(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 16 تموز/يوليو 2015 08:44

محمد ولد صلاحي في "يوميات غوانتنامو": مواجهة الرعب بالأمل

كتبه  نقلا عن القدس العربي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في 20 نوفمبر2001 ودع محمد ولد صلاحي والدته و سافر إلى نواكشوط العاصمة الموريتانية و سلم نفسه إلى مركز الأمن للتحقيق معه.

و في غضون أيام رحل صلاحي قسريا إلى الأردن حيث سجن هناك. و بعد سبعة أشهر من التحقيق معه، حيث جرد من ملابسه و عصبت عيناه و قيدت رجلاه، نُقل بطائرة عسكرية إلى أفغانستان التي قضى فيها أسبوعين و بعدها شحن مرة أخرى إلى معتقل غوانتنامو في أغسطس 2002 و أصبح السجين رقم 720، لتبدأ قصة عذاب عمرها الآن 13 عاما حيث لا يزال بطل القصة في زنزانة انفرادية بعيدا عن أهله و عائلته أكثر من 4.000 ميل، و كغيره من سجناء غوانتنامو لم توجه إليه تهم بالإرهاب.

و من هنا فـ"يوميات غوانتنامو" الذي صدر مرة واحدة في عشرين دولة الشهر الماضي مهم من ناحية تميزه في أدبيات المعتقل الغوانتنامي، و مهم لأنه أول كتاب يخرج من زنزانة و كتبه صلاحي في زنزانته و باللغة الإنكليزية التي تعلمها و أتقنها هناك. و مهم أيضا لأن السارد فيه هو سجين و ليس ضابط شرطة أو محاميا أو منظمة حقوقية أو لجنة في الكونغرس.

* معركة نشر الكتاب

و قصة نشر الكتاب مثيرة إثارة و قتامة قصة البطل، الذي ينقل للقارئ رحلة عذاب و هلوسة و ضياع بين الحقيقة و الواقع، و معاملة سيئة و تعذيب و انتهاكات جنسية و جسدية، حيث طبق عليه نظام التعذيب المحسن، الذي أقرته القيادة العليا للإدارة الأمريكية و على رأسها وزير الدفاع في حينه دونالد رامسفيلد. و لأن ولد صلاحي لم يكن شاهدا صامتا على معاناته بل كان شاهدا يكتب و يستعيد قصته، فقد سجل ما جرى له في مخطوطة جاءت في 466 صفحة قبل عقد من الزمان، و لم تر النور إلا بعد كفاح طويل خاضه محاموه لينشروا المخطوطة كاملة من دون حذف، و نتيجة هذه الرحلة مزيج من الغضب الذي يعتري القارئ و لكنها رغم قتامة التجربة و سوريالية السجن الأمريكي تحتوي على قدر من الفرح و الأمل.

* البدايات:

ولد صلاحي في بلدة صغيرة في موريتانيا عام 1970، و كان طالبا مجدا و بارزا في دراسته، حيث حصل على منحة لإكمال دراسته في مدينة ديوزبيرغ- ألمانيا عام 1988، و سافر إلى أفغانستان مرتين في بداية التسعينيات حيث انضم للقتال ضد الاتحاد السوفييتي و هو الجهاد الذي لقي دعما من الولايات المتحدة. بعدها عاد إلى ألمانيا حيث عاش و عمل هناك قبل أن يقرر السفر إلى مدينة مونتريال في كندا.

و هنا بدأت السلطات الأمنية تراقبه بعد أن قبض على شخص ممن يرتادون المسجد نفسه الذي كان صلاحي يصلي فيه و هو يحمل متفجرات، و كان جزءا مما عرفت بمؤامرة الألفية للقيام بهجمات في أمريكا.

قرر صلاحي عام 2000 العودة إلى بلاده، حيث ألقت السلطات الموريتانية القبض عليه في طريق العودة بناء على طلب من الأمريكيين و بعد التحقيق معه أفرج عنه.

بعد هجمات 9/11/2001 ألقي القبض عليه من جديد بناء على طلب أمريكي، حيث بدأت رحلة العذاب التي يشرك صلاحي قارئه فيها.

* وقائع موت يومي:

كتب صلاحي «يوميات غوانتنامو» باللغة الإنكليزية و هي لغته الرابعة التي أتقنها من خلال استماعه للحرس في سجنه. و معرفة اللغة شيء، لكن الكتابة و الموهبة شيء آخر، فهو كاتب موهوب و بالفطرة، و يتميز كتابه بالدفء و السخرية و حس من المرح.

ففي ظل العذاب اليومي و الممارسات السادية التي جربت عليه، أجبر مثلا على شرب الماء المالح، و نقل في قارب بمحركات سريعة إلى عرض البحر و ضرب و عذب، وضع الثلج في داخل ملابسه و طلب منه الاعتراف، اختلق مثل أي شخص يتعرض للتعذيب القصص و الأكاذيب في محاولة منه لوضع حد لعذابه.

