قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 30 حزيران/يونيو 2016 07:16

الصهيونية بين دولة الوحدة و دول التجزئة

كتبه  الأستاذ محمد شعبان صوان من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(1 تصويت)

۞شمولية الصراع أكبر من حدود إمكانات التجزئة

خلافنا مع الصهيونية ليس على اعتذار و لا على حصار، و علينا أن نسأل أنفسنا وفقاً لهذا السقف المزعوم: هل اعتذار الصهاينة عن مأساة السفينة مرمرة سيجعلهم أصدقاء طبيعيين لنا؟ و ماذا عن بقية جرائمهم التي لا تعد و لا تحصى منذ قيام كيانهم إلى اليوم؟ و لكن وفق تقسيمات التجزئة فإن هذه الجرائم لم تصب تركيا، و تبنيها رفع الحصار عن غزة "تفضل" منها لأن غزة ليست من ضمن حدودها، فإذا رفع الحصار فهو "فضل" و إلا فالمسئولية ليست على تركيا وحدها، هذا هو منطق الجميع داخل بنيان التجزئة و ليس منطق تركيا فقط و هذه هي نظرتها و سياستها التي يمليها حجمها و حدودها و التزاماتها الدولية، و بهذا يتبين خطأ الذين حملوها وصف الخلافة الجديدة، و بغض النظر عن الشروط التي تحققت و التي لم تتحقق في الخلاف الصهيوني التركي، فإن مطالب أمتنا ليس هذا سقفها الذي يحاول الإعلام الإيحاء للناس بحصر خياراتهم فيه و هي وسيلة نفسية معروفة يتلاعب بها العارض بالمعروض عليه: تريد كذا أم كيت؟ و الحقيقة أنه لا كذا و لا كيت هو المطلوب، المطلوب أن يرحل المجرم بمتاعه كلياً لا أن يعتذر و لا أن يخفف حصاره، و لكن هذه ليست طاقة التجزئة و لا ضمن جدول أعمالها، الواقعية أن يفهم المرء واقعه لا أن يعيش في أوهام ثم يتعرض للصدمات المتتالية، منذ متى و أمتنا تحمل حكام التجزئة مسئوليات أكبر من أحجامهم المتواضعة ثم تفيق بعد تحليقها و تسقط على رأسها لتحلق بعد ذلك في وهم جديد و هكذا.

علينا أن نتذكر أن خطاب التطبيع الذي عرضه الرئيس السابق أنور السادات كان يتضمن شروطاً أفضل مما طالبت تركيا به، و أن ما حققه بالأمس أكبر مما حققته تركيا اليوم، فلماذا نبذت الأمة السادات و يفترض أن تهلل لأردوغان؟ ثم بعد ذلك علينا أن نتذكر جيداً أن ما حققه اتفاق أوسلو لم يكن مجرد اعتذار أو فك حصار، و مع ذلك وصمه بالخيانة من يهللون لاتفاق تركيا اليوم لأجل أكياس من الطحين و مساعدات إنسانية أخرى، فلماذا نصر على رؤية أبطال تاريخنا العمالقة في شخصيات أكثر تواضعاً و أقل حجماً؟

و كيف انتقلت إنجازات التجزئة من الرفض إلى القبول حتى بعدما انخفض سقفها فصار انتصاراً بعدما كان خيانة؟ إن على أصحاب هذا المنطق ليس المطالبة بالاعتذار عن سفينة مرمرة بل إنهم هم المطالبون بالاعتذار للسادات و عرفات و كل حكام العرب الذين مازالت مطالبهم للتطبيع أعلى من مجرد اعتذار و رفع حصار، هذا إذا تجاوزنا اللقاءات الخفية التي شارفت على الفضيحة، و لكن هذا لا يعني أننا بين خيارات محصورة بشكل الاستسلام المناسب، فخيارات أمتنا الكبرى أفضل بكثير مما تعرضه التجزئة و صغارها علينا، و أمة عملاقة ليست مجبرة على أن تحني رأسها، و لكن شرط النصر أن تخرج من ثوب التجزئة المرقع و تستبدل به ثوب الوحدة الكاملة، فمنطق التجزئة لن يحقق أي انتصار و سيظل السقف ينخفض إلى أن يطبق على رءوسنا، هذه هي نتيجة الإصرار على النظر من خلال العدسات السحرية التي تقلب الحقائق التي يحاول الأبطال المزيفون أن يشرحوها عندما يتبرمون من فرط الولاء و لكن عيون الغرام ترفض أن تستوعبها و تصر على تحميل من تحبهم مسئولية لن يحملوها يوماً [*]، و دون أن ندرك أن التجزئة هي أصل الداء فلن نستطيع التعامل مع واقعنا و سنظل نرى المهدي في أي دجال.

