قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 01 تشرين1/أكتوير 2020 18:56

وقفة مع كتاب

كتبه  الدكتور عبد الحليم عويس
قيم الموضوع
(1 تصويت)

لا تنشأ الحضارات من فراغ، و إنما تستمد وجودها من وحي سماوي احتفظ بنقائه، أو من وحي سماوي لم يحتفظ بنقائه و أصابه التحريف.

فالعقيدة - صحيحة كانت أو باطلة - يمكن أن تصنع حضارة أو مدنية تصمد لعدَّة قرون؛ إن وجدت رجالاً يحملونها، ويجاهدون في سبيلها.. وهذا هو المنبع الأول.

أما المنبع الثاني الذي تستقي منه الحضارة وجودها: فهو التراث الحضاري الإنساني السابق؛ سواء كان من داخل محيطها أم من خارجه.

و يبقى التحدي الذي تواجهه الحضارة - لكي تحتفظ بحيويتها و ازدهارها وتقدمها وتأثرها الإنساني الإيجابي - مرتبطًا بجهادها في سبيل تنقية مصدريها (السماوي و الإنساني) من شوائب التحريف، و من أسباب عدم التلاؤم و التناغم في طبيعتها و رسالتها.

و تعد الحضارة الإسلامية، التي ظلت أرقي حضارة إنسانية مدة تزيد على عشرة قرون، كما ذكر "ول. ديورانت" "Will Durant" في كتابه "قصة الحضارة"، و كما ذكر "غوستاف لوبون" "Gustav Lebon" صاحب كتاب "حضارة العرب".

تعدَّ هذه الحضارة الإسلامية - بكل المقاييس - حضارة متميزة و متفردة في الجانبين؛ فهي قد امتصت رحيق الحضارات السابقة، يونانية، و رومانية و فارسية، و هي في الوقت نفسه قامت على وحي صحيح لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه "القرآن الكريم، و السنة الصحيحة"، و انطلقت منهما إلى استيعاب خلاصة العبقرية و العلوم الإنسانية، و من ثم الانتقال - بعد هضم هذه العلوم - إلى الإبداع الذي امتد إلى كل مجالات العلوم الإنسانية و الأدبية و الشرعية و التطبيقية.

و قد خدمت هذه الحضارة - بهذا المنهج - الإنسانية في رحلة تطورها من جانبين:

الجانب الأول: أنها قدمت لها خلاصة الحضارات القديمة بأسلوب ملائم للعصر، مقرون بالشرح و التوضيح، و مقرون كذلك بالنقد و التجريح عندما يقتضي الأمر ذلك، فوجدت أوربا بين يديها علومًا و معارف كانت قد عجزت عن استيعابها، و كادت الخيوط تنقطع معها؛ حتى و لو كانت محفوظة في الكتب.

الجانب الثاني: أنها لم تقف عند هذه المرحلة، بل قامت أيضًا بعملين عظميين غيَّرا مجرى الحضارة الإنسانية:

أ- أنها وصلت معرفيًا و كيفيًا و ليس تراكميًا فقط ما كاد يذهب و ينقطع التواصل معه؛ و ذلك عندما قامت بحركة إبداع شملت كل المعارف و العلوم، و جمعت بين التطورين الكمي و الكيفي، و قدمت نظريات و مدارس فكرية و عملية، و مؤلفات تتلمذت عليها أوربا و غيرها لعدة قرون.

ب- و إلى جانب ذلك، فقد حاربت بعلمها - القائم على تمثل الوحي الصحيح من جانب، و هضم التراث البشري من جانب آخر- الأفكار اللاهوتية السلبية؛ التي رفضت إبداع العقل، بل و حاربته، و جعلته هرطقة و زندقة، و جهدًا مضادًا للوحي؛ فجاءت الحضارة الإسلامية بمنهجها الذي يجعل عمل العقل الرشيد في كل ميادين الأنفس و الآفاق جزءًا من الدين و عبادة الله، و يحارب في الوقت نفسه تلك الأكاذيب الشائعة حول وجود تناقض أصيل بين الدين و العلم، و الوحي و العقل، مثبتًا - أي هذا المنهج - أن التناقص بين الوحي و العقل لا يقع إلا عندما يكون ثمَّة خطأ في المنقول أو في أساليب عمل العقل.

