(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 09 أيار 2019 17:22

إعتبار المآل في فقه الدعوة 2/2

كتبه  الدكتورة أم كلثوم بن يحي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

– عدم إلمام الداعية بأنواع الفقه الدقيقة التي تخدم مجاله:
لا بد للداعية من أن يمتلك أدوات الفقه و مفاتيحه، و أن يكون على معرفة بدقيق علومه، فيبرع في فقه المقاصد، و يفهم فقه المصالح و المفاسد، و ينقح المناط في فقه المآل، و يلم بفقه الواقع و الأحوال، و إلا كان كمن يحاول المشي فوق الماء فهو غارق لا محالة.
– عدم مراعاة الترتيب في وسائل الدعوة و تغيير المنكر:
و قد تفطن جهابذة الفقهاء إلى ذلك، فهذا ابن القيم يقول: (إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، و أبغض إلى الله و رسوله؛ فإنه لا يسوغ إنكاره، و إن كان الله يبغضه و يمقت أهله).(24 )
ثم يبن مراتب المنكر و حكم كل مرتبة، فيقول: (لإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول و يخلفه ضده.
الثاني: أن يقل و إن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه، و معرفة هذه الأحكام تقي من مفاسد كثيرة. (25 )
و يضرب لنا ابن تيمية مثلا رائعا عن ذلك عندما أنكر على طلبته نهيهم التتار عن شرب الخمر، مقدما المصلحة الراجحة و هي أن الخمر تصد التتار عن إيذاء المسلمين، على المفسدة المرجوحة و هي أن الخمر تصد عن ذكر الله و عن الصلاة.(26 )
– انعدام الواقعية في الطرح و في الحلول:
إن من أجمل ما اتصفَتْ به دعوة الإسلام و أعظمِه: الواقعية في التصور، و الواقعية في الطرح، و الواقعية في المعالجة، و الواقعية في التعبد.
فالداعي الذي يرجو لدعواه القبول لدى العامة عليه بالواقعية، بأن يفهم الواقع على حقيقته، و يعالج الأمور معالجة شرعية متوافقة مع كل ظرف، و متجانسة مع كل حدث، و متلائمة مع كل حال و واقع. (27 )
و نجد ابن القيم يفرد فصلا عن الفتوى و اعتبار الأحوال فيها فيقول: ( فصل في تغير الفتوى و اختلافها بحسب تغير الأزمنة و الأمكنة و الأحوال و النيات و العوائد)، و يقدم له بقوله:( هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج و المشقة و تكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به).(28 )
أما عدم معرفة الفوارق بين الأوطان و البيئات، و عدم اعتبار الخصوصيات الثقافية و التاريخية و السياسية، يوقع التجارب الدعوية في مهالك هي في غنى عنها. (29 )
مقومات النجاح في الدعوة إلى الله:
أولا: مخاطبة الناس بما هو من شأنهم، و بما يناسبهم و ينفعهم، و بما يقدرون عليه:
على الداعي أن يراعي أحوال المخاطبين، و أن يخاطبهم بما هو من شأنهم، إذ ليس من الحكمة في شيء، أن يُخاطَب الناسُ بما لا يحتاجون إليه، و بما ليس من شأنهم، كمن يزج بالناس في القضايا السياسية، و هم لا يعرفون عقيدة، و لا يُحسنون عبادة.
كما يتحتم عليه مخاطبة الناس بما يناسب مستواهم العقلي و الثقافي و العلمي، و بما ينفعهم، و بما يقدرون عليه، و بما هو واجب عليهم. (30 )
ثانيا: التدرج في الدعوة من الأسهل إلى السهل، و من الشديد، إلى الأشد.
على الداعية التدرج مع العامة في أمور الدين فيبدأ بالأسهل و الأبسط حتى يصل إلى المركب و المعقد، من دون أن يبيح حراما أو يسقط واجبا، و أن يعتمد على الترغيب أكثر من اعتماده على الترهيب.
الخاتمة:
فقه الدعوة إلى الله عظيم المجال، غائص البحر، يتوجب على المشتغل به مراعاة شروطه و ضوابطه، و فقه دقائقه، و إلا هلك في ظلمات بحره، و أهلك من تبعه من العامة فباء بوزره و وزرهم.
فالداعية هو المبلغ عن حكم رب العباد لعباده، و هو المسؤول عما ينقله إليهم مسؤولية تامة، و هو مطالب بأن يقتني جميع أدوات الدعوة حتى يتحقَق له المقصود و ينال سعادة الدارين، فيسعد و يُسعد.

