قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 11 كانون1/ديسمبر 2016 18:37

الإقتصاد اللغوي موقعه من المقاصد اللغوية و أثره في إعراب و تفسير القرآن الكريم 12

كتبه  الأستاذة حميدة راشدي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

*و يحتمل النصب على الاختصاص في حالة الوقف أيضا بتقدير ضمير المتكلم و فعل "أخص" المحذوفين.

-البرهان في علوم القران الامام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي ج1 ص343

2- القضايا التطريزية في القراءات القرانية احمد البايبي، عالم الكتب الحديث، الاردن، ،2012ط1 ،ج2 ،ص271

3- التبيان في إعراب القرآن، أبو البفاء عبد الله بي الحسين العبكري، تحقيق علي محمد البجاوي، منشورات عيسى البابي الحلبي و شركاه، سوريا، دت، د ط،  ص 1311

*و يحتمل الجر على التبعية إذا كان في محل جر نعت في حالة الوصل.

ففي الحالة الأولى الخناس هو المتصف بالوسوسة في الصدور، أمّا الثانية ففيها تاكيد للمعنى بتقدير ضمير محذوف قبل"الذي"، أما في الحالة الثالثة ففيها اختصاص فالمعني بالوسوسة هو الخناس. و بالتالي يكون الوقف قد أحالنا على أبواب نحوية مختلفة مما أدى إلى معان تختلف من حالة إلى أخرى. كما يسهم الوقف في رفع اللّبس التركيببي1فلو وصل الكلام لفهم معنى غير مقصود في ذاته. و يتاكد هذا من خلال بعض الأمثلة عن الوقف في القرآن الكريم، فمن أمثلة التام الوقف على قوله تعالى﴿  وَ لَا

يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ يونس65 و الابتداء بـ﴿  وَ لَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ ﴾ يونس 65 كي لا يعتقد القارىء أنّه من قولهم. و نحو قوله:﴿ _  `Bسورة غافر 6والابتداء بـ﴿ @وَ كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُم أَصْحَابُ النَّارِ¢سورة غافر7لئلا يوهم أنّ الذين يحملون العرش صفة لأصحاب النار..

و من الوقف الكافي الوقف على﴿   وَ لَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ

تُرْجَعُونَسورة القصص88و الابتداء ب﴿ وَ لَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ ﴾لئلا يوهم أنّ الإله الآخرمتصف بأنه لا إله إلا

هو. و من أمثلة الحسن الوقف على﴿ لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا سورة الفتح 9  و الابتداء ب﴿‰و تسبحوه بكرة و أصيلا لئلا يوهم عود الضمائر على شيء واحد، فإنّ الضمير في الأولين عائد على الرسول صلى الله عليه و سلم و في الآخر عائد على الله عزّ و جل. و قد تناول ابن الجزري هذا المبحث في كتابه النشر في القراءات العشر2، حين تطرق إلى ما سماه بيان المعنى المقصود و هو ما لو وصل طرفاه لأوهم معنى غير المراد.

1-القضايا التطريزية في القراءات القرآنية، أحمد البايبي ،ص275


2-النشر في القرءات العشر، الحافظ أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي، ابن الجزري،ص232

فقد تفطن سلفنا الى أهمية الوقف و دوره في رفع اللبس التركيبي، ففي قوله تعالى في سورة غافر﴿ وَ كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ

رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ  غافر6 والاية التالية: 

﴿  الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ

 

رَّحْمَةً وَ عِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ غافر7 فإن لم يقف القارىء عند أصحاب النار من شأن ذلك أن يؤدي إلى أن يكون الذين يحملون العرش صفة لأصحاب النار،و بالتالي يصبح المعنى أن أصحاب النار هم حملة العرش فيكون قد ترتب على هذا الوصل وضائف نحوية أدت إلى فساد في المعنى. فالذي يقوم برفع هذا اللبس هو الوقف باعتباره وسيلة لتغيير العلاقات التركيبية.

2-تعدد معاني الصيغة الواحدة للفعل و أثره في تفسير القرآن الكريم

يؤدي الاختلاف في الدلالة لنفس الصيغة، إلى الاختلاف في التفسير، لذا فإن المفسرين اختلفوا في تفسير "أضل" و"أغفل "، من الناحية التصريفية، و هذا حسب المعنى الذي تتخذه صيغة أفـْعل، فقد يرى البعض أنها للتسمية و يرى فريق آخر أنها للوجدان و فريق ثالث يذهب إلى أنها للتعدية فنجد أنفسنا أمام ثلاثة آراء يعتمد كل مفسر على أحدها ليخرج بتفسير خاص به.