ففي المساجد الكبرى و في الحواضر الإسلامية كانت علوم الفيزياء و الكيمياء و الطب و الفلك تدرس جنبًا إلى جنب مع علوم الشريعة و اللغة العربية، بل كان أمرًا جديدًا على المستوى الإنساني أن يكون عدد كبير من علماء الشريعة، علماء في الوقت نفسه في علوم الجغرافيا و الطبّ و الفيزياء؛ دون شعور بأن هناك نوعًا من التفوق لعلم على علم، فكل العلوم الصحيحة تخدم الدين و الدنيا معًا؛ إذا كانت وسائلها شريفة و أهدافها نافعة كريمة.

و كان من ثمرة هذا التطور الذي تعرَّف عليه الأوربيون، بل و تعلموه من مسلمي الأندلس "أسبانيا" كما تعرفوا عليه في صقلية، و في حركة التجارة والدبلوماسية المتبادلة، و في فترة الالتحام خلال الحروب الصليبية.

كان من ثمرة هذا التطور الذي تفاعل معه الأوربيون: أنْ بدأت بواكير نهضة علمية عالمية غير مكبلة بقيود اللاهوت الرافضة للعقل و العلم، المؤمنة بالعلم و الرافضة لأي إيمان لا يتناغم معه.

و سارت أوربا في الطريق إلى نهايته - الرائعة المأساوية - التي نعيشها اليوم!!

أجل: إن النهضة الأوربية و الإنسانية التي نعيشها اليوم نهضة رائعة علميًّا، لكنها - أيضًا - نهضة مأساوية؛ لأنها بتأثير قرون الصراع الكنسيّ معها، و ما نجم عنه من إحراقٍ للعلماء و مصادرة للعقل.. قد انفصلت عن طريق الوحي الصحيح، و مشت في طريق العلم المادي "النفعي" وحده، و لم تمزج - كما مزجت الحضارة الإسلامية - بين علوم الشريعة و علوم الأنفس و الآفاق، و لم تتصور أن وظيفة العلم توجب أن يكون هذا العلم خيرًا للإنسانية، و ليس طريقة حروب عالمية و أسلحة نووية و أَثَرَةٍ عنصرية؛ بعيدة عن الشعور بالمسئولية الإنسانية العامة.

لقد قدمت الحضارة الأوربية - وريثة الحضارة الإسلامية التي تخلَّف أصحابها - إبداعات في العلوم التطبيقية و العملية، و النظم المعاشية: السياسية و الاقتصادية و العسكرية و العلمية؛ لا يمكن إنكار أهميتها و إيجابياتها.

و كان جديرًا بها لو حذَت حذو الحضارة الإسلامية في تكامل "المنظومة المعرفية"، و في توظيفها؛ لتحقيق سعادة الإنسان - كل إنسان - في الدنيا و الآخرة - أن تجعل الكرة الأرضية حديقةً جميلة يعيش الناس جميعًا سعداء تحت ظلالها، مع اختلافهم في العقائد و المناهج و اللغات، شريطة أن تقوم علاقتهم على منهجية الحوار بحثًا عن "الحق"؛ لا على أساس "القوة"... و إلغاء ميزان العدل و الحق...!

و انطلاقًا من هذا الوعي بالطبيعة الحضارية الجديرة بالإنسان، و التي قدمت نموذجها الحضارة الإسلامية، في نطاق الطاقة البشرية و ظروف التطور الإنساني، كنَّا حريصين في هذا الكتاب أن نقدم الحضارة الإسلامية منذ ميلادها، و بزوغ فجرها في مدينة الرسول - عليه الصلاة و السلام - و صحابته في عصره، و في عصر الراشدين، ثم في العصر الأموي، و حتى سقوط خلافة العثمانيين سنة 1924م.