فقد أبلغ المحققين معه أنه خطط لتفجير برج «سي إن» بمدينة تورنتو، و عندما سئل إن كان يقول الصدق أم لا أجاب: «لا يهم فما دام كلامي يعجبكم، و إن كنتم ترغبون في الشراء فسأبيعكم الأكاذيب».

و رغم كل هذا فصلاحي ليس حكواتيا يخترع القصص بل يعبر عن حالته و حالة المئات ممن مروا في غوانتنامو و عوقبوا لسنوات بدون أدلة أو اتهامات و لا محاكمات.

فلم يكن جالسا في زنزانته يعيش خيالاته و هلوساته، بل عينه حادة في التقاط التفاصيل و الدخول و فهم الطبيعة الإنسانية، فهو يكتب واصفا أحد الحرس «يبدو الرجل مرعوبا، كالغريق الذي يبحث عن قشة للتعلق بها، و أعتقد أنني كنت القشة التي وجدها و هو يغرق، و قد أمسك بها بقوة، و قال مرة لا أفهم لماذا يكرهنا الناس بعد أن ساعدنا كل شخص في العالم، و أجبت و لا أنا، فقد وجدت من العبث تنويره حول الأسباب و الأهداف التاريخية التي وضعتنا هنا، و لهذا قررت تجاهل تعليقاته، و بالإضافة لهذا فقد كان من الصعب تغيير رأي رجل كبير في العمر مثله».

هذا جانب، لكن اليوميات تتميز بتقديمها وصفا لبرنامج التعذيب الذي تعرض له ولد صلاحي، فقد عاش حالة من الخوف الدائم، الحرمان من النوم، الانتهاك الجنسي، الضرب و التهديدات باغتصاب والدته، و مع ذلك فسردية الكاتب للعنف الذي تعرض له ظلت هادئة و منضبطة فهو يقول: "لا شيء يثير الخوف أكثر من جعل شخص يتوقع ضربة مع كل نبضة ينبض بها قلبه".

* لماذا أنا هنا؟

يتساءل ولد صلاحي في كل حين عن السبب وراء اعتقاله، و لا جواب على هذا السؤال، و عندما يسأل «ما هي الاتهامات الموجهة إلي؟» فلا جواب أيضا. و يشعر بالغضب عندها و يكتب أن عليه أن «يكون كلبا، و يمشي مثل الكلب و تنبعث منه رائحة الكلب و ينبح مثل الكلب بل عليه أن يتحول إلى كلب».

و يقود هذا الوضع ولد صلاحي لا إلى اختلاق الأكاذيب بل إلى حالة من الهلوسة «بدأت بالهلوسة، و سماع أصوات واضحة جدا، و سمعت أصواتا قادمة من عائلتي و هم يتحدثون عن يومهم و حياتهم العادية، سمعت صوت قارئ القرآن، و موسيقى بلدي، و بعد فترة وجيزة أخذ الحرس يستخدمون هذه الهلوسات و يقلدونها بصوت ساخر، شجعوني على ضرب الحارس و التخطيط للهرب، لكنني لم أسايرهم مع أنني لعبت لعبتهم. و قالوا لقد سمعنا أصواتا تشبه أصوات الجن، أجبت- صحيح و لكنني لم أسمعهم، فقد كنت على وشك خسارة عقلي».

و لم يخسره ففي وجه الوحشية و اللا إنسانية حافظ ولد صلاحي على كرامته و عقلانتيه، و في وجه الخوف و الإحباط تمسك بالأمل، و أمام الظلم تميز بالعفو، فقد كتب في نهاية كتابه إنه لا يحمل في نفسه أي ضغينة ضد أي شخص ورد اسمه في الكتاب و كان مسؤولا عن سجنه بل و طالبهم بقراءته و تصحيح أخطاء وردت فيه، إن وردت «و يحلم يوما بالجلوس معهم حول إبريق شاي و التعلم من بعضهم البعض» بدلا من التعذيب.

* 2.500 حذف:

يجد القارئ صعوبة في قراءة الكتاب على ما فيه من صوت إنساني يبحث عن السبب الذي كان وراء اعتقاله، و ما الذنب الذي ارتكبه حتى تحرمه الولايات المتحدة و سجانوها من أجمل سنوات عمره.

و هذه الصعوبة نابعة من تظليل الرقيب الأمريكي 2.500 موضع في الكتاب. و تذكرنا النقاط السوداء المظللة بأن الكاتب لا يزال في السجن. و يبدو الحذف في بعض الأحيان عشوائيا و في مواضع أخرى كان الحذف مدعاة للغرابة، فولد صلاحي يصف مرة كيف تحركت مشاعره لدرجة كاد الدمع ينزل من عينيه عندما تحدث إليه حارس بلطف. و قام الرقيب بحذف كلمة «دموع».

