(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 06 آب/أغسطس 2017 16:10

قراءة في كتاب: "الفتوحات اليوسفية" للدكتور "تاج الدين الطيبي"

كتبه  الأستاذة ام وفاء (خناثة قوادري)
قيم الموضوع
(0 أصوات)

هو «كتاب كريم، له من عنوانه حظ كبير: "الفتوحات اليوسفية" فالفتح لفظ غلب استعماله في مواطن الخير، و النسبة اليوسفية: نسبة إلى حسن القسام، و جمال المعنى و كمال المبنى»

بهذه الكلمات قدم فضيلة الأستاذ الدكتور: محمد السرار، أستاذ التعليم العالي كلية الشريعة بفاس، لكتاب "الفتوحات اليوسفية للدكتور محمد تاج الدين الطيبي، بل و اعتبر قراءته أشهى إلى نفسه «من الماء البارد على الظمأ، لما فيها من الإتحاف بالإفادة، و هي حسنى العاجلة و الزيادة.»

أما الدكتور تاج الدين الطيبي، فيقدم للكتاب بقوله: «فهذه محاولة تدبرية لسورة سيدنا يوسف (عليه السلام)، ليست تفسيرا» مبينا أن «التدبر متاح لكل إنسان» ذلك لأن «كتاب الله تعالى بحر تلاطمت أمواجه» و يضيف «و إنه لقرآن كريم، و من كرمه أنه لا يجود على الأولين فحسب، بل مائدته مبسوطة لكل متدبر في كل زمان و مكان.»

و سورة يوسف (عليه السلام) حسب الأستاذ تاج الدين الطيبي: «هي سورة الفرج المرتقب للنفس و الأمة» كما أنها «تعرج بالنفس المؤمنة من كرب الأرض إلى سعة الملكوت»

و لنبدأ بفاتحة قوله تعالى: (الر تِلكَ آياتُ الكِتابِ المُبينِ ﴿١﴾ إِنّا أَنزَلناهُ قُرآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُم تَعقِلونَ ﴿٢﴾ نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِما أَوحَينا إِلَيكَ هـذَا القُرآنَ وَ إِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغافِلينَ﴿٣﴾)

 حيث يرى الدكتور "تاج الدين الطيبي" «أن في الإشارة هنا إشادة بالكتاب المبين، و ما كان مبينا إلا في نزوله عربيا» ليضيف: «و عبارة القرآن العربي فيها من التشريف للعربية مدد لا ينضب» «و من كان فقيرا إلى ذوق العربية و أسرارها كان فقيرا إلى التدبر و الفهم عن الله تعالى» و ما أجمل قوله: «إن رهبة "نحن نقص" لتأخذ بمجامع القلوب المؤمنة، و تجعلها تصغي في عبودية، و ارتقاب لتميز هذا القص عن القص البشري، و في أثناء القص الإلهي يتناثر بره و فضله و هداه -سبحانه- على القارئ»

و عن سر عودة الضمير إلى النبي في (نَقُصُّ عَلَيكَ) و (أَوحَينا إِلَيكَ..) يقول: «و إنما نزلت قصة يوسف (عليه السلام) تثبيتا لقلب سيدنا محمد (صلى الله عليه و سلم) و هو يواجه تحديات الدعوة في مكة»

ثم ينتقل إلى قوله تعالى: (إِذ قالَ يوسُفُ..) ليؤكد أن: «الرؤيا هي ميلاد يوسف الحقيقي، ميلاد إرهاصاته النبوية» ففي الرؤيا «دلالة على أنه سيصبح في رتبة لا تقل عن رتبة الشمس التي هي -بإذن الله-واهبة الضوء و النور و الحياة لعالم المادة، و كذلك تفعل شموس الأنبياء في عالم المعنى»

و لكم أعجبني قوله: «و بعد هذا الإجمال يأتي التفصيل في بقية السورة، و كأن الآيات الثلاث الأولى هي الملخص الذي ينبغي أن تفسر وفقه السورة.. و هذه طريقة قرآنية في التشويق لتفاصيل القصة القادمة»