و مع هذه الرحلة كنا نرصد حركة العلم المواكبة لها، و المؤازرة لنشر الإسلام "الدين القائم على الإيمان و العلم معًا".. فتتبعنا مصادر الإسلام؛ معرفين "بالقرآن الكريم"، "السنة الصحيحة"، و عمل العقل المسلم "الاجتهاد"... "و التراث الإنساني" الذي وجده المسلمون في البلاد التي دخلوها، و كيف أنهم استبقوا الصالح من النظم الإدارية و المالية، و أفادوا منها، كما أنهم قاموا بحركة ترجمة غربلوا من خلالها التراث القديم، و أحسنوا عرضه تلخيصًا و نشرا و تحصيلاً و نقداً.

و لئن كان المسلمون قد حافظوا على أصالتهم، و انطلاقهم من مصادرهم العقدية و التشريعية وحدها في ميادين النظم السياسية و الاجتماعية و التشريعية و الاقتصادية، و في مجالات الأدب و علوم اللغة و الفلسفة، فإنهم - في الوقت نفسه - قد انطلقوا من معاييرها و موازينها الثابتة؛ لغربلة التطبيقات الإنسانية الأخرى؛ فقبلوا ما تقبله معاييرهم و رفضوا مالا يتفق معها.

لكنهم في العلوم الكونية و التطبيقية نهلوا من علوم الطب و الهندسة و الحساب و الجبر و الفلك و الجغرافية و الصيدلة و الزراعة و غيرها، كل ما يمكن أن يتعلموه، و أحاطوا ذلك كله بسياج من أخلاقيات دينهم و غاياته.. و خدموا كل هذه العلوم خدمات أدت إلى تحولات حضارية إنسانية؛ لا يدرك حقيقتها إلا فلاسفة العلوم و الحضارة المنْصِفُون.

و لئن كانت أوربا ممثلةً في كثير من علمائها و قادتها لا يعترفون بفضل الحضارة الإسلامية العربية، فإن المؤرخ و الفيلسوف الكبير "غوستاف لوبون" "Gustav Lebon" يكشف حقيقة هذا الظلم، و ما يقف وراءه من عقد أوربية نفسية و أخلاقية؛ فيقول: "كان من نتائج اصطراع الشرق و الغرب منذ قرون مضت، و إلقاء العرب الرعب في قلوب الأوربيين، أن صار الأوربيون يشعرون بمذلة الخضوع للحضارة العربية الإسلامية التي لم يتحرروا من سلطانها إلا منذ زمن قريب، فأخذوا ينكرون فضل العرب عليهم، و لم يقروا لغير اليونان و الرومان بتمدينهم، و قد ساعدهم على هذا ما عليه العرب و المسلمون من التأخر في الزمن الأخير، فلم يشاءوا أن يروا للعرب رقيا تاريخيًا أعظم مما هم عليه الآن؛ غير ناظرين إلى أن نجم حضارة العرب أفل منذ أجيال، و أنه لا يصح اتخاذ الحال دليلاً على الماضي".

و في إنصافه للحضارة الإسلامية في مجال دفاعه عنها، يقول لوبون: "إن العرب هم الذين فتحوا لأوربة ما كانت تجهله من عالم المعارف العلمية و الأدبية و الفلسفية، فكانوا ممدَّنين لنا و أئمة لنا ستة قرون، و ظلت ترجمات كتب العرب، لاسيما الكتب العلمية مصدرًا وحيدًا تقريبًا؛ للتدريس في جامعات أوربة خمسة قرون أو ستة.. و إذا كانت هناك أمة يجب أن نُقرَّ بأننا مدينون لها بمعرفتنا لعالم الزمن القديم؛ فالعرب هم تلك الأمة.. فعلى العالم أن يعترف للعرب بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة اعترافًا أبديًّا".

