(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 03 أيلول/سبتمبر 2017 07:03

إلينا... يا من أتعبكم الظلام" خالد محمد خالد و"أفكار في القمة" 2/2

كتبه  الأستاذة أم وفاء خناثة قوادري
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مع مصر القديمة و هي تفكر:

يقول الأستاذ خالد محمد خالد: "قبل الميلاد بآلاف من الأعوام، كانت مصر القديمة تفكر تفكيرا عاليا مضيئا، و كانت الحكمة تستوطن معابدها و أبهاءها، و كان ورق البردي يحمل في أمانة و رشد أجل تبعات التاريخ على صفحاته العريقة بأنباء القرون و آياتها.."

 و يضيف: "إن الإحساس الإنساني في الفكر المصري القديم ينبض نبضا قويا، بارا، رحيما." لينقل لنا نماذج من هذه التعاليم التي كانت تمثل مستوى عاليا من الفكر الأخلاقي و الاجتماعي، و قد قيلت قبل الميلاد بحولي ألف عام.

"احذر أن تسلب فقيرا بائسا، و أن تكون شجاعا أمام رجل مهيض." " و لا تسخرن من كلمة رجل هرم، و لا تكن قط رجل سوء، و من فعل فاحشة فإن المرفأ يفلت منه.." "لا تشتبكن في جدال مع أحمق و لا تجرحه بالألفاظ، تأنّ أمام متطفل، و اعرض عمن يهاجم"

 و عن الأناة في الكلام، و عدم التسرع في الرد، ينقل هذه الحكمة المضيئة المتألقة:" نم ليلة قبل التكلم، لأن العاصفة تهب مثل النار في الهشيم، و الرجل الأحمق في ساعة غضبه، يجب أن تنسحب من أمامه، و تتركه لحماقته، و الله يعلم كيف يجزيه"

"لا تمنعن أحدا من عبور النهر، إذا كان في زورقك مكان" "لا تفضين بقرارة نفسك لكل إنسان"

أما عن مهمة الحاكم في مؤازرة الرجل العادي، و منحه فرصته في الحياة، فينقل لنا هذه الحكمة الجليلة: "إن الله خلق الناس منه.. و إنه ليسمعهم حين يبكون، و حين يشكون، و ما جعل فيهم رؤساء، إلا ليسندوا ظهور الضعفاء منهم"

مع توم بين صديق البشر:

هنا أجدني عاجزة حقا عن الاختيار، إذ كل ما ذكره الأستاذ خالد محمد خالد عن هذه العبقرية الفذة كان باهرا و عظيما.

انظر إلى قوله: "كان شعار جميع الرواد الأفذاذ الذين سبقوه مبشرين بالحرية و بالإخاء الإنساني، كان شعارهم: "حيث توجد الحرية يوجد وطننا"

فجاء (توم بين) نسيج وحده، و لخص شعاره و عقيدته، و سلوكه في عبارة أخرى باسلة شاهقة عظيمة هي: "حيث لا حرية، فثم وطني"

يا للرجل و يا للعملاق"

إذن فحرية (توم بين) كما يفسر الأستاذ خالد محمد خالد هي: في أن يكون الناس جميعا أحرارا، و حيث لا حرية فثم أرض المعركة المقدسة.

و لننظر إلى رده حينما جاءه الإمبراطور بونابارت زائرا.. بونابارت الذي يُرهب و يُرغب، فها هو يقول لصاحبة البيت التي أذهلتها المفاجأة، فجاءت تنبئه أن الإمبراطور بالباب يود لقاءه، فقال لها:

"بونابارت..؟ و ماذا يريد مني هذا الوغد؟ ارجعي و قولي له: إن وقت "بين" لا يتسع للقاء الأشرار و قطاع الطرق"

و من أقواله التي يذكرها الأستاذ خالد محمد خالد:" أنا أكره الحرب، إنها أسوأ الطرق لإبقاء الإنسان في هوة الاحتقار، و لتحويله إلى وحش ضار"

مع جوركي صديق المستقبل:

في التعريف به يبين الأستاذ خالد محمد خالد أنه عاش للأمل و للمستقبل، و تقديس كل ماله صلة بهما.