الرأي الأول :

أن تكون أفعل للتسمية أو النسبة  : فيكون معنى أضل : سمـّاهم ضلاّلا1.  وقد ذهب إلى هذا الرأي بعض المعتزلة، و قد اعترض عليه بعض المفسرين و اللّغويين.

1-التفسير الكبير  تقيّ الدين بن تيميّة  تحقيق عبد الرحمن عميرة  دار الكتب العلمية بيروت  د ت، د ط، ج1، ص396

و من بينهم ابن قتيبة الذي رد عليهم قائلا : «...و إن كانوا لم يقدروا من تلك الحيل على ما يصح في النظر و لا في اللـّغة، كقولهم

في :   ﴿ وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ  الرعد27 : ينسبهم إلى الضلال و لو أراد النسبة لقال ليضللهم كما قال : يخونهم و يفسقهم و يظلمهم أي ينسبهم إلى ذلك.»1.

فالتسمية حسب أغلبية علماء التصريف ليست من معاني أفْعل و إنما هي من معاني فعـّل، و هذا  اللبس الواقع بين الصيغتين المفسر و أدى إلى  الاختلاف في  التفسير.

الرأي الثاني:

أن تكون أفعل بمعنى الوجدان : و هذا يعني أن الله تعالى وجدهم على الضلال، و هو الرأي الذي أخذ به بعض المعتزلة أيضا و منهم ابن جني الذي أكد معنى الوجدان لهذه الصيغة في تفسيره لقوله تعالى: ﴿  وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم

بِالْغَدَاةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَ لَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَ لَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَ اتَّبَعَ

هَوَاهُ وَ كَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا    الكهف28.

الرأي الثالث:

أن تكون أفــعل للتعديــة : و هو الرأي الأرجح فقد قال به الجبرية و القدرية و أهل السنة مع اختلافهم في التأويل.

 و قد رد هذا الفعل في سورة إبراهيم ثلاث مرات؛ فقد جاء في الآية الرابعة  منها قوله تعالى: (وَ مَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ

قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.... .

1- تاويل مشكل القرآن،  تحقيق السيّد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، 1973، ط2 ،   ص126

2- الخصائص ،ابن جني،  ج3،  ص 203ـ204     

و في الآية السابعة و العشرين قوله تعالى : ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ فِي الْآخِرَةِ ۖ وَ يُضِلُّ

 

اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ  .      

و في الآية الثلاثين قوله تعالى : ﴿ وَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ .

 

و في الآية السادسة و الثلاثين في قوله تعالى ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَ مَنْ عَصَانِي

 

فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  ‹.

و في هذه الآيات الأربع جاءت صيغة أفعل بمعنى التعدية.

و قد اختلف المفسرون أيضا في دلالة أنزل و نزّل، فرأى سبويه أنهما يشتركان في دلالة واحدة، نظرا لاشتراك الصيغتين فعـّل و أفعل في معنى واحد و هو التعدية1، أمّا الزمخشري فيرى أن لكلّ صيغة خصوصية في الاستعمال فقد جاء في البحر المحيط لأبي حيان نقلا عن الزمخشري أن التضعيف يعبر به عن التكثير2، و علـّق أبو حيان عن هذا الرأي قائلا : «...و ذهل الزمخشري عن أن ّ ذلك يكون غالبا في الأفعال التي تكون قبل التضعيف متعدية نحو ...و نزّل لم تكن متعدية قبل التضعيف فيكون التعدّي المستفاد من التضعيف  دليلا علة أنه للنقل لا للتكثير3.». و خلاصة القول في رأي الزمخشري أن التضعيف يراد به التكثير إن كان الفعل فبل التضعيف لازما و بقي كذلك بعده، أما إن تحول الفعل إلى متعديا بعد التضعيف كان التضعيف للتعدية لا التكثير.