۞مفهوم العداوة في زمن انقلاب المفاهيم

في زمن انقلاب المفاهيم الذي لم يعد يقتصر على ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و لا على الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف بل أصبح فيه المعروف منكراً و المنكر معروفاً، في هذا الزمن إذ أصبح العدو حليفاً و الأخ عدواً و الخيانة وطنية و الجريمة شريعة و السفالة تقدماً و التفاهة عمقاً و الحماقة علماً، لم يعد الحديث عن عداوة الصهيونية و تجريمها سوى لغة خشبية لا تناسب رقة الإنسانية و لا تطورها، و لهذا لن يكون حديثي موجهاً إلى أصحاب هذه الرؤى النبوية الكاذبة التي تدعي اكتشاف ما لم يعرفه الأولون و ترى الصهاينة حلفاء ضد أي خطر حقيقي أو موهوم لأنني بصراحة غير قادر على إثبات قضايا من ضرب زرقة البحر و خضرة الشجر و سطوع شمس النهار و ظلمة الليل و أعتقد أن هناك أفكاراً لو احتجنا إلى إثباتها لارتبك ناموس العقل و القيم و لهذا لن يكون حديثي موجهاً إلا لمن ما زال يرى الصهاينة جزءاً من جبهة معادية تبدأ في كيانه و تنتهي في عواصم الغرب.

الهدف من الحديث هو تبيان الفرق بين وضع الصهيونية عندما كانت تواجه دولة الخلافة و وضعها عندما أصبحت تواجه دولة التجزئة، و بصراحة لقد تعمدت ألا تكون المقارنة موضوعية في أكثر من جانب:

1-   ستكون المقارنة بين أسوأ أزمنة الخلافة و أزهى عصور التجزئة مع أن الموضوعية تقتضي أن نقارن بين الأزمنة المتشابهة.

2-   لن تعطى الفرصة لأنصار الفريقين بالحديث كل عن نموذجه بالتعادل بل سيقتصر الكلام على أنصار دولة التجزئة للحديث عن أنفسهم و عن دولة الخلافة أيضاً مع أن الإنصاف يقتضي أن يتحدث كل عن نفسه أو يتحدث كل عن غريمه المهم أن تكون الفرصة متعادلة بين الطرفين، و لكني لن أحقق هذا الشرط الموضوعي أيضاً.

و مع كل هذا ماذا ستكون النتيجة و من هو الرابح في المقارنة؟

۞موقف السلطان عبد الحميد الثاني من الصهيونية في آخر أيام الخلافة مقارنة بتركيا و بقية دول التجزئة اليوم

إن كتاب "دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين" للدكتورة فدوى نصيرات من منشورات مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت 2014 هو ذروة ما تم تأليفه في الهجوم على السلطان و موقفه من الصهيونية، و هو مليء بالمعلومات غير الصحيحة و التحليلات غير الدقيقة و الازدواجية في الطرح و تطويع الحقائق لتتلاءم مع نتائج مسبقة أعدت سلفاً في سبيل التوظيف السياسي و ليس الهدف العلمي الأكاديمي، و على كل حال ليس هذا هو مكان الرد عليه فقد أفردت لذلك دراسة خاصة (نظرات في كتاب دور السلطان عبد الحميد في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين)، ما أريده هنا هو الاستشهاد باعترافاتها الكافية لتبرئة موقف متهَمها بعيداً عن أي رد مطول عليها، فهي ترد على نفسها، و المهم أنه رغم تطرف الدكتورة في إدانة السلطان عبد الحميد فقد اضطرتها مواقفه الصلبة للاعتراف بما يلي:

● "و نقول إن عبد الحميد كان عنده رغبة شديدة بحل كل مشاكل الدولة العثمانية المالية و رفع السيطرة الأوروبية على الدولة، "لكن المحرم و حدود المحرم" هو الذي وقف في طريق عبد الحميد، فهرتزل أراد التعهد و عبد الحميد أراد المال، و عبد الحميد لم يكن قادراً على منح التعهد "بشكل مباشر". كان السبب الرئيسي لعدم توصل هرتزل إلى اتفاق مع الأتراك هو إصراره على الجمع بين المالية و مشاريع الاستيطان، و العثمانيون بدورهم فصلوا بين السندات المالية و الحصول على التعهد من أجل فلسطين، و عندما أصر هرتزل على التعهد أسقط السلطان أي ضمانة أو حتى الوصول إلى أي تفاهم مع الصهاينة في الأمور المالية" ص 176.

