادم اليوم الخامس عشر، ما رأيك ؟

فزعت:

-شهر و نصف فقط، إنه زفاف و عمي يريد فرح يليق بالمقام. لا بد لنا مزيد من الوقت توماس.

ترجاها بأن تقبل بهذا التاريخ، مؤكدا لها بأن كل شيء سيتم وفق رغبتها. شعرت بشيء غامض و هي تقبل و تأكد حدسها بعد ذلك، فسفرها إلي فرنسا لضبط تفاصيل الزواج، جعلها تكتشف حالة والدة توماس المتدهورة. فأخفت إمتعاضها من خطيبها "هو سرع الزواج ليرضي أمه فقط."

طوال التحضيرات للحفل المزدوج في فرنسا و إيطاليا، لم تظهر شيء في سلوكها العادي غير أنها إختارت يوم إستقبال توماس و عائلته في جنوة بقصر أبيها لعقد الزواج المدني لتتكلم علي إنفراد مع زوج المستقبل :

-سيتم كل شيء كما برمجنا له إلا شيء واحد.

-ما هو ؟

-تفهمت ظروفك طوال هذه المدة و سأطلب منك نفس الشيء.

نظر إليها  بشيء من الحيرة:

-لا بد ان تصبر و نؤجل ليلة الزفاف. أضافت الشابة.

فأبتسم توماس :

-إضحكي علي غابريلا، كل همي حاليا أن أمسك بك و تصبحي علي لقبي و أما البقية فلدينا كل الوقت...

لم تضحك الخطيبة الإيطالية و أستأذنته فخرجت أمامه و للحظات فكر :"تري يا رب ماذا تكن لي غابريلا ؟ إنها جد خجولة و إلي حد الساعة لا أعرف ما هي طبيعة مشاعرها ناحيتي ؟"

قراءة 1871 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 19 تموز/يوليو 2022 16:14

أضف تعليق


كود امني
تحديث