1- الكتاب، سبويه  أبو بشر عمر بن عثمان قنبر، تحقيق و شرح عبد السلام محمد هارون، ج 4، ص 55ـ56

2-المفصّل في صنعة الإعراب، الزّمخشري، تقديم علي بوملحم، ص373

3- تفسير البحر المحيط، محمد بن يوسف (أبو الحيّان الأندلسي )، دراسة و تحقيق مجموعة من الشّيوخ و الأساتذة، ج1، 244

و قد تشترك استفعل  مع فعّل و أفعل في الدلالة  على التعدية مع إفادة  معنى السعي و الاجتهاد في طلب المفعول به، ففي

 

الآية الثامنة من سورة إبراهيم يقول تعالى ﴿  وَ قَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَ مَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ،

الفعلان أنجيناكم  من أنجى و يستحيون من استحيى  لازمان تعديا بزيادة الهمزة في الأوّل و الألف و السين و التاء في الثاني، فأفاد يستحيون معنى التعدية بالإضافة إلى معنى إبقائهن على قيد الحياة.

3-أثر المشترك اللفظي في تفسير القرآن الكريم

 ترد في القرآن الكريم ألفاظ تحتمل معاني متعددة، لذا وجب على المفسّر أن يكون ملمّا باللّغة العربيّة مدركا لأسرارها فـ "النجم" في القرآن الكريم يحمل معنيين ؛ المعنى الأوّل هو نجم الأرض و هو ما نبت على وجه الأرض مما ليس له ساق1. أما المعنى

الثاني فهو نجم السماء، و هذا ما أدي الى الاختلاف في تفسير الآية الكريمة :   ﴿ وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ الرحمن6

ففسرها كل من الفراء و أبو عبيدة و ابن قتيبة بأن المقصود بها نبات الأرض الذي لا ساق له2.

1ـ تفسير الطبري ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطّبري، تحقيق، عبد الله التركي، دار هجر القاهرة، 2001،ط1 ج22، ص173-174                 

2-  ـ معاني القرآن و إعرابه، الزّجاج أبو إسحاق إبراهيم، ج4،ص96                             

و فسرها كل من مجاهد و الحسن البصري و قتادة بأنّ المقصود منها هو نجم السماء3، و يقول الزجاج4:"قال أهل اللـّغة و التفسير : النجم كل ما نبت على وجه الأرض، مما ليس له ساق، و الشجر كل ما له ساق، و معنى سجودهما دوران الظل معهما ...و قد قيل أنّ النجم أيضا يراد به النجوم.           

و هذا جائز... و يجوز أن يكون النجم ههنا يعنى به ما نبت على الأرض و ما طلع من نجوم السماء، يقال لكل ما طلع: قد نجم. و يفهم من هذا أنّ المفسرين تعامل و مع الألفاظ التي تحتمل معنين أو أكثر بترجيح أحدهما و يكون الترجيح على أساس ما ورد للفظة من معان في القرآن الكريم، و ما تلاها أو سبقها من آيات لذا فقد رجح بعض المفسّرين معنى نجم السماء بما يناسب الآية الواردة

قبله : ﴿ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبَانٍالرحمن5. و تكثر ففي القرآن الكريم الألفاظ التي تحتمل أكثر من معنى، و يختلف المفسرون

في تحديد المعنى المراد منها، فلفظ "الريحان" في قوله تعالى : ﴿ وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحَانُ  الرحمن12  يحتمل معنين

أيضا، معنى الرزق في تفسير كل من ابن العباس و مجاهد و الضحاك1، و معنى نبات الريحان الذي يشم، و هذا في تفسير كل من ابن عباس و الضحاك و الحسن البصري و عبد الرحمن بن زيد2. 

1-ـ المصدر السابق، الصفحة نفسها

2-ـ المصدر نفسه، ص            462

3- التفسير اللغوي للقرآن الكريم، مساعد بن سليمان بن ناصر الطّيّار، دار الجوزي، القاهرة، 1422هـ، ط1، ص 462

4- المصدر نفسه ص 463             

و هذا الاختلاف راجع للاشتراك اللـّفظي. و في هذا يقول ابن القشيري : « ما لا يحتمل إلا معنى واحدا حمل عليه ...و إن وضع لمعان مختلفة فإن ظهر أحد المعنيين، حمل على الظاهر إلا أن يقوم الدليل، و إن استويا سواء كان الاستعمال فيهما حقيقة أو مجازا أو في أحدهما حقيقة و في الآخرة مجازا، كلفظ العين و القراء و اللّمس، فإن تنافى الجمع بينهما فهو مجمل ؛ فيطلب البيان من غيره،  و إن لم يتناف فقد ما ل القوم إلى الحمل على المعنيين1.».