و من أجل تسهيل قراءة المذكرات قام محررها "لاري سيمز" بملء الكلمات المظللة بتقارير و شهادات لتعطي سياقا. و لم يقابل سيمز ولد صلاحي أو تحدث إليه و عندما طلب مقابلته للتأكد من أنه كان أمينا مع القصة رفضت وزارة الدفاع- البنتاغون- مستندة على ميثاق جنيف لمعاملة أسرى الحرب و الذي جاء فيه «يجب حماية السجناء طوال الوقت و إبعادهم عن عيون الرأي العام»، رغم أن البند نفسه يحرم استخدام العنف و المعاملة غير الإنسانية و الاستفزاز.

* لماذا لا يزال هناك؟

تؤكد «يوميات غوانتنامو» على أن المعتقلين ليسوا مجموعة من الأشخاص يرتدون الزي البرتقالي بلا وجوه أو أسماء، بل في داخل هذا المسلخ و مركز التعذيب هناك حياة إنسانية تتطلع للحرية و الخروج من هذه البوتقة، و وجوه حقيقية تتساءل ماذا فعلت كي تعيش هنا؟

و السؤال هنا طرحه الكثيرون من دعاة حقوق الإنسان و الحريات المدنية، لماذا لا يزال ولد صلاحي في السجن رغم أن قاضيا فدراليا أمر عام 2010 بالإفراج عنه؟ و لكن الحكومة الأمريكية استأنفت ضد القرار. و لا توجد أي إشارة عن نية الحكومة الإفراج عنه.

و يحاول صلاحي الإجابة على السؤال، حيث يقول إن الولايات المتحدة بعد «كل العمل المضني و تجميع أعداد من السجناء من غير المقاتلين (العزل) وجدت نفسها أمام مشكلة لكنها لا تريد الكشف عن كل العملية».

و في النهاية يرى ولد صلاحي أن تجربة السجن أو الأزمة تكشف عن الأحسن و الأسوأ في البشر و كذا الدول «و عليه فهل نجحت أمريكا في الامتحان الذي تعرضت له بسبب هجمات 2001 الإرهابية؟» لم ينته الامتحان بعد و هناك الكثير الذي تعلمنا تجربة غوانتنامو كبشر و قادة.

تأتي مذكرات/يوميات ولد صلاحي في ظل الجدل الذي أحدثه تقرير لجنة الاستخبارات في الكونغرس الذي كشف عن فظائع و ممارسات ارتكبتها وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» و السجون السوداء.

و على الرغم من الوعود الانتخابية للرئيس باراك أوباما بإغلاق المعتقل إلا أنه لا يزال مفتوحا، و يحاول تخفيض عدد سكانه، و يفرج عن البعض بين الفترة و الأخرى. و حاليا يوجد 122 سجينا منهم ولد صلاحي الذي تبرر الحكومة الأمريكية اعتقاله بناء على قانون استخدام القوة العسكرية عام 2001 حسبما نقل عن المتحدث باسم البنتاغون.

و في المقابل تقول محامية ولد صلاحي نانسي هولاندر إن «محمد لم توجه إليه أبدا أي تهمة. و لم توجه له الولايات المتحدة تهمة لجرم ارتكبه، و لا توجد جريمة ضده، فليست القضية أنهم لم يجدوا دليلا يدينه بل لا يوجد هناك دليل ضده، و يمكن أن أصف حالته أنه في متاهة قانونية مروعة، و هذا تراجيدي و يجب أن يعود لبلاده».

يذكر أن اتحاد الحريات المدنية الأمريكي بدأ بحملة تواقيع على الإنترنت تدعو للإفراج عن صلاحي. و قالت هينا شمسي مديرة المشروع الوطني للاتحاد «محمد صلاحي رجل بريء قامت الولايات المتحدة بتعذيبه و معتقل بدون حق قانوني لأكثر من عقد، و لا يمثل تهديدا على الولايات المتحدة و لم يشارك بأعمال عدوانية ضدها».

و أضافت: «نطالب الحكومة بوضع حد لعذاب محمد الطويل، و نطالبها بالتوقف عن متابعة قضيته و الإفراج عنه من دون تأخير. و نأمل أن ينضم إلينا كل شخص ممن حركت قصة محمد و التعذيب الذي تعرض له و اعتقاله غير القانوني و المطالبة بالإفراج عنه».

** Mohamedou Ould Slahi: Guantánamo Diary

Edited by Larry Siems

Canongate Books Ltd, Edinburgh 2015

466 pages.

الرابط:

http://alasr.me/articles/view/15914/


قراءة 2198 مرات آخر تعديل على الجمعة, 17 تموز/يوليو 2015 07:40