كما شدني طرحه السؤال التالي: «و لكن ما تفسير هذا الحب للأب و محاولة الاستئثار به؟» مضيفا: «أم كانوا يفكرون في المستقبل و يريدون وراثة أبيهم في النبوة و السلطان الروحي» ليكون الجواب: «و بالرجوع إلى رؤيا يوسف نلمح ذلك» ثم يميل إلى تأكيد استنتاجه: «لأن قدر الله في نبوة يوسف (عليه السلام) و وراثته لأبيه نافذ و لو كره إخوته و دبروا»

و في قوله تعالى: (وَ جاءوا أَباهُم عِشاءً يَبكونَ) يقول: «و ها هي الصدمة تفجأ يعقوب (عليه السلام) دفعة واحدة فيضيق صدره من الفاجعة، و يتنفس هذه المرة من إيمانه لا من رئتيه»

أما عن قوله تعالى: (وَ جاءوا عَلى قَميصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) فيقول الدكتور الطيبي: «و جاء التعبير بـ (دم كذب) دون التعبير بـ (دم كاذب) لسر يدركه أهل الذوق في العربية، فالتعبير بالمصدر أبلغ من التعبير بالصفة» و لولا مخافة التطويل لنقلت تحليله الذي يصل فيه إلى نتيجة أنهم "جاؤوا بكذب.."

 و عن تعامل سيدنا يعقوب (عليه السلام) مع الموقف يبين: «و لم يجزع ولم تخرجه المصيبة عن حلم الأنبياء، فكان المبدأ (فَصَبرٌ جَميلٌ) و ما أشد قوله: (وَ اللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ)»

و في تدبره لـ (الآية رقم:20) يقول الدكتور الطيبي: «و لهذا جاءت جملة (و كانوا فيهِ مِنَ الزّاهِدينَ) توبيخا لهم بأن هذا ما كان ينبغي أن يزهد فيه كل هذا الزهد، و لو عرفوا مآله لكان لهم أن يتمنوا أن يقبلهم عنده خدما»

و عن قوله تعالى: (وَ قالَ الَّذِي اشتَراهُ مِن مِصرَ لِامرَأَتِهِ أَكرِمي مَثواهُ..) يقول الدكتور الطيبي: «و كأن الله تعالى فعل بيوسف (عليه السلام) ما فعله بموسى (عليه السلام) من بعدُ حين ألقى عليه محبة منه، فلا يراه أحد إلا أحبه حتى فرعون، و هكذا وقع يوسف في قلب العزيز و قربه إليه»

أما عن جماليات تدبر قوله تعالى: (وَ اللَّـهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ) فلا يسعني إلا أن أترك المجال لقارئ الكتاب ليقف على ذلك بنفسه.

و عن قوله تعالى: (وَ قالَت هَيتَ) يقول الأستاذ الطيبي: «إنها كلمة مدمرة، و كأن كل الحواجز النفسية و الحسية التي كانت عند يوسف (عليه السلام) أرادت تدميرها بهذه الكلمة» «لقد اجتمع كل الإغراء في هذه الكلمة، و حشدت المرأة كل طاقتها في الإغواء فيها» ليضيف: «و في قول يوسف (مَعاذَ اللَّـهِ) إشارة  أن (قاموس الشيطان) من كلمات الإغواء يجب أن يقابل بـ (قاموس الاستعاذة) الإلهي..  و لو أن كل من تعرض للغواية قابل القاموس بالقاموس لعاش الشيطان البطالة»

أما عن (بُرهانَ رَبِّهِ) فله تحليل يتسامى إلى العلياء، حيث الأنبياء الأطهار، صفوة خلق الله، أولئك الذين لا يكادون يلامسون ببشريتهم الأرض إلا لماما، فحاشا في حقهم الإثم أو اللمم، و من هنا نجد قوله: «.. هو برهان التولي الإلهي للأنبياء لأنهم موقع القدوة فلا يقع منهم ما يخالف كونهم قدوة، هو برهان (الحفظ الإلهي) الذي رآه يوسف (عليه السلام) في نفسه»

و دونك -قارئي الكريم- هذه الكلمات المفعمة بالحب لسيدنا يوسف (عليه السلام)، و اليقين  بعفته، هذه العفة التي تناقلت خبرها البشرية جيلا بعد جيل: « و في عطف السوء على الفحشاء بيان أن يوسف (عليه السلام) لم يصرف عن الفحشاء فقط، بل عصم من مقدماتها.. و لم يقع منه حتى حديث النفس (الهم) لأنه من السوء أيضا، لأنه لا يليق بمن يُهَيَّأ للنبوة أن يخطر في باله حتى مجرد التفكير في المخالفة، فما الظن بأن يهم بها و يعزم عليها، و ذلك من خصائص الأنبياء»