و في الآية الكريمة : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ

 

 

فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ

 

 

 

فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ البقرة   178، وقع خلاف بين المفسرين فيها : 

ففريق يرى أن القصاص المستفاد من هذه الآية هو القَوَد* خاصة و لا سبيل لولي الدم إلى الدية إلا برضا من القاتل، و هو مذهب الحنيفة و رواية عن مالكو قد اختار هذا التفسير كل من الجصاص و الألوسي و ابن عاشورو فريق يرى بأن ولي الدم مخير بين القود و الدية، و إذا اختار الدية أجبر عليها الجاني، و هو مذهب الشافعي و أحمد و رواية أخرى عن مالك و من بين من  اختاره الطبري و الزمخشري و البغوي و البيضاوي و ابن العربي و القرطبي و الخازن و السيوطي.

 1- ـ البرهان في علوم القرآن، الزركشي، ص349  

*القود هو القصاص بقتل القاتل

و يعود الاختلاف بين المفسرين إلى لفظ"عفى الذي يحتمل عدة معان هي العطاء، الإسقاط، الكثرة، الذهاب، الطلب، فوجب على المفسرين عرض هذه المعاني و تحديد المعنى المراد الذي تحدده القرائن في السياق القرآني، فكانت أغلب آراء المفسرين حول معنيين ؛ الإسقاط و العطاء، فمن ذهب منهم إلى أنها بمعنى الإسقاط قال برأي الشافعي، فكان التفسير بأنه إذا أسقط عن الجاني من دم أخيه المقتول شيئا، بأن أسقطه ولي الدم، فعلى ولي الدم أن أن يتبع الجاني بالمعروف و لا يوقعه في الحرج و الضيق، و ذلك بأن يطالبه بالحسنى، و على الجاني أن يؤدي ما وجب عليه بإحسان، بلا تماطلو من ذهب إلى أنها بمعنى العطاء قال برأي الحنيفة، فكان التفسير بأن الجاني مخير بين أن يقبل دفع الدية إذا رضي ولي الدم بذلك، و أن يأبى ذلك و يسلم نفسه للقصاص، و لا يجبر على قبول دفع الدية.1

و الفعل"يسومونكم "إبراهيم 6 يحتمل عدة معان منها : يذيقونكم التي أقرّها المفسّرون و من بين معانيها2: سام السّلعة : طلب بيعها أو ثمنها، سامت الماشية : خرجت إلى المرعى، سامه الأمر : كلّفه إيّاه...، و في السورة نفسها في الآية الثالث عشرة يذكر الأستاذ محي الدّين درويش عدّة معان للفعل3 "عاد"منها معنى صار و في هذا الحالة تعمل عملها.

1- أسباب اختلاف المفسّرين في آيات الأحكام رسالة، ماجستير الطالب عبد الإله حوري الحوري، إشراف أحمد يوسف سليمان، جامعة القاهرة، 2001، ص250-252           

  2- إعراب القرآن و بيانه، أ محي الدّين درويش، ج4، ص224  

 3- المصدر نفسه ج نفسة ص133 

   

                                     

أمّا فعل "استفتحوا " فيذكر له محي الدّين درويش معنيين معلّلا رأيه بما  الواردة في القرآن الكريم1 ؛ فالمعنى الأوّل أنّهما بمعنى : استنصروا على أعدائهم، و المعنى الثاني : استنصروا الله و جعلوه حكما بينهم من الفتاحة و هو الحكومة، و يذهب ابن عاشور إلى أنّها بمعنى طلب الفتح و النّصر، فيكون بذلك قد جمع بين المعنيين2.

4-أثر الإضداد في تفسير القرآن الكريم

في القرآن أمثلة كثيرة من التضاد، فلفظ "الظن" يستعمل عند العرب للشك و اليقين، و قد ورد في القرآن الكريم في موضعين مختلفين، و هو من الأمثلة التي لم يقع الخلاف بين المفسرين فيها، فقد جاءت بمعنى الشك في آيات كثيرة، و وردت في سورة الجن يمعنى اليقين في قوله تعالى : ﴿Œ   وَ أَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَ لَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا الجن 12 . و في قوله تعالى

في سورة الكهف ﴿   وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا الكهف 53. و المعنى أنهم علموا بغير شك. و قد اختلف المفسرون في عدة ألفاظ من الأضداد مثل لفظ "عسعس" في قوله تعالى:﴿  وَ اللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَالتكوير

،17 فمن المفسرين من رأى بأنه بمعنى أدبر و منهم من رأى بأنه بمعنى أقبل3. و لفظ "سجرت "في الآية الكريمة ﴿  وَ إِذَا الْبِحَارُ

سُجِّرَتْ  التكوير 6، يحتمل معنى أنها ملئت و فاضت، و المعنى الثاني أنها يبست و ذهب ماؤها4.