ملاحظة: الغريب أن الدكتورة تعترف أن سبب عدم التوصل إلى اتفاق صهيوني عثماني هو رفض السلطان عرض هرتزل المالي مقابل الموافقة على الاستيطان، و لكن طرحها يدافع عن أنظمة عربية تستجدي الاتفاق مع الصهاينة و السبب الرئيس في فشل الاتفاق هذه المرة ليس صلابتنا في رفض الاستيطان بل رفض الصهاينة لطرح "الشرعية الدولية" رغم كونه يعترف بتسليم أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين للاستيطان الذي تعترف به رسمياً هذه الأنظمة على اختلاف توجهاتها.

و تتابع الدكتورة فدوى نصيرات وصف موقف السلطان عبد الحميد في كتابها المكرس للهجوم عليه:

● "إن عبد الحميد مع تقدم المفاوضات و انكشافها أصبح يدرك أن هناك مشاعر إسلامية ضد المشروع تزداد قوة يوماً بعد يوم، فكان من نتيجة ذلك أن تناقصت رغبته في عقد الصفقة، و زاد حرصه على عدم إغضاب الرأي العام الإسلامي الذي كان السلطان قد بدأ يتزلف إليه ليستميله ضد أوروبا" ص 176-177.

و هنا يتساءل المراقب: أين هو إذن استبداد السلطان الدموي الأحمر الذي يجاري بل يتزلف الرأي العام في أمته مقاوماً رغبته الشخصية بالاتفاق مع أعداء الأمة؟ و أين هو من ديكتاتوريات التجزئة التي كانت حريصة على التزلف إلى الغرب و حضارته و مقاومة الرأي العام في بلادهم بالقوة و القهر و الدم لإجباره على قبول رغبات القادة الشخصية في الخضوع و الخيانة و الاستسلام لأعداء الأمة؟

 قالوا إن السلطان مستبد و هو يتزلف إلى أمته و يفضلها على دول أوروبا العظمى و يقف ضد رغباته الشخصية التي زعموا أنها تميل للتفاهم مع الصهاينة، و قالوا إن قادة التجزئة عظماء و هم يتزلفون إلى أوروبا و أمريكا و الصهيونية بتسليم فلسطين ضد رغبة أمتهم و يفرضون انحرافاتهم الشخصية على شعوبهم!

و تكمل الدكتورة فدوى نصيرات اعترافاتها في أثناء هجومها على السلطان عبد الحميد و موقفه من هرتزل و الصهيونية:

● "إن عبد الحميد، المشهود له بالذكاء و المهارة الدبلوماسية في تسيير الأمور، لا يمكنه أن يتورط في عمل كهذا و بالصورة التي أرادها هرتزل، لكنه أبقى على شعرة معاوية بينه و بين هرتزل و ذلك لمحاولته التخلص من الدين العام و إنعاش البلاد اقتصادياً بالأموال اليهودية، و في المقابل كان لا يستطيع أن يقدم شبراً واحداً من فلسطين فكان يريد الأخذ دون عطاء، إلا أن هرتزل لم يقم وزناً لأي عطاء من قبل السلطان خارج فلسطين" ص 177.

و السؤال هو: رجل يفاوض عدوه ليأخذ منه ما ينعش بلاده الواسعة و المنهارة و لكن دون أن يتنازل له عن شبر واحد، ما هي بالضبط جريمته؟ و هل بيننا فعلاً أي اختلاف على موقف السلطان؟ و كيف يستحق الإدانة من لم يجرؤ على تقديم شبر واحد من فلسطين في الوقت الذي يستحق التبجيل من قدموا رسمياً و قانونياً و دولياً أكثر من ثلاثة أرباعها للصهاينة؟

و مما قالته الدكتورة فدوى نصيرات أيضاً أثناء هجومها الحاد على موقف السلطان عبد الحميد:

● "لم يكن غريباً أن يرفض السلطان إغراءات الصهيونية المالية، و ليس غريباً أن يرفض كل ما عُرض عليه من مال رغم حاجة الدولة إليها، لأن المقابل كان أرض فلسطين و هو مستحيل" ص 180.