أما عن (السجن اليوسفي) فيبين الدكتور الطيبي أنه: «لم يزل عزاءَ كل من سجن ظلما.. فقد دخله يوسف مظلوما و خرج منه (عزيزا) وزيرا» «و أن السجن كان (خَلوتَه) التي جاءته فيها النبوة، و دليل ذلك اشتغاله بالدعوة في السجن»

و هناك التفاتة رائعة لا يمكنني إغفالها ألا و هي: «فنجده استعمل عبارة (أما أحدكما) و (أما الآخر) و لم يواجه صاحب المصير المشؤوم بعبارة (أما أنت فستصلب و تأكل الطير من رأسك)، لأن العقوبة قاسية و لم تسمح له إنسانيته بمواجهة هذا الفتى بمصيره مباشرة.. و إنه لخلق نبوي رفيع في التعامل مع أصحاب الحالات المأساوية»

و لنواصل القراءة في الكتاب لتبهرنا هذه الجلجلة: «و تأتي رؤيا الملك (فتحا إلهيا) محضا ليوسف (عليه السلام).. و إعلاما بأن الله لا يتخلى عن أوليائه»

و ما أروع توضيحه: «و قوله تعالى: (وَ أَنَّ اللَّـهَ لا يَهدي كَيدَ الخائِنينَ) هو الأصل الذي تنبني عليه القاعدة التي تقوم عليها (التحقيقات الجنائية) من أنه لا جريمة كاملة، و أن المجرم لابد أن يترك وراءه دليلا و ثغرة تدل عليه.. فإن استئثار الله تعالى بكمال التدبير يمنعه من استكمال كيده»

«و في (أَستَخلِصهُ) تعبير عن حلوله محل القبول و التَّجِلَّة من الملك نفسه حتى جعله خاصا خالصا له من دون الآخرين»

و هكذا حسب الدكتور الطيبي فقد «كان يوسف (عليه السلام) من "الأنبياء الملوك" يسوس الرعية بسياسة النبوة»

كما يطيب لي أن أنقل هنا قوله: «و في سياق: (فَدَخَلوا عَلَيهِ) دلالة رائعة على تواضع يوسف (عليه السلام) و أنه كان يمارس تدبير شؤون الرعية في المجاعة بنفسه دون احتجاب عن الرعية تصديقا لقوله: (اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)»

و عن قوله تعالى: (قالَ بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمرًا فَصَبرٌ جَميلٌ عَسَى اللَّـهُ أَن يَأتِيَني بِهِم جَميعًا) نجده يقول: «و من أصعب الابتلاء أن يجِدَّ بلاء جديد يشبه تماما البلاءَ القديم الذي أثخنك، فلا يجد في نفسك متسعًا لحزنٍ جديد، بل يثير فيك شجن الحزن القديم ليعصف بك كإعصار خاطف» و يضيف: «قال (عسى) و لم يقل (ليت) لقوة رجائه مع تضاعف مصيبته، و كأن من طبيعة المؤمن أن يتضاعف رجاؤه و يزداد حسن ظنه بربه إذا اشتد بلاؤه»

أما عن الحزن اليعقوبي فيقرر: «و لا ينافي الحزن الصبر الجميل مطلقا، و ما ينزل البلاء بالمؤمن إلا ليعبد الله بالضراعة، و إن بلاءً رد المؤمن إلى الضراعة لهو نعمة لا نقمة»

و عن قوله تعالى: (وَ لا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ): يؤكد أن سيدنا يعقوب (عليه السلام): «فتح باب الأمل على مصراعيه، و إنها (لعبودية نادرة) تليق بمنصب النبوة حين يرتفع سقف الرجاء و صاحبه في حضيض الكمد!»