-1- إعراب القرآن و بيانه، محي الدين درويش، ج4، ص133-134  

 2- التحرير و التنوير، ابن عاشور، ج13، ص210   

3- التفسير الغوي للقرآن،  الكريم مساعد الطّيّار، ص470              

 4- المصدر نفسه ص 471ـ  -472

أمّا عن كلمة " وراء" في قوله تعالى :   ﴿  مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍإبراهيم16    ففريق يرى أنّها من الأضداد أي

لأنّها تحمل معنيين متضادين هما : من واء و من أمام و بين هؤلاء الطبري و قطرب و أبو عبيدة و يعقب أبو الحيان: «و قيل ليست من الأضداد، ثم يذكر قول ثعلب شارحا معنى وراء بأنّه اسم لما توارى عنك سواء كان أمامك أم خلفك1 ».

و"كلمة " مصرخ" في قوله تعالى ﴿  وَ قَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَ مَا

 

كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ مَا أَنتُم

 

بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌابراهيم 22

فالمصرخ هو المغيث و المستغيث2.

و كلمة "مقنعي " في قوله تعالى:   ﴿  مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ إبراهيم43. فهي

بمعنيين متضادّين أي : رافعي رؤوسهم أو ناكسيها3.    

5-أثر المجاز في تفسير القرآن الكريم

قد يحمل اللّفظ على الحقيقة دون المجاز و قد يحمل على المجاز فقط و قد يحمل عليهما معا و هذا ما تحدّده القرينة ممّا يؤدّي إلى الاختلاف في تفسير بعض الآيات في القرآن الكريم.

1- تفسير البحر المحيط، ابو الحيان، ج5، ص 402

 2- المصدر نفسه ص 404     

3-الجامع لأحكام القرآن، ج9 ص377

ففي الآية الثالثة من سورة إبراهيم يورد  ابن عاشور تفسيرين لوصف الضلال بالبعيد، فيقول :« و وصف الضلال بالبعيد يجوز أن يكون على وجه المجاز العقلي، و إنّما البعيد هم الضّالون أي ضلالا بعدوا به عن الحقّ، فاسند البعد إلى سببه.1». ثم يعرض تفسيرا آخر متبنيا الرّأيين معا بقوله : « و يجوز أن يراد وصفه بالبعد على تشبيهه بالطّريق الشّاسعة التّي يتعذّر رجوع سالكها2.».

و في الآية التّاسعة من السّورة يحتمل لفظ"أيديهم الحقيقة فيكون ردّ الكفّار لأيديهم في أفواههم ردّا حقيقيّا أي عضّوها غيظا و زجرا ممّا جاءت به الرّسل 3أو أن يكونوا قد وضعوا أيديهم على أفواههم إخفاء لشدّة الضّحك من كلام الرّسل 4، أو أنّهم ردّوا نعم الأنبياء فتكون اليدّ بمعنى النّعمةالتي تقدّم باليدّ  على سبيل المجاز

5- تعدد معاني الحروف و أثره في تفسير القرآن الكريم

يختلف تفسير الآيات باختلاف المعاني التي تأخذها الحروف فقد تتعدد معاني الحرف الواحد، فيلجأ المفسر إلى السياق لتحديد المعنى، و من أمثلة ما اختلف فيه المفسرون : تحديد معنى "ما"في الآية﴿  وَ لَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ

سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَ مَقْتًا وَ سَاءَ سَبِيلًا)النساء22    .5 ».

فالقول الأوّل : أنْ تكون "ما "اسما موصولا بمعنى "من "فيكون تفسير الأية النهي عن نكاح زوجات الآباء.

أمّا القول الثاني : أن "ما" مصدرية فتكون هي و ما بعدها في تأويل مصدر : "نكاح" فتفسر الآية بالنهي عن نكاح الآباء الباطل.

