كان لي الشرف النزول ضيفة علي ولاية ألاباما الأمريكية و كان في إستقبالنا قس امريكي علي الساعة الواحدة صباحا و بمجرد ما رآني حياني و زميلتي و طمأنني انه لن يصافحني لأنني ملتزمة سعدت جدا بالأمر شعرت بأنني و الحمد حللت ضيفة بين أهلي و تذكرت الرجال المعقدين في الجزائر من المرأة التي لا تصافحهم.
إنتقلنا إلي الفندق "هوليداي إن" في ضواحي هانتسفيل كان جناحي في الطابق السفلي، بمجرد ما دخلت الغرفة نمت و نهضت باكرا لأداء الصلاة. حضرت برنامج اليوم فإذا بإتصال هاتفي يأتيني من صديقتي الأمريكية الفنانة التشكيلية جودي كوري : سنصل قريبا إلي فندق هوليداي إن انا و زوجي هارلان .
-رائع قلت لها سعيدة جدا. سنخرج هذه الصبيحة عند وصولكم إرتاحوا و حتما سنلتقي بعد العصر إن شاء الله.
نزلت أتناول مع أختي سارة المترجمة الأمريكية من أصول تونسية فطور الصباح.
أخبرتها بمقدم جودي:
-آه هذا خبر سار عفاف هذه السيدة فعلا صديقة وفية لك.
-قطعت المسافة من ولاية إليونوي إلي ألاباما، تصوري المسافة و التعب و الإرهاق كل هذا لرؤيتي سارة. قلت لها متأثرة.
-عفاف تستحقين ذلك أنت صديقة وفية و مخلصة ها انك بمجرد ما وصلت واشنطن إتصلت بهما و ها نحن علي وشك ان تنتهي رحلتنا و قدر الله لك أن تقابليهم بولاية ألاباما. لاحظت لي سارة.
-صحيح، حييت الزميلة الأردنية التي إلتحقت بنا لتناول الوجبة الأولي ثم جاء القس و صديق له عرفنا به :
-ستزورون اليوم ملجأ للنساء المعنفات. أعلن لنا.
صعدنا سيارته رباعية الدفع و قام مشكور بدورة تعريفية بهانتسفيل مخبرا إيانا :
-هل ترون سلسلة الجبال هناك ؟ سألنا فجأة.
كنت اقلب نظري في المدينة و نظرت حيث كان يشير لنا في الأفق خارج المدينة جبال مكسوة بأشجار في ثوبها الخريفي.
-نعم قالت له. الزميلة.
-هناك أقام علماء الألمان النازيين ممن اتينا بهم ليساعدونا في صنع السلاح و الأبحاث الفضائية. جلبناهم إلي هنا بالذات لأن المكان كان يذكرهم بألمانيا أرضهم الأم.
حينها تذكرت ديكور مطار هانتسفيل، بالرغم من تعب السفر -و قد كنا آتين من لوس انجليس- لم يمنعني من ملاحظة النماذج المصغرة لديسكوفري و كولوبيا التي كانت تزين فضاء المطار، إذن هنا في هذه المدينة مراكز ابحاث متقدمة في مجال السلاح و غزو الفضاء. كنت استمع بإهتمام شديد. رفض الروس إعطاء الجنسية الروسية للعلماء النازيين، إستغلوا معارفهم ثم أعدموهم أو سجنوهم للأبد بينما أمريكا اعطت الجنسية لعلماء نازيين عملوا مع الزعيم هتلر و عاشوا آمنين علي أنفسهم في امريكا الحريات و حقوق الإنسان.
في مركز اللجوء للنساء المعنفات و الذي كان يتوسط مرج أخضر رائع الجمال، إلتقينا بسيدة أمريكية كانت لاجئة و تجاوزت محنة إدمان الكحول و عنف صديقها، فأستقبلتنا خير إستقبال و كانت لدينا فرصة الجلوس مع مسؤولي الملجأ و الإستماع إلي إنشغالاتهم و تحدثنا عن ظاهرة العنف الأسري. ما تعيشه المرأة الأمريكية جحيم بين نظام رأسمالي لا يرحم يطالب المرأة أن تكون قوامة علي نفسها و بين حاجتها إلي الحماية و العطف مع عشيق هو الآخر ضحية طريقة حياة مأزومة. ترقرقت الدموع سلينا و هي تروي لنا معاناتها مع إدمان الكحول:
"كنت أشرب لأنسي لكمات صديقي. كان يدخل إلي الشقة في حالة إحباط أحيانا لأنه كان لا يملك منصب عمل قار و في كل مرة كان عليه أن يغير الشغل و في كل مرة كان يقع علي ضرورة الإيفاء بالمصاريف كراء الشقة و الإنفاق علي أبناء من صديق آخر."
كلنا شرق و غرب في الهم واحد ما دامت العولمة الوحشية عولمت مجتمعاتنا و انهارت عزائمنا في التشبث بقيمنا.
*هذا النص هو مقتطف من نص أطول باللغة الفرنسية، تجدون كل حلقات زيارتي لأمريكا مدة 21 يوم و زيارتي لخمسة ولايات أمريكية واشنطن دس، ميزوري، كاليفورنيا، الاباما و نيويورك باللغة الفرنسية في فصل القصص بالفرنسية.