فالأم مقدسة عند جوركي، لأنها وعاء المستقبل: " لنرفع عقيرتنا بالمديح للمرأة الأم، المصدر الذي لا ينضب للحياة المنتصرة"

و عن المستقبل و الحقيقة يقول: " إن الظلمة تنزاح شيئا فشيئا، مفسحة المجال للنور في بيت الله، و بيت الله هو الأرض بأسرها"

و لجوركي رأي مغاير في الكاتب الذي يبحث عن الحقيقة، ليضيء بها نفسه، و يقدمها للناس.. إذ يجمل به ألا يستهدف الإعجاب و الشهرة:

"ليس من المستحسن أن يكون للكاتب كثير من المعجبين، و كل رجل ذي عمل مع الجمهور، يجب أن يطهر الهواء المحيط به بمطهر الحقيقة"

كما يقول أيضا: "إني أقدس الاستياء الذي يشعر به الإنسان اتجاه نفسه، و الذي يدفعه إلى الأفضل دوما"

و يعلل الأستاذ خالد محمد خالد جمال فكر جوركي.. بكونه فكرا سائرا لا واقفا.. وجهته الأمام دوما: "ليس لنا سوى اتجاه واحد نتحرك فيه، و هذا الاتجاه، هو الأمام..!"

مع إقبال في فلسفته الدينية:

يبين الأستاذ خالد محمد خالد أن محمد إقبال –شاعر الهند و باكستان و فيلسوفهما الكبير- كان يفكر تفكيرا عاليا في طبيعة الدين، و في تطوره، و وظيفته، و أن نقطة انطلاق هذا التفكير هي قوله:

"إن السمو إلى مستوى جديد في فهم الإنسان لأصله، و لمستقبله؛ من أين جاء؟ و إلى أين المصير؟ هو وحده الذي يكفل له آخر الأمر الفوز على مجتمع يحركه تنافس وحشي، و على حضارة فقدت وحدتها الروحية بما انطوت عليه من صراع بين القيم الدينية و القيم السياسية."

و ينقل له أيضا: "نستطيع القول بأن الحياة الدينية من الوجهة العامة، يمكن أن تنقسم إلى ثلاثة أطوار؛ طور الإيمان، و طور الفكر، و طور الاستكشاف."

و عن طور الاستكشاف يقول: "و هنا يصبح الدين مسألة تمثل شخصي للحياة و القدرة، و يكتسب الفرد شخصية حرة، لا بالتحلل من قيود الشريعة و لكن بالكشف عن أصلها البعيد في أعماق شعوره.."

ليضيف:" و صدق الصوفي المسلم الذي يقول: "لا يتيسر فهم الكتاب الكريم حتى يتنزل على المؤمن، كما تنزل على النبي"

و يوضح الأستاذ خالد محمد خالد أن الدين كما يراه إقبال في طوره الأخير هو: "نشاط صوفي يستهدف رؤية الحقيقة، و التفوق على كل ضعف بشري"

و يذكر قول إقبال: "و كل طلب للمعرفة، هو في جوهره صورة من صور الصلاة، و المتأمل في الطبيعة تأملا علميا، هو نوع من الصوفي الباحث، و تأمله هذا صلاة، و الصلاة؛ سواء كانت صلاة فرد أم جماعة، تعبير عن مكنون شوق الإنسان إلى من يستجيب لدعائه في سكون العالم المخيف"

و هكذا يدعو إقبال -كما يبين الأستاذ خالد محمد خالد- إلى احترام رياضة الباطن، أي التجربة الدينية الصادقة التي تستهدف رؤية الحقيقة و معانقتها، لتزودنا بالمعرفة و الإدراك، بل و بمواقف ثابتة مع الحق و الفضيلة.

 و يرى أن هذه التجربة الدينية الصادقة تعتمد حديثا على مصادر للمعرفة تلائم وجهتها الجديدة، في ظل العقل الاستدلالي الذي يجب علينا مؤازرته، و كبت كل أسلوب للمعرفة لا يعتمد عليه.