1-التحرير و التنويرج، ابن عاشور، ج 13، ص197 

2-المصدر نفسه، الصفحةنفسها

3- الكشّاف الزّمخشري ج3ص365              

 4-المصدر نفسه  ص366  

5-اسباب اختلاف المفسرين في تفسير آيات الإحكام، عبد الإله حوري الحوري، ص314-315.          

أمّا في قوله تعالى :  ﴿ وَ آتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَ إِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌإبراهيم34.

قد تكون "ما "بمعنى "الذي" أو بمعنى"ما"النافية فيكون التّفسير في الحالة الأولى أنّ الله تعالى قد أعطاكم من كل الأشياء التي سألتموه، و يكون المعنى في الحالة الثانية انّ الله آتاكم من كل شيء لم تسألوه  1.

و اختلف أيضا في تفسير "أن"في قوله تعالى :  ﴿   وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَ

 

ذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍإبراهيم5. و في هذا يرى الزجاج أنّها في معنى" أنْ" المخففة أو تكون مفسرة بمعنى "أيْ"، و يكون المعنى و أرسلنا موسى بآياتنا أي أخرج قومك كأنّ المعنى: قلنا له2:أخرج قومك.

6- التناوب في استعمال المفرد و المثنى و الجمع و أثره في تفسير القرآن الكريم

أثارت هذه المسألة خلافات كثيرة بين المفسّرين و من أمثلته اختلافهم في تفسير قوله تعالى:﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ

مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌآل عمران172

الرأي الأول : و هو أنّ الناس هو رجل واحد هو نعيم بن مسعود الأشجعي بعثه أبو سفيان و أصحابه يثبّطون النبي و أصحابه عن لقيّهم و كان ذلك في غزوة بدر الصغرى 3، فاطلق عليه "الناس" على سبيل المجاز لأنّه من جنس الناس 4.

1-معاني القرآن و إعرابه،  الزّجاج ،ص163

 2-معاني القرآن ، الزجاج، ج3،ص155       

3- معاني القرآن و إعرابه الزجاج ج1 ص489   

4-تفسير البحر المحيط أبو الحيّان ج3 ص123        

الرأي الثاني : و ذهب فريق آخر إلى أنّ المقصود بالناس جماعة  من عبد قيس، مرّوا على أبي سفيان فوعدهم بحمل رحلهم  زبيبا لو ثبّطوا المسلمين و أخبروهم بأنّ أبا سفيان و أصحابه قد جمعوا للقضاء عليهم، و كان ذلك بحمراء الأسد. و قيل المقصود بالنّاس هم قريش و يرجح أبو الحيّان هذا الرّأي2. و يرجّح صاحب جامع البيان الرّأي الأخير مستدلا بأنّ القرح أصاب المسلمين في غزوة أحد3.

و أختلف أيضا في تفسير الآية:  ﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَ لَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَ مَا

 

كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَإبراهيم11

فالرأي الأوّل هو أنّ الذين كفروا هم الكفار عموما الذين كفروا بما جاء به الرسل أمّا الرأي الثاني و هو رأي ابن عاشور : أنّ المقصود بالذين كفروا كفار قريش و أنّ المقصود برسلهم الرسول ، أجريت على وصفه صيغة  الجمع4.

و في الآية:  ﴿   قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَ يُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَ عَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَ

 

لَا خِلَالٌأبراهيم31

و اختلف في كون خلال مفردا أو جمعا و أكتفي بعرض ما ورد في إعراب القرآن و بيانه، حيث يعرض محي الدين درويش الرأيين قائلا : « خلال مخلّة أي صداقة5».

1- المصدر السابق، الصفحة نفسها

2- المصدر نفسه الصفحة نفسها

3-جامع البيان في تفسير القرآن،  محمد بن عبد الرحمن الشيرازي الشافعي، تحقيق د عبد الحميد الهنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت  2004ط1، ج1 ،ص316

4- التحرير و التنوير، ابن عاشور، ج13 ،ص205

5- إعراب القرآن و بيانه، د محي الدين درويش، ج4 ، ص153

ثم أورد رأي الزّمخشري و الجلال و غيرهما، بأنّه مفرد، و في القرطبي أنّها جمع خُلّة بالضم قائلا : «  و في الأساس مايؤيّد أنّه مفرد قال : خليلي، و خليليّ و خلّتي، و هم أخلاّئي و خلّتي بينما خلة قديمة و خاللته  مخالّة و خلالا. و ما يؤيّد أنّه جمع قال : هذه خلّة صالحة وفيه خلال حسنة .1».