و يقول: "يرى بعض المؤلفين أن "لافوازيه" واضع الكيمياء، و قد نسوا أننا لا عهد لنا بعلم من العلوم، و منها علم الكيمياء، و أنه وجد عند العرب من المختبرات ما وصلوا به إلى اكتشافات لم يكن لافوازيه ليستطيع أن ينتهي إلى اكتشافاته بغيرها..

و إذا كانت الحضارة العامة سلسلة حلقات، و كانت حضارة العرب من أهم تلك الحلقات؛ كان من المتعذَّر ظهور نيوتن و ليبنتز و غيرهما من أركان حلقة الحضارة الحديثة بدونها؛ و الفضل للمتقدم".

و يضيف لوبون إضافة رائعة يكشف بها الطبيعة الإنسانية السمحة الكريمة للحضارة الإسلامية، فيقول: "كان عرب الأندلس يتَّصفون بالفروسية المثالية مع تسامحهم العظيم؛ فكانوا يرحمون الضعفاء و يرفقون بالمغلوبين، و يقفون عند شروطهم، و ما إلى هذا من الخلال التي اقتبستها الأمم النصرانية بأوربة منهم مؤخرا....، و أثَّر عرب الأندلس في أخلاق الناس؛ فهم الذين علموا الشعوب النصرانية "و إن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها" التسامح الذي هو أثمن ما تصبو إليه الإنسانية.. و يمكن القول بأن التسامح الديني كان مطلقًا في طور ازدهار العرب، و مثل هذا التسامح مما لم تصل إليه أوربة بعدما قامت به؛ في أكثر من ألف سنة من الحروب الطاحنة و ما عانته من الأحقاد المتأصلة، و ما منيت به من المذابح الدامية[1]".

و نحن - في هذه المقدمة - نكتفي بهذه الشهادات من عالم أوربي مُجمع على عمقه و موضوعيته و موسوعيته..

و لم تَعْدم الحضارة الإسلامية كثيرًا من أمثال هذه الشهادات المنصفة من كوكبة من أفضل علماء أوربا و مؤرخي الحضارات و العلوم.

و نحن لا نريد أن يفهم بعضهم أننا ندافع بهذا الماضي عن انحطاط المسلمين في العصر الحاضر… بتأثير عوامل التخلف التي سيطرت في القرون الثلاثة الأخيرة، و بتأثير خيانة بعض شرائح الأمة لها في قرون ضعفها و انبهارهم بالأقوياء، و ذوبانهم في قيمهم و نظمهم؛ فضلاً عن المخططات الخارجية التي تفرض - بقوة السياسة الموجهة - التخلف على الأمة، و ترفض إعطاء البحث العلمي و العلماء فرصة الابتكار، و تشيع جوًا خانقًا لأصحاب الأفكار و الرأي.

كلا، فنحن لا ندافع أبدًا عن انحطاط المسلمين المعاصر، مهما تكن الأسباب داخلية أو خارجية، فما نجحت هذه العوامل إلا لأن الأمة الإسلامية و العربية - كما هو مشاهد - لديها القابلية للذل و الاستعباد و الاستعمار، لكننا مع ذلك نؤمن بأن ذلك لن يدوم؛ فسنة الله تقوم على التداول، و على تمكين الأمة التي تتغير من داخلها و يعزم أفرادها على الأخذ بسنة الله في الابتعاث و التقدم؛ منطلقين من ثوابتهم و تراثهم، مستفيدين من إيجابيات الحضارات الإنسانية القديمة و الحديثة في كل المجالات النافعة.



[1] يراجع كتاب "حضارة العرب" لغوستاف لوبون، الصفحات الأولى، طبعة عيسى الحلبي، القاهرة و طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ ففيه نصوص كثيرة منصفة للحضارة الإسلامية.

الرابط : https://www.alukah.net/web/aweys/11392/116067/

قراءة 1026 مرات آخر تعديل على الجمعة, 02 تشرين1/أكتوير 2020 10:09

أضف تعليق


كود امني
تحديث