فإذا كان السلطان قد رفض كل ما عرض عليه من مال، فكيف يُتهم بعد ذلك "بعدم الحسم"؟ فما هو الحسم إذا لم يكن كذلك؟ أو يُتهم بأنه يسعى للحصول على المال اليهودي و هو يرفضه كله؟ أو يتهم بأنه "غض النظر" عن تسلل الصهاينة؟ أليس في هذا الغض تنازل من غير مقابل في الوقت الذي يُعرض عليه ثمن كبير؟ و هل يقدم عاقل، فضلاً عن دبلوماسي مشهود له بالذكاء، باعتراف الدكتورة المحترمة، على عدم قبض الثمن الكبير المعروض عليه مقابل تنازلاته؟ و إذا كان هرتزل صاحب العرض يرفض الصفقة إلا وفقاً لشرطه و هو البيع الرسمي الفرماني أليس من الأولى أن نُفسر التسلل بعوامل أخرى أكثر قبولاً من التنازل المجاني، كالهجرة غير الشرعية و الفساد الإداري و الضعف السياسي لدولة تلفظ أنفاسها الأخيرة و مع ذلك ترفض الاستسلام بصك رسمي؟

 و إذا كنا نهاجم سلطاناً رفض "كل ما عُرض عليه من مال" و كانت فلسطين ثمناً مستحيلاً لديه، فما بالنا نبجل حكاماً استسلموا رسمياً و قانونياً و مخازن أسلحتهم تعج بالمشتريات الفلكية و مع ذلك كانت فلسطين ثمناً مقبولاً لمجموعة من المناصب الشكلية و الصدقات الدولية و التعويضات الزهيدة؟

خلاصة موقف دولة الخلافة من الصهيونية كما اعترف به ذروة الأدبيات المعادية له:

1-   رفض السلطان عبد الحميد التنازل عن شبر واحد من فلسطين.

2-   رفض كل ما عرض عليه من أموال رغم حاجة دولته الماسة في زمن إفلاسها.

3-   دخل السلطان في مفاوضات للحصول على المال دون تنازله عن شيء.

4-   سبب موقف السلطان الذي اتهم بالاستبداد و الدموية هو مراعاته بل تزلفه للرأي العام الإسلامي الذي كان يناهض المشروع الصهيوني (و مع ذلك يوصف حكمه بالفردية!)، و كانت بطانة السلطان العربية مثل عزت باشا العابد و أبي الهدي الصيادي (الذي صورته الدعاية بصورة سلبية جداً كراسبوتين) هي السبب في تشجيع السلطان على هذا الموقف.

5-   كان السلطان يتزلف لأمته ليستقوي بها ضد أوروبا و ليس العكس كما حدث في زمن التجزئة، فأين الذين يتزلفون للغرب اليوم على حساب أمتهم ثم يوصفون بالخلفاء الجدد؟

و بعد كل ذلك كان أقصى ما أخذ على الموقف السلطاني غضه النظر عن تسلل اليهود إلى فلسطين و إصداره فرمانات جزئية في محاولة لاستجلاب المال اليهودي دون منحهم براءة رسمية تشوه منصب الخلافة، لكن هذه النظرية (أي غض النظر المتواطئ) لم تفسر لنا كيف يرفض السلطان منح فلسطين بصفتها ثمناً "مستحيلاً" مقابل مال وفير ثم تصبح الآن ثمناً مقبولاً ما دامت في النهاية ستصبح لليهود، و كيف سيفسر ذلك لأمته و هو حريص على التزلف لرأيها العام ضد أوروبا ، و كيف يرفض التنازل عن شبر بثمن كبير جداً ثم يتنازل بهذه السهولة مقابل مبالغ مبهمة لم يتم تحديدها و لم يتم رصد أي اتصالات أو وعود بشأنها كما فعل هرتزل مثلاً ، و كيف يمنح هرتزل ميزة التسلل مع أن هرتزل نفسه كان ضدها و لا يريد سوى الترخيص الفرماني؟ و هل يصح في عملية التأريخ أن نربط ربطاً عشوائياً و اعتماداً على خيوط متخيلة بين أي تعامل مع مؤسسات أوروبية يمثلها شخصيات يهودية و بين تسلل اليهود إلى فلسطين دون أدنى دليل يربط وثائقياً بين هذه الظواهر؟ و لم تنجح الخطة المتخيلة أصلاً لأن عملية التسلل نفسها كانت تواجه عقبات كثيرة ذكرها المؤرخون مما جعل عشرات الآلاف من المهاجرين يعودون أدراجهم و هو ما لا يتفق مع فكرة "غض النظر" أو "التواطؤ الخفي" التي تطلبت حشداً من الأكاذيب و التحريفات و التأويلات التي تتجاوز المعلومات الموثقة (مما تم رصده في دراسة خاصة في كتاب السلطان و التاريخ) في وقت نجد هناك تفسيرات أكثر نجاحاً لتسلل اليهود المحدود من فكرة التواطؤ و هي الفساد الإداري و الهجرة غير الشرعية التي ما زالت إلى اليوم مشكلة في العالم رغم تطور وسائل التحكم و الاتصال، بالإضافة إلى الضعف السياسي الذي كانت تعاني منه الدولة العثمانية و هي تلفظ أنفاسها الأخيرة و مع ذلك ترفض الرشوة و الاستسلام بصك رسمي.