و في قوله تعالى : ﴿   ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَ هِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا

طَائِعِينَ"فصلت11   . فالأرض والسماء اثنين ولكن الحال جاء في الجمع "طائعين"، قال الزمخشري : « هلاّ قيل طائعتين على اللّفظ أو طائعات على المعنى .2». ثم ذكر في الهامش3 أنّ السموات و الأرض أوّلت بالأملاك فوصفت بالجمع المذكر السالم فجاء الحال طائعين بدل طائعات. و جاء في اللباب أنّ في مجيء "طائعين" جمعا مذكرا سالما وجهان4: الأوّل أنّ المقصود هو مجيء من في الأرض و السّموات من العقلاء فغلب العقلاء على غيرهم. أمّا الثّاني أنّه عاملهما معاملة العقلاء في الإخبار عنهما و الأمر لهما جمعهما كجمعهم. و مثال وقوع المفرد موقع الجمع قوله تعالى :     ﴿Œ  مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَ أَفْئِدَتُهُمْ

هَوَاءٌإبراهيم43

فكلمة "طرفهم" و كلمة "هواء" جاءتا في المفرد بينما رؤوسهم و أفئدتهم الواردتان في سياق الآية جاءتا في الجمع  و أفئدتهم جمع و أخبر عنها بالمفرد هواء.

1-المصدر السابق، الصفحة نفسها

2-الكشاف، الزمخشري، ج5، ص 372

3- المصدر نفسه، الصفحة نفسها

4- اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998، ط1، ج17، ص111

و يعلل صاحب اللباب هذا العدول بقول : «  و أفرد هواء و إن كان خبرا عن جمع، لأنّه في معنى فارغة متجوّفة، و لو لم يقصد ذلك لقال : أهوية ليطابق الخبر مبتدأه 1.» أمّا ابن عاشور فيرى أنّ في الجملة تشبيه بليغ أي أفئدتهم كالهواء في الخلو من الإدراك لشدّة الهول2.

و الأمثلة المستقاة من القرآن الكريم في هذا الموضوع كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.

7- دلالة الحذف في القرآن الكريم

تحذف الكلمات في القرآن الكريم إمّا لتقدم ذكرها فلا تكرر اختصارا أو لأغراض بلاغية ذكرها البلاغيّون في كتبهم كتفخيم المحذوف أو تشريفا له أو لدلالة الحال عليه أو لضيق الحال لذكره لهول المفاجأة أو لتوجيه العناية، و غيرها من الأغراض التي يستنبطها المفسر من السياق الذي جاءت فيه الآية. 

و ممّا يمكن استقراؤه من خلال الاطلاع على كتب التفسير المختلفة يتبيّن أنّ الحذف لا يؤثّر في المعنى العام للآية بينما يكون له دلالات بلاغية خاصّة يؤكّدها السّياق الذي جاءت فيه الآية و مناسبة نزولها لذا فإنّ عمل المفسّر يتّخذ أبعادا كثيرة ؛ نحوية، بلاغية، دلالية و معجميّة و كلّها تتكاتف ليخرج المفسّر برأي خاصّ به، و هذه الرّؤى التي قد تختلف بدرجات بين مفسّر و آخر تعمل على تنوّع التّفاسير.

1- المرجع السابق، ج11، ص 408

2- التحرير و التنوير، ابن عاشور، ج 13،  ص 247

8- أثر الإعراب بتقدير المحذوف في تفسير القرآن الكريم

يختلف التّفسير بتحديد العنصر المحذوف من الآية، و قد يتناول المعرب الجملة على ظاهرها و يعربها على ذلك الأساس، بينما يرى غيره بوجود حذف في الآية فيتغيّر المعنى و إن لم تتغيّر الألفاظ و لا ترتيبها و إنّما يحدث التّنوّع الدّلالي للتّركيب باعتبار الوظيفة النّحويّة لعناصر الجملة و لتوضيح الفكرة اخترت  النّماذج التّالية  من سورة إبراهيم:

الآية 1:﴿      الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 

الوجه الأول1:

  أن يعرب "كتاب" خبرا لميتدأ محذوف تقديره هذا أي :"هذا كتاب" و تكون بذلك جملة "أنزلناه " في محلّ رفع صفة لـ"كتاب"، و يكون التّفسير أي أنّ القرآن منزّل من اللّه تعالة لغاية إخراج النّاس من الظلمات إلى النّور.

