(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الإثنين, 08 تموز/يوليو 2019 10:57

عن كتاب: لبيك لمالك بن نبي

كتبه  الدكتور محمد الأحمري من قطر الشقيقة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

وجدت من الكتب الصادرة حديثا الرواية الأولى لمالك بن نبي "لبيك" معربة عن الفرنسية، و منشورة عام 1430 هـ 2009م، في: 156 صفحة من الحجم الصغير، عن دار الفكر في دمشق، و كانت مرت سنين و أنا أتمنى لو قرأت هذه الرواية الوحيدة للكاتب، لأنها تظهر في قائمة كتبه التي قرأتها إلا هذه الرواية التي بقيت مدفونة في اللغة الفرنسية لأكثر من ستين عاما، و لأننا عرفناه كاتبا جادا صارما لا مجال عنده لتنميق القول أو كثيره أو غثه، كما يحدث كثيرا للروايات. مع أن كتابه "مذكرات شاهد القرن"، نمط راق للكتابة الأدبية، و هو عنده نوع وسيط بين التاريخ و الأدب، فقد حافظ على روح الأدب و التاريخ في السيرة الذاتية، و هي أحسن إخراجا و محتوى من "طفل من القرية"، الذي كتبه مبكرا الأديب الناقد سيد قطب. 

هذه الرواية كانت عمله الثاني في قائمة نشر أعماله، فقد أصدر عمله المهم: "الظاهرة القرآنية" عام 1946م، و بعد عام (1947م) أصدر هذه الرواية، و كلا العملين بالفرنسية، و لم تلن العربية له ليكتب بها إلا في وقت متأخر بعدما هاجر لمصر و طور لغته. 

ترجم الرواية زيدان خوليف، الذي كتب اطروحة الدكتوراة في السوربون عن مالك بن نبي، و هو واحد من قائمة الباحثين الذين كتبوا عن مالك رسائل جامعية عديدة في البلاد العربية و في أوربا و أمريكا، و لم يزل تتابع هذه الأبحاث منذ ثلاثين عاما. 

في رواية "لبيك" حشد روحي جميل استطاع أن يصف فيه حجاج الجزائر و المغرب، و سفينتهم، و أن يقص القصة من خلال تائب يتوب فجأة، و يستطيع أن يلحق بالسفينة و طفل يفلح في أن يتسلل إليها بعد رهان مع الأطفال في الحيّ أن يلحق بالمركب و يحج مع الحجاج، و تنوء الرحلة بوصف النيات الطيبة و المعرفة القليلة، و التوبة الصادقة، مما جعلها رحلة حج وثيقة الصلة بشخصيات الرواية، و وثيقة الصلة بكاتب لديه روح تحنّ للحج و للرحلة و للتوبة، و تنتقد الساخرين بالحج من الغربيين ممثلين بـ(ربان السفينة). 

إنها تمثل رحلة روحية، و تعبر عن هيام المسلم بالحرم، و منازل الأسلاف، أحيانا يشدك النص و تتعاطف مع شخصيات الرواية، و يكاد يجعل بدنك يقشعر رحمة و تعاطفا مع قروي أو بدوي يعنو من بعيد ليلحق بسفينة الحجاج على الشاطئ التونسي، ثم يرده الأمن من السفينة، لأنه لم يستكمل أوراقه فيحاول و يمسك به الناس و تتحرك السفينة و هو يصرخ شاكيا مناديا و مشهدا لرسول الله إنه جاء صادقا راغبا من مكان بعيد و لكنهم لم يسمحوا له بإتمام الزيارة إلى بلد الحبيب. 

رواية قصيرة ليست بذات مكانة كبيرة إلا لمن يحب أن يعرف كتابة مفكر عملاق في صورة أخرى عندما حاول أن يمارس فن الرواية، ثم لم يتابع في هذا الطريق، و لعله أدرك في هذا العمل أن الرواية ليست مما يصلح له فتركها إلى غير رجعة، إذ الرواية لا تسمح بزحام الأفكار، بل تعنى بصنع الشخصيات و بالصور و الخيال و اللغة، و لعلها أثقلته فتركها، و لكنها قياسا على نجابته الفكرية مغامرة متعبة للتنقل بين طرفي الموهبة. 

عمل المترجم جهد مشكور، غير أن النص كان محتاجا للتحرير، و قد تمنيت لو اعتنى المترجم بعمله أكثر و أتقنه، فقد ظهر النص عليلا أحيانا، و أشك أن يكون الأصل كذلك، فأنت مثلا تجد عبارة كقوله: "فظهر شخص مرتديا لباسا أبيض تاركا خلفه صفق الباب نصف مفتوح و اتجه بخطا صغيرة.."، ص 32، فماذا تفهم و ماذا تصحح أو تتوقع أنه الصحيح؟ و قوله: "خيم ضباب خبازي على الزقاق؟" ص 52، و: "سماء لونها خبازي"، ص 53، أو: "تكوم على كتفي الباب"، ص 52، أو عبارة: "فليكافئك الله على صنيعك" ص 118، فهذه العبارة ليست في سياق الاستخدام العربي فضلا عن لغة الحجاج، بل أبقاها في لباس العجمة، فهل يقصد جزاك الله خيرا؟ و كذا: عبارة "دلو القهوة" ص 119، لم يسبق لعربي أن جعل للقهوة "دلوا"، فهل كان يدّلي من ماء البحر و هو على السفينة أو من بئر، ألم يجد المترجم كلمة عربية تقترب من مراد الكاتب كـ"إبريق"، و لو أبعد، فقال "قدر القهوة"، لكان أقرب لماعون تطبخ فيه القهوة و يتساهل مع المسافر لقلة مواعينه، و الدلو من الجلد قديما أو البلاستك الآن، و لم تكن القهوة تحضر فيه، أو يبحث عن شيء مقارب. 

لقد حز في النفس أن نصا لمالك كان يستحق أحسن من هذا الإخراج، و مالك هو من هو في احترامه للغة العربية، و كان مهووسا بها يتمنى أن ينقي لغته لتبلغ آفاقها، و كان يعشق اللغة العربية و تراثها مما جمعه في مجالس عشاقها، كمحمود شاكر، و كان من شهود مجلسه، و كذا تعمقه في اللغة الفرنسية لا يخفى، لقد أصيب عمل مالك في هذا النقل بداء زماننا من ضعف اللغة لا الكاتب. 

ختاما، لقد حافظت الترجمة على السياق الفني في رواية غربية الأسلوب إسلامية الروح، و أشكر للمترجم أن أخرج لنا هذا النص من ظلام النسيان، و قد غاب ثم عاد لأهله زمنا طويلا، بعد عودة صاحبه الذي لم يغترب روحا و لا فكرا و إن تغرب ببدنه طويلا.

الرابط :

http://alasr.ws/articles/view/11327

قراءة 1225 مرات آخر تعديل على الخميس, 11 تموز/يوليو 2019 20:52