المهم بعد كل هذا، كيف يتم التطابق بين هذا الموقف الذي وقفته الخلافة زمن انهيارها فضلاً عن مواقفها في أزمان القوة و العزة و بين الموقف التركي الحالي في زمن زهوه؟ ثم ماذا كان موقف دولة التجزئة في أبهى صورها؟ و هل تفوقت على الموقف العثماني في أضعف حالاته و الذي لم يعجب أنصار الدولة الوطنية؟

۞دولة التجزئة و الصهيونية

رأينا أن دولة الخلافة في أضعف حالاتها تمكنت من "الحد منها (الهجرة اليهودية) و الحفاظ على عروبة فلسطين" كما تصرح الدكتورة فدوى نصيرات بنفسها (ص95)

فماذا فعلت دولة التجزئة في أزهى أيامها؟

كان توقيع اتفاقيات الهدنة بعد حرب النكبة اعترافاً عربياً ضمنياً بالكيان الصهيوني [1]، ثم طالب مندوبو الدول العربية للمرة الأولى بتنفيذ قرار التقسيم و وقعوا بذلك ميثاقاً مع لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة في سنة 1949 [2]، أما سياسة الثورة المصرية فتم التصريح عنها في إجابات بعض قيادات مجلس الثورة على تساؤلات رجال السفارتين البريطانية و الأمريكية عن نياتهم تجاه الكيان الصهيوني فكان الرد دائماً أن الأولوية المطلقة للقضايا الداخلية كالجلاء و الاستقلال و التنمية "أما قضية فلسطين فليست على أجندة مجلس قيادة الثورة الآن" [3]، و كما يقول الدكتور رءوف عباس المتخصص في تاريخ مصر:" لم يكن الدخول في حرب ضد إسرائيل يوماً ما على جدول أعمال عبد الناصر، بل صرح ذات مرة في خطاب علني أنه ليس مستعداً في الدخول في حرب ضد إسرائيل إذا سعت لجرنا إليها" [4]، و يضيف إنه رغم غياب الخطة العربية لتحرير فلسطين، ظل التحرير شعاراً تردده الأنظمة العربية دون أن تعنيه، بما في ذلك مصر، و رغم أن ثورة يوليو من تداعيات النكبة 1948 ، فإنها لم تعمل على تحرير فلسطين، و رغم أنها رفضت الصلح مع الصهاينة، فإنها كانت ترى أن تحقيق التحرير واجباً عربياً جماعياً، و من هنا نشأت دبلوماسية مؤتمرات القمة العربية التي كانت سلبية تماماً، و كان الخط السياسي المصري و العربي هو المطالبة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة بالتقسيم و العودة أو التعويض [5]، و بعد تورط مصر في فخ النكسة حدث تحول جوهري بمجرد القبول بالقرار 242 ، إذ أصبح الخط السياسي هو التركيز على تحرير الوطن (سيناء) و إنهاء حالة الحرب مع الصهاينة مع محاولة التوصل إلى تسوية مناسبة لحقوق شعب فلسطين في إطار تسوية شاملة إن أمكن ذلك [6]، ثم توافق جميع الزعماء العرب التقدميين و الرجعيين منذ سنة 1982 في قمة فاس على مشروعي الأمير فهد و الرئيس بورقيبة القائمين على التسليم بالشرعية الدولية التي تمنح أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين (78%) للصهاينة في ظل حدود آمنة و معترف بها، و دخل الرجعي و التقدمي في مفاوضات السلام منذ مؤتمر مدريد (1991) و منذ ذلك الوقت أصبح التعبير عن السلام بصفته خياراً استراتيجياً من لوازم السياسة العربية (1996) و مازالت المبادرة العربية (2002) هي