و أستسمحك -قارئي الكريم- في الانتقال بك إلى قوله تعالى: (وَ لَمّا فَصَلَتِ العيرُ) لنغوص معا في أدبيات شاعر أديب ملك زمام اللغة و أداتها المؤثرة الفذة ليبهرنا حين يقول:« و هذه معجزة ليعقوب.. و كأن الله تعالى أراد تهيئته للخبر السعيد، فبسط له حاسة الشم حتى استنشقت رائحة القميص الذي خرج لتوه من مصر و انفصلت به القافلة عنها.. و شَمَّ يعقوب (عليه السلام) رائحته و هو بالشام، و يا للشوق يختصر المسافة! و إنها رائحة المحبوب أسرع إلى المحب الصادق من سرعة الضوء!»

و هو ما نجده في جماليات تدبر قوله تعالى: (فَلَمّا أَن جاءَ البَشيرُ): «و حين جاء البشير اعتذر القميص عن القميص..! اعتذر قميص يوسف الجديد عن الحزن الذي سببه القميص القديم، و قميص يوسف أكثر من واحد: قميص الجب، و قميص امرأة العزيز، و قميص البشارة، و مع قميص البشارة انتهت الأحزان اليعقوبية دفعة واحد؛ عاد البصر، و ظهر أن يوسف ليس حيا فقط بل هو عزيز مصر!.. إنها مفاجأة مذهلة لا يتحملها إلا قلب نبي! و قلوب الأنبياء كما تتحمل الاستثناء من الحزن، تتحمل الاستثناء من الفرح»

و في تدبر الأستاذ الكريم لقوله تعالى: (رَبِّ قَد آتَيتَني..) نجد: «أتخيله و قد انعزل عن كل من حوله.. و خلا بربه سبحانه حامدا مثنيا معترفا بفضل الله تعالى عليه، و قد تمت عليه النعمة، و بلغ من منصبي الدنيا و الآخرة مالا مزيد»

«و مع هذا الثناء ينبعث رجاء حار، و حب غامر لله رب العالمين، ذلك الإله الذي لم يتخل عن يوسف (عليه السلام) في الدنيا و هو المرجو أن لا يتخلى عنه في الآخرة.»

و ما أروع إشارته: «و هنا انتهت تفاصيل قصة يوسف (عليه السلام) و لم يرد أي ذكر لتفاصيل حياته بعد انتهاء محنته.. و يستفاد من هذا أن عمر المحن، و التقلبات و فصول البلاء هي الحياة الحقيقة لأولي الألباب.. و أن الله يبارك للأبرار في أيام البلاء و المحن و المجاهدة، و أنها هي مقياس عبوديتهم الخالصة له، و ما يقع لهم بعد التمكين هو فضل و نافلة حياة.»   

و في الختام يقرر أن: «آخر آية في سورة يوسف (عليه السلام) ليست خاتمة للسورة فقط، بل هي مفتاحها أيضا، إنها فاتحة القراءة و التدبر» فالقارئ يراد له «أن لا ينساق وراء متعة القص و نزواته، بل عليه أن يستخدم منظار الآية الأخيرة (لَقَد كانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبابِ ما كانَ حَديثًا يُفتَرى وَ لـكِن تَصديقَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ وَ تَفصيلَ كُلِّ شَيءٍ وَ هُدًى وَ رَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ).

  و بعد قارئي الكريم، كانت هذه قراءة محتشمة لـكتاب "الفتوحات اليوسفية" للدكتور "محمد تاج الدين الطيبي" حاولت من خلالها إماطة اللثام -و لو بالقدر اليسير- عما في هذه المحاولة التدبرية لسورة سيدنا يوسف (عليه السلام) من نفحات ربانية و لفتات إيمانية و سياحة أدبية جمالية.

و لقد قرأت الكتاب أربع مرات، فوجدت متعة التدبر و التذكر و القرب، و قمة البلاغة و البيان و لا يسعني إلا أن أردد مع الدكتور السرار قوله: «تبقى هذه الفتوحات عملا رائدا، و خطوة في سبيل المحاولات التدبرية لسُوَّر القرآن الكريم ثابتة و هي أولى قطرات غيث سينسجم سَحْسَاحًا عن قريب إن شاء الله تعالى»

(*) قوادري خناثة (الخنساء): أستاذة تعليم ثانوي، ليسانس آداب إسلامية و دراسات قرآنية، كاتبة في الأدب الإسلامي 

http://www.djelfa.info/ar/mag_cult/10925.html

قراءة 2406 مرات آخر تعديل على الجمعة, 11 آب/أغسطس 2017 07:26