الهوامش:

(1 ) ابن منظور، لسان العرب، باب الفاء: 10/305.
(2 ) الأنصاري، الحدود الأنيقة:1/67.
(3 ) الزبيدي، تاج العروس:28/38.
(4 )عبد الرحمن بن قاسم، مجموع الفتاوى: 11/342.
(5 ) د.عمر جدية، أصل اعتبار المآلات بين النظرية والتطبيق، ص:28.
(6 ) فريد الأنصاري، المصطلح الأصولي عند الشاطبي، ص: 457.
( 7) الكيلاني، قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص: 362.
(8 ) الشاطبي، الموافقات، ص: 773.
( 9) الكيلاني، قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص365.
(10 ) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، رقم 4622.
(11 ) ابن تيمية، مجموع الرسائل والفتاوي: 28/131.
(12) الكيلاني، قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص:366.
(13 ) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب: من ترك بعض الاختيار، مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه، رقم 126.
(14 ) ابن حجر، فتح الباري: 1/225.
(15 ) النووي، شرح النووي:9/89.
(16 ) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب: صب الماء على البول في المسجد، رقم 217.
(17 ) السيوطي، الأشباه والنظائر، ص:87.
( 18) فريد الأنصاري، الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب، ص:6.
(19 ) عابد بن عبد الله الثبيتي قواعد وضوابط فقه الدعوة عند شيخ الاسلام ابن تيمية، ص:98.
(20 ) القرضاوي، فقه الأولويات، ص:28.
(21 ) القرضاوي، فقه الأولويات، ص: 30.
(22 ) الترمذي: كتاب الزهد باب التوكل على الله رقم (2268)، وحسنه الألباني، انظر حديث رقم (6042) في صحيح الجامع.
(23) عدنان بن محمد آل عرعور، منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر، ص: 9.
(24 ) ابن القيم، اعلام الموقعين: 3/4.
(25 ) ابن القيم، إعلام الموقعين: 3/16.
(26 ) ابن القيم، اعلام الموقعين: 3/5.
(27 ) عدنان بن محمد آل عرعور، منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر، ص: 16.
( 28) ابن القيم، اعلام الموقعين:3/3.
(29 ) فريد الأنصاري، الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب، ص:23.
(30 ) المرجع نفسه: 69-71.

مراجع البحث:
– الأنصاري، زكريا محمد بن زكريا، الحدود الأنيقة، تحـ: د. مازن المبارك،ط(1)، 1411هـ، دار الفكر المعاصر، بيروت.
– ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم الحراني، أبو العباس، مجموع الرسائل والفتاوى، 37مج، د.ط، دار الرحمة للنشر والتوزيع، د.ت، القاهرة.
– الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، مطبعة حكومة الكويت، 1385ه-/1965م.
– الشاطبي، أبو إسحاق، الموافقات، تحقيق مشهور حسن سلمان، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1423ه-2002م.
– عابد بن عبد الله الثبيتي، قواعد وضوابط فقه الدعوة عند شيخ الإسلام ابن تيمية، ط(1)، 1428هـ، دار ابن الجوزي.
– عبد الرحمن بن قاسم، مجموع فتاوى ابن تيمية، شيخ الإسلام ابن تيمية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط2، 1416ه-/1995م.
– عبد الرحمن إبراهيم الكيلاني، قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي ، دار الفكر، دمشق، ط2، 1426ه-/2005م.
– عدنان بن محمد آل عرعور، منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر، ط(1)، 1426هـ – 2005م.
– العسقلاني، أحمد بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت.
– عمر جدية، أصل اعتبار المآلات بين النظرية والتطبيق، رسالة دكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس فاس، 2004م.
– فريد الأنصاري، الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب، منشورات رسالة القرآن، ط(1)، 1428 –200 هـ، المغرب.
– القرضاوي، يوسف، فقه الأولويات، ط(1)، 1995م، مكتبة وهبة، القاهرة.
– ابن القيم، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحـ: طه عبد الرؤوف سعد، 4 مج، د.ط، 1973م، دار الجيل، بيروت.
– ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، نسقه، وعلق عليه ووضع فهارسه: علي شيري، مج 18 ،ط(2)، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، دار إحياء التراث العربي، 1992م.
– النووي، أبو زكريا يحي بن شرف، بن مري، شرح النووي على صحيح مسلم، مج 18، ط(2)، دار إحياء التراث العربي، 1392هـ، بيروت.

الرابط : https://diae.net/17124/

قراءة 1884 مرات آخر تعديل على الخميس, 16 أيار 2019 09:16