الخيار العربي الوحيد لدى الثوري و التقليدي، و علينا أن نذكر في هذا السياق أن موقف العراق نفسه كان أصغر كثيراً مما حملته إياه الجماهير العربية، فبعد التهديد الشهير الذي أطلقه الرئيس صدام حسين في الأول من إبريل/نيسان/ أفريل 1990 مقسماً بحرق نصف إسرائيل لو اعتدت على العراق، جهد رحمه الله في توضيح موقفه للولايات المتحدة بوساطة سعودية و أكد أنه لا ينوي مهاجمة الكيان الصهيوني و أن تصريحه كان يتحدث عن الدفاع عن النفس فقط و أن ما يهمه هو عدم تعرض العراق لهجوم إسرائيلي، ثم أكد الرئيس لوفد الكونغرس الأمريكي الذي التقاه في الموصل بعد ما يقارب الأسبوعين نفس المضمون و أنه يسعى للأمن و السلام في العالم و في المنطقة و أن على أي حكيم يتولى حكم إسرائيل أن يحقق السلام الآن و ليس بعد عشر سنوات، و أوضح وزير الخارجية الراحل طارق عزيز للوفد أن المشكلة هي في عدم وجود غورباتشوف إسرائيلي، أي شخصية تصالحية، و في لقاء الرئيس مع السفيرة الأمريكية يوم 25 يوليو/ تموز/ جويلية أكد لها أن العراق "لا يهدد أحداً" و لا يقبل التهديد من أحد [7]، و ما حدث بعد ذلك يدل على تعنت الغرب و رفضه لغة السلام المتكافئ أكثر مما يدل على ثورية أنظمتنا و تطرفها المزعوم، و ليس الهدف من سرد هذه الحوادث هو التخوين بل التأكيد على أن التجزئة لا تناسب طموحات أمتنا مهما خلصت نوايا القائمين عليها و المتولين أمورها.

و نغض النظر عن سياسة الاسترضاء بل التحالف التي انتهجتها أخيراً دول التجزئة تجاه الصهاينة و ضد فلسطين، و عن التطبيع الذي وافقت عليه تركيا بثمن أبخس مما طالب به السادات و من تبعه في أزمنتهم، فإن الدلالة واضحة منذ البداية: أن دولة التجزئة في المحصلة لم تتمكن على طول تاريخها مما أنجزته دولة الخلافة في أسوأ أيامها حين حدت من الهجرة اليهودية و حافظت على عروبة فلسطين باعتراف أشد منتقديها تطرفاً، أليس هناك إذن سبب وجيه للأثر الذي تركه حكم السلطان عبد الحميد في ذاكرة شعوب الدولة العثمانية عامة و فلسطين خاصة و أقرت الدكتورة بوجوده (ص 49)؟

۞مدى صدق النقد الموجه للسلطان عبد الحميد

بعد اطلاعنا على موقف السلطان عبد الحميد الذي استحق النقد القاسي من وجهة نظر مخالفيه رغم صلابته، و موقف دولة التجزئة التي تم تبجيلها باسم التقدم و الحداثة بل و الإسلام أيضاً رغم تخاذلها، من حقنا التساؤل عن مدى عدالة تلك التقويمات، و هو جور يتضح من الرغبة الجامحة في إدانة السلطان إلى درجة التناقض في الأحكام التي أصدرتها الدكتورة نصيرات عليه، و هو ما يلقي بظلال من الشك على مجمل فكرتها العامة:

● " لا يمكن القول إن عبد الحميد الثاني لم يكن يتوقع أن موافقته على بيع أراض محدودة في فلسطين لليهود، تكون بداية لتهويد فلسطين، فإن مثل هذا التفسير يبعد من السلطان صفات السياسي الحصيف المحنك بعيد النظر، و قد أجمع جمهرة من المؤرخين على أنه كان على حظ موفور من هذه السجايا" هذا ما قالته حضرة الدكتورة في ص 94.