و أنقل هنا مقولة إقبال: "ليس منتهى غاية الذات أن ترى شيئا، بل أن تصير شيئا" "ترى الدليل على حقيقتها في قول كانت "أنا أقدر" لا في قول ديكارت "أنا أفكر" ".

مع فرويد في مجاهل النفس:

يقول الأستاذ خالد محمد خالد: "و لقد كان فكر فرويد و هو يتعقب الكبت و يمسك بخناقه، واحدا كبيرا من أبطال المعرفة الإنسانية" ثم ينقل قول فرويد عن الميول المكبوتة: "إنها لا تتلاشى، بل تبقى حية في اللاشعور و تظل مستمرة في نموها" و يقول عنه:" إنه ينادي باحترام الغرائز، و على رأسها غريزة الجنس، و يكشف عن الصداقة العريقة التي بيننا و بين غرائزنا، إنها ليست شياطين كما كنا نظن، و لكنها قوانا التي نتحرك بها و نعمل"

ثم يوضح الأستاذ خالد محمد خالد أن فرويد لا يقصر الميول المكبوتة على الجنس، كما توهم كثيرون، بل أعطى الجنس المكان الأول، و يرى أن ذلك أقرب إلى الحق، لأن الكبت هو ثمرة التحريم و المنع.

ليؤكد أن ليس ثمة غريزة من غرائز البشر نالت من المنع و الحظر و المقاومة، مثل ما نالت غريزة الجنس.

ليصل إلى القول بأن: "خير صورة للتكيف الأخلاقي عند فرويد هي تلك التي لا تبالغ في الحرمان و لا تبالغ في الإشباع، فإرضاء جميع الميول الغريزية إرضاء غير محدود ينتج من الألم مثل أو أكثر مما يسبب من لذة، و الحب العظيم الصادق من خير ما تظفر به الحياة السوية"

و يضيف الأستاذ خالد محمد خالد معقبا: "كانت الحرب العالمية فجيعة مرهقة لفرويد، لأنها تمزيقا عنيفا و رجيما لأوصال الحب الذي يطمح فيه لبني الإنسان" لينقل عنه تهكما جادا.. عن وحشية الناس خلال الحرب: " إن مواطنينا في العالم الذين ارتكبوا تلك الأعمال، لم يسقطوا في الواقع إلى درك بعيد كما كنا نظن، و ذلك لسبب بسيط، هو أنهم لم يكونوا في مستوى رفيع بقدر ما كنا نتصور..!"

مع ديهاميل في دفاعه عن الأدب:

تلخيصا لكلام الأستاذ خالد محمد خالد أقول:

إنه ديهامل صاحب الإيمان بالكلمة، و بالفكر، و بالأدب، و الذي يقدس روح الكاتب و الأديب، و يرى أن شر أعداء هذه الروح هو النجاح و في ذلك يقول: "لو غامر أحد أولادي يوما و احترف الأدب و سألني أن أنصحه، لما قلت له غير هذه العبارة: احذر النجاح"

إن ديهامل يقصد هنا النجاح التجاري الذي يجرف الكاتب بعيدا عن الأصالة و الخلق، و عن كل جهد يتطلبه التجويد و الإتقان، لأنه يطالبه باستمرار بتموين السوق الرائجة، و من هنا لا تكون أعمال هذا الأديب ضحلة فحسب، بل ستصاب موهبته بالاضمحلال، إذ أن العمل الفني لم يكن يوما سلعة تصنع على عجل.