الوجه الثاني2:

و يجوز أن يرتفع "كتاب "على أنّه خبر"الر"إن قلنا أنّها مبتدأ، و تكون الجملة بعده صفة، فيكون التّفسير أنّ الر كتاب منزّل إليك من اللّه لتخرج النّاس من الظلمات إلى النّور.

الوجه الثالث3 :

أن يعرب"كتاب" مبتدأ و الجملة بعده خبر و جاز الابتداء بالنّكرة لأنّها موصوفة بتقدير صفة محذوفة أي كتاب عظيم، و يكون التّفسير أن اللّه تعالى يخبر رسوله الكريم بأنّه أنزل عليه كتاب عظيم.

1 - إعراب القرآن و بيانه،  د محي الدّين درويش، ج4،ص111

2-اللّباب في علوم الكتاب، أبو عمر بن علي بن عادل الدّمشقي الحنبلي، ج11،ص327

3- المصدر نفسه، الصفحة نفسه

فقد يختلف المعنى باعتبار العنصر المقدّر ففي الوجه الأوّل للإعراب قدّنا مبتدأ محذوفا "هذا" فكانت أنزلناه صفة للخبر، بينما قدّرت في الوجه الثالث صفة للمبتدأ ليصوغ الابتداء به فكانت أنزلناه خبرا، و الخبر كما نعلم عنصرا أساسيا من عناصر الإسناد في الجملة الاسمية لا يكتمــل المعنـى و الإفـادة إلاّ بوجـوده، فيصبـح المعنى في الوجه الأوّل منصبا على الكتاب و في الوجه الثالث على الإنزال الذي لم يكن في الأوّل سوى صفة فقط ، و قد لا يقدّر أيّ محذوف فتحمل الآية على المعنى الظاهر.

الآية2:﴿ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَ وَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ

ففي حالة الرّفع في قراءة ورش تحتمل الآية ثلاثة أوجه للإعراب1       

الوجه الأول

اسم الجلالة الله مبتدأ و ما بعده خبر.

الوجه الثاني

اسم الجلالة الله خبر لميتدأ محذوف أي : هو الله و الذي صفته.

الوجه الثالث

اسم الجلالة الله مبتدأ و الذي صفته و الخبر محذوف تقديره ؛ الله الذي له ما في السّماوات و ما في الأرض العزيز الحميد.

و على أساس الوجه الثّاني يبني الطّاهر بن عاشور تفسيره للآية2 إذ يقدّر مبتدأ محذوفا للخبر اسم الجلالة "الله".

1- التبيان إعراب القرآن، أبو البقاء عبد الله بن الحسين العبكري، ص762

2- التحرير و التنوير، ابن عاشور، ج13 ص

أي هو (أي العزيز الحميد) اللهُ الذي له ما في السّموات و ما في الأرض، ثمّ يبيّن الغرض من حذف المبتدأ في هذه الآية قائلا : « و هذا الحذف جار على حذف المسند إليه المسمّى عند علماء المعاني تبعا للسّكّاكي الحذف لمتابعة الاستعمال  أي استعمال العرب عندما يجري ذكر الموصوف بصفات أن ينتقلوا من ذلك إلى الإخبار عنه بما هو أعظم ممّا تقدّم ذكره ليكسب ذلك الانتقال تقريرا للغرض.1».

و يكون المعنى في الوجه الثالث أنّ الله المتصف بأنّه يملك كلّ ما في السّماوات و ما في الأرض العزيز الحميد.

الآية3:﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ

ذكر العبكري في كتابه التبيان في علوم القرآن ثلاثة أوجه لإعراب" الذين2:

الوجه الأول

أن تكون في محلّ جر صفة للكافرين، فيكون المعنى بأن إيثار الدّنيا عن الآخرة و بقية الصفات المذكورة في الآية هي من صفات الكافرين.

الوجه الثاني

أن تكون في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره : "أعني"، و يكون الكلام توضيحا للمقصود من قوله تعالى الكافرين بأنهم الذين يفضلّون الدنيا عن الآخرة فتوعّدهم اللّه بالويل.

قراءة 2643 مرات آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2016 16:44

أضف تعليق


كود امني
تحديث