 ● و لكنها عادت في ص 232 لتنقض حكمها هي بالقول: "و تجيب الدراسة (أي كتابها) عن سؤال: هل كان النشاط الصهيوني بعلمه (أي بعلم السلطان) أم لا؟ و ما لا يدع مجالاً للشك " نعم بعلمه "، و لكن انعكاسات الأمر جاءت بشكل سلبي على الوضع في فلسطين و بصورة لم يتوقعها السلطان نفسه " (!)

فأي القولين نعتمد و نصدق؟ و هل من المعقول أن القولين المتناقضين بنيا على أدلة علمية؟ و هل بنيت بقية أحكام الكتاب بنفس التسرع؟ ألا نلاحظ أن الجامع بين القولين المتناقضين هو الرغبة الجامحة في إدانة السلطان: فهو يعلم عندما نريد إدانة نواياه المستورة، و هو لا يعلم عندما نريد إدانة نتائج أفعاله غير القابلة للتصور، أي أن المهم هو الإدانة مهما كان السبب و مهما كان الدليل، أليس من الواجب أن نقارب تاريخنا بحرص أكبر قبل القيام بتشريحه بهذه القسوة غير العلمية؟

۞النتيجة

تؤكد حوادث القرن الفائت أن سقف التوقعات من دولة التجزئة كان أعلى بكثير من إمكاناتها المتواضعة في موضوع القضية الفلسطينية، و هو كذلك في كل التحديات التي طرحت نفسها على أمتنا منذ إلغاء الخلافة التي كانت رمز وحدتنا، كالوحدة و التحرير و التنمية و العلاقات الخارجية، و أن هذا السقف ظل يهبط باستمرار منذ توقعنا التحرير و العودة قبل نكسة 1967 إلى أن أصبحت توقعاتنا هي الحصول على كيس اسمنت و كيس طحين، لنقبل اليوم مزهوين "بالانتصار" ما رفضنا أفضل منه بالأمس بصفته انكساراً، و هذا ليس دليلاً على غياب الحكمة بالأمس بقدر ما هو دليل على بؤس الوضع الذي سادت فيه التجزئة التي قادتنا من هزيمة إلى أشد منها مع أن لنا خيارات أفضل منها بشهادة التاريخ الواقع، و في نفس الوقت كانت الوحدة في أسوأ حالاتها أفضل من التجزئة في أزهى عصورها كما تشهد حوادث القضية الفلسطينية أيضاً، و لن تتغير أحوالنا قبل تغيير الثوب المرقع تغييراً كاملاً، و لست هنا بصدد تحميل أحد فوق طاقته، ففي النهاية هذا هو منطق التجزئة و ما يقدر عليه في ظل الإمكانات المتفرقة المتواضعة و الالتزامات الدولية الكابحة و هيمنة الدول الكبيرة المعادية، المهم هو أن تعي جماهير الأمة بإمكاناتها العملاقة هذه الحقيقة فتنهض بمسئولياتها على قدر طاقاتها هي لا طاقة العاجزين من حكامها و تخرج من خيارات الهزيمة التي تعرض عليها و تعرف أنها ليست مجبرة على الاختيار بين النكسة و النكبة و أن أمامها ما هو أفضل من ذلك بكثير، و أن نجاتها لن تتحقق بأي رقعة من رقع التجزئة الحالية.

●الهوامش

[*]- https://www.youtube.com/watch?v=6MS8foybkw8

[1]-رءوف عباس، صفحات من تاريخ الوطن، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011، ص 251.

[2]-دكتور حسن صبري الخولي، سياسة الاستعمار و الصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، دار المعارف بمصر، 1973، ج 1 ص 800.

-رءوف عباس ، ص 332.

[3]-رءوف عباس، ص 328.

[4]-نفس المرجع ، ص 348.

[5]-نفس المرجع ، ص 251 و 340-341.

[6]-نفس المرجع ، ص 251.

[7]- Majid Khadduri & Edmund Ghareeb, War in the Gulf, 1990-1991: The Iraq-Kuwait Conflict and Its Implications, Oxford University Press, 1997, pp. 100-111.

قراءة 2020 مرات آخر تعديل على السبت, 02 تموز/يوليو 2016 08:41

أضف تعليق


كود امني
تحديث