ليوضح ذلك بقوله:

"إن الأفكار التي يمكن أن تكون مادة لعمل فني، تحتاج دائما إلى نضوج بطيء، فهي تولد فينا كالنطف، و تبقى زمنا طويلا بغير حراك.. و مع هذا يمضي زمان قبل أن يتهيأ الكائن للمجيء إلى الضوء.. فتبدأ عملية الوضع الشاقة، و نحن نستطيع أن نفسد كل شيء، و لكننا إذا انتظرنا حتى نهاية الحمل، فستكون لدينا الفرصة لأن نخرج إلى العالم كائنا قابلا للحياة، كاملا حسن التكوين"

أما الكتاب عند ديهاميل؛ فهو وعاء الثقافة الذي يصونها عن التبدد و الضياع، و يقول عن المكتبة: "هي ذلك المكان الجليل الذي يحتفظ فيه الرجال بتجاربهم، و أحاسيسهم و اكتشافاتهم و مشروعاتهم"

و يتساءل: "إلام يصير العالم لو علق فجأة بالورق مرض جديد يحيل كل المكاتب ترابا..!؟"

ليكون الجواب: ".. و لن تكون تصرفاتنا عندئذ إلا تصرفات وحوش تعسة"

مع إمرسون في تفكيره المغرد:

سأكتفي هنا بذكر بعض أقواله: "إن الثبات السخيف على رأي واحد هو غول العقول الصغيرة"

"لكي تكون عظيما لابد أن يساء فهمك" "إن من يختار الراحة، لا يشاهد الحقيقة، و من يختار الحقيقة يظل جوابا، سابحا، بعيدا عن كل مرفأ" "ليس في الدنيا الواسعة مكان يختبئ فيه إنسان سافل، و إن ارتكبت جرما، وجدت الأرض كأنها مصنوعة من زجاج، إنك تستطيع أن تقذف حجارة إلى أعلى، و لكنها بعد لحظة ستعود إلى الأرض" "الصديق الجديد، عندي حادث عظيم"

و مع تولستوي في شموخه:

ينقل لنا الأستاذ خالد محمد خالد قول تولستوي: "من أنا؟ جزء من اللانهائي؟ ألا إنه في هذه الكلمات الوجيزة جدا، لتنحصر المشكلة بأسرها.. !"

ثم يضيف: "أمن الجائز أن الإنسانية لم تسأل نفسها هذا السؤال إلا منذ الأمس القريب!؟"

 ليجيب: " إن فكرة الإله الذي ليس له نهاية، و قدسية الروح، و العلاقة بين الله و الناس، و فكرة الإنسان عن الخير و الشر، كل هذه أفكار صيغت في الضمير البشري السحيق، و هي أفكار لا يمكن لي و لا للحياة بدونها بقاء، و مع هذا فقد نبذت جهد الإنسانية بأسره و أردت أن أصوغها من جديد بنفسي"

و يعقب الأستاذ خالد محمد خالد على هذا الكلام قائلا: "هذه هي محاولة تولستوي الجريئة، و هذه آية شموخه"

ثم يضيف: "في رأيي أنه يكفي من تولستوي هذا الموقف الفكري الباسل، حتى إن ضل بعده الطريق، فكيف و هو يخبرنا أنه لم يضل و لم يَحْتَوِشهُ التّيه"

ليذكر بقوله: " إن معرفة الله و الحياة شيء واحد، أو قل: إن الله هو الحياة" "و هدف الإنسان في الحياة إنقاذ روحه" "و لكي يفعل عليه أن يعيش عيشة ترضي الله"

و بعد أن يطل بنا الأستاذ خالد محمد خالد على الجانب الإيجابي في تفكير تولستوي و حياته.

يختم بقول تولستوي: " فالناس يمجدونني و يحتفون بي كما لو كنت أكثر البشر نبلا.." "بينما أعلم حق العلم أني لا أزال في بداية البداية"

 و يختم المفكر الإسلامي خالد محمد خالد كتابه "أفكار في القمة" بهذه الكلمات:

كل كتب تولستوي الشامخة..

و كل سلوكه القوي الطاهر..

كل هذا.. لا يمثل في رأيه سوى "بداية البداية"..!؟

    *        *         *

و بعد..

فلتطو صفحات هذا الكتاب هنا..

عند "بداية البداية".. !!

(*) أم وفاء خناثة قوادري: أستاذة تعليم ثانوي، ليسانس آداب إسلامية و دراسات قرآنية، كاتبة في الأدب الإسلامي 

قراءة 1713 مرات آخر تعديل على الخميس, 07 أيلول/سبتمبر 2017 13:03